السعودية تبدأ من الصفر .. تصنع قطاعاً لترفيه المواطنين إندثر قبل ثلاثة عقود من الزمن !

السعودية تبدأ من الصفر .. تصنع قطاعاً لترفيه المواطنين إندثر قبل ثلاثة عقود من الزمن !

خاص : ترجمة – لميس السيد :

مسارح وأضواء وفنانون يظهرون بالزي العربي التاريخي، وامرأة تغني عن الحب والحرب والعنصرية.. كل ذلك على مسرح عام في عاصمة المملكة السعودية، الرياض، المتحفظة.. فماذا حدث ؟!

تقول صحيفة (نيويورك تايمز) الأميركية أن السعودية حالياً تحاول “صناعة قطاع ترفيهي حيوي من العدم بعد انقطاع الأشنطة الترفيهية لثلاثة عقود”، للتواصل مع 29 مليون نسمة داخل أرجاء المملكة، حيث   دفعت الحكومة السعودية نحو تنفيذ مشروع أوبرا “عنتر وعبلة” كجزء من حملة نشر الأنشطة الترفيهية في المملكة.

ولطالما عرفت المملكة العربية السعودية بأنها واحدة من أكثر الأماكن تحفظاً في العالم، حيث كانت تفرض الشرطة الدينية قوانين اجتماعية صارمة وحُظرت الحفلات الموسيقية والمسرح، وحتى فكرة المتعة كانت غالبًا ما كانت محل الاعتراض باعتبارها غير إسلامية.

“برغر” في الشارع..

لكن شاء للحال أن يتبدل، فالمملكة الآن تضيء بمهرجانات للكتب، وعروض الرقص والحفلات الموسيقية، حيث قام الفنان اليوناني الأصل، “ياني”، بعمل حفلات موسيقية، في كانون أول/ديسمبر الماضي، كما قام مغني الراب الأميركي، “نيللي”، بعمل حفل سابق لجمهور من الذكور فقط. ويستعد نجم البوب المصري، “تامر حسني”، هذا الشهر لحفل في المملكة، على الرغم من أن معجبيه سيحرمون من الرقص والتمايل، وفقاً لشروط حضور الحفل المدونة على التذاكر، بالإضافة إلى تقديم عروض السيرك العالمي، “سيرك دو سولي”، لأول مرة في المملكة السعودية هذا العام، وتوقّع الشركات الدولية صفقات لتشغيل دور العرض السينمائي في جميع أنحاء البلاد.

تقول الصحيفة الأميركية أن ولي العهد، “محمد بن سلمان”، سيناقش هذه التغييرات الجذرية خلال زيارته الرسمية للولايات المتحدة، الأسبوع المقبل، للقيام بجولة متعددة الأوجه تهدف إلى إغراء المستثمرين الأميركيين. ويسعى الأمير “محمد”، وهو وريث العرش السعودي الشاب البالغ من العمر 32 عاماً، إلى إعادة توجيه الاقتصاد بعيداً عن مصادر النفط في الوقت الذي يجعل الحياة أكثر متعة للسعوديين. ويقول المسؤولون أن الترفيه سيساعد في تحفيز كلتا الجبهتين.

وسيقلب هذا النهج توجهات السعوديين الذين ينفقون مليارات الدولارات سنوياً على الترفيه في الخارج، وستجذب هذه النفقات داخلياً مما سيفتح فرص جديدة للعمل في المملكة. وهو نهج مفيد سياسياً أيضاً، حيث أن ولي العهد منذ ظهوره، خلال الثلاث سنوات الأخيرة وصعوده لقمة هيكل السلطة السعودي، تزامن مع الإطاحة بالركائز التقليدية العتيقة للمجتمع السعودي.

لقد قام “بن سلمان” بخفض أصوات المؤسسة الدينية؛ عن طريق تجريد الشرطة الدينية من سلطة اعتقال الناس، وعن طريق إسكات رجال الدين الذين يعارضون إصلاحاته الاجتماعية. كما قاد عملية تطهير أخيرة من الأمراء ورجال الأعمال البارزين، مما أدى إلى القضاء على المنافسين المحتملين على السلطة.

وفي الوقت نفسه، تقرب الأمير “محمد” من الشباب، كأحد الفئات الداعمة لبرامجه، حيث أن حوالي ثلثي السعوديين هم دون سن الثلاثين، الذين أيدوا كثيراً هذه التغييرات.

قالت “ابتهال شقير”، (25 عاماً)، التي كانت تأكل “البرغر” لأول مرة بحرية في الشارع، أنها كانت تقوم بذلك في عطلة نهاية كل اسبوع مع صديقاتها في المنزل، وكانت تتعرض لتحكمات الشرطة الدينية عندما كانت تقرر الخروج مع صديقاتها للتنزه في الشوارع.

وأضافت صديقتها، “لينا بلبل”، (26 عاماً): “كانوا يسيرون خلفك ويقولون: غطي وجهك، غطي وجهك”.

ولكن الآن ، أصبح نادرًا ما ترى النساء مراقبي الشرطة الدينية الملتحين في الشارع؛ بل وأصبحوا يطالعون جدول الأحداث الخاص بهيئة الترفيه العامة الحكومية على الإنترنت للتخطيط لعطلات نهاية الأسبوع.

وتخطط كلتا الفتاتين حالياً؛ للحصول على رخص القيادة الخاصة بهن في حزيران/يونيو 2018، بعدما  وعدت الحكومة برفع الحظر الذي فرضته منذ فترة طويلة على قيادة النساء.

وبشأن التطهير الحكومي الذي أجراه “بن سلمان”، نفت الفتاتين تماماً الأقاويل التي تروج بأن تصرفات الأمير “محمد بن سلمان” متهورة، قائلين: “قبل ذلك، كان بوسع الأمير فعل أي شيء من السرقة، الإستيلاء على الممتلكات، ولكن من الآن فصاعداً أعتقد الجميع سوف يسير على الطريق المستقيم”.

فاعليات مضاعفة وتصاريح سريعة..

أكدت صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية على أن الوقت وحده هو الذي سيحدد مقدار الفوائد من برنامج الترفيه وما سيقدمه للمواطنين من فرص عمل، وتعزيز للاقتصاد الذي يعاني من إنخفاض أسعار النفط، ويعوض الضرائب الجديدة التي فرضتها السعودية مؤخراً.

وبصفتها أكبر مصدر للنفط في العالم، تعتمد المملكة العربية السعودية بشكل كبير على النفط. وقالت “كريستين ديوان”، وهي باحثة مقيمة في “معهد دول الخليج العربي” في واشنطن: “أن فتح فرص جديدة في المجال العام، يتيح متنفس جديد للشباب ليتجمعوا للتفاعل، رجالاً ونساء”.

أما السعوديون المحافظون، الذين يرون الواردات الثقافية مثل موسيقى “الكاز” والسينما والباليه، لاتزال أصواتهم خافتة حتى الآن، وذلك ما يجعل الحكومة تراهن على أن أولئك الذين يبحثون عن المتعة والترفيه سيفوق عدد المعارضين.

ويقود هذا الجهد “الهيئة العامة للترفيه”، التي نمت بسرعة منذ إنشائها في أيار/مايو 2016. وقد أشرفت على أكثر من 2000 حدث تم تنظيمه خلال العام الماضي، وهو رقم من المتوقع أن يتم مضاعفته في عام 2018، وفقاً لـ”أحمد الخطيب”، رئيس الهيئة.

ويقول “الخطيب” إن الفتيات السعوديات المهتمات برقص “الباليه” قد يجدون صعوبة في العثور على مدرس بالمملكة، وأشار إلى أن قلة أعداد استديوهات التسجيل لا تزال تقف عقبة أمام الموسيقي في المملكة، حيث يضطر البعض إلى السفر إلى لبنان.

وتقول “أميرة الطويل”، رئيسة شركة “تايم إنترتينمنت” في المملكة العربية السعودية، إن تصريحات الفاعليات في المملكة كانت تستغرق شهوراً وتتطلب التفاوض مع الشرطة والوزارات الحكومية، ما كان يؤدي إلى قلة العروض المقدمة سنوياً.

ولكن الآن، تمنح “هيئة الترفيه” التصاريح خلال بضعة أسابيع، ولذلك تضاعفت أحداث وفاعليات الشركة، التي وصلت لـ 28 فاعلية تم التخطيط لها لعام 2018، بما في ذلك “سيرك دو سولي”، أسبوع الموضة السعودي، و”مهرجان الكاز” والأوبرا “عنتر وعبلة”.

  • الصور نقلاً عن صحيفة (نيويورك تايمز) الأميركية.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة