23 ديسمبر، 2024 1:11 م

الانتخابات القادمة … عشائرية

الانتخابات القادمة … عشائرية

لا زالت العشيرة في العراق من المؤسسات ذات الوزن الثقيل ، ولا ضيرَ في ذلك إذا اقتصر الأمر على الجوانب الاجتماعية، لكنه يتعداها إلى المشهد السياسي بكل أبعاده وتعقيداته، الأمر الذي يتناقض مع كل طموحات التحول نحو دولة مؤسسات وقانون، وتصطدم كل الأصوات المنادية بمجتمع مدنيّ حضاريّ بجدار العُرف والتقاليد البائدة، ولا وجود للولاء للوطن في ظل الولاءات المناطقية للكيانات القبائلية المتنفذة في العراق صاحبة السطوة شبه المطلقة على أقاربهم .
ساهمت الحكومات المتعاقبة على حكم العراق في استمرار هذه الحالة غير الصحية من تأثير العشيرة على تفاصيل الحياة اليومية عامة، والسياسية منها خاصة، وبالتالي عرقلة التطور الطبيعي لمجتمعنا العراقي الناهض نحو الأمام , أسوةً بمجتمعات العالم المتحضر، فالمنح التي تغدقها الحكومة على بعض شيوخ العشائر أقل قيمة بكثير من الفائدة التي تكسبها منهم، فلا يعقل أن تستمر سياسة الولاء مقابل الامتيازات، أو مواقف الدعم والتأييد مقابل المكانة والنفوذ، أو السكوت عن سياسة خاطئة مقابل غداء دسم، أو استمالة قلوب العشائر مقابل التغطية عن وزير أو مسئول، فهذه سياسة متناقضة تماماً مع مفهوم المواطنة القائم على المساواة في الحقوق والواجبات، وقانون الصوت الواحد مثلاً مرفقاً بتقسيمٍ جغرافيّ غير عادل للدوائر الانتخابية، زاد من حظوظ الكتل القبائلية التي تفوز بمفهوم “الفزعة … وابشر يا أبن العم ”، بدل النخب والشخصيات والأحزاب الوطنية التي تملك برنامجاً سياسياً حتى لو كانت هذه النخب من نفس العشيرة، والأكثر سذاجةً نشوء تكتلات طائفية – عشائرية والانتخابات البرلمانية على الأبواب والمرشحون على أهبة الاستعداد لإطلاق مدافع الدعاية الانتخابية المفعمة بالانجازات الوهمية التي توصلهم إلـــــى كراسي مجلس النواب العراقي المزمع أجراءها في 15 مايس هذا العام , وهنا يبدءا التحشيد الجماهيري من خلال الطائفة أولا ومن ثم العشيرة والمنطقة التي يسكنون مستخدمين كل الطرق المتاحة وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي ( الفيسبوك ) أنموذجاً للتعريف بهم وبأنسابهم وبعشائرهم وأماكن العمل التي يشغلون وشهاداتهم الدراسية التي أغلبها دراسات مسائية/ أسلامية أو قانون…………الخ ماذا جنينا من نهج الحكومات هذا وطريقة تعاطيها مع الشأن الداخلي غير مزيدٍ من التشنجات والاحتقانات في نسيج المجتمع العراقي ، وزيادة في العصبيات بين أبنائه، وتفسيخاً لفكرة الشعب الواحد والحلم الواحد بعيداً عن شعارات النفاق والدجل الانتهازي المستخدم للاستهلاك الإعلامي، ويكفي أن نلقي نظرةً على المشاجرات شبه اليومية في الجامعات والمعاهد ودوائر الدولة المختلفة على خلفيات عشائرية، أو حالات الثأر والقتل المتبادل بسبب قصور القانون العشائري على تحقيق العدالة بين المتخاصمين، وهو ما يعكس تربيةً عدمية محورها حاجتنا للعشيرة في مواجهة شعورٍ بالضعف والخوف من خصمٍ نجهلُ كنهه. وأخيرا تتطور مظاهر الاحتقان لتصل أن يغلق أبناء عشيرة طريقاً حيوياً أو شارعاً رئيسياً للآخذ بالثأر، أو أن يلجأ مسئولٌ سابق (يــُفترض أن يكون رجل نظامٍ وقانون) إلى الاستقواء بعشيرته لإيصال رسائله إلى مؤسسات الدولة بأنه أقوى من القانون … وسيرى الذين انتخبـــــــــــــــــــوا بدون تمعن أو وعي وطني ناضج ومدروس أي منقلب ينقلبون.