الأصول العملية:
للأصول العملية دور مهم وخطير في عملية الاستنباط….
وكثيراً ما استندت الفتوى على الأصل العملي لأن عملية الاستنباط تحدد الموقف العملي سواء كان بإحراز الحكم الشرعي أو بعدمه…
وهنا أريد إعطاء فكرة مختصرة وبسيطة عن الأصول العملية…
(موضوع الأصول العملية)
إن موضوع الأصول العملية هو الشك، فإن كان الشك في حكم كانت شبهة حكمية، وإن كان الشك في موضوع الحکم او متعلقه كانت شبهة موضوعية، والأصول العملية تجري في كِلا الشبهتين، أعني الحكمية والموضوعية…
(أنواع الشك)
إن للشك نوعين:
الأول:ـ الشك الابتدائي(البدوي) أو(الساذج) كالشك في حرمة التدخين.
الثاني:ـ الشك المقترن بالعلم الإجمالي ,وللتوضيح لابد من معرفة العلم الإجمالي لكي تعرف الشك المقترن به.
س/ ما هو العلم الإجمالي؟
ج/ العلم الإجمالي هو علم بالشيء غير محدد أو علم بنفي الشيء غير محدد(المصدر:الأسس المنطقية للإستقراء للسيد محمد باقر الصدر”قدس” )
فعلى سبيل المثال متحيّر القبلة فإنه يعلم إجمالاً بجهة القبلة الشرعية ولكنه يشك بإحدى الجهات الأربعة؛ يعني أنه يعلم بأن القبلة موجودة ولكن يجهل التحديد, وهذا العلم الإجمالي في هذا المثال له أربعة أطراف وكل طرف يكون مشكوكاً وهذا الشك ليس شكاً ساذجاً وإنما هو شك مقترن بالعلم الإجمالي…
مثال آخر لو عملت بسفر أخيك ولكنك تشك بمن سافر هل هو أخوك الأصغر أم أخوك الأكبر؟ فهنا علم إجمالي بالسفر يتركب من علم بالسفر مردد بين الأخ الأكبر والأخ الأصغر فيكون الأخ الأكبر طرفاً لهذا العلم الأجمالي ولكنه مشكوك في سفره وكذلك الحال بالنسبة للأخ الأصغر فإنه أيضا طرفاً للعلم والإجمالي ومشكوك في سفره وهذا الشك ليس شكاً ساذجاً بل هو شك ناشئ ومقترن بالعلم الإجمالي.
وحيث أن موضوع الأصول العملية هو الشك فإن المُراد من الشك هو مطلق الشك أي الشك بكِلا نوعيه الساذج والمقترن…
إن موضوع الأصول العملية ينتفي بانتفاء الشك بكلا نوعيه.
س/ كيف ينتفي الشك؟
ج/ ينتفي إذا حصل علم تفصيلي ولو تعبداً.
س/ ما هو العلم التفصيلي؟
ج/ العلم التفصيلي هو علم بالشيء محدد أو علم بنفي الشيء محدد(المصدر:الأسس المنطقية للإستقراء )
يعني أن العلم بالشيء أو نفيه يكون على وجه التحديد ولا توجد فيه أطراف..
مثال ذلك الفرد الذي يعلم بجهة القبلة، أو علمك بسفر أخيك الأكبر.
ونلاحظ أن العلم التفصيلي ليس فيه تردد ، وهو نافي للشك بكِلا نوعيه ,والمجتهد في عملية الاستنباط يحصل له علم تفصيلي بالحكم (أو ما يقوم مقام العلم تعبداً من إمارة) وهذا يحصل في مرحلة الأدلّة المُحرزة.
وفي حال عدم حصول علم تفصيلي بالحكم (أو ما يقوم مقامه تعبّداً) فعندها يتحقق موضوع الأصول العملية بحصول الشك, وبعد هذهِ المقدّمة نستعرض الأصول العملية مع شرح بسيط لكل أصل.
إصالة البراءة:
————– وهي أحد أهم الأصول العملية التي يعتمدها المجتهد في كثير من الفتاوى.
وموضوع البراءة هو الشك بالتكليف الإلزامي يعني الشك في الحرمة أو الشك في الوجوب.
إن مقتضى إصالة البراءة هو نفي الحرمة المشكوكة ونفي الوجوب المشكوك؛
بمعنى أن المكلف له حرية التصرف والاختيار بإزاء الوجوب المشكوك أو الحرمة المشكوكة ولا يلزمه التحفظ والاحتياط…
وقد برهن علماء أصول الفقه على حجّية البراءة وأهم دليل على حجيّتها هو حديث الرفع وهو نص نبوي شهير حيث روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: ((رُفِعَ عن أمتي ما لا يعلمون)) والشك يكون مصداقاً من مصاديق ما لا يعلمون وتسمى هذهِ البراءة بالبراءة الشرعية.
إصالة الاحتياط:
—————وهي أصل عملي مهم ولطالما استندت عليه الكثير من فتاوى الفقهاء…
وأستطيع القول أن مقتضى إصالة الاحتياط هو عكس إصالة البراءة؛
يعني أن الاحتياط مثبت للحرمة المشكوكة أو مثبت للوجوب المشكوك، وليس نافياً لهما، بمعنى أن هذا الاثبات من ناحية عملية وليس من ناحية الكشف لأنه يبقى الحكم الشرعي مشكوكاً (مجهولاً) ففي كل تكليف إلزامي مشكوك فإن مقتضى إصالة الاحتياط هو التحفظ ومراعاة التكليف الإلزامي المشكوك.
إن موضوع إصالة الاحتياط الشرعیة هو الشك المقترن بالعلم الإجمالي على العكس من موضوع إصالة البراءة الشرعية الذي هو الشك الابتدائي (الساذج),
إن الشك في الحرمة يقتضي الترك مطلقاً أمّا الشك في الوجوب فإنه يقتضي الفعل أو تكرار الفعل طبقاً لإصالة الاحتياط، هذا هو معنى التحفظ؛ فهو مراعاة للطرف الذي يوجب استحقاق العقاب عند مخالفته، والحرمة والوجوب هما كذلك.
الاستصحاب:
————-وهو أصل عملي مهم وعليه استندت الكثير من فتاوى الفقهاء، وموضوعه الشك، ولكن هنا فرق في المشكوك عن الأصلين العمليين السابقين (البراءة والاحتياط),
إن موضوع الاستصحاب ليس خصوص الشك في التكليف الإلزامي (الحرمة والوجوب) بل هو يشمل الشك في كل الأحكام.
وفكرة الاستصحاب هي استصحاب الحالة اليقينة السابقة على الشك الحالي.
مثال للتوضيح: لو أنك كنت على يقين من الوضوء ثمَّ بعد ذلك حصل لك شك في حصول الحدث فإن مقتضى الاستصحاب هو البناء على الوضوء؛
يعني استصحاب اليقين السابق على الشك الحالي.
مثال آخر: لو أن لديك إناء فيه ماء متنجس يقيناً ثمَّ حصل لك بعد ذلك شك في تطهيره، فإن مقتضى الاستصحاب هو البقاء على نجاسة الماء.
(أركان الاستصحاب)
للاستصحاب ثلاثة أركان:
1ـ اليقين السابق.
2ـ الشك اللاحق.
3ـ وحدة الموضوع، أي إن متعلق اليقين السابق ومتعلق الشك اللاحق واحد.
ومن أهم وأشهر الأدلّة على حجية الاستصحاب هو صحيحة زرارة ، حيث روى عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: ((ولا يُنقَض اليقين بالشك)).
التخيير:
——–
وهو أصل عملي وحاصل فكرته أنه في حال تعذر العمل بالاحتياط فإن مقتضى الأصل العملي التخيير، هو أن يكون المكلف مخيراً بين الترك والفعل..
مثال ذلك: إذا كان الحكم مردداً بين الحرمة والوجوب، ففي هذه الحالة فأن الاحتياط يكون متعذراً؛
لأن الحرمة تقتضي الترك والوجوب يقتضي الفعل، والترك نقيض الفعل فهما لا يجتمعان ولا يرتفعان ، فعندها يكون المكلف بمقتضى الأصل العملي التخيير مخيراً بين الترك أو الفعل.
وقبل ختام المدخل أحببت أن أنقل لكم كلام له صلة في المدخل من جهة، ومن جهة أخرى فيه فائدة لطالب العلم والحقيقة حيثُ قال السيد محمد الصدر(قدس سره) ما نصه:ـ
((فإن الشارع الإسلامي المقدّس بعد أن علم وجود الأجيال المتأخرة من المسلمين، والمقطوعة عن مصدر الوحي النبوي، وعن مواجهة الأئمة المعصومين عليهم السلام سُنَّ لهم الطرق والقواعد التي توصلهم إلى معرفة الحكم الشرعي، وهي التي يتكفل علم أصول الفقه ببيانها. وهذه القواعد قد توصل الفرد إلى الحكم الشرعي بشكل قطعي، وقد توصله بشكل ظني، وقد توصله إلى الحكم الظاهري المجعول في حالة الشك. وهو في كل هذه الأحوال يعلم باليقين أنه معذور باتبّاع ما أوصلته إليه الطرق والقواعد من أحكام، وعمله مجزئ ومُفرغ للذمة إن شاء الله تعالى))(المصدر:ماوراء الفقه ج1ق1 للسيد محمد الصدر”قدس” )
وللحديث بقية إذا بقيت الحياة…..