تعودنا نحنُ العراقييون أن نقرأ يوميا هنا وهناك على أبواب بعض البيوت والمحلات التجارية جملة ( مطلوب عشائريا ) . ويبدو أن هذه الجملة بكل ما تحملُ من معانٍ غير حضارية أخذتْ تفرضُ هيمنتها على المجتمع العراقي بمنطق القوة بعيداً عن أنظمة وقوانين الدولة وبعيداً حتى عن القيم الأخلاقية للديانات السماوية . ويبدو أيضا أن سلوك الكثير من العشائر العراقية تجاوز الخطوط الحمراء بدعم واسناد وتشجيع بعض المتنفذين والمسؤولين في المؤسسات الأمنية . ويقول المثلُ العراقي ( لوْ غابَ القط العبْ يا فأر ) وهذا ما يحصلُ واقعاً في مجتمعنا الذي يسيرُ بخطىً متسارعة نحوَ الهاوية السحيقة بعدَ أن أصبحت القوانين المدنية فاقدة الهيبة ولا قيمة لها أمام منطق العشائر وفرضياتهم التي ترجعنا الى عصر الغاب . وربّما يتصور البعض أنني مبالغ بهذا الطرح ولم أكن مُنصفا ، لكنّ الواقعَ الملموس يؤكد هذا الأمر بشكل واضح لا غبار عليه . بلْ أرى أن مستقبل العراق برمته مطلوبٌ عشائريا ، والأدلة كثيرة جدا ولا حصر لها . فالبلدُ يعيشُ الآن وفق مقولة المفكر الألماني نيتشه ( البقاءُ للأقوى ) نتيجة ازدياد وتنامي سطوة العشائر وتحكمها بجميع مفاصل المجتمع ، حتى وصلتْ أذرعها الى أجواء الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي كافة دون أن تكون للأجهزة الرقابية القدرة على التصدي لها واخضاعها الى سلطة القانون . ووفقاً لهذا الواقع المأساوي المتخلف أرى مستقبل العراق مُهدّداً بالعودة الى العصور الجاهلية . والذي يعارضني بهذا الرأي عليه أن ينظر الى الحياة العامة بحيادية تامة ليرى بنفسه التفاصيل اليومية التي تتعرضُ لها شرائحُ المجتمع كافة من اضطهاد تعسفي من قبل العشائر . فالكوادر الطبية والتعليمية والقانونية وبقية الكوادر الأخرى تعرّضت وما زالت تتعرضُ لأقسى درجات الاهانة والترهيب لأتفه الأسباب من قبل مافيات العشائر ، ناهيك عن عمليات الابتزاز والنصب والاحتيال التي أخذت تتسعُ شباكها وتتنوعُ بطرق وأساليب تدهشُ حتى الشيطان وتحت حماية المتسلطين ممّن يسمون أنفسهم ( شيوخ العشائر ) . والطامة الكبرى التي ربما لا يعرفها البعض امتلاك هذه العشائر لترسانات من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة ، وامتلاكها أذرعا ُ عنكبوتية متغلغلة داخل مؤسسات الدولة الأمنية وداخل الأروقة السياسية أيضا ، وهذا ما يجعلها تتحركُ على طريق التحكم برقاب المستضعفين بكلّ حريّة وبلا خوفٍ أو تردّد . وان لم نجدْ حلاً سريعا فعالا لهذه المعضلة الاجتمايعية فسوف يحترقُ الأخضرُ باليابس ويختلط الحابلُ بالنابل ، وتعم الفوضى بكل همجيتها وارهاصاتها على البلد من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه ، وسوف تفقدُ الدولة هيبتها تدريجيا الى أن تصبح مثل ( خيال المآتة ) لا حولَ ولا قوة لها . وسوف يكون هذا الأمر عاملا مشجعا لهروب الكفاءات العلمية والثقافية والفنية من البلد وترك الجملِ بما حملَ لعناترة الجهل والتخلف والعنجهيات العشائرية . فما الذي بقى من مستقبل العراق اذن طالما أصبح ( مطلوبا عشائريا ) ….. ؟