12 يوليو، 2025 10:24 م

“القائمة السوداء” .. مأزق الاقتصاد التونسي الجديد !

“القائمة السوداء” .. مأزق الاقتصاد التونسي الجديد !

خاص : كتبت – نشوى الحفني :

مأزق جديد تعرضت إليه “تونس” بعد أن صادق البرلمان الأوروبي على إدراجها ضمن “القائمة السوداء” للدول الأكثر عرضة لمخاطر غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وذلك بعد فترة من سحب اسمها من قائمة الدول غير المتعاونة في المجال الضريبي، وهو الأمر الذي أثار موجة إنتقادات وتحذيرات تجاه آثار سلبية لهذا القرار الأوروبي على الاقتصاد التونسي المتردي.

وفي جلسة عامة شهدت خلافات حادة بين النواب في العاصمة الأوروبية، بروكسيل، الخميس 8 شباط/فبراير 2018، وافق البرلمان الأوروبي، بغالبية 357 واعتراض 283 واحتفاظ 26 عضواً بأصواتهم، على مشروع قرار لتصنيف “تونس وسريلانكا وترينيداد وتوباغو” ضمن قائمة الدول المعرضة بشدة لمخاطر غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

وكانت لجنة الشؤون الاقتصادية والمالية للاتحاد الأوروبي قد أعدت مشروع قرار تصنيف تونس، في نهاية شهر كانون ثان/يناير الماضي، ضمن قائمة تضم دولاً أخرى ذات نقائص استراتيجية في منظوماتها لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وفق ما نشر الموقع الرسمي للبرلمان الأوروبي.

إنقسام بين النواب الأوروبيين..

هذا القرار أثار إنقساماً حاداً بين النواب الأوروبيين، حيث عارض 283 نائباً أوروبياً هذا القرار بشدة، على اعتبار أن تونس ديموقراطية ناشئة وبحاجة إلى دعم وأن هذا الإجراء الأوروبي لا يعترف بالإجراءات الأخيرة التي إتخذتها تونس لدعم صلابة نظامها المالي في مواجهة جرائم تبييض الأموال.

خطوة مجحفة..

إستاءت السلطات التونسية من قرار إدراجها في قائمة أوروبية للدول العالية المخاطر في مجال تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، واعتبرت أن هذه الخطوة غير مفهومة ومجحفة ومتسرعة في حقها، خاصة بعد الجهود التي قامت بها في مجال مكافحة غسيل الأموال والإرهاب.

ورداً على ذلك، اعتبرت تونس أن المسار الذي إتبعته المفوضية الأوروبية في إتخاذ هذا القرار كان “مجحفاً ومتسرعاً في حقها”، باعتبار أن المفوضية، في ظلّ غياب منظومة تقييم مالي خاصة بها، تبنّت بصفة آلية تقريراً صادراً عن مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي خضعت تونس بصفة طوعية لمتابعتها، واتفقت معها على خطة عمل، قطعت خطوات هامة في إنجازها، تتضمن جملة من التعهدات تهدف إلى تطوير منظومتها التشريعية والمالية قبل نهاية سنة 2018.

تقدير واضح للجهود..

قالت وزارة الخارجية التونسية، في بيان لها، الأربعاء الماضي، إن إعتراض عدد كبير من النواب في البرلمان الأوروبي من مختلف الكتل على إدراج تونس بالقائمة، يعدّ “تقديراً واضحاً للجهود الكبيرة التي ما فتئت تبذلها البلاد لتركيز مؤسساتها وتعزيز منظومتها التشريعية والمالية من أجل مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب”.

وتأمل تونس أن يتم في القريب العاجل سحب اسمها من هذه اللائحة، خاصة بعد الجهود الحثيثة التي تبذلها الحكومة التونسية بإلتزاماتها الوطنية والدولية ومع مجموعة العمل المالي، وأن يتم العمل مستقبلاً على “تفادي مثل هذه القرارات أحادية الجانب التي تتعارض مع أسس الشراكة المتميزة التي تعمل تونس والاتحاد الأوروبي على تدعيمها”.

أحزاب الحكومة تخفف والمعارضة تلقي باللوم عليها..

تناولت كل الأحزاب التونسية بلا استثناء تقريباً الحدث للإدلاء بمواقفها وتصوراتها، فالحزبان الحاكمان، “نداء تونس” و”حركة النهضة الإسلامية”، أدانا خطوة الاتحاد الأوروبي ولكنهما حاولا في بياناتهما التخفيف من حدة الأزمة، فيما إنتهجت أحزاب المعارضة خطاً آخر، حيث حمّلت أحزاب الحكم وكل الحكومات المتعاقبة، منذ ثورة كانون ثان/يناير 2011، مسؤولية إدراج تونس ضمن قائمة سوداء لعدم قدرتها أولاً على حل الجمعيات المتهمة بتمويل الإرهاب؛ ولعجزها ثانياً عن ضرب رؤوس وأباطرة الفساد.

واعتبر مراقبون في تونس أن كل الأحزاب، وخاصة منها الحاكمة، مسؤولة عن تكرّر إدراج تونس ضمن قوائم سوداء لتمويل الإرهاب أو غسيل الأموال، بل ويرى عدد منهم أن الأحزاب متورّطة ومنخرطة أيضاً في تفشي الجريمتين في البلاد طيلة سبع سنوات.

غير منصف..

بدوره، اعتبر “الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية”، (منظمة الأعراف)، قرار إدراج تونس ضمن القائمة السوداء للبلدان الأكثر عرضة لمخاطر غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، “غير منصف لتونس التي تعمل جاهدة على التصدي للإرهاب ومكافحة الفساد وتحقيق الإنتقال الاقتصادي بعد نجاحها في عملية الإنتقال السياسي والديمقراطي”.

تداعياته سلبية على صورة تونس بالخارج..

مضيفاً الاتحاد، في بيان له الخميس الماضي، أن مثل هذا التصنيف “ستكون له تداعيات سلبية جداً على صورة تونس في الخارج وعلى معاملاتها مع الهيئات الدولية، وكذلك على قدرتها على إستقطاب الاستثمارات الخارجية”، داعياً إلى “ضرورة الكشف عن الملابسات أو الإخلالات التي قامت بها بعض الجهات وأدت إلى تصويت البرلمان الأوروبي على هذا القرار”.

لا يعني إتهامها..

كما أوضح الناطق الرسمي باسم الحكومة التونسية، “إياد الدهماني”، الجمعة 9 شباط/فبراير 2018، أن تصنيف تونس ضمن قائمة سوداء من قبل المفوضية الأوروبية لا يعني أنها متهمة بتبييض الأموال والتشجيع على تمويل الإرهاب؛ بل أنها لم تحقق تقدماً كبيراً في إتخاذ إجراءات تحميها من هذه المخاطر حسب تقييم مجموعة العمل المالي، (GAFI)، منذ 2015.

وأضاف “الدهماني”: “أن مجموعة العمل المالي، (GAFI)، قامت بتقييم الأوضاع فى شهر تشرين ثان/نوفمبر 2017، وتبين لها أن تونس لم تحقق أشواطاً كبيرة في إتخاذ الإجراءات اللازمة للوقاية من مخاطر غسيل الأموال وتمويل الإرهاب؛ مما اضطرهم لإدراج تونس ضمن اللائحة السوداء.

تأخرت في إجراءاتها..

لافتاً إلى أن تونس تأخرت ولم تتخذ إجراءات مطلقة في هذا الشأن، منذ الثورة وحتي اليوم، وأن إصدار قانون مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال في 2015 كان بعد الزيارة التي قام بها وفد من مجموعة (GAFI) إلى تونس، مشيراً إلى أن الحكومة الحالية بصدد معالجة العديد من المشاكل التي ورثتها عن الحكومات السابقة وإتخاذ الإجراءات الضرورية في ما يتعلق بهذا الملف وغيرها من المسائل الهامة.

وأكد على أن المفوضية الأوروبية تعهدت بإخراج تونس من القائمة السوداء في الآجال القصيرة.

إقالة محافظ البنك المركزي..

تزامن هذا القرار مع بدء الحكومة التونسية إجراءات إقالة محافظ البنك المركزي، “الشاذلي العيّاري”، حيث قال مسؤول حكومي تونسي، أن رئيس الحكومة، “يوسف الشاهد”، يعتزم إعفاء محافظ البنك المركزي من مهامه وإستبداله بالخبير في البنك الدولي، “مروان العباسي”.

وعزا المراقبون، هذه الخطوة الحكومية، إلى القرار الأوروبي، وكذلك بسبب تراجع إحتياطي تونس من العملات الأجنبية إلى مستويات تغطي واردات البلاد لمدة 84 يوماً فقط، فضلاً عن تهاوي الدينار بشكل ملحوظ أمام العملات الأجنبية إرتفاع معدل التضخم إلى 6.9%، وهو أعلى معدل خلال 20 عاماً.

الحكومة ورئيسها مسؤولان..

فيما اعتبر رئيس لجنة المالية بمجلس نواب الشعب، “منجي الرحوي”، أنّ الحكومة ورئيسها، “يوسف الشاهد”، مسؤولان عن الإخلالات التي أدّت إلى تصنيف تونس ضمن القائمة السوداء للبلدان الأكثر عرضة لتبييض الأموال وتمويل الإرهاب.

قائلاً “الرحوي” إنّ تونس صنّفت ضمن هذه القائمة منذ مدة، ولكن التصويت الذي وقع يوم 7 شباط/فبراير 2018 بالبرلمان الأوروبي كان على لائحة تقدم بها برلمانيون أوروبيون لإخراج تونس من القائمة، مضيفاً أنّ الجهود التي بذلتها الحكومة لم تكن كافية لإخراج تونس من هذه القائمة.

واعتبر أنّ هذه المسألة لا يمكن أن تكون مبرراً لإعفاء محافظ البنك المركزي، وأنّ إعفائه يجب أن يكون بناء على مسائل متعلّقة بمهامه، مشيراً في هذا الصدد إلى دعوته في مناسبات سابقة إلى إقالته لأسباب لها وجاهة وفي علاقة بالسياسة النقدية وبصفة المحافظ نفسه.

وقال النائب: ”كان على الشاهد إعفاء نفسه قبل إعفاء العياري”، معتبراً أنّ تداعيات ذلك ستكون كبيرة على الوضعية المالية لتونس، ملاحظاً أنّ المقرضين وصندوق النقد الدولي يعرفون أنّ هذا لا يمكن أن يكون سبباً لإعفاء المحافظ..

وشدّد “الرحوي” على ضرورة تحديد المسؤوليات بصفة دقيقة لرئيس الحكومة ولأعضائها، بخصوص هذا الملف. وإنتقد ما اعتبره “سلوكاً غير مسؤول” للحكومة وإضرارها بصورة تونس، مضيفاً أن ”تونس تحتاج أكثر من أي وقت مضى أن تكون ناصعة، وهذا السلوك غير مسؤول لا يمكن إلا أن يزيد من الإضرار بصورتنا”.

رفض مصرفي مسبق..

سبق أن رفض مصرف تونس المركزي قراراً لمجموعة “العمل المالي الدولية”، (غافي)، بإخراج تونس من قائمة الدول عالية المخاطر إلى الدول الخاضعة للرقابة، وذلك في سياق عمل هذه المجموعة المكلفة بمعالجة وإعداد إجراءات لمكافحة الإرهاب وغسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

كما تأتي هذه الخطوة بعد حذف وزراء مالية الاتحاد الأوروبي، (27 وزيراً)، في كانون ثان/يناير الماضي، 8 دول من بينها “الإمارات وتونس” من قائمة سوداء للدول غير المتعاونة في المجال الضريبي، وذلك بعد شهر من وضع القائمة.

الاتحاد الأوروبي، قال في بيان، إن دول “باربادوس وغرينادا وجمهورية كوريا ومكاو ومنغوليا وبنما وتونس والإمارات العربية المتحدة، هي الولايات القضائية التي حُذفت من القائمة”، دون الإعلان عن تفاصيل الإلتزامات التي قطعتها.

وكانت “فرنسا وإيطاليا” قد تعهدتا بالعمل على مساعدة تونس من خلال سحبها من قائمة الدول غير المتعاونة ضريبياً، (دول الملاذ الضريبي)، بعد أن زار وفد تونسي رفيع، بقيادة وزير الاستثمار والتعاون الدولي، “زياد العذاري”، بروكسيل لإقناع الاتحاد الأوروبي بذلك منذ الأحد الماضي.

يُذكر أن مجلس وزراء مالية الاتحاد الأوروبي صنّف تونس، في مطلع كانون أول/ديسمبر الماضي، ضمن دول الملاذ الضريبي، (بين 17 دولة اعتُبرت جنة ضريبية)، وذلك لأنها لا تلتزم الإجراءات اللازمة للحد من التهرب الضريبي.

تداعيات خطيرة على المدى القصير والمتوسط..

حول تداعيات القرار، أكد نائب رئيس المعهد العربي لرؤوساء المؤسسات، “وليد بالحاج عمر”، أن تصنيف تونس ضمن قائمة الدول الأكثر عرضة لمخاطر غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، ستكون له تداعيات خطيرة على المدى القصير والمتوسط، وفق تعبيره.

قائلاً “عمر”، إن تداعيات التصنيف على المدى القصير ستمس من سمعة البلاد، خصوصاً بعد تصنيفها مؤخراً في قائمة الملاذات الضريبية، قبل سحبها وإدراجها ضمن القائمة الرمادية للملاذات الضريبية، وكل ذلك يعتبر ضربة أخرى للاقتصاد التونسي .

أما على المستوى المتوسط، فإن ”تداعيات التصنيف، تشمل قدرة البلاد على الحصول على تمويلات من السوق الدولية، فقد يكون للتصنيف تداعيات من حيث نسبة فائدة القروض، أو حتى الموافقة على منح القروض”، وفق تقديره.

إضافة إلى تداعيات ذلك، “على التصنيف السيادي لتونس، وكذلك تداعيات على المؤسسات من حيث تعطيل للتعامل مع المؤسسات الخارجية والتحويلات البنكية؛ خصوصاً إذا فقد الشركاء الاقتصاديين لتونس، الثقة في مستوى الشفافية في التعاملات” .

داعياً الحكومة التونسية والمؤسسات المالية إلى إيلاء التصنيف الأخير، ”الخطير”، الأهمية المطلوبة وعدم الإلتفات إلى الجدل السياسي الذي أنتجه إقرار التصنيف، في إشارة إلى الجدل الدائر حول إعفاء “الشاذلي العياري” من منصبه.

ودعا أيضاً المؤسسات المالية الرسمية التونسية للتعامل بجدية مع المسألة، وتجنب المعاملات الغامضة مع الشركاء بالاتحاد الأوروبي؛ ”حتى تعود تونس لمكانتها الحقيقية في منطقة المتوسط وتدخل العولمة الاقتصادية من الباب الكبير”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة