17 نوفمبر، 2024 3:31 م
Search
Close this search box.

التحديات التي تواجه القوى الديمقراطية

التحديات التي تواجه القوى الديمقراطية

ملخص محاضرة ألقيتها يوم السبت 24/03/2018 في لندن بدعوة من التيار الديمقراطي العراقي في بريطانيا.

أهم التحديات التي تواجه القوى الديمقراطية العلمانية والمدنية وأهم العقبات أمام تحقيق أهدافها هي:

تقديم الانتماء الطائفي والقومي والقبلي على الانتماء للوطن باعتماد مبدأ المواطنة.
تقديم مفاهيم الشريعة والعشيرة على مفاهيم الديمقراطية والمساواة والمواطنة.
حملة التكفير ضد القوى الديمقراطية المدنية والعلمانية.
عقبة المادة الثانية من الدستور. وشخصيا أدعو إلى إطلاق حملة، ليس بالضرورة في الوقت الراهن، بل في أقرب فرصة عند تشخيص الوقت المناسب، تتبنى المطالبة باجتثاث المادة الثانية. وأخص بالذكر ما جاء تحت (أولا)، وتحت (أولا – أ)، وتحت (ثانيا)، حيث ورد «الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدر أساس للتشريع» «لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام» «يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي …»
هيمنة أحزاب الإسلام السياسي وأحزاب الطائفية السياسية ونفوذها اقتصاديا وميليشياويا وجماهيريا، وقدرتها على التأثير على الانتخابات. وميزت بين أحزاب الإسلام السياسي والأحزاب الطائفية، لأن صحيح كل أحزاب الإسلام السياسي طائفية بالضرورة، لكن ليس كل الأحزاب الطائفية إسلامية. على الجانب الشيعي نعم، هذا حاصل، لذا أسميها (الشيعسلاموية)، فالشيعسلاموية هو ثابت القوى السياسية الشيعية الإسلامية، وثابت إيران، يعني لا يجوز قيادة العراق في الموقع الأول من السلطة التنفيذية إلا من قبل شيعي وإسلامي. بينما على الجانب السني يمثل الإسلام السياسي أحد أوجه الطائفية السنية.
أيضا من التحديات أو العقبات: عدم تحقق نجاح الجهود الرامية لتوحيد القوى الديمقراطية العلمانية والمدنية. تشكيل (تقدم) مثل محاولة واعدة، لكنها انتهت وهي في بداية الطريق. ولا أريد أن يكون من شأني البحث في الأسباب والمسببين، بل أكتفي بذكر النتيجة.
غياب أو ضعف الثقافة التي تعتمد مبادئ المواطنة والديمقراطية والفصل بين الدين والسياسة وحقوق الإنسان والمساواة، لاسيما مساواة المرأة بالرجل، ومساواة غير المسلم بالمسلم، وإن كان هناك تحول لكن لا نعرف مداه.

في مقابل ذلك ما يبعث على الأمل:

الرفض الشعبي المتنامي للقوى المتنفذة.
اكتشاف مساوئ وفساد أحزاب الإسلام السياسي والأحزاب الطائفية.
مؤشرات بداية انبعاث ونمو الثقافة التي تعتمد مبادئ المواطنة والديمقراطية والفصل بين الدين والسياسة وحقوق الإنسان والمساواة، لاسيما مساواة المرأة بالرجل، ومساواة غير المسلم بالمسلم، ورفض التخندق الطائفي شيعيا وسنيا.
تخلي المرجعية الدينية عن أحزاب الإسلام السياسي، وبالذات الأحزاب الشيعسلاموية، والتي احتضنتها بشكل مباشر في انتخابات الجمعية الوطنية مطلع 2005، وبشكل غير مباشر في الانتخابات النيابية الأولى نهاية 2005، ثم تخلت عنها وأغلقت الباب أمام استقبال رموزها وأدانت فسادها.
تحول طرف إسلامي شيعي مليوني إلى التحالف مع قوة علمانية مهمة في (سائرون)، ولو إننا لا نستطيع بعد الحكم على هذه التجربة ومدى ما ستحققه من نجاح.
تشكل حزب علماني جديد إلى جانب الحزب الشيوعي، ألا هو (التيار الاجتماعي الديمقراطي)، ربما كسد للفراغ الذي تركه الحزب الوطني الديمقراطي بشقيه، وبداية لتلبية الحاجة إلى وجود أحزاب ديمقراطية علمانية، إلى جانب اليسارية المتمثلة بالشيوعي ذات اتجاه لبيرالي وأخرى ذات اتجاه وطني وسطي.

العلمانية: هل تمثل عقبة أم عنصر قوة؟

في تقديري، وهذا ما أدعو إليه منذ سنوات طويلة، علينا أن ندعو إلى العلمانية ونثقف عليها، وندافع عنها، ونصحح ما جرى من سوء فهم لها، وما أحيطت به من شبهات، سواء عن جهل من قبل عامة الناس، أو عن قصد من قبل قوى الإسلام السياسي.

الخطاب التكفيري للكفيشي مطلع هذا الشهر، ومن قبله المالكي في نيسان 2012، دليل على عدم جدوى الاحتماء بلافتة (المدنية)، كبديل للعلمانية، فقد وضع الكفيشي والمالكي وعلي أكبر ولايتي كلا من العلمانية والمدنية والشيوعية والماركسية والليبرالية والحداثة والكفر والإلحاد في سلة واحدة.

من جهة أخرى بدأت بعض قوى الإسلام السياسي تعتمد شعار المدنية، وهذا ما توقعته قبل سنوات، خاصة منذ بدأت القوى الديمقراطية تعتمد مصطلح المدنية.

ومن أجل تسليط الضوء على مفهوم العلمانية علينا أن نحاول تعريف المصطلح. فالعلمانية كمصطلح ساد في أورپا في القرن التاسع عشر، جاء لينهي هيمنة المؤسسة الدينية على شؤون الدولة، واعتماد القوانين الوضعية البشرية الناتجة عن إعمال العقل في ضوء التجربة البشرية لتطويرها بما يناسب زمانها، وما يحقق قدرا أكبر من العدالة وحفظ الصالح العام، دون إضفاء القداسة على القوانين وعدها نهائية غير مسموح فيها المراجعة والتعديل، دائما لما هو أفضل للإنسان.

تعريفي الشخصي للعلمانية:

العلمانية، فيما يتعلق الأمر بشؤون الدولة والسياسة، هي اعتماد العقل والعلم والتجربة الإنسانية، وعدّ الموقف العقائدي من القضايا الميتافيزيقية إيجابا أو سلبا شأنا شخصيا محضا، تكفل الدولة حماية حرية الفرد (المواطن) التعبير عنه، وترتيب الأثر عليه في شؤونه الشخصية، وتحظر في نفس الوقت إقحامه (أي الموقف العقائدي من القضايا الميتافيزيقية) في كل من شؤون الدولة، وفي شؤون السياسة، وفي عموم الشأن العام.

وللتوضيح أكثر يعد في النظام العلماني الديمقراطي كل من الدين والدين المغاير واللادين، والإيمان والإيمان المغاير واللاإيمان، والتدين والتدين المغاير واللاتدين، شأنا شخصيا، وتكفل الدولة حماية حرية الأفراد والجماعات في الاعتقاد بالدين ومزاولته والتعبير عنه، ولا تسمح بإقحامه في الشأن العام، كما تكفل حماية حرية الأفراد والجماعات في عدم الاعتقاد بالدين، وحرية أن يكونوا في حل من لوازمه ومزاولته، كما وتكفل حق وحرية التعبير عن أفكارهم وعقائدهم غير الدينية.

أما التخلي عن طرح مبدأ العلمانية، واستبداله بالمدنية، فلم يثبت أنه كان سببا لتحقيق نجاح أكبر للقوى الديمقراطية، وهنا يمكن أن يقال ألا دليل على أننا كنا سنحقق نجاحا أكبر، لو طرحنا شعار العلمانية. هنا أقول إن من فوائد ذلك أننا كنا سنكون واضحين، حيث الوضوح والشفافية من لوازم الديمقراطية، ثم كنا قد خطونا مراحل في التثقيف على خيار المستقبل، لأن المستقبل بلا أدنى شك للعلمانية الديمقراطية.

وإثارة الشبهات حول العلمانية ليس بالمبرر للتخلي عن طرحها، ففي الوقت الذي لم تكن فيه الفتوى سيئة الصيت «الشيوعية كفر وإلحاد» مبررا لتغيير اسم الحزب الشيوعي، وإن كان هناك من داخل الحزب ومن أصدقائه من كان يرجح ذلك، أسوة بأحزاب اليسار الديمقراطي الجديدة التي نشأت في أورپا، كذلك ما كانت الشبهات التي هي دون ذلك المثارة ضد العلمانية مبررا للتخلي عن طرحها والترويج لها.

أهم شبهتين حول العلمانية:

شبهة اقترانها بالكفر والإلحاد.
الحكم عليها من خلال تجارب حكم ديكتاتورية.

والجواب على الشبهة الأولى: العلمانية ليست كافرة أو ملحدة، ولا هي مؤمنة، بل هي حاضنة للمواطنة دون النظر إلى عقيدة المواطن.

وعلى الشبهة الثانية، إننا إنما نعني بالعلمانية تلك المقترنة والملازمة للديمقراطية وغير المنفكة عنها بأي حال من الأحوال، بل العلمانية فيما أفهمه هي تلك التي تمثل أحد أهم أركان الديمقراطية، وهي ليست آيديولوجية شمولية، كما أساءت استخدامها بعض النظم الديكتاورية، التي لم تعاد الدين حصرا، بل عادت كل رؤية مغايرة لرؤية الحاكم المستبد، بما في ذلك الاتجاهات والقوى العلمانية الديمقراطية المعارضة.

وأخيرا لا بد لنا من إدراك عدة أمور:

المستقبل للديمقراطية والعلمانية والحداثة والمواطنة والمساواة.
الطريق لتحقيق أهدافنا طويل، وربما طويل جدا.
كون المستقبل لمبادئنا لا يعني أن نعيش وهم تحقيقه عاجلا.
وطول الطريق لا يبرر لنا التوقف عن مواصلة النضال بكل الوسائل لتحقيقها.

ونحن على أبواب انتخابات نيابية في العراق أقول: مهما اعتبر البعض – لعله محق – ألّا أمل في انتخابات 12 أيار 2018 وبأنها لن تجلب لنا التغيير، لا يصح أن نترك الساحة لناخبي الخيارات السيئة.

ومهما اعتبر البعض الآخر – ولعله محق أيضا – أن انتخابات 2018 فرصة كبيرة ومهمة للتغيير، لا يجوز أن نبالغ في الاستغراق في الأحلام.

فكما يجب أن نعي أن الزمان ليس زماننا بعد، علينا أن نعي حتمة التاريخ أن المستقبل لتطلعاتنا الديمقراطية العلمانية العقلانية الإنسانية، من هنا علينا أن نبذل أقصى الممكن، وكأننا سنحقق تغييرا جوهريا في انتخابات 2018، ولكن علينا أن نوطن أنفسنا على مواصلة النضال بالنفس الطويل، وكأننا لن نحقق ما نصبو إليه إلا في 2098.

أحدث المقالات