15 نوفمبر، 2024 9:06 ص
Search
Close this search box.

مع (كتابات) .. “سعد محمد رحيم” : هناك غزو بربري غير مسبوق لمنطقة الرواية !

مع (كتابات) .. “سعد محمد رحيم” : هناك غزو بربري غير مسبوق لمنطقة الرواية !

خاص : حاورته – سماح عادل :

“سعد محمد رحيم” كاتب عراقي متميز.. ومتعدد الإنتاج الأدبي والفكري، ولد في “ديالى” ـ العراق ،1957، حاصل على بكالوريوس اقتصاد – “الجامعة المستنصرية” 1980، وعمل في مجالي التدريس والصحافة، وعمل بوظائف المحرر الأدبي والمراسل الصحافي، وأصبح نائباً لرئيس تحرير مجلة (إمضاء) المتخصصة بفنون السرد، ونشر أعماله الصحافية في بعض الصحف والدوريات العراقية والعربية، وهو عضو اتحاد الأدباء والكتاب في العراق منذ عام 1987، كتب القصة والرواية والدراسات الأدبية والفكرية.

إلى الحوار:

(كتابات) : كتبت القصة القصيرة والدراسات الفكرية والنقدية والرواية .. أيهما أقرب إليك ؟

  • الرواية هي المكافئ الفني الأعظم للحياة.. هذا لا يقلل من شأن الأجناس الأخرى.. وشخصياً يستحوذ عليّ في كل حين هوى جنس ما، مع ثبات شغفي بالكتابة الروائية.. ويحدث هذا لأسباب ذاتية وموضوعية.. تتعلق الذاتية بالمزاج والرغبة الداخلية، التي يكون مصدرها في الغالب غامضاً، غير أن الواقع الموضوعي يفرض اشتراطاته. فمع الأحداث الدراماتيكية المفجعة التي حدثت بعد العام 2003، وجدتني أخوض في المجال الفكري والسياسي والإعلامي.. كانت الوقائع تتسارع على نحو خطير، وكان لابد من ملاحقتها ومحاولة فهمها، حيث تكون المقالة والدراسة الفكرية والعمود الصحافي وسائل فعالة لذلك.. لكن على الرغم مما ذكرت كنت أترك فسحة للرواية دائماً، وللقصة القصيرة في أحايين كثيرة.. السرد هو أداتي الفنية للتعبير عن رؤيتي إلى الذات والحياة والكون، ومنقذي من أشباح ليلنا الطويل، وعشقي الذي لا يخمد أواره.

(كتابات) : تفضل في أعمالك السردية أن يكون أبطالك من المثقفين أو ممن يملكون وعياً ما تجاه الحياة .. لما ؟

  • هم هكذا في الرواية تحديداً.. والرواية بحسب توصيفي الخاص هي خطاب ثقافي جمالي مركّب مرجعيته الواقع والتاريخ، أي أنها خطاب وعي إشكالي في الغالب، وعي نقدي متمرد يصور الواقع ويحاكمه ويستفزه في الوقت عينه. وهذا لا يحدث إلا عبر عقلٍ مثقف. فليس من المعقول أن أضع كلاماً معقداً عميقاً على لسان شخص أمّي، تجاربه في الحياة سطحية ومحدودة.. صحيح أن هناك رؤى أخرى غير رؤية المثقف؛ أصحابها ممن لا تشغلهم الثقافة وهمومها، ولذا تجدين شخصيات اعتيادية أيضاً في رواياتي لهم تصوراتهم الخاصة. وواقعنا العام خلال القرن الأخير كان صناعة مثقفين ومتعلمين بإجتهاداتهم وأخطائهم وعجرفتهم وآمالهم وإنحرافاتهم.. ومع ذلك فرواياتي (غسق الكراكي، وترنيمة امرأة شفق البحر، ومقتل بائع الكتب، وفسحة للجنون)، حفلت بحضور شخصيات اعتيادية وقالت كلمتها ومضت.. وأظن أن معظم الروايات في العالم استعانت بالشخصيات المثقفة والمتعلمة للتعبير عن رؤية الروائيين الذين كتبوها. والمثال التقليدي الذي يساق بالضد من هذا الرأي هو رواية “نيكوس كازاتزاكي”، (زوربا اليوناني)، لكن في مقابل شخصية “زوربا” كان هناك الراوي المثقف. وكان “زوربا” نفسه مثقفاً على طريقته، تعلّم من مدرسة الحياة أعمق مما تعلم الآخرون من الكتب.

(كتابات) : في كتاب (المثقف الذي يدسُّ أنفه) رأيت أن المثقف لابد وأن يكون فاعلاً اجتماعياً وأن يساعد على نشر الوعي في المجتمع.. هل حال المثقفين العرب غير ذلك الآن ؟

  • كل مثقف منتج هو فاعل اجتماعي، وليس الفاعل الاجتماعي هو من يشارك في الشأن العام من خلال أنشطة اجتماعية وسياسية فقط.. الكتابة الأدبية والفكرية والإعلامية تضع المرء في قلب الحدث الاجتماعي والسياسي وتجعله مؤثراً بهذه الدرجة أو تلك. ولذا فإن المثقفين العرب المنتجين في حقول الأدب والفكر والإعلام هم فاعلون اجتماعيون. ويبقى الأمر المهم هو إلى أي مدى هم مؤثرون، وكم هي درجة مساهمتهم في صنع الحدث.

في، (المثقف الذي يدسُّ أنفه)، تحدّثت عن المثقف النقدي المستقل عن السلطة، المنشغل بالشأن العام، والذي يمتلك حس العدالة والحرية، ويسوِّق إنتاجه الفكري والجمالي عبر قنوات البث والنشر المختلفة. هو المثقف الذي تحاول السلطات الفاعلة في المجتمع لجمه والحد من تأثيره.. هذا المثقف لم يؤدِ عربياً وظيفته التنويرية الثقافية كما يجب. وبقي الجهد الثقافي لدى المثقفين العرب متشرذماً مضطرباً لا يخضع لإستراتيجيات ذكية ولا ينضوي تحت دعم مؤسسات قوية مستقلة. وعلى الرغم من هذا أرى أن المثقفين لم يكونوا سلبيين دائماً، وغرسوا أفكاراً وقيماً جديدة تخص حقوق الإنسان ومدنية الدولة وديمقراطيتها، والعدالة الاجتماعية وفضح الفساد ومحاربة العقل الخرافي، الخ، وإن لم يكن بالمساحة الكافية، وإن كنا لا نتوقع أن يكون جني ثمارها قريباً.

(كتابات) : أصدرت عدداً من الكتب التي تناقش فكرة النهضة والتنوير.. حدثنا عنها ؟

  • لدينا عراقياً وعربياً خطوة تاريخية جريئة باتجاه النهضة والتنوير منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، لكنها للأسف متعثرة ومجهضة.. أدت القوى الخارجية، فضلاً عن قوى محلية قصيرة النظر، لاسيما (المؤسسات الدينية، الأحزاب، العسكر، شرائح من الإعلاميين والمحسوبين على الثقافة)، دورها المؤذي في حالة التعثر والإجهاض تلك.

أرى أن المطلوب من النخب المثقفة المنتجة في حقول الفنون والآداب والفكر والفلسفة، في راهننا، إعادة الاعتبار لفكر النهضة والتنوير وتكريس قيمها المتمثلة في الحرية والعدل الاجتماعي واستقلال الذات الإنسانية وتعزيز سلطة العقل وفك السحر عن العالم وبناء المجتمع المدني الديمقراطي على أسس علمية. وهذه مهمة تنتظرها بطبيعة الحال وفي ضوء صراعات النوايا والمصالح صعاب كثيرة. وقد تحدثت عن هذا في أكثر من كتاب لي، لاسيما في كتابيّ، (روافد النهضة والتنوير: مرويات فكرية) و(المثقف الذي يدسّ أنفه).

(كتابات) :  في رواية (مقتل بائع الكتب) لما اخترت قالباً بوليسياً ؟

  • لم أفتعل البعد البوليسي في رواية (مقتل بائع الكتب)، وحتى العنوان وضعته واقتنعت به في ما بعد.. غير أن هذا الذي تسمّينه القالب البوليسي منح المتن الحكائي عنصراً درامياً مشوقاً، وكان من أسباب تقبل الرواية عند كثر من القراء.. للرواية البوليسية فرسانها وأنا لست منهم.. واستثماري لشيء من تقنيات الرواية البوليسية جاء في صالح الرواية كما أظن، فهذا ترياق ضد الرتابة وتصلب شرايين النص.

(كتابات) : في رواية (فسحة للجنون) هل الجنون وسيلة لمقاومة الحرب والعنف أم وسيلة للهروب؟

  • فسحة للجنون هي مساحة محرَّرة للروح تردُّ بها الاعتبار للإنسان وإن بطريقة سلبية وقاصرة.. وهي فضاء للهرب والمقاومة، وتعبيرٌ عن احتجاج ضد القسوة والعنف وامتهان كرامة الإنسان.. هي التنكيل بخطأ السلطة بوساطة خطأ مضاد حيوي وصارخ.. وهي ضربة الضحية التي تعرّي الضمير المشوّه للجلاد.. فالاحتماء بالجنون يفضح جنون الحرب؛ جنون من أشعلها وجنون من حرص على إدامة اشتعالها.. فبطلها أراد أن يبقى في الذاكرة وحده في صورته التراجيدية الأخيرة بعدما يكون النسيان قد لف الآخرين. فمع رحيله في نهاية الرواية مع تيار النهر يكون قد منحنا نصّه الذي انتصر على لا منطقية الحرب وجنونها.

(كتابات) : في رأيك ما هي أبرز مميزات الرواية العراقية في الوقت الحالي ؟

  • هذا سؤال صعب وشائك ويستحيل الإجابة عنها ببضعة أسطر.. وإذا كان لابد من قول شيء مختزل، فأشير إلى نقاط بعينها.

أولاً هي رواية منشغلة غالباً بالحدث العراقي المعاصر، وثانياً مكتوبة بهاجس تحديث اللغة والأسلوب والرؤى. وثالثاً نجدها على الرغم من تأثرها بالروايات المكتوبة خارج الحدود الجغرافية للعراق، تحاول إيجاد صوتها الفني الخاص.

(كتابات) : هل فرضت الرواية العراقية نفسها على الساحة العربية أم لازالت تحتاج لمزيد من التواجد؟

  • سوق الرواية العربية اليوم تنافسي إلى حد بعيد، والرواية العراقية دخلت السباق منذ بعض الوقت.. وهناك مواضع فوضى في المشهد، وليست الأخبار كلها مطمئنة وسارّة بهذا الصدد. فروايتنا تعاني من مشكلات تتعلق بالتسويق والترويج، وهي معروفة للكتّاب والناشرين. لكن فوز بعضها بجوائز عربية، وتواجدها في معارض الكتب، والمقالات التي تتناولها في الصحافة العربية لفت إليها الانتباه وصارت تأخذ مكانتها تدريجياً إلى جانب الروايات العربية المائزة، وباتت مطلوبة من قبل القراء العرب لاسيما خلال السنوات العشر الأخيرة.. والمسألة بحاجة إلى دعم إعلامي ونقدي منسق وفعال.

(كتابات) : هل النقد العربي يعاني من أزمة ما.. ولما؟

  • مشكلة النقد العربي المعاصر أنه يلهث بمسافة وراء المنجز الإبداعي الروائي العربي من غير أن يتمكن من اللحاق به لتقويمه، وفضح الغث الكثير الذي يُنتج عربياً الآن تحت مسمّى الرواية.. لدينا قلة من النقاد الحقيقيين الموهوبين الممتلكين لرؤى ومناهج وأدوات ناضجة، في مقابل كثر ممن يتوهمون أنفسهم نقاداً.. فمع هذا الغزو البربري غير المسبوق لمنطقة الرواية من قبل الباحثين عن الشهرة السريعة والجوائز المغرية من غير موهبة حقيقية، ودراية بأسرار الكتابة الروائية، فوجئنا بغزو آخر، لا يقل بربرية من الأول، لمنطقة النقد. وفي هذا المأزق التعيس لثقافتنا تنتعش الأوهام. فهؤلاء يوهمون أولئك بأنهم روائيون حقاً، وأولئك يقنعون هؤلاء بأنهم نقاد لا يشق لهم غبار.

(كتابات) : ما تقييمك للجوائز العربية.. وفي رأيك لما تتم مهاجمتها بضراوة؟

  • لا يُنكر أن الجوائز العربية لاسيما في مجال الرواية ساهمت بتحريك المشهد الروائي العربي ولفتت إليه الأنظار، وخلقت شريحة واسعة نسبياً من القراء، وأقنعت قنوات الإعلام بمتابعة ما يحدث على الساحة الأدبية، لكنها أيضاً أثارت كثيراً من الغبار، وأحدثت اضطرابات مؤسفة في فضائنا الثقافي من النوع الذي تحدثت عنه في إجابتي عن السؤال السابق.

ليست هناك مسطرة سحرية لقياس القيمة الإبداعية للروايات المرشحة للجوائز بدقة مطلقة.. هذا مستحيل.. والقائمون على تلكم الجوائز، وبالتحديد لجان التحكيم فيها، تتباين معاييرهم الفنية وأذواقهم وتحيزاتهم الإيديولوجية ولذا فإن اختياراتهم للروايات الفائزة لا ترضي الجميع، وهذا شيء طبيعي ويحصل حتى في الغرب.. ولذا علينا أن نتوقع المفاجآت في دورات الجوائز دائماً.

(كتابات) : ما هي الصعوبات التي واجهتك ككاتب؟

  • أن يكون المرء كاتباً في بلد عربي فهذا معناه أنه يخوض مغامرة غير مضمونة النتائج، ويقامر بلقمة خبز عائلته، ويخاطر بحياته ومستقبله لأنه يجد نفسه متورطاً ومن حيث لم يحتسب بصراعات في مواجهة أكثر من سلطة؛ ظاهرة وخفية.. أظن أن معظم الكتاب العرب ستكون إجاباتهم قريبة من هذا، وأنا لست استثناءً.

ما نراهن عليه هو أن الكتابة لا تحمل وعداً بخلاص نهائي، لكنها واحدة من وسائل استمرار الوجه الجميل للحياة. فحين نكتب لا ندّعي أننا سنغيّر العالم، وإنما نوفر ولو بقدر جد ضئيل الأمل بتغييره. وهذا ما نحتاجه في راهننا العراقي والعربي. والمعيقات التي تحول دون هذا المسعى عربياً لا تحصى بدءاً من صعوبة العيش ومروراً بمؤسسات صناعة الممنوع وذهنية التحريم وربما ليس انتهاءً بشبح الاستبداد وما يخلقه لنا من كوابيس مفزعة.. أما ما أحاول تجنبه هو أن يسطو عليّ حس اللاجدوى بسبب ما يحصل حولنا، فوضعنا العام سيئ، والانكسارات تترى على الصُعد كافة، وصورة الغد مبهمة.

أنا أكتب لأنني لا أقف على أرض صلبة في الواقع، لأنني أفتقد الأمان، لأن هناك أشياء في العالم ليست على ما يرام. والمفارقة التي تعيننا لحسن الحظ هي أن نجعل من الأخطاء، النقص، الاختلال، القلق، الأسى، الظلم، الاستعباد، الاستغلال، الحرمان، الكآبة، حتمية الموت، دوافع عميقة محرِّضة على الكتابة.

من أعماله..

ـ الصعود إلى برج الجوزاء.. قصص.. دار الشؤون الثقافية العامة.. بغداد 1989.

ـ ظل التوت الأحمر.. قصص.. دار الشؤون الثقافية العامة.. بغداد 1993.

ـ هي والبحر.. قصص.. دار الشؤون الثقافية العامة.. بغداد 2000.

ـ غسق الكراكي.. رواية.. دار الشؤون الثقافية العامة.. بغداد 2000.

ـ المحطات القصية.. قصص دار الشؤون الثقافية العامة.. بغداد 2004.

ـ تحريض.. قصص .. اتحاد الكتاب العرب/ دمشق 2004.

ـ زهر اللوز.. قصص/ دار الشؤون الثقافية العامة.. بغداد 2009.

ـ عولمة الإعلام وثقافة الاستهلاك.. دراسة ـ دار الشؤون الثقافية العامة..  بغداد/ 2011

ـ ترنيمة امرأة، شفق البحر.. رواية.. دار فضاءات.. عمّان 2012.

ـ استعادة ماركس.. دراسة.. دار أفكار.. دمشق 2012.

ـ أنطقة المحرم؛ المثقف وشبكة علاقات السلطة.. دراسة.. دار صفحات.. دمشق 2013.

ـ سحر السرد: دراسات في الفنون السردية.. دار نينوى.. دمشق 2014.

ـ صراع الدولة والجماعات في العراق.. دراسة.. دار سطور.. بغداد 2015.

ـ روافد النهضة والتنوير: مرويات فكرية.. دار الشؤون الثقافية العامة.. بغداد 2015.

ـ المثقف الذي يدس أنفه.. دراسة.. دار سطور.. بغداد 2016.

ـ مقتل بائع الكتب.. رواية.. دار سطور.. بغداد 2016.

ـ ظلال جسد.. ضفاف الرغبة.. رواية.. مؤسسة كتارا.. الدوحة 2017.

ـ السرد ينكِّل بالتاريخ.. دراسة.. دار نينوى.. دمشق 2017.

ـ فسحة للجنون.. رواية.. دار سطور.. بغداد 2018

الجوائز:

ـ الجائزة الثالثة في مسابقة المجموعات القصصية .. وزارة الثقافة ـ بغداد 1993 عن مجموعته (ظل التوت الأحمر)

ـ جائزة الإبداع الروائي في العراق لسنة 2000 عن روايته (غسق الكراكي).

ـ جائزة أفضل تحقيق صحافي في العراق 2005.

ـ جائزة الإبداع في مجال القصة القصيرة/ العراق 2010 عن مجموعة (زهر اللوز).

ـ جائزة كتارا للرواية العربية، فئة الروايات غير المنشورة 2016. عن رواية (ظلال جسد.. ضفاف الرغبة).

ـ رشح لجائزة البوكر العالمية للرواية العربية (القائمة القصيرة) 2017 عن روايته (مقتل بائع الكتب).

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة