أرى توجها مفعما بالتفاؤل بالإنتخابات في وسائل الإعلام ، على شكل حملات دعائية مكثفة وبإسلوب هزلي (!) ، تحث على المشاركة وإستصدار بطاقة الناخب ، الكثير يراهن على التغيير ، والأمل في وجوه جديدة (وأين تلك الوجوه؟!) ، للتخلص من إفرازات جميع الحكومات السابقة بكل ما فيها من تخبط وفشل وتخلف وفساد ، ولكن هل تتلائم كل حملات التفاؤل تلك مع معطيات على الأرض ، هذه التي لا قِبَلَ لنا بتغييرها ؟ ، تشاؤمي هذا ينبع من أسباب كثيرة منها :
1. سيكولوجية المواطن العراقي ، فالكثير قد أثبت بالدليل المكرر بعدد المرات التي لُدِغ بها من عدة جحور ، إنه لم يستفد من التجارب المريرة على يد تلك الأحزاب ، الدينية منها والعلمانية ، والتي لا هم لها إلا الإتّجار بكل شيء ، وأن ثقافة المواطن العراقي لا تتسع لتصل تخوم أوربا وما جرى عليها في العصور المظلمة على يد الكنيسة ، وأن المافيا الأيطالية من أكثر الطبقات تديّنا ! ، وأفرادها ملتزمون جدا بزيارة الكنائس أيام الآحاد ، وهم من أكثر المحسنون سخاءا ! ، لكن قطع رقبة بشرية في نظرهم ، أسهل بكثير من فرم الخيار ! ، فالقاسم المشترك هو الإتجار بالأديان ، وهم لا يختلفون عن سياسيينا ، فهم إسلاميون ، وأولئك مسيحيون ! .
2. إذا طال الفساد كل شيء ، منها النزاهة ومفوّضية الإنتخابات ، فما الذي يضمن إنتخابات نزيهة وبعيدة عن التلاعب ؟، والغريب أن جميع مَنْ هم في السلطة ، يدّعي أن الإنتخابات السابقة قد عانت من التزوير مرارا ! ، فما الذي يجعلها مختلفة هذه المرة ؟!.
3. لجوء جميع الأحزاب المفلسة من تأييد المواطن ، وهي من الأحزاب الكبيرة جميعا ، إلى التلون وسلوك طرق تلتف على الدستور ، أساليب لا يفهمها المواطن ، من قبيل تغيير اسماء تياراتها أو أحزابها ، والإئتلاف مع أحزاب أخرى ، كالجراثيم التي تندمج مع بعضها لتكوين جراثيم أكبر ، وبذلك سيكون لها وزنها في الحصول على أكبر عدد من المقاعد ! ، ليتفاجأ المواطن بفوز نفس الوجوه بعد فرز الأصوات ! .
4. تجذر جميع الأحزاب والتيارات والتجمعات والتحالفات المشاركة في الحكومة ، منها مافيا الفساد الكبرى التي يسمونها البرلمان ، وإمتلاكها ثروات فلكية ، تشتري بها الولاءات والضمائر والأصوات والقضاء الذي يمكّنها من الإفلات من جرائم كبرى ، مستغلة الفقر المدقع الذي تفشى في مجتمعاتنا ، فالأحزاب الكبيرة لدينا تعلم علم اليقين ، إنها لا تساوي فلسا واحدا في نظر المواطن ، لهذا ستستقتل للحفاظ على مكاسب بقاءها في الحُكم ، وستُحوّل كل الأمراض المجتمعية التي أتت بها إلى سلاح بيدها ، كالحفاظ على تفشي الجهل ، بل تنميته ! ، أو اللجوء لمبدأ فرّق تَسُد ، او العزف على أوتار الطائفية ، وستغدق الأموال على شيوخ العشائر الدارجون والمفتقرون بشدة للأعراف العشائرية الرصينة لشراء أصوات الذين يدينون بالولاء لأولئك الشيوخ ، خصوصا ونحن نعيش فصول شريعة الغاب في مرحلة طالت كثيرا من ضياع القانون ، جعلت معظمنا يلتحق بشيوخ من تلك الشاكلة وندفع لهم الأتاوات ، وسيخضع الجميع لإبتزاز هؤلاء الشيوخ لإنتخاب الشخصية التي يحددونها ، وإلا إنسلخ من عباءة هؤلاء الشيوخ ، وبذلك سيُترك وحيدا في الغابة وسط الوحوش ! .
5. التدخل الإقليمي بشكل يترافق مع غياب الإرادة الحُرة والسيادة الوطنية ، فالسنوات العجاف التي أتت مع هؤلاء أثبتت إنهم لعبة بيد الخصوم قبل الأصدقاء ، فحينما يحل وقت التنازل تتنازل دون أدنى إعتراض ، وتفرط بحقوق البلد عندما يحين وقت المطالبة بها !، كتحديد حصص المياه ، وترسيم الحدود ، ودبلوماسية الصوت العالي والفعالة في المنابر العالمية وغيرها ، فعدة دول تدفعها الأطماع أوالعُقد أوالثارات ، لضمان بقاء البلد مقسما وضعيفا وسهل الإنقياد طالما كان تحت حكم هؤلاء ، فتجربة خمس عشرة عام خير برهان ! .
ووفق هذه المعطيات ، لم يعد مبدأ المشاركة بالانتخابات على أنه واجب وطني ، لأنهم أفرغوه تماما من محتواه الوطني ، وأن هذه الانتخابات محسومة مسبقا ، وفوق كل ذلك ، لا توجد نسبة للحدود الدنيا للمشاركة بالانتخابات كشرط للإعتراف بنتائجها ، هذا يعني أن دعوات مقاطعة الإنتخابات هي الأخرى لا تجدي نفعا ! ، لكنهم على دراية تامة أن نسبة المشاركة بها ستكون هزيلة للغاية ، ولمنع هذا الإحراج (إن كانوا فعلا يعرفون الإحراج) ، قاموا ببث الدعايات لإلزام المواطن بالمشاركة ، منها أن البطاقة التموينية لن تصدر لرب أسرة لا يملك بطاقة الناخب ، لكن الطامة الكبرى ، كتاب مكتب رئيس الوزراء ، والذي عُمّم على عدة دوائر حكومية ، الخاص بمنع صرف راتب الموظف لحين إصدار بطاقة الناخب خاصته ! ، وسارع السيد رئيس الوزراء إلى إلغاءه لأنه لم يصدر هذا الأمر ، على الرغم أن الكتاب قد تسرب من مكتبه ! ، وبعد كل ذلك ، هل تريدون يا سادتي أن أشارك بهذه المهزلة ؟!.