يجب أن أقرّ بأنّ هذه الرحلة لم أخطط لها وإنما جاءت فكرتها لحظياً نتيجة الإرهاق الفكري الذي كنتُ أعاني منه خلال عملي لسنتين كاملتين في القسم الهندسي لإحدى الشركات العالمية المعروفة لبناء مشروع نفطي كبير جداً، وحيثُ نصحتني زميلتي الكندية رئيسة قسم الوثائق والعقود التي كان مكتبها مجاور لمكتبي بالذهاب لقضاء عدّة أيام في إحدى المنتجعات المكسيكية المنشأة حديثاً وذلك بعد عودتها من رحلتها الى هنالك إحتفالاً بالذكرى السنوية لزواجها وبعد أن لاحظتْ ـ نفاذ صبري ـ الذي أوصلني الى حد المحاججة والتماس اللفظي مع مدير الشركة نفسه بسبب المشاكل وتداخل المهمات التي غالباً ما ترافق العمل في مثل تلك الشركات الإنشائية الكبيرة والتي يصل عدد المنتسبين فيها للمشروع الواحد من ثلاثة آلاف الى أربعة آلاف منتسب أو ما يزيد في ذروة الإنجاز وبوجبتي عمل من جميع الإختصاصات حتى الخدمية منها وبمختلف الدرجات الوظيفية وتحت ظروف عمل قاسية ومعقدة (كل وجبة عمل مدتها عشرة ساعات يومياً)، هذا ما عدا منتسبوا الشركات الساندة الذين يعملون داخل وخارج موقع المشروع لرفده بإحتياجاته من المعدّات والأجزاء التي يتم بنائها خارجه ثم يتم شحنها اليه!!!.
طرحتً هذه المقدمة لعلاقتها بما سأسرده من تفاصيل لهذه الرحلة (المميزة) التي كانت الأولى لي لزيارة “منتجع سياحي” بالمعنى الكامل على الرغم من زياراتي العديدة لمدن في دول العالم مع المجاميع السياحية للإطلاع على معالمها، ومنها زيارتي براً لمدينة “تيوانا” الحدودية المكسيكية في الأسبوع الأول من شهر كانون الثاني لسنة 2006م عندما كنتُ في زيارة لمدينة “سان دييغو” في ولاية كاليفورنيا الأمريكية المحاذية للحدود المكسيكية لقضاء أعياد الميلاد ورأس السنة مع الأقارب في سنة 2005م.
(أعتقتني) الشركة التي كنتُ أعمل فيها في السابع عشر من كانون الأول/ ديسمبر سنة (2010م) نزولاً عند طلباتي المتكررة لإعفائي من عملي وحيثُ جاءت مكالمة مدير الشركة الهاتفية في الأيام الأخيرة على إنتهاء المشروع الذي لم يبقى من منتسبي الشركة فيه غير خمسة فقط وكنتُ واحداً منهم لعلاقة عملي بتجهيز الشركة المالكة للمشروع لآخر المخططات والخرائط التي جرت عليها التعديلات الميدانية، وقد (زفّ) المدير لي خبر إنهاء عقدي معهم قائلاً بالحرف الواحد: “ربما هذا الخبر لو كان لغيرك لإنزعج كثيراً خاصة في هذه الأيام القريبة من أعياد رأس السنة التي يكون الجميع فيها بحاجة الى المال لتغطية نفقات هذه المناسبات!!!، لكن بالنسبة لك (يقصدني) فأنا متأكد مِن أن الخبر سيفرحك!!، فأدركت ما سيقوله بعد ذلك وسارعت الى شكره بشدّة وسط ذهوله وإستغرابه”!!!.
بعد عودتي الى مدينتي من ذلك المشروع قررت التهيأ للسفر الى أي مكان في العالم وحيثُ لم إقرر بعد الى أين لإزاحة تعب السنتين!!!!، صدفة تذكرتُ الورقة الصفراء الصغيرة التي كتبت عليها زميلتي في العمل إسم المنتجع ونصحتني بالذهاب اليه لهدوءه والخاص بالبالغين الذين تتجاوز أعمارهم الثامنة عشر من العمر!!.
دخلتُ مكتب السفر الذي أتعامل معه دائماً وسألت الموظفة المعروفة لي مسبقاً عن رأيها لأفضل الأماكن في هذا الوقت من السنة للذهاب اليها للإستجمام، فأعطتني خيارات لمنتجعات عديدة في العالم كان من بينها منتجعات في المكسيك لكن لم يكن الأسم الذي بين يدي من ضمنها فناولتها قصاصة الورق الصفراء المدوّن عليها إسم المنتجع وبعد أن قرأتها إستغربت لأنها لم تسمع به خلال فترة عملها لأكثر من عشرين عاماً في المكاتب السياحية!!، وأثناء توضيحي لها بأنه منتجع لم يمضي على إفتتاحه غير أسابيع قليلة كانت أصابعها قد طبعت إسمه على الكمبيوتر وأردفَتها بصرخة خفيفة ـ ـ واااااو ـ ـ علامة على الإعجاب والدهشة!!!، فأدركتُ بأنّ زميلتي في العمل كانت على حق في نصيحتها لي، لكن موظفة المكتب السياحي بادرتني بدهشتها الثانية من التكلفة الكلّية الباهضة للرحلة للشخص الواحد التي تصل الى أكثر من ثلاث أضعاف مثيلتها للمنتجعات الأخرى المحيطة به والقريبة منه (التكلفة لمعظم الرحلات السياحية للمنتجعات في العالم بشكلٍ عامٍ ودول البحر الكاريبي بشكلٍ خاصٍ تشتمل غالباً على جميع المصاريف من الألف الى الياء من ضمنها بطاقات السفر من والى مكان الإقامة الدائمية، والإقامة في المنتجعات مع معظم التفاصيل من الخدمات التي تشمل الطعام ومشاهدة الفعاليات للفرق العالمية على مسارحها الداخلية وخاصة فرق الإستعراضات لأمريكا الجنوبية ودول البحر الكاريبي عموماً والفعاليات الموسيقية الأخرى داخل تلك المنتجعات وتغطية طلبات جميع المشروبات الروحية والغازية بأنواعها بشكل غير محدود على طول اليوم بنهاره وليله وببارات ومطاعم تلبي في معظمها الخدمات على مدار الساعة مجاناً أو بالأحرى مدفوعة الثمن ضمن المبلغ الكلّي للرحلة!!، كذلك تشمل مشاهدة الأفلام في دور العرض السينمائية الداخلية التابعة للمنتجع!!!، وحيثُ هنالك برنامج يومي متجدد ومتنوع على اللوحة الخاصة بالفعاليات يبين أوقات تلك الفعاليات وأماكنها، لكن هنالك أجور إضافية لبعض الخدمات الأخرى من مساج ورحلات ركوب الخيل أو قيادة سيارات “الجيب” الرياضية في الأدغال والجولات البحرية بالزوارق الرياضية السريعة والتحليق بالبرشوتات التي تسحبها الزوارق في البحر الكاريبي ورحلات بينيّة أخرى خارج المنتجعات لزيارة المواقع الأثرية في المناطق القريبة أو للقيام بجولات حرّة للمدن القريبة للتسوّق والإطلاع على معالمها).
ولكي أضع القرّاء الكرام في الصورة الحقيقية يجب ذكر بعض المعلومات والحقائق عن المكسيك وإن طال قليلاً هذا السرد، ثمّ سأورد بعض التفاصيل من داخل المنتجع لنوعية الخدمات وكيفية قضاء الوقت من أولى ساعات الصباح حتى بعد منتصف الليل بساعات!!!.
المكسيك: بلد موغل بالقِدم ويُعتبر موطناً لحضارات قديمة إبتدأت منذ حوالي (1800) قبل الميلاد وإمتدت الى أن وصلت إحدى حضاراته لشعب “المايا” الى عام (300) ميلادي، وكان قد عثر فيه على هيكل عظمي لإنثى يعود بقِدَمِه الى (12,000) سنة أي عشرة آلاف عام قبل الميلاد، وقد عُثرَ أيضاً على أدوات حجرية كان يستخدمها الإنسان البدائي يرجع تاريخها الى (21,000) عاماً قبل الميلاد!!!.
تقع المكسيك جغرافياً في جنوب قارة أمريكا الشمالية التي تشمل إضافة الى المكسيك على إثنتين من أكبر الدول الصناعية السبع في العالم وهما كندا شمالاً والولايات المتحدة الأمريكية في وسط القارة (عدا جزئها المنفصل جغرافياً عنها بواسطة الأراضي الكندية والغني بالبترول المسمى “الأسكا” الذي إشترته من روسيا سابقاً ويقع في أقصى الشمال الغربي من القارة).
يعتبر المعنيون المكسيك جزءاً من قارة أمريكا الجنوبية على الرغم مما ذكرته من وقوع معظم أراضيها في القارة الشمالية وذلك لوقوع بعض الجزر والأراضي الجنوبية الشرقية للولايات المكسيكية الفدرالية داخل حدود قارة أمريكا الجنوبية ولإرتباط شعبها بروابط مشتركة تاريخياً ووجدانياً وإثنياً ولغوياً وتراثياً وثقافياً مع معظم شعوب القارة الوسطى ـ الجنوبية مما جعلها الأقرب الى القارة اللاتينية (قارة أمريكا اللاتينية تشمل جميع الدول الناطقة بالإسبانية والبرتغالية، وحيثُ كان الإستعمار الإسباني قد إحتل المكسيك أوائل القرن السادس عشر وغادرها في أوائل القرن التاسع عشر ودعاها باللغة الإسبانية “مكسيكانو” أو “مهيكو” وقد إتخذها منطلقاً لإحتلال أجزاء القارة الوسطى التي أطلق عليها جميعاً بـ “إسبانيا الجديدة”، وبالإنكليزية يطلق عليها “مكسيكو Mexico” وهو الإسم الدارج عليها عالمياً)، ولهذا فإن إحدى أهم اللغات في المكسيك هي الإسبانية إضافة الى اللغات الوطنية الأخرى، وعلى ذكر الإحتلال فقد دخلت الولايات المتحدة المكسيكية بعد جلاء المستعمر الإسباني مباشرةً في حربٍ ضروس ضد الولايات المتحدة الأمريكية على الولايات المتنازع عليها فخسرت نصف أراضيها تقريباً لصالح أمريكا الإتحادية ومنها ولايات “نيومكسيكو” و “كاليفونيا” ونصف ولاية “أريزونا” والنصف الآخر أشترته من المكسيك لاحقاً!!.
نظام الحكم في المكسيك جمهوري رئاسي فدرالي وعاصمتها “مكسيكو سيتي” ومساحتها مليوني كليومتراً مربعاً تقريباً وعدد سكانها يصل الى (120) مليون نسمة، تحدها من الشمال الولايات المتحدة الأمريكية ومن الجنوب الشرقي غواتيمالا والبحر الكاريبي ويحيطها من الغرب والجنوب الغربي المحيط الهادي (الباسفيك)، كما ويحدها من الشرق خليج المكسيك الذي يفضي الى البحر الكاريبي ومنه الى المحيط الأطلنطي، وبسبب تباين أراضيها ما بين الشاهقة الإرتفاع والمرتفعة نسبياً في جزئيها الشمالي والوسط التي تتوسطها الوديان والغابات وما بين مرتفعات وسهول ساحلية على إمتداد حدودها بالمحيطات والبحار وكذلك إحتوائها على المناطق الصحراوية التي هي إمتداد للمناطق الصحراوية الواقعة في الولايات المتحدة الأمريكية، لذا فأن مناخها تباين أيضاً ما بين الإستوائي والمعتدل ليضعها بين صدارة الأنظمة الطقسية المتنوعة في العالم، وبناءاً على هذا التنوع التضاريسي والمناخي فمن الطبيعي أن تتصدر أيضاً التنوع البيئي ـ الإحيائي وحيثُ يعيش فيها أكثر من مئتي الف نوع من الكائنات الحيّة من طيور وحيوانات برية وبرمائية ومائية مما جعلها واحدة من أكثر البلدان الحاضنة للمحميات الطبيعية التي تحتوي على إثني عشر في المئة من التنوع الأحيائي في العالم وبأنواعه النادرة!!!، وبسبب وقوعها أيضاً ضمن الحزام البركاني فإنّ المكسيك تعتبر واحدة من البلدان المعرّضة بشكل مفاجئ الى الزلازل والهزّات الأرضية القوية.
والمكسيك دولة صناعية لا يستهان بها خاصة في صناعة السيارات وكذلك الهيليكوبترات (المروحيات) والطائرات التجارية وفي غالبيتها ليست صناعة بالمعنى المُطلق وإنما عمليات تجميع للأجزاء خاصة للصناعات الثقيلة، وقد تقدمت على جارتيها الولايات المتحدة الأمريكية وكندا (إنتاجياً) في السنوات الأخيرة!!!، وتعتمد عليها كندا وأمريكا بإعتبارها الرديف أو الإمتداد بقدراتها البشرية للصناعات المهمة في هذين البلدين العملاقين صناعياً، ولنتوقف هنا لتوضيح هذه الفقرة وتأثيرها على الجوانب السياسية والبيئية ـ الجغرافية والإقتصادية والإجتماعية: فبسبب الموقع الجغرافي القريب ووقوع المكسيك على البحار لتسهيل عملية الشحن وإنخفاض أجور العمالة فيها وهبوط العملة المكسيكية مقارنة بالدولارين الأمريكي والكندي (عملة المكسيك هي “البيزو المكسيكي” وحيثُ أنّ الدولار الأمريكي يتراوح ما بين أحد عشر الى خمسة عشر بيزو مكسيكي)!!!.، فقد شجعت هذه الميّزات الشركات الصناعية الكبرى في كندا وأمريكا على نقل أجزاء كبيرة من مصانعها الى هذا البلد لزيادة أرباحها أولاً، وقد إنعكست هذه الخطوة إيجابياً سياسياً وإقتصادياً على المكسيك في محاولة لإستقرار نظامها السياسي الذي ليس من مصلحة جيرانها زعزعته، كما شجعت هذه الخطوة على التقليل من تدفق اللاجئين المكسيكيين وغيرهم وبعشرات الآلاف سنوياً الى الولايات المتحدة الأمريكية وكندا بحثاً عن العمل عبر الحدود التي لا يمكن السيطرة عليها لطولها وتنوّع تضاريسها مع الولايات المتحدة، وحيثُ تُعتبر هذه الحدود ممراً سهلاً لتدفق اللاجئين من جميع بلدان القارة اللاتينية ودول العالم الأخرى الى أمريكا وكندا، ولقد وَجَدَتا (كندا وأمريكا) إنّ أفضل حل لتقليل الهجرة اليهما هو بتحسين وضع المكسيكيين المادي داخل بلدهم بتوفير فرص العمل لهم!!، وقد كانت إحدى الوعود الإنتخابية للرئيس الأمريكي الحالي “ترامب” العمل على بناء جدار على الحدود لفصل البلدين والذي لاقى معارضة شديدة من الحكومة المكسيكية ورفضها المشاركة المادية لبنائه، وخلال زيارتي لمدينة “سان دييغو” الأمريكية الحدودية مع “تيوانا” المكسيكية نهاية عام 2005م وبداية سنة 2006م كما أسلفت سمعت والتقيت بعدد من العوائل العراقية التي دخلت بطرق غير قانونية الى أمريكا عبر “تيوانا” وطَلبت اللجوء بعد فترة من الزمن هنالك، لكن هذه الطريقة لا تخلو من المخاطر الكبيرة لوجود عصابات الجريمة المنظمة والمخدرات وكل أنواع الممنوعات في تلك المدينة التي يحجم السوّاح بالذهاب اليها في بعض الأحيان بسبب أعمال العنف!!، وحيثُ يضطر اللاجئون الغير شرعيون المكوث ربما لأشهر أو لسنوات فيها ليتحيّنوا الفرص بمساعدة عصابات تهريب البشر لعبور الحدود الى الولايات المتحدة الأمريكية!!، وغالباً ما تحذّر الدول مواطنيها السوّاح من الذهاب اليها أو أخذ أعلى درجات الحيطة والحذر أثناء تواجدهم فيها بسبب الإقتتال في الشوارع بين أفراد العصابات المتنافسة، وعلى ذكر الوضع الأمني فأن المكسيك بالرغم من إستقبالها سنوياً لملايين السوّاح خاصة من كندا وأمريكا إلا أنها تعتبر من البلدان الغير مستقرة أمنياً بسبب عصابات الجريمة المنظمة، ولهذا السبب فقد لاحظتُ وجود رجال الأمن في بوابة المنتجع الذي ذهبت اليه، كما وتحث الدول مواطنيها السوّاح الذاهبين الى المكسيك وبقية الدول المطلّة على البحر الكاريبي للتلقيح ضد الأمراض الخطيرة ومنها “الفايروس الكبدي”.
وربما من الضروري ذكر الأسباب التي تجعل السوّاح خاصة من أمريكا وكندا يرغبون بالذهاب الى بلدان البحر الكاريبي بشكل عام للإصطياف على الرغم من المخاطر الآنفة الذكر، وهذه الأسباب هي: قربها من بلدانهم جغرافياً ـ ـ وجمال طبيعتها وتضاريسها ـ ـ وكثرة سواحلها الواقعة على أجمل مياه العالم ـ ـ والتمتع بمشاهدة أفضل الفرق الفنية الإستعراضية والراقصة في العالم ـ ـ ومناخها المعتدل والدافئ نسبياً وشمسها المشرقة على سواحلها ومياهها ـ ـ وإنخفاض أسعار الإقامة فيها مقارنة بفرق العملة لبلدان السوّاح ـ ـ وتوفر الخدمات وبأعلى درجاتها السياحية العالمية ـ ـ وتوفر الطعام بمختلف أنواعه مع جميع المشروبات الكحولية والغازية ـ ـ ومعظم شعوب هذه البلدان مسالمة مع الأجانب وتشجع السياحة على الرغم من وجود العنف في مجتمعاتها، إضافة الى توفر وسائل التسلية الغير (بريئة) الأخرى التي يبحث عنها بعض السوّاح!!!.
كما أنّ المكسيك غنية بالنفط والغاز الطبيعي والمعادن، وتُعد سادس أو سابع بلد منتج للنفط في العالم!، ومشهورة بتجارة الأخشاب لكثرة غاباتها، وهي ثالث بلد في العالم في سرعة فناء أو زوال غاباتها كنتيجة لهذه التجارة الغير منضبطة!!!، كما أنّ لديها رابع أكبر محطة كهرومائية في العالم لتوليد الطاقة الكهربائية!!.
غادرنا جواً مدينتنا أدمنتن عاصمة إقليم البرتا الكندي الساعة (9:15) صباحاً بالتوقيت المحلّي في رحلة مباشرة الى مدينة “كانكون” المكسيكية وقد إستغرقت الرحلة ذهاباً أربع ساعات ونصف مع الأخذ بنظر الإعتبار فارق الوقت بين البلدين، ووصلنا الى مطار “كانكون” في الساعة (3:50) بالتوقيت المحلّي من بعد ظهر اليوم نفسه المصادف الحادي عشر من كانون الثاني لسنة (2011)، وكان الدليل السياحي بإنتظارنا في المطار والذي قاد المجموعة الى الحافلات السياحية، وخلال الطريق الى المنتجع بدأ بإعطاء بعض التعليمات والتوجيهات للسلامة الصحية والأمنية مع شرح بعض المعالم التي مررنا بها.
كان إسم المنتجع هو ـ الدورادو كاسيتاس رويل (El Dorado Casitas Royale) ـ وهو مكان منفصل ومنعزل جزئياً عن منتجع آخر مختلف نسبياً بتصاميمه وخدماته يحمل إسم ـ الدورادو رويل (El Dorado Royale) ـ كان قد شيّد قبل الأول بسنة أو أكثر بقليل (يبين المخطط التوضيحي الكتلوي المرفق مع هذا التقرير المنتجعين المفصولين بخط أو حدود باللون الأبيض، وحيثُ يظهر الجانب الأيمن من المخطط منتجع “الدورادو كاسيتاس رويل” بوحداته السكنية المنفصلة أو بالوحدات الرباعية السكنية باللون القهوائي والمحاطة بجداول وقنوات مائية أكثر من المنتجع الثاني، أما الجانب الأيسر فيظهر منتجع “الدورادو رويل” بوحداته السكنية باللون الرصاصي وهي عبارة عن عمارات ذو طابقين أو ثلاث طوابق تحتوي على شقق سكنية أنيقة لكنها ليست بفخامة المنتجع الأول).
يقع المنتجع في منطقة ـ كانْكوُنْ ـ (Cancun) السياحية الشهيرة بمنتجعاتها وفنادقها المطلة على الساحل الجنوبي الشرقي للمكسيك على رأس المضيق الذي يلتقي عنده خليج المكسيك بالبحر الكاريبي وحيثُ تُقابل الجزء الشمالي الغربي للساحل الكوبي ويستطيع السائح العثور فيها على فنادق سياحية مناسبة لإمكانياته المادية.
بعد إتمام كافة الإجراءات في المنتجع أخذتنا السيارات الصغيرة الكهربائية التي تسمى “صديقة البيئة” الى وحداتنا السكنية وهي وسائل النقل الوحيدة داخل المنتجع للأماكن التي يصعب الوصول اليها سيراً على الأقدام، وهناك كانت مفاجئتي الغير سارة بسبب عدم تطابق حجزي لأحسن ما موجود في المنتجع وبوحدة سكن منفصلة ومطلّة بشكل مباشر على البحر مع ما فوجئت به بإعطائي لوحدة سكنية هي عبارة عن واحدة في بناية تتكون من أربعة وحدات: إثنتان في الأسفل والأخريتان فوقهما وتسمى (فوربلكس)، وكان نصيبنا إحدى الوحدتين العلويتين!!، عندما دخلناها وجدناها أنيقة ورائعة وأرضيتها من المرمر وفيها جناح منفصل للإستحمام بالجاكوزي أو ما يسمى بالهَوت توب (أي بانيو بفتحات جانبية لتدوير المياه بقوة لعمل المساج الطبيعي) وفوقه “شاور” أو ما نسميه في العراق بـ “الدوش” وهي كلمة غير مستحب تداولها في كندا لأنها تعطي معنى آخراً!!، وفي الوحدة السكنية “برنده” أو “بلكون” رائع يمكن مشاهدة البحر منه ولكن ليس مطل بشكل مباشرٍ عليه!!، الحقيقة رضيتُ بالمقسوم على الرغم من عدم توافق هذا الأمر مع مطلبي وما دفعته من مال إضافي، كذلك تحتوي الوحدة ككل الوحدات السكنية الأخرى على كل ما يحتاجه السائح من خزانة حديدية “قاصة” لوضع الأشياء الثمينة الى الشمسية الى المكواة والشسوار للنساء والثلاجة المتوسطة الحجم العامرة على آخرها بالسندويشات والمشروبات الكحولية والغازية والماء والفواكه والنستلات وغير ذلك من الإحتياجات، وفاتني أن أذكر من أن لكل مجموعة من الوحدات السكنية مكتب إداري خاص بمديره وموظفيه لتسهيل الخدمة ويقع قريباً من تلك الوحدات، وحيثُ سألتني الموظفة في أول لقاء: هل هنالك حدث خاص أو مناسبة خاصة لزيارتنا للمنتجع وكيف عرفنا به؟؟، فقلتُ لها من أنني جئتُ لأحتفل بعيد ميلادي وعيد زواجي اللذين لم أحتفل بهما كما يرام قبل شهرين من الزمن وكذلك جئتُ للراحة بعد جهد العمل، طبعاً سجلت كل هذه الملاحظات!!، بعدها تركنا حاجياتنا في الجناح السكني وذهبنا مشياً على الأقدام تارة وبالسيارات الكهربائية تارةً أخرى في رحلة إستكشافية داخل المنتجع وعدنا ليلاً منهكين من التعب بعد أن تناولنا طعام العشاء في إحد مطاعم المنتجع الجميلة والفخمة التي تحتوي على بوفيه متنوعة إضافة الى خيارات طلبية خاصة وفق قائمة الطعام المعدّة لذلك اليوم، وهذه المطاعم مدفوعة الثمن ضمن أجور الرحلة مثلما أسلفتُ سابقاً وكل الذي يجب عمله هو تسجيل أسم السائح ورقم الوحدة السكنية عند تشريفات المطعم ثمّ التمتع بما في داخله من مأكولات ومشروبات وحيثُ لم تكن هذه الإجراءات غريبة عنّا لتشابهها في معظم المناطق السياحية في العالم.
في نفس الليلة وبعد عودتنا وكما هو مذكور في تعليمات كُتيبْ المنتجع حررت طلبية “قائمة” طعام الفطور لليوم التالي على بطاقة خاصة وعلقتها على المكان المخصص للباب الخارجي ليأتي الساعي لأخذها في نفس الليلة وذلك لرغبتي بتناول فطوري في الجناح السكني بدل النهوض مبكراً والذهاب لتناوله في أحد المطاعم لأنها كانت أول ليلة بعد رحلة السفر ورغبتُ في أخذ قسط كافي من الراحة.
إنتهى الجزء الأول وسيتبعه الجزء الثاني والأخير