المتابع للأحداث السياسية بعد عام 2003 يقف عند شواهد مهمة في البلاد إذ ومنذ دخول القوات الأجنبية إلى العراق ونحن ندخل عامها الخامس عشر نشهد عدم استقرار في جميع الجوانب وأهمها الجانب الأمني , والذي شغل ذهن الكثير من المختصين , إذ نشهد ظهور العديد من التيارات المتشددة والتي كانت أداة قتل العراقيين , فشهد ظهور القاعدة وجماعة التوحيد والجهاد وأخرها داعش , والتي أتحدت في هدف واحد , ألا وهو قتل العراقيين وإيجاد الشرخ في البنية الاجتماعية للشعب العراقي , وهذا ما تحقق فعلا , فالمشهد والمخطط تم تنفيذه وبمهارة عالية فأصبحت المناطق توزع مذهبيا بعد تشريد أهلها من قبل الجماعات الإرهابية المسلحة والتي عرفت كيف تضرب روابط المجتمع وتمزق بنيانه , إلى جانب محاولة بناء فكر تكفيري يحاول قتل الأخر الذي يختلف معه وبأي وسيلة كانت .
الجانب الاقتصادي هو الأخر لم يكن أفضل من الجانب الأمني , فالعراق ومنذ 2003 أحرقت أرضه ونخيله ودمرت بناياته وحرقت أراضيه والتي كانت تسمى في أيام زمان ” بأرض السواد ” حيث أمسى يعيش على الاستيراد , فكل شي اليوم في الأسواق العراقية هو أنتاج الدول المجاورة , في حين يعتبر المنتوج الزراعي العراقي من أحسن المنتجات في المنطقة عموما , وتصدر إلى الدول المجاورة كالتمور والحمضيات والمنتجات الحيوانية , وغيرها الكثير من خيرات البلاد التي ضاعت في حين نفترض أن بلد متطور كالولايات المتحدة الأمريكية والتي تعتبر رقم واحد من بين الدول في التطور والتقدم نشهد أنها لم تضع لها بصمة في العراق , بل خربت البنى التحتية ( الصناعية , التجارية ,الحيوانية , الزراعية ) وحطمت مقومات الإنتاج في البلاد , إلى جانب انعدام الصناعات والعامل الإنتاجي والقطاع الخاص الذي يعتبر عنصر مهم في الحياة الاقتصادية للبلاد .
الكهرباء نموذج آخر من نماذج العداء للعراق وشعبه ، وتمثل أقل خدمة تقدمها الدولة للمواطن ، نجد أن العراق البلد الوحيد الذي لا يمتلك أي طاقة كهربائية ، وأن ما موجود فعلاً من أنتاج ما هو إلا ( تمشية حال ) لا أكثر فلا وجود لمحطات كهربائية عملاقة أو حديثة ، ولا وجود لاي محطات تحويلية يجرى عليها صيانة مستمرة ، وأن ما موجود فعلاً قديم ويعود إلى حقبة الخمسينيات من القرن الماضي ، في حين يمكن في ظل الميزانيات الانفجارية للكهرباء أن تبنى عشرات المحطات الحديثة ، وأن يُصدر الفائض إلى الدول المجاورة ولكننا نجد ونحن في القرن الواحد والعشرون أننا نستورد الكهرباء من الدول المجاورة .
أعتقد أن هناك إرادة تحاول جعل العراق يعيش تحت ظل المخططات الرامية إلى تمزيقه وجعله دويلات تعيش الصراعات المذهبية والسياسية ، ولكن الشيء المخيف أن أخطر الأهداف هو أن يعيش العراق تحت إرهاب الفساد وسرقة المال العام ، وهذا الهدف ليس بعقلية العراقيون ، بل أن هناك إرادة خارجية دربت العقول والأيادي لسرقة مال العراق وتهريبه ليكون مصدر إنعاش لبنوكهم ومؤسساتهم ، بل ربما يكون مصدر من مصادر تمويل أداة قتل العراقيين ، وأن الجميع مشترك بهذا المخطط ما لم يرفع البريء يده ليبرئ نفسه ، ومهما سعت الحكومة إلى محاربة الفاسدين والمفسدين ، لا يمكن لها أن تحقق شيئاً ما لم تقطع الأيادي الخارجية التي تمتد لسرقة خيراته ، وقطع الأيادي التي امتدت لسرقة خيراته .