16 نوفمبر، 2024 7:53 ص
Search
Close this search box.

استشراف مستقبل الخليج العربي في ظل التحديات المفروضة والمتغيرات العربية والدولية

استشراف مستقبل الخليج العربي في ظل التحديات المفروضة والمتغيرات العربية والدولية

اعداد : ماجد هديب – كاتب وصحفي فلسطيني
تمهيد:
ان ما تعانيه الدول العربية من أزمات سياسية متصلة ومتلاحقة وبشكل متصاعد هو نتيجة حتمية لواقع أصبحت تعيشه تلك الدول نتيجة تغير القيم والمبادئ والأهداف، حيث أصبحت الأنظمة العربية تعتمد في تحالفاتها المحلية منها والإقليمية على كل ما يتوافق مع الهيمنة الأمريكية، وذلك نتيجة انتقال تلك الأنظمة من أنظمة كانت تتوزع بين محوري ما يسمى المقاومة والممانعة وأنظمة الاعتدال الى أنظمة اصبحت بمجملها في حالة ارتهان وتبعية للعالم الغربي بشكل عام، وللهيمنة الامريكية بشكل خاص.

ولكن وعلى الرغم من ادراكنا لما تتعرض له الأنظمة العربية من ضغوط خارجية ، وعلى الرغم أيضا مما وصلت اليه تلك الأنظمة من دور متناقض مع ما تدعو اليه ,وما كانت تعتبر نفسها انها تمثله من أدوار في مواجهة تلك الضغوط , الا انه لا بد من التأكيد أيضا بان الأوضاع الداخلية للأنظمة العربية هي من تقرر اتجاهاتها, فإما الاتجاه نحو الصدام مع الضغوط الخارجية على قاعدة التحالف ما بين النظام وما بين القوى السياسية والاجتماعية داخل الدولة ,واما الاندفاع نحو اطار التبعية والوصاية عليها على قاعدة حماية العروش من تلك التحالفات الداخلية ,وما قد يطرأ عليها أيضا من مهددات خارجية ,وهذا ما أصبحت تعيشه وللأسف معظم الدول العربية في ظل ما يستجد من تناقضات كتلك التي طرأت مع بداية ما اصطلح على تعريفه بثورات الربيع العربي.

اذا فان الواقع الأمني المضطرب للدول العربية هو نتيجة حتمية لما تعيشه تلك الدول من أزمات ,وهنا لا بد من التأكيد انه لا يمكن الفصل ما بين امن الخليج العربي والامن العربي, فلكل منهما انعكاسا على الاخر ,وان كانت الأزمات فيما بينهما متفاوتة ,خاصة اذا ما كانت تلك الازمات تنقسم ما بين أزمات بفعل الغير ,وازمات تم افتعالها بقرار , ناهيك عن الازمات التي تتصاعد بفعل الصدام ما بين إرادة الجماهير والهيمنة المطلقة لدى بعض تلك الأنظمة والتي تؤدي الى عدم الاستقرار دون الحرص على تحقيق بعض القواسم المشتركة فيما بينهما لحماية الدولة, حيث لا يمكن للسلطة ومهما بلغت من قدراتها تحقيق ادنى مقومات الامن والاستقرار بمعزل عن إرادة الجماهير وتحقيق ما تحتاج اليه تلك الجماهير من مقومات وجود لشعب يتطلع الى الاصلاح والديمقراطية على قاعدة الامن والتنمية في ظل صراع الحضارات وتكالب القوى الاستعمارية ,وهذا ما تفتقر اليه تلك الأنظمة ,حيث لا توفر النظام السياسي المعبر عن إرادات و تطلعات و مصالح الجماهير ,ولا تقوم على خدمتها ايضا ,وحيث ان دول مجلس التعاون الخليجي ما زالت تعيش في حالة من الامن والتنمية, وما زالت بعيده أيضا عن أي نوع من المواجهة او الصدام, فان عليها واجب عدم الاتجاه نحو هذا النوع من الصدام ,لأنها الوحيدة التي ما زال فيها نوعا من الاستقلالية في القرار بحكم استقرارها الداخلي ووضعها الاقتصادي, الا انه يجب ان لا نتعامى أيضا عن حقيقة وهي ان الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي في ظل ما تعانيه المنطقة من ازمات ، قد يجعل من المشهد الخليجي فيه الكثير من الضبابية ,وحيث ان هذا المشهد يتطلب ان يكون الاكثر وضوحا ,ليس بفعل ما تمتلكه دول الخليج من مقومات الاستقرار فقط ,وانما من اجل الحاجة اليها في حل الازمات المتصاعدة في المنطقة بما تمتلكه من نفوذ وتأثير ومن بين تلك الازمات المستجدة هو ما اشار اليه الرئيس الامريكي في خطابه حول القدس وما قامت به السلطة الفلسطينية من اجراءات مناهضة لها, لذلك فانه من الاهمية بمكان ان نستقرئ الواقع الخليجي في ظل تلك التحولات والمتغيرات ,وذلك من خلال الاجابة على التساؤل الرئيس الا وهو:

ما هو مستقبل الخليج العربي في ظل الواقع العربي ,وما يعانيه من احداث امنية وعسكرية على ضوء التحديات الراهنة والمتغيرات الإقليمية والدولية وانعكاسات افاق المستقبل ؟.
ان الاجابة على ذلك لا يتطلب منا الغوص كثيرا في جدلية العلاقة فيما بين دول الخليج نفسها لمعرفة مدى ما تمتلكه تلك الدول من مقومات التأثير على دول الجوار الجغرافي ,لان استنباط اتجاهات تلك الدول لحل الازمات ومعرفة امكانية تحقيق الاستقرار فيها لا يتطلب منا الا استقراء الواقع في اطار ما تعيشه تلك الدول في مجال علاقاتها الإقليمية والدولية, ولكن علينا الغوص داخليا في العلاقة ما بين دول الخليج نفسها للإجابة على بعض الأسئلة, ومن بينها ما يتعلق باتجاهات تلك الدول الداخلية في ظل تداخل العلاقات وما بينهما من تناقضات ومنها الى اين تتجه دول مجلس التعاون الخليجي بمستقبلها بسبب اتساع حجم و قوة الضغوط الخارجية من اجل تفكيك كل مقومات النهوض القومي الذاتي في البلدان العربية ، لحساب المشروع الاستعماري الغربي الصهيوني ؟, وما هو مستقبل الخليج على ضوء ازمة قطر ,وعلى ضوء المؤشرات بوجود اخطار نتيجة التحولات الديمقراطية في بعض دول الخليج بفعل امكانية الخضوع لشروط العولمة الجديدة ، على حساب المصالح الوطنية و القومية ؟,و هل يمكن ان يؤدي هذا الخضوع الى تهديد مظاهر السيادة الداخلية ، بما يعمق حالة الميل نحو التبعية والاستسلام للإدارة الامريكية والارتهان المطلق لها؟.

اسئلة كثيرة تتبادر الى الذهن عند تقديم دراسة استشرافية حول مستقبل الخليج العربي ,ليس فقط نتيجة انعكاسات الواقع العربي وما تعيشه دول الجوار من احداث وازمات ,وانما نتيجة معالم التوجهات الامريكية في المنطقة على ضوء ما جاء في خطاب ترامب حول الاستراتيجيات الامنية والسياسية للولايات المتحدة الامريكية ايضا, ولكن لنحاول الاجابة على بعض التساؤلات وبما يخدم دراستنا ,وذلك على ضوء التحديات الراهنة وافاق المستقبل ,ولنبدأ من حيث علاقة الخليج الإقليمية والدولية وانعكاسات تلك العلاقة على التحولات في السياسة الخليجية.

مستقبل الخليج العربي على ضوء التحديات الراهنة وانعكاسات افاق المستقبل

كثيرة هي تلك التحديات التي تواجه دول الخليج العربي, ليس فقط فيما تواجهه من أطماع إيرانية, ولا حتى فيما تعيشه من ازمة مع اكثر الاعضاء فاعلية فيها ,وانما نتيجة التداخلات ايضا فيما بينها مع دول المنطقة التي تعيش الازمات ومنها سوريا واليمن وما تواجهه القدس من عمليات التهويد ايضا, بالإضافة الى ما تواجهه من تحديات بفعل المقاربة مع ما يجري من تحولات ديمقراطية في المنطقة ,وما تحمله تلك الديمقراطية من افرازات وانعكاسات, وهنا لا بد من التطرق الى السياسة الخليجية وانعكاساتها على جبهتها الداخلية وعلى تحقيق الامن والاستقرار لدول الجوار بشكل خاص والمنطقة العربية بشكل عام ,وذلك على قاعدة الحماية من الاطماع والنفوذ.

كان يمكن لدول الخليج الاستمرار في سياساتها المتوازنة بديلا عن سياسة المحاور التي باتت تؤدي الى اضعاف الخليج بسبب الانزلاق نحو الفوضى الأمنية في المنطقة والتي اتاحت فتح الأبواب واسعة امام الاطماع الإيرانية, ناهيك عن سياسة الاملاءات التي تتبعها الإدارة الامريكية بذريعة مواجهة الخطر الإيراني , ولذلك فان على دول مجلس التعاون الخليجي الان ,وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية ,ان تعمل على منع التدهور في سياساتها من اجل غلق الأبواب امام امتداد نفوذ الدول الطامعة ,وذلك بالعمل على سرعة انهاء كافة الملفات العالقة وإيجاد الحلول للازمات التي تؤدي استمرارها الى انعكاسات عليها , وفي مقدمة ذلك حل القضية الفلسطينية استنادا على ما جاء في المبادرة العربية والعمل أيضا على انهاء الازمة القطرية , وحل الموضوع اليمني والسوري ايضا بشكل يرضي كافة الاطراف بمساعدة ومساندة المؤسسات الدولية ذات العلاقة ,مع العمل على الإصلاح المدني في دول مجلس التعاون على قاعدة عدم الصدام ما بين الاصالة والمعاصرة وبعيدا عن الاشتراطات والاملاءات الامريكية ومتطلبات العولمة التي لا تتوافق مع عقيدتنا وعروبتنا, فإلى اين تتجه دول الخليج على ضوء تلك التحديات محليا واقليميا ودوليا؟.

مجلس التعاون الخليجي الى اين على ضوء الازمات الاقليمية وحصار قطر؟

ان ما قامت به دول مجلس التعاون الخليجي من حصار لأحد اعضاء هذا المجلس قد يؤدي حتما الى إدخال أطراف أخرى في المنطقة بذريعة دعم دولة قطر، مما يؤدي ذلك الى خلق جبهة معارضة حال ما انسحبت قطر من هذا المجلس وأدى هذا الانسحاب الى ظهور تحالفات ومحاور جديدة تعمل على افشال كل ما يمكن ان تقوم به دول الخليج مستقبلا، ليس فقط فيما يتعلق بأزمات المنطقة، وانما أيضا في افشال كل محاولات حل الازمة مع قطر والدعوة برفع الحصار عنها مستقبلا، فما هي سبل تجاوز ذلك وبعيدا عن الانزلاق نحو الصدام؟

ان استمرار الأزمة قد تساهم في زعزعة استقرار منطقة ليست في منأى عن فوضى تسعى اليها الإدارة الامريكية وايران وذلك من اجل تمرير مخططاتهما , ربما بشكل يؤدي لتقاسم المصالح بينهما ,حيث ما كان لهذه الازمة ان تتصاعد دون إرادة ,ولو غير مباشرة ,من البيت الأبيض نفسه , وهي نفس الارادة التي اوصلت دول الجوار الى الازمات والكوارث والحروب, ولذلك فان على دول التعاون الخليجي ,وبما تمتلكه من مقومات ,ان ترفع مستوى خطابها الاستراتيجي من اجل مواجهة التحديات لصالح قضايا الامة العربية ,وليس دول الخليج فقط ,ولتكن البداية هي الدعوة الى انعقاد مجلس دول التعاون بحضور قطر ,لان استمرار حصارها ومقاطعة النظام فيها لا يؤدي الى انهيار مجلس التعاون فقط ,وانما الى بروز تحالفات وتقاربات بعيدة عن التحالفات التي تستند الى حماية الامن القومي العربي , وهي تحالفات على اساس المحاور مما سينعكس ذلك سلبا ,ليس على دول الجوار واستمرار ازماته فقط ,وانما على ما تعيشه تلك الدول من اوضاع داخلية وما فيها من تحديات العولمة ومتطلبات الاصلاح والديمقراطية أيضا, ولذلك فان الدعوة الى تفعيل مجلس التعاون الخليجي واعادة الوئام والانسجام فيما بينهما هي خطوة مهمة على قاعدة المصارحة والمصالحة حول كل القضايا السياسية والاقتصادية والمجتمعية القومية والانسانية لمواجهة التحديات والتهديدات ، وبما يخدم ولادة مرحلة جديدة رغم كل الصعوبات والتعقيدات التي تفرضها السياسة العدوانية الامريكية وامتداد النفوذ الايراني، ورغم ما يعتري هذه المرحلة من ادعاءات ما يسمى الربيع العربي .

دول الخليج والتحولات الديمقراطية

ان ما يجري بالمنطقة العربية من تحولات ديمقراطية ,وما تعيشه دول الجوار ايضا من أزمات توجب على دول الخليج العربي الاتجاه نحو اجراء تغييرات جوهرية وخاصة في موضوع الإصلاح والديمقراطية وذلك من اجل وحدة وتماسك هذه الدول في مواجهة انعكاسات ما يسمى الربيع العربي ,في الوقت الذي يجب عليها ان تتجه فيه ايضا نحو بحث العلاقة مع دول الجوار وإيجاد المبادرات والحلول والوصول الى صيغ وتفاهمات بين كافة الاطياف المتصارعة من اجل إعادة الامن والاستقرار فيها ,وهذا ما يمكن ان تنجح به دول الخليج لما تمتلكه من مقومات لهذا النجاح وهي الاستقرار وتوافر الثروة المالية وعودة الاعتدال في السياسة الخارجية والاتزان في ادارة الاوضاع الداخلية ايضا, فالي أين تتجه دول التعاون الخليجي فيما يخص سياسة التحول الديمقراطي فيها, وفي ظل محاولة ايجاد حلول للازمات المتصاعدة, وذلك في ظل تأجيج الصراع في المنطقة ومحاولات فرض اجراءات تهويد القدس، وفي ظل الخطر الذي يحدق بالأمن القومي ايضا لتلك الدول الخليجية بفعل السلوك الإيراني في المنطقة, وفي ظل الارتهان للسياسة الامريكية تحت ذرائع مواجهة الاطماع الإيرانية والحد من سباق التسلح النووي…!؟

ان الطريق الأنجع للحفاظ على وحدة واستقرار دول الخليج وتماسكها وحمايتها ايضا من اية مؤثرات او مهددات لا يكمن فقط في عودة سياسة الاعتدال والاتزان والخروج من الوصاية والاحتواء، ولا حتى من خلال الحفاظ على نُظم الحكم القائمة فقط، وانما في الاتجاه نحو الاصلاح والديمقراطية بشكل تدريجي وذلك بالتوافق مع تنفيذ خارطة طريق تدفع دول الخليج بالخروج من دائرة المتأثر بالمحيط الا المؤثر فيه.

ان عملية الاصلاح والاتجاه نحو الديمقراطية على مبدأ التحوُّل التدريجي، وبما يحفظ وحدة وتماسك هذه الدول، وحماية جبهاتها الداخلية من تأثيرات رياح التغيير الامريكية يستدعي المزيد من الوعي، وصولاً إلى صيغة اصلاح عربي وتوافق على ديمقراطية عربية كطريق وحيد للخلاص من كل القيود ومن كافة الازمات المتصاعدة في المنطقة، وبما يحفظ الامن القومي غلى قاعدة التحالفات والتفاهمات، فما هي الاتجاهات نحو ذلك، وما هي التصورات الممكنة لإنهاء تلك الازمات؟

الازمات الاقليمية وسبل الخروج منها بما يحقق الامن الخليجي

ان السبيل الوحيد للخروج من مأزق تداعيات الحرب المدمرة بالمنطقة، هو ما ينبغي أن تقوم به دول مجلس التعاون الخليجي ، ومعها الجامعة العربية ، وحسنا ما تقوم به دولة الكويت الان من جهود بخصوص الازمة القطرية الا ان المطلوب منها الان أيضا العمل على تفعيل دورها من اجل ايجاد حلول لما تعانيه المنطقة من ازمات وصلت الى حد المذابح الجماعية وانهاء ما في البلاد من مقدرات وثروات، ؛ ولعل الكارثة الإنسانية التي يعيشها الشعب اليمني اليوم، فيها أكثر من دليل وشاهد على ذلك، فهل ستدرك دول الخليج تلك الحقيقة؟، وهل ستكون الاولوية لمنطق العقل على منطق المصلحة، بفعل الحرب التي بدأت تتجاوز فكرة ما يسمى درء الخطر الحوثي؟.

صحيح انه لا يمكن تجاهل أن التدخل الخليجي في الحرب على اليمن لا يخرج عن إطار الصراع والتنافس الحاد بين الدول الخليجية وإيران، وان هذا التدخل لم يأتي اعتباطا، وانما هي ضرورات اقتضتها ظروف المواجهة في اليمن، الا ان هذا التدخل له انعكاساته ايضا، ليس على اليمن فقط، وانما على استقرار دول الخليج أيضا، حيث تتجه اليمن الان نحو التقسيم وبما يخدم الاطماع الإيرانية ويساهم في تعزيز التشرذم العربي، فما هي سبل مواجهة ذلك من اجل عودة الامن والاستقرار لشعب اليمن ودول الجوار؟

يبدو أن الحرب في اليمن بعد مقتل صالح بدأت تأخذ ابعادا أخرى, ومن أهمها الاتجاه نحو حرب شاملة وطويلة الأمد، في ظل مجموعة عوامل داخلية وإقليمية ودولية قد تساهم تحت مبرر التوازنات الاستراتيجية بسيطرة الحوثيين على أحد الملاعب الخلفية للمملكة العربية السعودية وبما يسمح من تصاعد للابتزاز الأمريكي لها, ولذلك فان على دول الخليج ان تعود الى سابق عهدها, بأن تلعب دورا محوريا في حل القضايا العالقة والأزمات العربية بشكل متزن وبعيدا عن سياسة المحاور والاحلاف ,ودون املاءات من الغرب او الخضوع لترهيبهم او ابتزازهم بذريعة ما يسمى مواجهة الخطر الإيراني ,وذلك جنبا الى جنب مع كافة الدول العربية ,ومن بينها قطر التي يجب إعادة النظر في حصارها ,حيث ان ابقائها بمعزل عن دول الخليج هو بمثابة دفعها باتجاه التحالف مع ايران والدخول في تحالفات تفضي الى عدم استقرار دول الخليج نهائيا ,وبالتالي عدم استقرار اليمن أيضا .

ان انسحاب التحالف العربي من اليمن وبشكل مفاجئ كما يشاع بين الفينة والأخرى في ظل الصراع المتواصل ما بين الحوثيين والسلطة هو بداية حرب أهلية طويلة الامد وفي ذلك انتصار لإيران, ولذلك لا بد من مواصلة طرح المبادرات ومناقشة الحلول للخروج باليمن, ليس من دائرة الخطر الإيراني فحسب ,وانما من مربع الاندثار ايضا, ولعل المبادرة الاخيرة قد تصلح لان تكون خارطة طريق لإنقاذ اليمن مما هو قادم عليها من اخطار ,تلك المبادرة التي كانت مليشيا الحوثي ومعها الرئيس الراحل صالح كانوا أعلنوا رفضهم لها, ولكن ما زال في تلك المبادرة وخاصة بعد مقتل صالح ما يمكن ان تكون القاعدة التي يتم البناء عليها في إيجاد القواسم المشتركة تجنبا للأخطار التي تعصف بالمنطقة ,ومن بينها ما اشارت اليه بعض المقترحات الوقف الشامل لإطلاق النار ، وعودة المقاتلين الحوثيين إلى الأراضي اليمنية وانسحابهم من الحدود السعودية اليمنية مع تحلل هؤلاء من اية علاقة والتزام عسكري او سياسي مع إيران , ففي ذلك فقط يمكن العودة التدريجية للهدوء ,ويمكن لدول التحالف الخليجي أيضا ان تتحلل من التبعية لإدارة البيت الأبيض وما يحمله ترامب في جعبته من ابتزاز لها في هذا الملف.

السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية تجاه دول الخليج العربي

ان فكرة التقسيم والتجزئة للمنطقة العربية بشكل عام ,والشرق اوسطية بشكل خاص ,هي فكرة امريكية من اجل إدخال العرب في فوضى دموية تستطيع هي واسرائيل من خلالها تحقيق ما تصبو اليه من مخططات وهيمنة على العالم العربي فكانت الشراكة على قاعدة الإصلاح السياسي بما يضمن حقوق الانسان, ومن ثم مشروع الشرق الأوسط الكبير هي القواعد التي انطلقت من خلالها قصد اثارة المشاكل الطائفية والمذهبية والسياسية لانتهاز حالة الضعف العربي والعمل على تكريس خارطة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط ,وبما تتوافق مع اهداف الاستعمار على غرار اتفاقية سايكس بيكو, فما هي سبل مواجهة الأفكار الامريكية واحباط مخططاتها التي تعمل على تحقيقها بذريعة حماية المنطقة من الاطماع الإيرانية ؟.

ان الوجود العسكري الأمريكي في الخليج يشكل خطرا حقيقيا على بلدان الخليج العربي ,وهو ما لا يجب تجاوزه ,وهذا ما يتطلب أيضا بناء استراتيجية عربيه شامله تكون قادره على مواجهه الهيمنة الأمريكية ,حيث ان الولايات المتحدة تعتبر الخليج منطقه مصالح سياسيه واقتصاديه واستراتيجية ومنطقة مناورات عسكريه لها ,وتدريبات ايضا, ولا يمكن لدول الخليج العربي الوقوف لوحدها امام تلك الهيمنة بمعزل عن الدول العربية وبالأخص دول الجوار الجغرافي ,وبمعزل عن التفاهمات مع ايران ,والاتفاق معها بشكل يفضي الى حماية مصالح الطرفين وسيادة دولهما من خلال اتخاذ سياسه موحده في التعامل مع موضوع الوجود الأجنبي في المنطقة تحقيقا لمصالحهما الحيوية وذلك من خلال وضع تصور شامل واستراتيجية مستقله لتحقيق الامن في المنطقة ,ولعل الدول الاوروبية قد تسهم في تحقيق تلك التفاهمات لما تمتلكه من رؤيا تفاوضية بانتهاج الاساليب الدبلوماسية في موضوع السلاح النووي بعيدا عن التهديد باستخدام القوه , وهذا ما يساهم في الاتجاه نحو ايران والتقارب معها لوقف الابتزازات والاملاءات الامريكية التي بدأت تتصاعد بذريعة حماية دول الخليج العربي من الاطماع الإيرانية.

دول الخليج العربي ما بين الاطماع الايرانية وابتزاز الادارة الامريكية

منذ ان طرحت ايران نفسها الحامية لدول المقاومة والمانعة لأي اعتداء عليها على قاعدة الجهاد اساس الاسلام, فان التأثير الإيراني قد امتد داخل العالم العربي, حيث كانت تعمل على اشاعه عدم الاستقرار في المنطقة , ولذلك فانه وعندما نشبت الحرب العراقية الإيرانية تم انشاء مجلس دول التعاون الخليجي لمواجهه الوضع السياسي الجديد في المنطقة , ثم قامت تلك الدول بدعوه الدول الكبرى لحمايه الممرات المائية الدولية على اعتبار ان مسؤولية حمايتها من الاخطار الإيرانية ليست مسؤوليه محليه , وانما هي مسؤوليه عالميه نظرا لأهمية النفط كسلعه استراتيجية للأمن والسلم العالميين وللاقتصاد المرتبط بتوفير هذه السلعة ,وقد كانت هذه الدعوة هي بداية الهيمنة الغربية على دول الخليج بحجة حمايتها من انعكاسات الحرب التي اتسع نطاقها في ذلك الحين بشكل اصبح يهدد امدادات النفط للغرب .

ان حشد القوات الأمريكية في الخليج , ليس فقط للتصدي للتحرشات الإيرانية ضد شحنات النفط الدولية كما اشيع في ذلك الحين ,وانما كان كمقدمة لإنهاء القدرات العراقية والتي بلغت ذروتها في حرب الخليج الثانية بشكل اصبح يهدد مصالحها ويعيق تطلعاتها ,وقد عملت الولايات المتحدة على انهاء تلك القدرات فعلا بتدمير العراق بعد توريطه باحتلال الكويت والتدخل بحجة حمايه الدول الخليجية والدفاع عن استقلالها الذاتي في مواجهه القوى الطامعة ,وفقا لمعاهدات واتفاقات كانت قبل نيل تلك الدول استقلالها التام ,ووفقا لشروط الوصاية التي ما زالت بعض الدول تخضع لها ولو نسبيا ,فهل يعيد التاريخ نفسه؟,وهل نحن الان على ابواب استدعاء القوات الغربية من اجل التواجد بالخليج مجددا تحت ذريعة حمايته من الخطر الايراني؟,ام ان على دول الخليج ايجاد القواسم المشتركة مع ايران من اجل درء الابتزاز الامريكي الذي بدأ يتصاعد؟.

من الطبيعي ان تحاول إيران امتلاك بعض الاوراق لمصلحتها في ظل التهديدات الامريكية الإسرائيلية بالقيام بضربه استباقيه للمواقع النووية الإيرانية ,وبما ان البرنامج النووي أصبح بالنسبة لإيران مشروعا قوميا فيه ضمانه للحفاظ على هويتها ومحورية دورها الإقليمي ,فان ذلك قد اوجد الإشكالية فيما بينها ودول الخليج التي تصاعدت الى حد التلويح بالحرب بفعل الاستغلال الأمريكي للأطماع الإيرانية ومحاولة تثبيت وجودها في منطقة الخليج بحجة مواجهة تلك الاطماع ، فما هي سبل مواجهة تلك الاطماع واحباط ذلك الاستغلال عربيا؟.

صحيح بان هناك العديد من الاشكاليات بين الخليج العربي وايران, فبالإضافة الى تلك الاشكاليات التاريخية والسياسية والدينية فهناك قضيه الجزر الإماراتية الثلاث واعتبار البحرين جزء من ايران ,الا ان على الطرفين التفكير جديا لتحقيق الامن والمصالح المشتركة في المنطقة بفعل التعقيدات التي تحيط بمستقبل ايران ودول الخليج العربي وتؤثر على الامن القومي لكل منهما ,حيث ان بعض الدراسات الاستشرافية حول مستقبل الخليج فد تعمل على ايجاد الحلول والوصول الى اتفاقيات ترضي اطراف هذا الصراع اذا ما تم الاستئناس بما في تلك الدراسات من اراء تتعلق باثر التسلح الإيراني على دول مجلس التعاون الخليجي من الناحيتين الأمنية والسياسية والعمل على ايجاد صيغه مشتركه لأمن الخليج ,وذلك من اجل ابعاد مصادر التهديد التي تواجه امن دول مجلس التعاون باستمرار ,وهذا ما تفتقده دول الخليج نتيجة الافتقار الى الرؤية الأمنية والاستراتيجية الموحدة والاختلاف بين تلك الدول في تحديد الاخطار الخارجية التي تواجه امنها والمشاكل الحدودية على الرغم من ارتفاع مستوى المطالب التي يدعو مجلس التعاون الخليجي الى تحقيقها, وعلى الرغم ايضا مما تنادي به من حيث اهداف المجلس ومبادئه ,وهنا علينا ان نتساءل عن دور مجلس التعاون في بناء الاستراتيجيات والبرامج لتحقيق الامن القومي للدول الاعضاء؟, وهل هو قادر حقا لوحده وبمعزل عن باقي العرب الوصول الى تفاهمات مع إيران من اجل درء الابتزاز والاملاءات الامريكية؟.

القواسم المشتركة ما بين إيران ودول الخليج العربي لدرء الابتزاز الامريكي

في حال ما تعرضت المنشاة النووية الإيرانية الى أي هجوم من قبل الولايات المتحدة او اسرائيل فمن المؤكد ان تقوم ايران بتوجيه ضربات صاروخيه تستهدف القواعد العسكرية الامريكية في الخليج ,بالإضافة الى اقدامها على زعزعه الامن والاستقرار في بعض دول الخليج نفسها من خلال استهداف مواقع التنقيب واستخراج النفط بهدف ارباك القوات الأمريكية الموجودة هناك ,ولذلك فان على دول الخليج درء تلك الاخطار ,وذلك بعدم السماح للصراع الامريكي الايراني بان يمتد الى دولها من خلال البحث عن الاولوية في العلاقات من اجل تحقيق المصالح استنادا الى القواسم المشتركة , وحيث ان دول الخليج وايران وبعيدا عن الصراع المذهبي لا يربطهما فقط الرابط الاسلامي ,وانما سلاح النفط ايضا ,فان عليهما معا الاتفاق فيما بينهما استنادا لتلك القواسم المشتركة من اجل تحقيق مصالهما ودرء الابتزاز الأمريكي.

كانت ايران ونتيجة لمكانتها النفطية المتقدمة قد لوحت الى التهديد باستخدام سلاح النفط ,حيث ان تلك المكانة تؤهلها للتأثير في سوق الطاقة العالمية ,بالإضافة الى قدرتها في اعاقه حركه الملاحة نتيجة اطلالتها الجغرافية على مضيق هرمز وقدراتها الصاروخية بالوصول اليه بسهوله وبالتالي وقف النفط الخليجي عن الأسواق الدولية مما سيؤدى الى مزيد من اشتعال اسعار النفط على اعتبار ان نفط الخليج يشكل الشريان الأساسي لإمداد دول العالم المختلفة بالطاقة ,فلماذا اذا لا يتم الانطلاق نحو الحوار الجدي على قاعدة المصالح المتبادلة فيما بينهما ومنع الابتزاز الأمريكي حتى تعيد اميركا حساباتها في التعامل مع الطرفين والتوقف عن سياسة التهديد والاملاءات ؟, ولماذا لا يتم الحوار فيما بين الدول الخليجية وايران حول سلاحها النووي والاتفاق فيما بينهما على حق الاستخدام السلمى للتكنولوجيا النووية واتباع اساليب سلميه لحل التوتر الحاصل فيما بينهما وبشكل يساهم ذلك بدرء الاخطار الامريكية على ايران ,وذلك من خلال الامتناع الخليجي عن تقديم الدعم اللوجستي للقوات الامريكية حال توفرت ارادة القتال وضرب ايران نظرا لما يمثله الوجود الامريكي من اخطار ليس على ايران فقط ,وانما على دول الخليج ايضا بحجة حمايتها؟.

كثيرة هي القضايا التي يمكنها ان تشكل قواسم مشتركة فيما بين ايران ودول الخليج لدرء الاخطار الامريكية ,وهي اكثر مما تشكله الاخطار الإيرانية على الخليج فيما لو تم الاتفاق بينهما على كافة القضايا الخلافية لتصبح قاعدة اتفاق ,ومن بينها القضية الفلسطينية التي تشكل عامل اهتمام مشترك بينهما لتصبح مفتاح حل لما تعيشه دول المنطقة من أزمات ,ومنها وسوريا واليمن وخاصة العراق التي يجب الاتفاق فيما بينهما بشان مستقبله استنادا الى رفض الحركات الدينية الأصولية فيه وبمختلف أنواعها و ارتباطاتها ، والقضاء على محاولات تفكيكه إلى طوائف او دويلات شيعية وسنية وكردية .

انطلاقا مما سبق ,فان دول مجلس التعاون الخليجي أمام منعطف صعب وخطير ,فهي اما نحو قيادة الامة العربية بأكملها ,وليس قيادة دول الخليج فقط , وذلك فيما لو اتجهت مجددا نحو سياسة الاتزان والاعتدال فيما يخص الازمات وقضايا الصراع في المنطقة على قاعدة حماية الامن القومي العربي, واما بالاندفاع نحو الصدام ,ليس فيما بينها فقط ,وانما في الاتجاه ايضا نحو اطار التصادم ما بين الأنظمة فيها والجماهير بفعل التبعية والالحاق والاستجابة للابتزاز الأمريكي فيما يخص فرض حلول لازمات المنطقة والاستجابة ايضا لشروط التحول الديمقراطي الذي يؤدي حتما الى الصدام ما بين الاصالة والمعاصرة ,ولذلك فإن على دول مجلس التعاون الخليجي الاضطلاع بدورها القيادي والريادي وبمشاركة مصر والدول العربية الفاعلة ايضا من اجل مواجهة الاطماع والنفوذ ورفض الاملاءات والابتزازات ,ولعل الموقف الفلسطيني الاخير في مواجهة الاملاءات الامريكية ورفض القيادة الفلسطينية المحاولة الامريكية في شرعنة الامر الواقع فيما يتعلق بإجراءات تهويد القدس ما يساهم في الدعوة إلى بدء الحوار الجدي مع ايران لحل الإشكاليات فيما بينهما والانطلاق معا نحو مقاومة عولمة الاستسلام وما يسمى فرض السلام بالقوة ، وذلك تمهيداً لتحديد ملامح مستقبلنا بعيداً عن الإلحاق و التبعية و الاتجاه نحو التطوّر و الحياة الكريمة و المساواة ,حينها فقط يمكن القول ان مستقبل دول الخليج العربي في تقدم واستقرار وتنمية ,وهي بذلك حتما نحو قيادة الامة وحماية امنها القومي, وليس نحو التبعية والالحاق ثم الاتجاه نحو الانهيار على غرار ما حصل لدول الجوار العربي بذريعة ما يسمى الديمقراطية وحقوق الانسان ,او ما اصطلح على تعريفه بالربيع العربي.
المصدر/ المركز الديمقراطي العربي

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة