لنتفق بداية أن مثقفينا وإعلاميينا ومفكرينا وأكاديميينا وحتى عام 2003 قبل أن يغزو الجراد بلادنا كانوا يروجون – وأنا منهم – الى فكرة قاصرة أحادية الجانب مفادها بأن العولمة والغزو الفكري والإستشراق هي أس البلاء وبيت الداء بنشر الالحاد في بلادنا ولو بالحد اﻷدنى إﻻ أنه وبعد هذا التأريخ تبين لي أن قصورا هائلا كان يكتنف طروحاتنا و تعليلاتنا تلك لدوافع الالحاد وأسبابه على قلته في بلادنا ، وإتضح جليا بأن ” العولمة والغزو الفكري والمستشرقين إنما كانوا يستقون ويستنشقون هجومهم وتحاملهم على الإسلام العظيم كله ، دينا ونبيا وقرآنا وصحابة وأتباعا وعلماء ومتعلمين ووو” يفرون ديلكو ” وعقول شبابنا مستعينين بمئات من الكتب الصفراء والمخطوطات والمحاضرات ومقاطع اليوتيوب والطروحات واﻷفكار الهدامة التي يتناقلها وينقلها ويؤلفها وينتجها ثلة من أبناء جلدتنا ممن يتحدثون ويكتبون بلغتنا ويغررون بأبنائنا ويوردونهم الموارد ، وبئس الورد المورود ، ولكن من هم هؤلاء الذين غرروا بشبابنا وأوردوهم موارد الالحاد والرذيلة والمخدرات والانتحار حتى بات كل أب وأم عراقيين يخشون من جنوح أحد أبنائهم أو بناتهم الى الإلحاد اﻵخذ بالإنتشار عراقيا في الوقت الحالي ولكن بإستغباء وإستحمار مصاحب ﻻيخفى على المتابعين – ونايم شليف الصوف شمحلاها نومته – يردد قول المتنبي :
أنام ملء جفوني عن شواردها ..ويسهر الخلق جراها ويختصم
هذا ما سنناقشه ومن محاور عدة ولكن قبل ذلك لنتفق أيضا أن النظر الى أسباب إلحاد الشاب السني أو الشيعي من زاوية واحدة فيها إشكال كبير، إذ أن دوافع إلحاد اﻷول بالعموم تختلف عن دوافع إلحاد الثاني والعبرة هنا وكما يقول الاصوليون بـ” الغالب الشائع وليس بالقليل النادر ” ، يفسرها عدم تحول أحدهما الى المذهب الاخر عند حدوث – الزلزلة – الفكرية والقلبية لديه إزاء ما يحيط به ، بل قفزه مباشرة الى اللادينية في طفرة تسامي ﻻتمر بأحد المذهبين ولو كمحطة استراحة أو إعادة تقييم أومراجعة أفكار ولعل من أهم أسبابها هو تسقيط أبواق المذهبين أحدهما للاخر على مدار الساعة ” تأريخا ، فكرا ، فقها ، منهجا ، رواية ، دراية ، عقيدة ، أخلاقا ، عبادات ، مراجع ، مصادر …الخ ” حتى إن الشاب المتذبذب وبعد كم التسقيط المذهبي الهائل وحجم السخرية والإستهجان الذي إنتهى الى سمعه طيلة سني عمره بات يشك بمذهبه وبالمذهب المقابل على سواء وأخذ لايفكر ولو للحظة بالإنتقال الى الضفة اﻷخرى عندما لايجد ضالته في المذهب الذي ينتسب اليه مهما كانت اﻷسباب بحثا عن الحقيقة الغائبة لديه ﻷن الضفة المقابلة – ساقطة ابتداء عنده – بسبب كم التسقيط الذي تربى عليه ونقل اليه ، ما يفسر لنا لماذا تهتم مواقع لا علاقة لها بالاسلام وبعضها تنصيري أو – هز ياوز – بنقل وتسهيل وترويج عملية تداول هجمات المذهبين ضد بعضهما البعض وعلى الهواء مباشرة وفي جميع مواقع التواصل ومجانا = انهم يريدون من شباب المذهبين بغضهما ليقولوا لهم في نهاية المطاف والشك ” أهلا بكم في اللادينية ، بلا سنة بلا شيعة بلا دوخة راس ، 1400 عام لم يتفقوا ولن يتفقوا ، هلموا الينا فنحن متفقون ، منفتحون ، متحضرون ، مدنيون ، علمانيون ,,,انسانيون ، وهو المطلوب !
وازعم بصراحتي المعهودة بأن بعض خواص الشيعة وعوامهم لهم أقل حزنا وأخف صدمة من تحول أحد أتباعهم الى الالحاد مباشرة من تحوله الى المذهب السني والعكس صحيح تماما وهذه واحدة من الطامات الكبرى ، وكثير ما أسمع عند تحول شاب الى مذهب آخر – سني الى شيعي ,,أو شيعي الى سني- قول المحيطين به والمقربين منه ( لو صاير يهودي ، هوايه اشرف له !!!!).
ولنتفق ايضا على ان الإلحاد العراقي – نص ردن – تماما كما وصفه رائد مدرسة “ستاند آب كوميدي” ، أحمد وحيد ، ففي العراق لايوجد إلحاد بالمعنى الحرفي أو الاصطلاحي للكلمة ، بل هناك ربع لادينية ،خمس لا ادرية ، عشر وجودية ، خمسة اعشار ماركسية لينينة ، ثلاثة أخماس ماركسية ماوية ، ربع كيلو عبثية ، نصف غرام فوضوية – بمعنى من كل جدر كباية – ممزوجة كلها ببعضها في بودقة يقال لها ” الحاد ” حتى ان الشاب المغرر به شخصيا لايعرف ماهو المصطلح اﻷنسب لنعته ” علماني ، يساري ،وجودي ، شيوعي ، لاديني ،مدني ، بوهيمي ، عبثي ، فوضوي ، ﻻمنتمي …الخ “هو يتنقل – كفأر جحور و قط مزابل من ثقافة الى أخرى لكل منها مدارسها وأعلامها ومؤلفاتها ويسرق من كل ثقافة – لقمة صغيرة جدا – ظنا منه أنها بمجملها – الحاد – من شأنه ان يشبعه ويميزه عن باقي البشر في العراق من باب خالف تعرف !يتبع