23 ديسمبر، 2024 8:29 م

العراق دولة ديمقراطية تبني دولة دكتاتورية – في شمالها – تدمّرها حاضرا وتُعاديها مستقبلا

العراق دولة ديمقراطية تبني دولة دكتاتورية – في شمالها – تدمّرها حاضرا وتُعاديها مستقبلا

الصورة واللهجة والسلوك والقرارات التي ظهر بها مؤخرا مسعود برزاني ” رئيس اقليم كردستان العراق ” ونجلاه واتباعه, وهو يحشد ويحث ويأمر قوات البيشمركة على مقاتلة ومقارعة الجيش العراقي , تذكرنا بصورة ولهجة وسلوك وقرارت صدام حسين وهو في أوج قوته وحشده القومي, أيام كان يحارب إيران, مع فارق بين الخطابين في التوجيه, ومكان العدو وانتمائه, اذ كان صدام يوجه خطابه للعراقيين جميعا – بكل أعراقهم – على أنهم عراقيون وبالتالي عرب ليحاربوا دولة اجنبية لها تأريخ بقدم تاريخ دولتهم العراق ولها صراع تأريخي  طويل معها, اما برزاني فيوجه خطابه للأكراد فقط محرّضا إياهم على مقاتلة العرب في نفس الدولة – تأريخا وانسانا – وهي العراق وبحجج رسمها ووضعها وخطط وثقف لها, لتكون مقنعة لمتلقي خطابه وافعاله من الأكراد, وهي من المؤكد مجافية تماما للحقيقة في عراق ما بعد العام 2003
ان من يراقب بموضوعية وعلمية وحياد ويحلل الأحداث والحوادث والتغيرات في إقليم كردستان العراق, بل وحتى في المركز – بغداد – يتلمس جليا أن برزاني صاحب مشروع دولة (برزا نية) في الإقليم وهو مستعد لفعل أي شيء (ما عدى سقوط حكمه وأسرته في الإقليم ) .. ان بقاءه رئيسا للإقليم على مدار أكثر من عقدين من الزمن وإصراره وتخطيطه على تولي أبنائه وأقاربه المناصب السيادية والحساسة في الإقليم دليل على نيته في تأسيس دولة (آل البرزاني ) ومن اجل تحقيق هذا المشروع “الذي يساعده عليه الأسرائيليون وبعض الامريكيين والاوروبين وبعض العرب والاتراك ” سعى برزاني الى دفع شركاءه الأكراد السياسيين ” وخاصة حزب الاتحاد الوطني ” الى تولي مناصب في حكومية المركز ويهدف بذلك الى أمرين, الأول أبعادهم عن الإقليم وتفاصيل حكمه وحتى لا يشاركوه او يعرقلوا مشروعة , والسبب الثاني هو ان يجعل منهم واقية لما يفعله من مخالفات وتجاوزات على المركز في بغداد وودرعا لما قد يواجهه مشروعه من قبل الحكومة المركزية , فيكونوا كما يقول المثل العراقي ” وجه كباحة ” أي درع الرذيلة . من هنا اصبح واضحا شكل الدولة التي يخطط لها برزاني وهي دولة برزا نية دكتاتورية النظام أسرية الحكم . ولهذا الحال ما يؤكدها من الأعمال والأقوال والسلوكيات والافعال التي تأتي من برزاني وأولاده وأبناء عمومته وأقاربه .
مقومات قيام دولة ( آل البرزاني )
1 – المقومات المادية
يبنى برزاني دولته “القائمة حاليا” والتي لم تنل الاعتراف الدولي بعدُ “والقادمة” التي يأمل الاعتراف بها دوليا , بناها ويبنيها ماديا بثروات العراق وخاصة نفط الجنوب منذ مطلع التسعينات . فميزانية الإقليم ووارداته المسلوبة من المركز هي اكبر من ميزانية ثلاث دول عربية مثل الأردن ولبنان وسوريا , اذ تبلغ ميزانية الإقليم الـ  17 % في العام 2013 حوالي  23 مليار دولار امريكي قبل الميزانية التكميلية , أضف الى ذلك مصاريف ورواتب الأشخاص والمؤسسات التي تعمل في المركز لصالح الإقليم وتأخذ مستحقاتها من ميزانية المركز . يضاف الى كل هذا, ريعٌ مُتأتي من الكمارك في الحدود والمطارات والسياحة في الإقليم, ناهيك عن الضرائب المحلية التي تجنيها حكومة الإقليم  ولا تعرف حكومة المركز عن هذا الريع أي شيئ , وتقدر ميزانية الإقليم الحقيقية الإجمالية بـ 35 مليار دولار مضافا اليها وارد النفط المهرب من الإقليم , ان ميزانية بهذا الحجم لعدد سكان اقل من خمسة ملايين وعلى مساحة جغرافية تقدر بأقل من مئة الف كيلو متر مربع, يستطيع من يملك هذه الميزانية وبحكم مركزي دكتاتوري ان يبني دولة اقوى من العراق  بكل المقاييس المادية , وهذا ما يسعى له برزاني وأسرته ويحاول استلاب اراضي جديدة لتوسع دولته, اراضي يسكنها عرب وتركمان واكراد واقليات اخرى كمحافظة كركوك وقضاء مخمور وغيرها من المناطق المختلطة الاعراق والتي اطلق عليها رسميا – المناطق المستقطعة من كردستان –
2 – المقومات اللوجستية
ويعتمد برزاني ايضا على عنصرين لوجستيين في بناء دولته (البرزانية) العنصر الأول داخلي ويقوم على أمرين أيضا الأول محلي كردي ” أي داخل الإقليم ” ويتمثل باستغلال عواطف الأكراد القومية اتجاه قيام دولة كردية مستقلة في الإقليم , ويدعم هذا التوجه برزاني بتخويف الأكراد من العرب, مستغلا عواطفهم مخاوفهم اتجاه جرائم نظام صدام ضد الأكراد ومغيّبا في الوقت نفسه جرائم ذلك النظام ضد كل الشرائح او المكونات العراقية وخاصة الشيعة . ومغيبا ايضا الواقع الجديد للعراق ودستوره الذي يحكم العراقيين بشرط المواطنة فقط ولا وجود لأي تمييز على أي أساس بين العراقيين , مستغلا من اجل ذلك وسائل الاتصال كافة بما فيها الميديا والاتصال الجماهيري وغيرها , يفعل ذلك من خلال إثارة المشاكل المستمرة والصراعات القومية بين المركز والإقليم وخاصة المشاكل التي تأجج التعصب القومي بين العرب والأكراد كمسألة كركوك والبشمركة والمناطق المختلطة بالأكراد والعرب . والعنصر الثاني الداخلي أي  محلي “عراقي عربي” ويعتمد فيه على خلق صراعات أبدية بين الشيعة والسنة لكي يعطل حركة نمو وتطور العراق ومنعه من تجاوز المرحلة الحرجة , فهو يصف مرة تحالف الأكراد والشيعة بالتحالف الإستراتيجي والمقدس ويهدف من ذلك استمالة الشيعة على حساب السنة وإثارة السنة العرب الذي يشاركون الاكراد في المناطق المختلطة, ضد الشيعة , وهو يتحالف مرة اخرى مع قادة سنة مثل رئيس البرلمان اسامة النجيفي والمجرم طارق الهاشمي – نائب رئيس الجمهورية السابق وغيرهم – والهدف الضغط على الشيعة من اجل السكوت عن مشروع دولته البرزانية , والحصول على صمت القادة السنة عما يقوم به في المناطق المختلطة . اما العنصر اللوجستي الثاني الذي يعتمده برزاني في بناء دولته فهو خارجي , ويقوم على أمرين أيضا الأول ذو جذر او أصل محلي عراقي وذو صفة قانونية او دستورية ولكنه يثمر خارجيا ويتمثل بتثبيت حقوق للأكراد على العراق – وكأنهم غير عراقيين – مثل الاعتراف القانوني للبرلمان العراقي بمذابح الأنفال وحلبجة وغير ذلك مما قام به نظام صدام مع ان الكثير من الأكراد ساهموا به كأفواج الجحافل والضباط والبعثيين الأكراد . ان الاعتراف القانوني بهذه الجرائم ضد الاكراد تمنح برزاني اوراقا دولية ثمينة جدا في حال اراد إعلان دولته , وفي حال اعلنها ترتب على العراق حقوقا مادية وسياسية لدولة برزاني ستكبل العراق بقسوة, أي تماما كما فعلت الكويت بالعراق منذ مطلع التسعينات وحتى اليوم  .
 
اما الأمر الثاني فهو خارجي تماما ويتمثل
اولا : بعمل الإقليم – من خلال حكومته – على إقامة علاقات واتفاقات دولية بعيدة عن علم وموافقة حكومة المركز كعلاقة الاقليم بتركيا وزيارة اوغلوا وعلاقاته مع بعض الدول الأوروبية وحتى العربية كقطر الذي زارها برزاني رغم انف حكومة المركز والاردن الذي بعث رئيس وزرائه السابق معروف البخيت الى الإقليم دون علم المركز او حتى مروره في بغداد ولبنان الذي قدِم منه سمير جعجع ضيفا فوق العادة على الإقليم لكونه صديق وحليف إسرائيل, وهكذا الحال مع دول أخرى . ولا يقف برزاني عند هذا الحد بل سعى ويسعى لدى امريكا وروسيا لوقف تسليح الجيش العراقي صراحة ووظف كل العناصر الكردية العاملة في حكومة المركز والبرلمان على تعطيل التسليح اوافساد الصفقات التي يبرمها العراق مع الدول المسلحة له , ويصف الجيش العراقي بالجيش العدو للاكراد .
وثانيا : من خلال وزارة الخارجية ورئاسة الجمهورية التي يتسنمها كرديان ويجري العمل على إقامة قنصليات وملحقات ثقافية واقتصادية شبه مستقلة للإقليم في معظم دول العالم . تعمل  وتأسس لقيام دولة برزاني من خلال خلق نهج ووعي دوليين يساعدان برزاني على قيام دولته وكل هذا يحدث بحال كأنّ دولة برزاني محتلة من قبل دولة أخرى اسمها العراق . ومن المؤكد ان كل تكاليف هذه الأعمال اللوجستية للإقليم تدفع من ميزانية المركز وأخرها على حساب وزارة الخارجية .
والحال هذه فان العراق بسياسته الحالية هذه, إنما يبني دولة آل البرزاني الدكتاتورية القوية في الشمال والتي لن تُعلن استقلالها الا على أنقاض دولة العراق , واذا كُتب للعراق ان يبقى (شبه دولة) فستكون دولة ضعيفة جدا مكبلة جغرافيا واقتصاديا وسياسيا محليا ودوليا بسبب وبفعل دولة آل البرزاني القادمة . وسيكون الساسة العراقيون الحاليون عربا واكرادا ليسوا مساهمين بخراب دولة العراق بل بتدمير مستقبل الاكراد في اقليم كردستان من خلال جعلهم يخنقون وحدهم بين دكتاتورية آل  برزاني واطماع دول الجوار وخاصة تركيا وايران .