بعد سقوط نظام الحكم البعثي قبل خمسة عشر عاما، وبدء تشكيل الحكومة العراقية، وُلدت مصطلحات لم تكن موجودة في قاموس يوميات العراقيين، منها على سبيل المثال لاالحصر مصطلح (الكعكة). ولم يكن هذا المصطلح منتشرا إبّان حكم صدام، لا لأن العراقيين لا يستذوقون الحلويات والمعجنات، بل لأن الكعكة برمتها كانت لشخص واحد، وببطشه وظلمه وقمعه ودكتاتوريته، لم يكن يحق لفرد واحد من العراقيين أن يحلم بنيل قطعة او (لطعة) واحدة من هذه الكعكة. أي بإمكاننا القول أن الكعكة أتت أكلها، وطابت نكهتها وصارت بمتناول الأيادي بزوال الظالم والدكتاتور، وهذا ما تشهد له أحداث مابعد عام 2003. يوم برز على الساحة العراقية أشخاص من داخل العراق وخارجه، وهب الى أرضه رجالات من كل فج عميق، وظهر -فجأة- من ينادي بالوطن من كل حدب وصوب، وهم تحت مسميات عدة، فمنهم المعارض، ومنهم المطارَد ومنهم المهمش ومنهم المنفي ومنهم المحكوم بالاعدام.
كما أن كثيرا منهم جاء بلباس السياسي، فيما هو في حقيقة الأمر كان في دولة غير بلده يمتهن مهنة حرة، كالتجارة او الطب او التدريس، او كان باحثا علميا في مجال ما، او لم يكن يمتهن شيئا غير اللجوء، بل أن بعضهم امتهن الصياعة واحترف التسول والتسكع. وقطعا لاينكر ان هناك من بينهم من كانوا يتبوأون مراكز عليا في مؤسسات البلد، في زمن النظام السابق، ومن كانوا يشغلون مناصب مرموقة، ووظائف حساسة، لكن لايمكن القول انهم كانوا في مواقع قيادية، فالقيادة كانت بيد شخص واحد، ولايمكن لكائن من كان في أعلى المناصب والمراكز، ان يتدخل حينها في أي قرار من لدن القائد الضرورة، سواء أصائبا كان القرار أم خاطئا!.
وبتحصيل حاصل، لو استثنيا الشخصيات الصادقة والصدوقة، صاحبة الماضي العريق والمشرف في النضال ضد الدكتاتور، والذين قدم بعضهم حياته ثمنا لنضاله، او الذين عادوا الى أرض الوطن بعد سقوط النظام لخدمة العراق والعراقيين، وكذلك الشرفاء الذين لم تثلم وطنيتهم إغراءات المناصب والجاه والمال، فان الساحة السياسية أصبحت عقب السقوط أشبه بحلبة مصارعة، شهدت اقتتالا شرسا ومستميتا على جملة مكاسب، لم تكن واحدة منها تمت الى الوطنية بصلة، فكانت تسمية الكعكة أدق التسميات، واقتسامها كان أصدق تعبير وأقربه الى واقع سياسيي تلك السنين. بل أن أغلبهم كشف بعد تسنمه مهام أعماله، عن أوراقه الحقيقية ورسالته التي كلفه بها أسياده، للعب بها على طاولات مجالس الدولة الثلاث، ولاسيما طاولة المجلس التشريعي، الذي أثبت عدد كبير من النواب فيه، انهم يمثلون أجندات وجهات ينصاعون لأمرها، ولا يمثلون الناخبين الذين تحدوا الظروف الأمنية الصعبة، والإرادات الشائكة التي رافقت العمليات الانتخابية الماضية، لكي يصوتوا لمن ظنوا فيه الظن الحسن.
الكعكة اليوم -رغم مرور عقد ونصف العقد على استمرار قضمها من أفواه عديدة- مازالت عامرة بأصناف الطيبات وأشكال النعم والخيرات، إلا أن ما يثير المخاوف، أن المستقبل محفوف بمخاطر أفواه جائعة قاضمة هاضمة، قد تظهر في باحة المائدة الممتدة أمامهم، فهم حتما أسوة بمن سبقوهم، لهامين نهامين هضامين قضامين، لن يبقوا ولن يذروا شيئا من يابس الكعكة ونديها، وقد وصف صاحب المثل أمثال هؤلاء فقال: (مهروش وطايح بكروش).