في الانبار يدعونه (اعتصاماً مدنياً) ويقولون انه حق يكفله الدستور، والمطالبات تدور هناك حول اطلاق المعتقلين ( يقولون ان لديهم الاف الرجال والنساء في المعتقلات بدون محاكمات وبدون تهم معلنة)، والغاء المادة (٤ ارهاب) التي تبيح للأجهزة الأمنية ان تعتقل اي عدد تشاء في اي مكان بدون ابداء الاسباب وبلا اوامر قضائية (نوعاً من الاحكام العرفية الدائمة)، ولا يمكن حتى السؤال عمن يذهبون بها او معرفة وجهتهم او توقع متى يعودون.
بعض اصدقائي يصرون على انه ليس اعتصاماً مدنياً بريئاً وهو مناوشة لبدء حرب طائفية ضروس.
عندما انتابني قلق شديد اجريت عدة اتصالات بعدد من الاشخاص هناك وهم ممن اثق في موضوعيتهم وصراحتهم وقربهم من قلب الحدث، اكدوا لي ان معهم تاييد من العديد من عشائر الجنوب ونفوا ان تكون الاعتصامات بمزاج طائفي مستشهدين يتأييد الصدر واتباعه، وهو الزعيم الشيعي الديني ابن احد اكبر مراجع الشيعة ولديه من المؤيدين ما لا يمكن عده هامشاً، وهم سويةً ماضون باتجاه الضغط على الحكومة وحدها دون غيرها لتحقيق مطالبهم وليس في الافق اي منحى طائفي.
هم لا ينكرون انهم ضد التمييز الطائفي الذي يعتقدون انه يُمارس ضدهم من قبل السلطات خصوصاً الأمنية، لكن هذا لا يعني انهم من السذاجة بمكان للمطالبة بقلب المعادلة، المطلوب فقط تصحيحها.
انا اعلم اننا قد خرجنا للتو من حرب طائفية شرسة خسر فيها كل الاطراف، والقلق مشروع من ان نعود اليها بسبب استغلال مرضى النفوس لهذه الأزمة او حتى لغيرها، ولكني لا اعتقد ان هذا سبب كاف لتقييد حرية التظاهر والاعتصام، وتدجين الناس وتخويفهم من مغبة انتقاد الحكومة ومجابهتها عندما تجور على الناس وتطغى.
اذا كنا قد فشلنا في بغداد في ارغام الحكومة على الاستماع الينا والاستجابة لمطالب الشارع فلا بأس ان ندع جماهير المحافظات تحاول.
لنناقش بهدوء وبلا انفعال وبلا اتهامات مسبقة ماذا نخشى نحن من هكذا حراك كان بالنسبة لنا غير محسوب حسابه، مع اني كنت اتوقعه بعد سلسلة الاستفزازات الاخيرة واهمها تسريب رسائل الاستغاثة التي ارسلت من قبل النساء المعتقلات الى وسائل الاعلام.
اقول ماذا نخشى بالضبط من هذا الحراك؟
عشائرية؟ نعم هم هناك عشائر وقبائل وقد تكون هذه هي التركيبة العامة لديموغرافية الانبار، وهذا برأيي لا يناسب روح العصر ابداً ولا ينسجم مع طموحاتنا بالتمدن، ولكن هذه التنظيمات العشائرية وتلك الولاءات القبلية كانت ناجعة بالامس القريب في القضاء على القاعدة وتأمين خط عمان بغداد اكثر بكثير من التشكيلات العسكرية المعاصرة لاعظم جيوش العالم (الجيش الامريكي)، بل ان تلك العشائر مستغلة ولاءات ابنائها وتحالفات شيوخها كانت الى أمد قريب هي أملنا الوحيد لوقف وتحجبم غول القاعدة الذي التهم البلد من اقصاه لأقصاه.
طائفية؟ لا اعتقد اننا كنا سنعترض على اعتصام كان ليحدث في الكوت او الناصرية مثلا فقط لان تلك المدينة شيعية، نعم اهلنا في الانبار سنة وهذا بحد ذاته لا يخيف احداً وهو مكون وطني اصيل لايعقل رفضه او تهميشه او المناداة بوضعه في قفص اتهام دائم، اما اذا اذا اردنا ان نكون حذرين حذراً مشروعاً فينبغي ان نعينهم ونقف معهم لنظيف الواناً اخرى الى جمعهم بما يكفل تحويله الى طيف واسع من الألوان المذهبية والفكرية والعقائدية، وان نرصد لهم الأخطاء التي قد يقعون فيها، وان نحذرهم تحذير ناصح أمين ممن سيسعى ربما لتوريطهم بدعاوى كراهية طائفية.
اما اذا تبنت تلك الجموع (لا سمح الله) مثل تلك الدعاوى وهم اعقل واكثر وطنية من ذلك؛ فسيجدون انفسهم معزولين خارج خارطة التقبل العراقي يواجهون بعشرات الوفهم عشرات الملايين، وهذا برأي آخر الضمانات بالنسبة لغير المطمئنين.
علم بثلاث نجوم؟ أكد لي بعض الاصدقاء هناك انهم لم يجدوا اي حرج من اعتباره مازال فاعلاً (مع اعتماد الجديد وعدم الاعتراض عليه) كون اكثر الناس هناك لا يعلمون من الذي غير العلم ومتى بالضبط ولماذا وكيف تغير، حتى ان بعض البسطاء منهم يعتقدون ان النجوم قد سقطت من بعض النسخ سهواً، والحق أقول اني شخصياً كنت احد مستشاري مشروع تغيير العلم العراقي وبغض النظر عن التفاصيل لكن عندما انجز التغيير لم افهم كيف ولماذا تغير بهذه الطريقة.
حقاً لا ارى داعي لتهويل موضوع العلم لانه بلا اي خلفيات تقبل التهويل.
اما عن خط عمان بغداد الدولي؛ فانا تماماً ضد اغلاقه او عرقلة مساره ( مع انهم تركوا شارعاً بديلاً مفتوحاً لكنه اقل اهمية من الطريق الدولي).
انهم يعتقدون (للأسف) انه احد وسائل الضغط على الحكومة، وهم يمارسون اذ يوقفون حركته نوعاً من العصيان المدني المُعطل لمرفق مهم لا تستطيع الحكومة التغاضي عنه طويلاً، والا والكلام مازال لهم ما فائدة ان يعتصموا في صحراء الرمادي فلا يسمع بهم احد، وهنا اشدد اني ضد هذه الفكرة، ولكني بنفس القدر ضد من يشبهها بقطع الطريق ويقرنها بافعال التسليب، وارى ان هذا استعداء واضح للناس وهو غير لائق، ويذكرني بحجة مبارك عندما فرقت قوات امنه متظاهري ميدان التحرير بعنف وهمجية بدعوى انهم يغلقون الطريق العام، انا اعتقد وربما اكون مخطئاً ان كل طرق العالم يجب ان تتوقف اذا كان لمواطن واحد شكوى تتعلق بقوته او عرضه او حياته ولم يجد من يستمع اليه.
اخيراً اصدقائي انا لست محايداً بين من يعتصم مدنياً لتحقيق مطالبه وبين حكومة لا تتيح قنوات اخرى للتعبير ولا تعترف بالحراك المدني، انا مع الناس دائماً واطلب منكم ان تكونوا معهم وان لا تسمحوا لهم بارتكاب الاخطاء.
احبتي ثقوا بي عندما اقول لكم ان الناس هناك لديهم حرارة في الصدور وغصات في الحناجر يستشعرها المرء من مجرد النظر في عيونهم، فقد اعتقل منهم شباب مثل الورد وتعرضت نسائهم للاغتصاب في معتقلات الحكومة ولم يجرهم من حيف الحكومة وتشكيلاتها العسكرية الفتاكة لا اعلام ولا قوى مدنية ولا مثقفين ولا فيسبوك، قد يتصدر الشاشة الآن رافع العيساوي وقد يكون اعتقال افراد حمايته هو فتيل الأزمة أو شرارتها، لكني أؤكد لكم أن الأمر اكبر حجماً من ذلك وابعد انسانية واشد حلكة بكثير.
دعونا ايها العقلاء من اصدقائي نتصرف بحكمة، ولا نتورط في الفهم الرسمي للقضية وان لا نذهب لتبني الاحكام والتفسيرات الجاهزة التي تفرضها علينا تقسيمات لا نؤمن بها لشعب يكابد ذات الاذلال بكيفيات متنوعة.