28 نوفمبر، 2024 10:45 م
Search
Close this search box.

مرضه من مرض الوطن، الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين

مرضه من مرض الوطن، الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين

(1)
معروف جداً لدى الجميع ما صار عليه العراق من أمراض تسللت ولا زالت تتسلل إلى جل أفراده، ولاسيما أولئك الذين يرتبطون بالسياسة والسلطة، من فساد ورشوة وطائفية ومحاباة وتخوين و(ضربِ ثريدٍ) على حساب الآخرين، واستحواذ على الامتيازات من مال وتوظيف وإيفادات وحفلات. وإذا كان الجميع، كما قلنا قد انتبهوا إلى هذا ويتكلمون فيه ليلَ نهار، فإن أكثر هؤلاء تشخيصاً أو انتباهاً إلى هذا ونقداً يومياً وقاسياً له، بحق عادةً، هم المثقفون وفي طليعتهم الفنانون والأدباء. وهذا بالطبع أمر طبيعي ويجب أن لا نستغربه من المثقفين الذين نفترض أنهم عين الناس وضمير الأمة. لكن المفاجأة تأتي حين يصدمنا ما يُفترض أنه أحد أهم المؤسسات والهيئات الممثَّلة للمثقفين في العراق، وهو الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين حين يجسد وبامتياز هذه الأمراض و(القيم) الشاذة في سلوكياته ونشاطاته.
(2)
الواقع أنني كنت قد تعودتُ على هذا من مدة طويلة، وأقول للأمانة إنني قد اكتشفته من أكثر من خمس سنوات، وتحديداً بعد عودتي من خارج العراق عام 2004 وانخراطي سنتين أو ثلاثاً في العديد من نشاطات هذا الاتحاد دعماً له في فترة يعرف (قادته) أنه كان بحاجة ماسة إليها من كل أديب وناقد وكاتب وأستاذ جامعي في زمن الفوضى والموت الذي ندعو الله أن لا يُعيد بلدنا إليه. فبعد تلك السنتين أو الثلاث اكتشفت شخصياً أنك مدعوٌ إلى الاتحاد بكل رحابة صدر إذا كان في ذلك دعم للاتحاد، ولكنك فائض عن الحاجة، وتُنسى، بل قد يُشطب اسمك من أية قائمة إذا ما كان في ذلك شيء ولو طفيف من الامتياز. وهكذا، وفي ظل قناعتي الراسخة بأنه مريض وأن مرضه هو من مرض الوطن، غادرت هذا الاتحاد، وما عدت أواظب على حضور أنشطته، إلا حين يكون ذلك دعماً لأديب صديق أو شاب مثلاً أو مجاملةً له أو استجابة لدعوة منه. وقد تعودتُ هذا وما عدت أكترث للأمر، ووجدت في بعض المؤسسات الأكاديمية، وليست كلها بالطبع، والرصين من الصحافة الثقافية، وليست كلها بالطبع، بديلاً.
(3)
لكن المفاجأة تأتي حين يُعلَن فجأة عن إقامة ندوة عن (بغداد في السرد العراقي) جاء في الإعلان الرسمي للاتحاد عنها الآتي: “وأشارت القاصة عالية طالب إلى أن الدعوات قد وجهت لأدباء العراق المتخصصين بالسرد لبحث ثلاثة محاور ضمّها المنهاج بالإضافة إلى التطرق إلى تجارب الروائيين العراقيين ممن تركوا بصمة خاصة في تناولهم للمجتمع البغدادي في كتاباتهم”. هكذا تصرح من يُفترض أنها تعرف في السرد العراقي، كتّاباً ونقاداً، ما يؤهلها لكي تقول من جانبها “لأدباء العراق المتخصصين بالسرد”، دون أن تتصل بمن هم خارج (شلة الاتحاد) ممن هم بين الأكثر إسهاماً في الكتابة في السرد عموماً، وفي بغداد والتحولات الاجتماعية فيها في الرواية العراقية، وفي حوار الرواية العراقية والعربية عامّيه وفصيحه. وإذ لا أعذر جهل القاصة ولا (قيادة) الاتحاد بهذا كله، إن كانوا جاهلين به، فإنني بإنصاف أعذر عدم معرفتهم بقرب الانتهاء من إعداد رسالة ماجستير عنوانها “بغداد في الرواية العراقية” كنت، وانطلاقاً من معرفتي بهذا الموضوع، قد اقترحت شخصياً عنوانها على قسم اللغة العربية بكلية الآداب وأقوم شخصياً بالإشراف عليها حالياً.
(4)
والآن، عودةً على بدء، لا أجد من سبب وراء هذا التجاوز لمن لا يجب تجاوزهم من المتخصصين في (السرد، والرواية العراقية، والتحولات الاجتماعية، والحوار عامياً وفصيحاً فيها) إلا احد سببين: الأول هو (الجهل)، وهو ما لا أظنه ينطبق لا على الأديبة عالية طالب ولا على أحدٍ من أعلام الثقافة العراقية الذين يقودون الاتحاد. أما الثاني فهو سياسة الفوضى التي أصبحت علامة فارقة من علامات  حياتنا الثقافية، كما هي حياة العراقيين ومؤسساتهم عموماً، بحيث تتكرر الوجوه (التي قدام العين) في جميع الفعاليات. ويمكن أن نقر بأن هذا صار أمراً طبيعياً طالما كانت هناك جلسة احتفاء بكتاب أو بشاعر معين، ولكن حدوثه مستغرب جداً وقت الجد عندما تُستهدف الأسماء الرصينة بشتى أنواع الإقصاء الذي أصبح هو الآخر علامة فارقة من علامات المشهد الثقافي في العراق ومَن يُفترض أنه ممثله، نعني الاتحاد، لا سيما حين تحضر (العلاقات والكاس وضرب الثريد). وعلى أية حال، ومرة أخرى، يجب أن لا نستغرب كثيراً مثل هذا وقد عرفنا العراق وبغداد وما صارا عليه، كما قدمنا، فالاتحاد ليس إلا جزءاً من العراق ومن بغداد، ومن يدري ربما أنْ يفعل الاتحاد هذا هو عين الصواب لكي يتجسد في فعالياته واقع بغداد كما هو فعلاً.

أحدث المقالات