يشغل العراق منصباً مرموقاً في الجامعة العربية، هو منصب الأمين العام المساعد. هذا أمر مُستحقّ للعراق بوصفه أحد مؤسسي الجامعة ودولة محورية فيها.
وزارة الخارجية قرّرت أخيراً القيام بعملية إبدال وإحلال في هذا المنصب، ورشّحت الوزير السابق عن دولة القانون صفاء الدين الصافي لشغل المنصب بدلاً من شاغله الحالي. هذا الإجراء أشعل مواقع التواصل الاجتماعي ببوستات الاحتجاج والتنديد والاستنكار من عراقيين متبايني الاتجاهات السياسية والمستويات الثقافية.
الاعتراض على ترشيح السيد الصافي إلى هذا المنصب لا يتعلّق به شخصياً ولا بحزبه أو كتلته البرلمانية، إنما يستند إلى اتّهامات بالفساد وسوء الإدارة موجّهة إلى الصافي عندما شغل منصب وزير التجارة بالوكالة (2009 – 2010) بعد إقالة الوزير الأسبق عبد الفلاح السوداني (دولة القانون أيضاً) المحبوس حالياً والمحكوم في قضايا فساد إداري ومالي بملايين الدولارات، وكذلك بعدما عُيّن وزيراً للمالية بالوكالة (2012 – 2013)، ويومها أجرت لجنتا النزاهة والموازنة تحقيقات مع الصافي في شأن الاتّهامات بالفساد في وزارة التجارة وبسوء الإدارة في وزارة المالية، وهي اتّهامات وجّهها في الأساس أعضاء في مجلس النواب، معظمهم من “التحالف الوطني” الذي يضمّ في صفوفه ائتلاف دولة القانون. وبعض النواب تحدّث عن صدور مذكرات إلقاء قبض في حقّ الصافي وعن امتناع الحكومة (برئاسة نوري المالكي) عن تنفيذ المذكرات.
ربما لم يكن هناك وجه حقّ في الاتّهامات تلك، لكنَّ الرأي العام العراقي لم يعرف إلى الآن نتائج التحقيقات البرلمانية في تلك الاتّهامات، فمجلس النواب لم يعلن شيئاً قاطعاً في هذا الخصوص، والنواب الذين وجّهوا الاتّهامات وتحدّثوا عن وثائق إثبات لم يُسقطوا اتّهاماتهم، ما يعني أنّ صفحة السيد الصافي ليست بيضاء تماماً.
الذين أشعلوا مواقع التواصل الاجتماعي اعتراضاً واحتجاجاً واستنكاراً بعد الإعلان عن ترشيح السيد الصافي لمنصب الأمين العام المساعد في الجامعة العربية لا تثريب عليهم، بل معهم الحقّ كلّه، فالسيد الصافي سيكون ممثلاً لدولة العراق بملايينها السبعة والثلاثين في الجامعة، ولابدّ أنّ كل عراقي يرغب في أن يكون ممثلوه في المنظمات الإقليمية والدولية ممّنْ لا شُبهة تحوم حولهم من أيّ نوع، كيما يكونوا موضع الاحترام والتقدير، ولتكون دولتهم موضع الاحترام والتقدير والهيبة.
في الدول المتحضّرة جميعاً، ما أن تُثار اتّهامات، من أيّ نوع، ضدّ مسؤول حكومي أو برلماني أو بلدي أو زعيم سياسي، حتى يسارع إلى تقديم استقالته، أو في الأقل تُسحب يده من الوظيفة التي يتبوأها أو المنصب الذي يتقلّده، حتى يبتّ البرلمان أو القضاء أو الحزب في أمر الاتّهامات.
من حقّ العراقيين رفع الكارت الأحمر في وجه حكومتهم في حال ما إذا رشّحتْ شخصاً غير مناسب لشغل منصب كالمنصب المرشّح إليه السيد الصافي، ومن واجب الحكومة التفاعل مع الاعتراضات والاحتجاجدات والاستنكارات وإظهار الحقيقة.
ليس العراقيون قطيع بهائم يُقاد حيثما يشاء الراعي.