ما أكثر أرقام الهواتف والعناوين البريدية التي تضعها مؤسسات الدولة في صفحاتها المنتشرة في الانترنت ، أو عن طريق اعلانها في بعض القنوات الفضائية . وللوهلة الأولى حين يجدُ المواطن هذه الأرقام والعناوين ينتابهُ شعورٌ جميل وارتياح كبير معتقدا أن السادة المسؤولين لم يتركوهُ متخبطاً بحيرته تجاه أية مشكلة تحصل هنا أو هناك . فتدفعهُ الثقة بالأمر الى عرض شكواه امّا عن طريق الاتصال الهاتقي أو عن طريق تحرير رسالة عبر البريد الالكتروني ، ولكلّ حالة أجوائها الخاصة بها . والمواطن لا يعرفُ للمرة الأولى أو الثانية أن ما قام بهِ لا يجدي نفعاً ، وأن الاستجابه لشكواه خارج حدود التغطية . حتى ذلك الصدنوق المسكين الذي أطلقوا عليه ( صندق شكاوي المواطنين ) يشعرُ بالخجل والحياء – رغم جمود كينونته المادية – بسبب فقدان هيبته واحترامه وعدم اكتراث المسؤولين بما في داخلهِ من معاناة وهموم المواطنين التي تذيب حتى الحديد زالصخر . فما الجدوى اذن من كل ذلك طالما أن الاهمال – بشقيهِ المقصود وغير المقصود – هو المحصلة النهائية المفروضة رغماً عن أنوف الجميع ؟ ومن هنا تبرزُ الاجابة بشكل واضح على هذا السؤال أن عمليات تخدير المواطنين وامتصاص غضبهم ونقمتهم تحتاج الى مثل هذه الأساليب الابليسية ، أوْ من باب ( مشاكل المواطنين لا تنتهي ) . ومن لا يصدّق هذا الرأي عليه أن يتصل هاتفيا بأيّ رقم من أرقام الشكاوى ولأيّ مؤسسة من مؤسسات الدولة ليطرح مشكلة ما أو اقتراحاً ما ، وحينها سيجدُ الردّ المُهذبَ الأنيق ( أهلا وسهلا بك عزيزي المواطن … نحن في خدمتك دائما …. تفضل ما هي مشكلتك ؟ ) وبعد عرض المشكلة ستجد الردّ مرة أخرى ( مشكلتك وصلتْ وسوف ندرسُها جيدا خلال ساعات أو أيام وسنوافيك بالجواب ان شاء الله … تحياتنا ) . وسوف تمضي الأيام تلوَ الأيام لتصبح بعدئذٍ أشهراً تلوَ الأشهر ، ولا من مُجيب الى أن تتلاشى في غياهب النسيان . وان تكرّمتْ بعض الجهات بالاجابة على الاتصال فلن يكون جوابُها سوى ( وفسرّ الماءَ بعدَ الجهدِ بالماءِ ) . أمّا الحلول الفعلية للكثير من الهموم والمشاكل لا تقعُ ضمن أجندات ( شكاوى المواطنين ) ، وعلى المواطن أن يفهم جيدا أن تلك الأرقام والعناوين البريدية الألكترونية وصناديق الشكاوى صارتْ مثل ( الميك أب ) لتزويق المؤسسة الفلانية والمؤسسة العلانية التزويق الذي يليق بمقام أصحاب الفخامة المتحكمين برقاب تلك المؤسسات ، ولايهام المغفلين من بسطاء الناس ( أن الحكومة في خدمة الشعب ) والذي لم يتعود الضحك عليه أن يضحك كثيرا ….