انّها ليست الشرطة الإتحادية البطلة , ولا هي المحكمة الإتحادية العادلة , هي جمهورية العراق الإتحادية . ويُلاحَظ أنَّ التسمية ” بالأتحادية ” وكأنّه لا يُرادُ لها لتضحى بِ ” المتحدة ” كما الإمارات العربية المتحدة , والولايات المتحدة الأمريكية , وايضاً الملكة المتحدة ” بريطانيا ” , وكانت مصر في زمن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تسمى ” الجمهورية العربية المتحدة ” جرّاء اتحادها مع سوريا في نهاية خمسينيات القرن الماضي , بالرغمِ من الإنقلاب السوري على تلك الوحدة وخلع أساورها او فكّ قيودها . وهنالك بالطبع عشرات الدول التي تُكنّى او تسمى بالمتحدة , لكنّ جمهورية العراق هي اتحادية , إنما لا يبدو انها اتحادية بأمتياز ولا حتى أقلّ من ذلك .! , علماً أنّ هذه الحالة الإتحادية بين الأكبر والأصغر او الأكثرية مع اقلية .! وتخلو هذه الحالة من معظم الملامح والقسمات والتوصيفات الأتحادية , بل أنّ الجهة الأخرى التي تتحد معها الدولة طالما تبدو ” المتحدّية ” .! وهل تتحد الدولة مع نفسها بعد نحوِ قرنٍ من الزمنِ على تأسيسها .! , لكنه ايضاً فهنالك بعض الدول التي تسمى بالأتحادية كألمانيا الأتحادية وروسيا الأتحادية وسواهما , لكنها اتحاد بين دولةٍ واخرى وليس كما في العراق .
سبقَ وأشرنا أنّ فكرة ” الأتحاد ” قد جرى زرعها وتاسيسها منذ أن كانت احزاب الأسلام السياسي الحاكمة في المعارضة وبأتفاقٍ مبرم مع الرئيس السابق جلال الطالباني والسيد مسعود البرزاني قبل الأحتلال الأمريكي في 2003 وثمّ تثبيت ولصق هذه الحالة الأتحادية في الدستور بأوامر من الأمريكان عبر ” بول بريمر ” .
ما هو مدوّنٌ في الدستور ليس مقدّساً بالطبع وخصوصاً بدستورٍ يزخر بثغرات وهفوات ومطبّاتٍ مرئية وغير مرئيّة , ثمّ أنّ حدوث متغيراتٍ وتجاوزاتٍ جيوبوليتيكية والأستيلاء على اراضٍ عراقيةٍ جديدةٍ من قِبل حكومة الأقليم بعد سنينٍ طوال على تدوين الدستور قد افقد فقرة ” الحالة الأتحادية ” من مضمونها وجعلها في خانةٍ أبعدُ مسافة من ” خبر كانَ ” .! , وحتى هذه المتغيرات قد تغيّرتْ من سيّءٍ الى أسوأ , فحتى محاولة الأستفتاء الماضية كانت خطوة تمهيدية – ستراتيجية للأنفصال غن الدولة العراقية وضرب الدستور عرض الحائط , ويعزز ذلك أنّ ردود الفعل السيادية ومن الأحزاب الكردية الأخرى قد جعلت الأقليم من الناحية السياسية في حالةِ تفتّتِ تكادُ تدنو من الإنصهار المعنوي , وما يجري من مجرياتٍ في الساحة السياسية للأقليم لا يتعلّق ولا يرتبط بشعب كردستان الشقيق , وإذ معظم الأحزاب الكردية قد نفضت اياديها من حكومة الأقليم التي تهرّب النفط سرّاً وتمنع صرف الرواتب عن موظفي الوزارات هناك , وحيث حكومة الأقليم سبق لها ومنعت رئيس البرلمان الكردي السيد يوسف محمد من دخول اربيل – عاصمة الأقليم ! , كما اعتقلت بيشمركة الأقليم السيد ساشوار عبد الواحد رئيس حركة التغيير واودعته السجن لفترةٍ محدودة , فماذا بقي من كيان الأقليم .!؟
إنَّ الحالة ” الإتحادية ” للدولة العراقية لم تعد في حالةٍ من ” الإتحاد ” المفروض فرضاً إلاّ وفقط مع الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي قيادته الأزليّة هي عائلة السيد مسعود البرزاني والذي يتولّون اولاده مسؤولية وقيادة اجهزة المخابرات والقوات الخاصة و قوات البيشمركة والمصادر الماليّة .
إنّ ما مفروضٌ فرضاً وقسراً على الحكومة العراقية للتعامل مع القيادة البرزانية وكأنها كلّ الأقليم , هي السفارة الأمريكية والقوات الأمريكية في العراق , وهي التي تضخّ كميات الأسلحة الهائلة والمجهولة لقوات البيشمركة رغماً عن الحكومة العراقية ولا نقول رغماً عن أنفها .! , وقد بلغ الأمر أنّ المؤيدين للتواجد العسكري الأمريكي في العراقي لأجل التوازن ومعادلة النفوذ الأيراني قد ضاقوا ذرعاً بهذا التدخّل الامريكي السافر والغادر بالسيادة العراقية …هذا وبالأمس حيث وافقت الحكومة المركزية في بغداد على إعادة فتح المطارات في اربيل والسليمانية وعودة حركة الطيران في كردستان , سارعوا وعلى عجلٍ عددٌ من كبار سياسييّ الأقليم للشماته ! بتصريحهم أنّ اعادة فتح المطارات هو هزيمة لبغداد ! حيثُ رضخوا للمطلب الكردي من دونِ الإعلان عن الغاء نتائج الأستفتاء .! فهل هو حالةٌ اتحادية مع امثالِ هؤلاء ! وهؤلاء انفسهم لم يدركوا أنّ افتراض فوز العبادي بولايةٍ ثانية سيجعله يتعامل مع ملف الأقليم بطريقةٍ مغايرةٍ تجعلهم يترحّمون على الأكتفاء بغلق مطارات الأقليم .! , وبعيداً عن كلّ ذلك وعن افتراضاتٍ وحقائقٍ موضوعيةٍ لم تحصل بعد , رغم موعدها الأفتراضي القريب , فاخلاقيّاً على الأقلّ , فينبغي ويتوجّب إعادة النظر بمفهوم ” الحالة الأتحادية ” ومع مَنْ يجري الأتحاد ؟ مع احزابٍ او حزبٍ متمرّدٍ واحد ؟ او مع عموم الشعب الكردستاني الشقيق الذي لم يكن منفصلاً عن عموم الشعب العراقي عبرَ وطوال السنين …
وفي التحدِّثِ عن ” الأتحادية ” فينبغي اولاً عدم تجزئتها , فالأحزاب الحاكمة لم تتمكن من الأتحاد فيما بينها , وهي تتستّر تحت عباءة او < LOGO – الشعار > المسمى او المدعو بِ ” التحالف الوطني ” , وهو ليس سوى التظاهر بالمعنى العكسي لتحالفٍ غير قابلٍ للتحالف , بل للتخالف .!