من المتعارف عليه أن العدالة تعني في مفهومها هو أن يتساوى الجميع ، في الحصول على المنافع والمغانم والرواتب ، وفي توزيع الثروة في المجتمع وعلى صعيد الدولة، أي أن جميع المواطنين متساوون في الحصول على نفس الامتيازات والمناصب والمكافآت والرواتب ، حسب المفهوم التقليدي للعدالة ، والذي يطرح ضمن الادبيات السياسية المتعارف عليها يوميا ، عن مفهوم العدالة التقليدي.
ولكن العدالة من وجهة نظر الفلاسفة والمصلحين هي غير ذلك ، وعندهم تعني ( ان العدالة هو أن لا يتساوى الجميع) كمثل قول الله تعالى ” قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ ” أي أن العدالة هي ان يعطى لكل ذي حق حقه ، وفق مستوى علمه وثقافته وجهده ، ولا يتساوى مع الاخرين الذين يقلون عنه كفاءة وجهدا وعلما ومستوى عمل ، أو اؤلئك الذين لايعملون ، أو أن اعمالهم لاتقارن قياسا الى المستوى المتقدم أو الجهد المتميز الذي قدمه آخرون ، من نفس فصيلتهم او إهتمامهم او مستوى عملهم ونوعه ، ما يعني ان العدالة لها مفهوم آخر ، يبتغي تحقيق العدالة وفقا لمقدار الجهد والعلمية والقيمة المعنوية والمادية للعمل الذي يقدم من قبل قطاعات الحياة المختلفة ، حتى يتم تحقيق العدالة الفعلية، ويكون كل واحد يأخذ على قدرلا الجهد الذي بذله أو العلم الذي إنتفع به الآخرون أو حقق من الطفرات ما يعد عملا استثنائيا لايمكن بأي حال من الأحوال ان يتساوى مع آخرين لم يصلوا مرتبته او قيمته، ما أدخل العدالة في مفهوم فلسفي أكثر رقيا ، وأكثر دقة وتجاوبا مع الواقع والآمال والتطلعات الانسانية ، وففقا لما تقدمه للحياة من عطاءات ومثل عليا وقيم ، تسهم في تحسين أحوال البشر وترتقي بهم الى الاعالي.
اما مبدأ المساواة فهو في أن ينال البشر حقوقهم وفقا لجهدهم ومستوى تعليمهم ومدى ما يقدمونه من خدمات، أما أن يتساوى كل موظفي الدولة في الرواتب، فهذا لأغراض التنظيم للحدود الدنيا أو العليا ، أما فروق الرواتب فيتفرض أن تبقى قائمة بين الوزارات ، وحتى بين أغلب الموظفين ، بمقدار خطورة العمل الذي يؤدونه، أو الجهد الذي يبذلونه ، أو مقدار التميز عن الآخرين، فهذا معيار إداري ينظم طبيعة تحديد الأجور، وهو مبدأ يوفر قدرا من العدالة ، وإن بخس حق كثيرين ، في أن لايتم صرف مبالغ لهم تتناسب ومقدار ما يقدمونه من عطاء.
ومع هذا فإن المبدأ العام للعدالة يبقى هو ( أن العدالة تعني أن لايتساوى الجميع) في الحقوق وحتى في تكليفهم للواجبات، ولو طبق هذا المبدأ بشكل صحيح ، او اقرب الى الحقيقة، لكانت الدنيا مثالية ، ولا يجد الناس ظلما أو يشكون من تعديا على حقوقهم في الحياة ، ولإيطمئن الكثيرون ، الى ان ما يحصلون عليه، يتناسب وحجم جهدهم وتحصيلهم في الحياة، ولترسخت القناعة أكثر بين بني البشر، بأن العدالة متحققة فعلا..