ظاهرة الكتابة على الزجاج الخلفي والأمكنة الخلفية لسيارات الأجرة , هي قديمة ٌ منذ عقدٍ وعهود وقد جرت حولها دراسات سيكولوجية – تحليلية حول مضامين تلك الكتابات وعلاقتها بالأبعاد الأجتماعية والنفسية وحتى السياسية لتلك الشريحة من سائقي سيارات الأجرة , لكنّ تلكم الدراسات لم تتوصل الى نتائجٍ دقيقة وموضوعية بهذا الشأن .
وتلك العبارات او الرسوم لا تقتصر على سيارات الصالون – التاكسي بالطبع , لكنّها متواجدة بحضورٍ فاعلٍ نسبياً على الشاحنات وحافلات نقل الركاب والبضائع المتوسطة الحجم , وكذلك على عجلات < الكيّه > التي ينفرد العراقيون بهذه التسمية الغريبة في اللفظ , بينما يلفظوها في الدول العربية بأسمها الصريح < كيا – KIA > بينما يسموها في مصر ومثيلاتها من مناشئ اخرى بالميني باص , وفي اقطارٍ عربيةٍ اخرى تسمى بالسرفيس ومعها مركبات الصالون التي تنقل عدة ركّاب .
وقبل الإشارة الى انبثاقِ صورٍ وكتاباتٍ حديثة على مثل تلك العجلات , فمن الملاحظ أنّ سائقي السيارات الخصوصي لهم مساهماتهم الضئيلة جدا في هذا الشأن .! وبنسبة تكاد تفوق الواحد في المليون على مثيلاتهم من مركبات الأجرة , ويكاد يقتصر ذلك على الذين في سنّ الشباب , او الذين اُتيحت لهم الفرصة لأوّل مرّة لأقتناء سيارة وما الى ذلك من اعتباراتٍ ماليّة خاصة لسنا بصددها , لكنهم يستخدمون الصور اللاصقة والرسوم اكثر مما لصق كتاباتٍ او شعاراتٍ ما , كما يؤخذ بنظر الأعتبار ” عموماً ” أنّ سائقي سيارات الأجرة هم اقلّ مستوىً تعليمي من نظرائهم من اصحاب السيارات الخصوصي .
أثارَ دهشتي مؤخراً مشاهدتي لعددٍ قليلٍ من سيارات التاكسي < واخشى أن ينمو العدد ويزداد > , وعلى مؤخراتها صورٌ باللون الأسود لمشنقة ويتدلى منها شخصٌ مشنوق والحبل في رقبته ! , وللوهلة الأولى ترآى في نفسي أنّ اولئك السواق يعانون من بأسٍ ويأسٍ واوضاعٍ نفسيةٍ غير مستقرة , او انهم يبتغون الإثارة ولفت الأنظار , لكنّ الغريب هو القاسم المشترك الذي جمعهم في لصق او رسم او طباعة تلك الصورة المقززة , ولعلّه ايضا حبّ التقليد .!
إجتذب نظري اليوم احدى المركبات ومطبوعٌ على زجاجها الخلفي عبارةٌ هذا نصّها : < اللي احلى من حبيبي فليرفع اصبعه > , ولا شك أنّ تفكيك المعنى له اكثر من معنى .!
وقُبيلَ سويعاتٍ من عودتي من مكتبي , كانت شاحنةٌ قديمة الموديل تسير أمامي ببطئٍ يكاد يغدو أبطأ من سير السلحفاة جرّاء الأزدحام القاتل والكافر , وعلى ظهرها او خلفيتها عبارة اعجبتني جداً جداً , ونصّها الحرفي : < لا تبتسم مع إبنك أمامَ إبنِ شهيد > .! ولا ريب انها عبارة معبّرة للغاية وتحمل معانٍ وأبعادٍ قيّمة للغاية .