لقد بات الحديث عن مجلس نوابنا يأخذ طابعا ثابتا عند كل الكتاب والنقاد، إذ لا جديد في جعبة النواب فضلا عن رئيسهم، غير النكث بالعهود والحنث بالقسم، علاوة على إخلاف المواعيد، وقبل هذا وذاك طبعا تفوح رائحة الطبخات الخاصة، والتي لايحلو مذاقها إلا لفئات محددة، سبق أن تعاملت باسلوب العرض والطلب، والبيع والشراء، مع الكتل والأحزاب، وما لاشك فيه أن كل هذه التعاملات تتم تحت غطاء المهنية شكلا، في حين أنها مكشوفة الغطاء عارية، بعيدة عن شرف المهنة والضمير والغيرة.
لقد طال وتشعب مايتناوله الكتاب حول هذا المجلس العتيد، ومعلوم أن تحرير أي خبر صحفي يتطلب من الصحفي تهيئة إجابات وافية على أسئلة ستة كحد أدنى، وهي: ماذا؟ أين؟ متى؟ مَن؟ كيف؟ لماذا؟. وبإجابات هذه الأسئلة -مجتمعة- يصبح الحدث أقرب مايكون الى النقل الواقعي والميداني، مهما كانت حيثياته. وتعلمنا في مهنتنا أن التوسع في نقل الخبر او الحدث يتطلب تناول تاريخ الحدث وتداعياته، والاستشهاد بآراء شخصيات قريبة من الحدث، وكذلك طرح رأينا كمحررين للخبر الصحفي، وبذا يكون الخبر قد اتخذ صبغة التقرير او التحقيق، لإتمام الفائدة المتوخاة من نشره ولتوسيع رقعة المستفيدين من ذلك.
ماتقدم ليس ديباجة لدرس في الصحافة، وإن كان درسا فأنا أول الراسبين فيه، فيما لو عزمت على إعداد تقرير او تحقيق او حتى خبر صحفي عاجل عن اجتماعات مجلس نوابنا. أما سبب إخفاقي في صياغة خبر يتعلق بهذا المجلس، فيعود الى جملة أسباب سأسرد المهنية منها؛
لو أردت الإجابة على سؤال (ماذا؟) فمن المفترض ان تكون الإجابة: (اجتماع مجلس النواب العراقي) وهنا أقف عند نقطة خلاف جذرية مع نفسي أولا ومع القراء ثانيا، إذ ان كل اجتماع يجب ان يفضي الى نتائج إيجابية، مادام المجتمعون إيجابيين، وما أراه في اجتماعات مجلس نوابنا لايمت بصلة الى الإيجابيات، إذ عادة مايكون عدد الأعضاء الحاضرين مخجلا، مايدل على أنهم يعدّون الاجتماع نزهة، وبالتالي فان الذهاب الى النزهة لايعد من الضروريات القصوى.
وبالالتفات الى السؤال الثاني (أين؟) فمن المفترض ان يكون الجواب: (في مقر مجلس النواب العراقي) وفي حقيقة الأمر ان من ترقب اجتماعا من اجتماعاتهم السابقة حتى الأخير منها، يكتشف ان رهبة مجلس كهذا وهيبة رئاسته ورئيسه، ليست كما نعهدها في مجالس أمم أخرى، إذ أراه يشبه الى حد ما (خان جغان) وأظن الأخير معروف بما لايحتاج التذكير او التعليق.
أما السؤال الثالث (متى؟) فهو الطامة الكبرى.. إذ أن عقارب الساعة عند هذا المجلس لاتعرف الضبط والانضباط، ولاالليل والنهار، فهم يجتمعون ليؤجلوا، ويؤجلون ليرجئوا مناقشات وقراءات، ويقرأون ليعيدوا القراءة ثانيا وثالثا وعاشرا، وما إن اجتمعوا حتى تفرقوا، وهم يمتلكون من الأسباب الجاهزة للتأجيل ما لايحدها حد، وبذا يصعب حصر زمن الاجتماع بساعة معينة لكونهم (زيبگ).
والسؤال (مَن؟) هو الآخر سؤال تتشعب الاجابة عليه بشكل دقيق، فإن أردت تحديد شخص يرأس اجتماعات المجلس علي ان (أكشخ) بشخص يترأس البرلمان، فهو يمثلني وباقي أفراد بلدي، ويجب أن تتوافر فيه الروح الوطنية، وأن ينأى عن الأفكار الطائفية، لكن ما موجود فيمن ترأس مجلسنا بدوراته كافة، بعيد كل البعد عن هذه الاعتبارات.
بقي من الأسئلة سؤالان هما؛ (كيف؟) و (لماذا؟) والإجابة عنهما أكثر بؤسا من الأسئلة الأربعة. وبهذا سأعود من مشوار مهمتي في إعداد التقرير بخفي حنين، وصفر اليدين من الإجابات على الأسئلة الست، ذلك أن اجتماعات مجلس نوابنا (مايرهم) عليها خبر عاجل، ولاتقرير مفصل، ولاتحقيق صحفي و (مايلبس عليهه عگال) ولا أرى فيها غير عبارة قالها شاعرنا عريان السيد خلف (طال عمره) في إحدى قصائده، إذ أنها تجسد تماما ما يفعله نوابنا ورئيسهم، حيث قال: (كهكهة غمان).