حين كنت اعمل في جريدة المدى البغدادية عام 2006 – 2007 صدمتني معلومات مروعة عن المدى الذي وصل اليه الادمان على المخدرات وتجارتها في العراق وكان تخصصي في – المدى – هو التحقيقات الصحفية الاستقصائية فتفرغت لهذا الملف الذي اعيد نشره هنا مضيفا مستجدات مقلقة حوله وبخاصة بعد المعلومات الصحفية والاخبار التي تناقلتها مواقع الميديا الاجتماعية من انصراف بعض اولاد المسؤولين الى تجارة المخدرات وكذلك استغلال الزوار الايرانيين مناسبات زياراتهم للعتبات المقدسة في العراق ليجلبوا معهم كميات هائلة ومتواترة من المخدرات بانواعها ليكون اول ضحاياها شبيبة مدن العتبات المقدسة – كربلاء والنجف وسامراء والكاظمية التي شهدت فيها بام عيني مجاميع منهم تنزوي في مخابيء الازقة لتعاطي تلك المخدرات التي يجلبها الزوار الايرانيون ويخبئونها في حقائبهم في غرف نومهم ويوزعونها على وسطاء عراقيين يتولون بيعها وربما كان صاحب الفندق او مدير ادارته او عمال الخدمة بعض هؤلاء الوسطاء والادهى في ما اكتشفت ان بعض اصحاب البساتين والاراضي الزراعية اختاروا مناطق بعيدة عن الانظار لزراعة الحشيشة بانواعها كما انهم تعلموا تصنيعها عن طريق المعلم الايراني الذي لحقوا به الى ايران ومنه اشتروا بذورها ،وهذا اخر تقرير قرأـه بهذا الشان اضيفه الى ملفي السابق والمعلومات تتكامل ولا تتقاطع واعادة النشر فيها فوائد كثيرة حيث فات الكثيرون الاطلاع على ما ورد في الملف من معلومات .
حدثت الكارثة بعد الاحتلال الأميركي وإفراغ العراق من محتواه السيادي وتهديم هيبة الدولة وتلاشي احترام القانون وغياب مفاهيم المواطنة
إعلان العراق دولة خالية من ظاهرة تعاطي المخدرات كانت في عام 1972، ونعني بها أصناف المخدرات النباتية أو الطبيعية، لعدم انتشار الأدوية ذات الاستخدام المزدوج مع الوصفات والجرعات الخاضعة للإشراف الطبي حينها.
سِجلّ العراق في هذا المجال لم يكن خطيرا والإدمان فيه ليس شائعا وضمن حدود نسبته السكانية في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي، إلا أن الخط البياني بدأ بالحركة صعودا إلى تاريخ اتخاذ القرار السياسي والقانوني بإنزال أقصى العقوبات بحق كل من تثبت عليه مزاولة الاتجار بالمخدرات وترويجها؛ وشمل أيضا الأشخاص الناقلين الذين استخفوا بالقرارات والإجراءات ثم أصبحوا عبرة ورادعا للآخرين.
كان هؤلاء قلة وعلى رغم إصدار الأحكام القضائية بحقهم، لكن جهات عديدة محلية ودولية اعتقدت أن عفوا أو تخفيفا للعقوبات سيطالهم في اللحظات الأخيرة. تم تنفيذ الأحكام ومعها لم يعد لمخاطر المخدرات أي وجود في قاموس تجارة الممنوعات أو التهريب، سوى بعض الملامح على وجوه وأجساد المدمنين الذين يعانون من الهزال والإعياء الشديد.
معظم رؤساء وقادة العراق من الذين سكنوا في منطقة الكرخ ومحلات بغداد القديمة تعايشوا مع نماذج حياتية كانت ضحية للمخدرات، وتأثروا حتما على تعاقب مكانتهم في مواقع اتخاذ القرار بتلك العينات من المدمنين الذين تتفاوت حالتهم المادية والثقافية.
خلفيات نسبة صفر مخدرات في عراق فترة السبعينات وما تلاها كانت غايتها، بالإضافة إلى معالجة تداعيات الإنهيار الجسدي والنفسي والاجتماعي، تحقيق التنمية الحضارية والعلمية وتوجهات النهوض بالعراق وما يندرج تحت بند إدخال العمالة الأجنبية مع الشركات المتعددة الجنسيات التي باشرت عملها في مختلف المشاريع.
كذلك تمّ فتح الأبواب أمام العرب وخصوصا من المصريين، إذ بلغت أعدادهم الملايين وبعض الأفراد منهم مازالوا مع أشقاء من دول عربية أخرى يتواجدون في العراق ولم يغادروه رغم كل الظروف القاسية التي مرت.
قطع دابر تعاطي المخدرات والمتاجرة بها سمح للعراق باستقدام أعداد هائلة من العمال وحتى المزارعين في تجربة فريدة لانتقال جماعي وبناء قرى نموذجية. استقدامهم كان دون تدقيق وبلا خوف وباطمئنان تامّ لاستحالة المجازفة بخرق قوانين دولة حسمت أمرها مع ظاهرة المخدرات.
فكيف أصبح العراق صالة إنعاش ومستشفى كبيرا لمعـالجة حالات الإدمـان على المخدرات بمجرد إتباع الوصفة المثالية التي لا تكلف سوى السفر والعمل داخل العراق.
تراجع العراق في مجال مكافحة المخدرات أثناء فترة الحصار في تسعينات القرن الماضي التي كان لها الأثر الكبير على الواقع الاقتصادي وملحقاته، إذ تزايد عدد المستوردين الذين وجدوا في تجارة الأدوية ربحا وفيرا في ظل حاجة الناس وتفاقم الأمراض وصعوبة الحصول على متطلباتهم من الأدوية.
في هذه الأجواء تكاثرت المذاخر ومناشئ الأدوية، ونشطت مافيات الوسطاء وبيع الحبوب المتنوعة والممنوعة من الصرف من دون وصفة طبية، وتوسعت حتى تحولت بعض أزقة بغداد إلى بؤر لتجارة الحبوب المخدرة رغم إن العديد من المذاخر أدّت خدمات جليلة لتوفير الأدوية وكسر الحصار، لكنها مع ذلك كانت مفتاحا لبداية عودة المخدرات إلى العراق تحت ستار الأدوية الطبية.
حدثت الكارثة بعد الاحتلال الأميركي للعراق وإفراغ العراق من محتواه السيادي وتهديم هيبة الدولة وتلاشي احترام القانون وغياب مفاهيم المواطنة. ثم انتقل العراق بعد سنوات من التخريب إلى سياسة توصيل اليأس والفساد على طريقة تسلسل مرجعية الأزمات إلى ما لا نهـاية كما في اقتطاع مقولة حصر السلاح بيد الدولة من دون قراءة ما يستتر من المشروع المكشوف في حصر الدولة بيد الميليشيات، وحصر الميليشيات والنظام السياسي بيد النظام الإيراني.
المخدرات في حاضر العراق ما عادت أزمة “كيف” لتنحصر في معالجة تدهور صحة من يتعاطاها أو عذاباته في الإدمان أو آثاره الاجتماعية؛ بل بما يتعلق بتمويل الأذرع الميليشيوية، وهي بمثابة جيوش بتجهيزات عسكرية تابعة لشخصيات وأحزاب سياسية كانت، ومازالت، على سدة حكم العراق منذ الاحتلال، أو في دربها للسيطرة على كامل السلطة أو أهم مفاصلها في هذا البلد العربي أو ذاك.
“كاسندرا” ليس عنوان مسلسل مكسيكي وإنما هو مشروع أميركي لوكالة مكافحة المخدرات لتتبع المخدرات التي تتاجر بها الميليشيات الإيرانية، لكن تولي الرئيس السابق باراك أوباما إدارة البيت الأبيض في سنة 2009 أدّى إلى انعطافة جوهرية في السياسة الأميركية تجاه البرنامج النووي الإيراني تمثلت في التهدئة والحوار والمهادنة لمعالجة إرهاب الميليشيات بدمجها في النظام السياسي، وهذا حاصل ما تم الدفع به في لبنان والعراق، وما تجري الاستعدادات لإنجازه بما تبقى من حلقات لإكمال المهمة.
ملابسات غاية في الإدانة للميليشيات الإيرانية واتهامات صريحة لإدارة أوباما السابقة بتعطيل عمل الوكالة المختصة لمتابعة الأنشطة الإجرامية الموثقة بمراقبة الاتصالات والتسجيلات والرسائل والوثائق وعلى نطاق العالم، حيث البيع والتهريب وغسيل الأموال وبالأسماء، والهدف كان طمس التحقيقات لإبرام الاتفاق النووي مع إيران.
إعادة العمل بمشروع كاسندرا وتشكيل لجنة تحقيقية أميركية للكشف عن المعلومات وفضائح الأذرع الإيرانية في لبنان، ستجابه حتما بالتكذيب من أطـراف لها عـلاقة صريحة بالميليشيات، ولمعـرفة تلك الأطراف مسبقا بأن تلك التحقيقات لم ترتق إلى طابعها الرسمي الملزم في القضاء الأميركي وكذلك لتخوف الساسة من انتكاسات مماثلة في الواقع اللبناني لما جرى في الأشهر الأخيرة.
ينسحب ذلك على واقع العراق في ظاهرة انتشار تجارة السلاح والمخدرات. فالنظام الإيراني لا يتوقف عن تهريب الفتن الطائفية والميليشيات، لذلك تغدو المخدرات قسما من بعض نشاطاته وبابا مضافا لدعم شبكة علاقاته المصرفية وعمليات إرهابه النوعية التي انتقلت بالعراق من بلد خال من المخدرات، إلى بلد تحكمه شلة من تجار الدم والحشيش.
خلال عام واحد إرتفع عدد المدمنين على المخدرات في العراق من 3000 الى 7000 مواطن
مصادر دولية: في الوقت الذي تتعاون فيه السلطات العراقية مع جهود محاربة هذه التجارة فإنها تفتقر الى المقومات الضرورية للتنفيذ
ما المخدرات وانواعها؟
متى عرف العراق المخدرات، وما المصدر الذي ينشرها او يمررها عبر العراق وداخله؟
المخدرات والسياسة
المخدرات كسلاح تخريبي لا يقل تأثيرا عن اسلحة الدمار الشامل
المخدرات واثارها المدمرة على الاقتصاد والمجتمع وتحديداً اوساط الشباب والشرائح الفقيرة
ما دور النظام السابق في ترويجها في العراق تعاطيا وتجارة؟
هل شقت المافيا العالمية للمخدرات طرقها في العراق؟
كيف هي صورة المستقبل في ضوء الواقع الذي يتردى باستمرار إلى هاوية الادمان المتسع والتجارة المحرمة في العراق؟
واهمون اولئك الذين ينكرون معرفة العراقيين بالمخدرات وبخاصة عندما قامت مملكتهم الحديثة، ففي عقد الخمسينيات تحديدا كنت اسمع العديد من شيوخ العراق في الجنوب يتحدثون عن (الترياق) و(الحشيشة) بطريقة عادية لا تثير الريبة، ولا يشعر السامع انهم يتحدثون عن ممنوعات او مواد لها خطورتها، بل حتى النسوة يتقن استخدام الترياق، لاسكات اطفالهن الرضع كثيري البكاء، وكان الجميع يعرف ببساطة مصدر هذه المواد، وكيفية دخولها تلك المدن الجنوبية الفقيرة المهملة، اما بعد سقوط النظام الملكي وقيام النظام الجمهوري وسقوط السلطة بيد النظام الدكتاتوري، فلم يتغير الامر كثيرا، ولا ينفع الانكار ولا يجدي نفعا فلم تكن الساحة العراقية نظيفة تماما من المخدرات وان لم تشكل في العهدين الجمهوري والملكي ظاهرة تستوجب القلق، وانما ظلت محصورة في نطاق ضيق مقصور على المتمكنين من اثرياء الريف وملاكهم من الاقطاعيين ولم يتسلل تعاطي المخدرات إلى بقية شرائح المجتمع.
يقول العقيد محسن قاسم فهد مدير استخبارات شرطة محافظة العمارة: ايام النظام المباد، كنا نمسك بالمهربين متلبسين ونصادر البضاعة التي يتولون تهريبها، لكننا نفاجأ بأن هناك من المتنفذين في الحزب والسلطة والاجهزة الامنية من يسعى الى إطلاق سراحهم بل تسليمهم بضائعهم التي هربوها عبر الحدود ويؤكد ضباط آخرون من محافظة البصرة والناصرية والعمارة -سابقا- ان عصابات تهريب المخدرات كانت على علاقات وثيقة بعدد من رموز النظام المباد، امثال علي حسن المجيد والقادة الحزبيين في المنطقة والقادة العسكريين، كما ان بعض ضباط الاجهزة الامنية يقومون هم ايضا بتهريب هذه المخدرات لتمويل بعض نشاطاتهم او لحسابهم الخاص، وفي بعض الاحيان كان يرد اسم عدي صدام في عدد من العمليات، اما الحكومة والنظام المباد والحزب، والاجهزة الامنية فالجميع كانوا يسعون لتوريط شباب المنطقة بعالم المخدرات تعاطيا وتجارة ليسهل عليهم ابتزازهم واخضاعهم لاوامرهم، ولا يبدو ان الوضع قد تغير كثيرا بعد سقوط النظام، فقد حلت جماعات وعصابات بديلة تعرف طريق الرشوة ومن ترشو وكيف تمرر صفقاتها وبضائعها وما هي المسالك والطرق التي تنتهجها.
وليس جنوب العراق وحده هو المبتلى بآفة المخدرات وانما شماله ايضا، فقد نجح اخطبوط مافيا المخدرات الشرقية، (الروسية) على وجه التحديد في وضع خرائط على الارض العراقية تنطلق من افغانستان وعبر ايران والعراق تذهب إلى دول الخليج ومصر والشام ودول اوروبا وامريكا.
ما المخدرات؟
ليس هذا بالسؤال العادي او الساذج، وانما هو سؤال علمي في الحقيقة يبحث عن تعريف دقيق للمخدرات ومفعولها وفي الحقيقة لم تصنع الاتفاقات الدولة والتشريعات الوطنية على اختلاف مناهجها تعريفا شاملا جامعا لماهية المخدرات، وذلك لاختلاف طبيعة واثار كل منها، واختلاف وتعدد اشكالها ومسمياتها في ظل التطور العلمي الحديث، وهناك للمخدرات تعريفان، علمي وقانوني.
التعريف العلمي:
يقول ان المخدر مادة كيمياوية تسبب النعاس والنوم او غياب الوعي المصحوب بتسكين الالم.
التعريف القانوني: يقول ان المخدرات مجموعة من المواد تسبب الادمان وتسمم الجهاز العصبي ويحظر تداولها او زراعتها او صنعها الا لاغراض يحددها القانون ولا تستعمل الا بواسطة من يرخص له بذلك، سواء كانت تلك المخدرات طبيعية كتلك التي تحتوي اوراق نباتها وازهارها وثمارها على المادة الفعالة والمخدرة، او مصنعة من المخدرات الطبيعية وتعرف بمشتقات المادة المخدرة او (تخليقية) وهي مادة صناعية لا يدخل في صناعتها وتركيبها أي نوع من انواع المخدرات الطبيعية او مشتقاتها المصنعة وانما لها خواص وتأثيرات المادة المخدرة الطبيعية.
وهناك تعاريف اخرى ذهبت إلى ان المخدرات هي كل مادة يترتب على تناولها إنهاك للجسم وتأثير سيئ على العقل حتى تكاد تذهب به، لتكون عادة الادمان وتجرمها القوانين الوضعية.
وذهب آخرون في محاولة لوضع تحديد جامع لتعريفها بانها المادة التي يؤدي تعاطيها إلى حالة تخدير كلي او جزئي مع فقدان الوعي او دون ذلك، كما ان هذه المادة تعطي شعورا كاذبا بالنشوة والسعادة، مع الهروب من عالم الواقع إلى عالم الخيال، وهذه المادة قد تكون صلبة او سائلة او مسحوقاً بلورياً، أو على شكل اقراص او كبسولات وفقا لطبيعة ونوع المخدر.
اما لجنة المخدرات بالامم المتحدة، فقد عرفتها بانها كل مادة خام او مستحضرة تحتوي على جواهر منبهة او مسكنة من شأنها اذا استخدمت في غير الاغراض الطبية الصناعية ان تؤدي إلى حالة من التعود او الادمان عليها مما تضر بالفرد او المجتمع جسميا ونفسيا واجتماعيا.
وبهذا التعريف تم حصر جميع المواد ذات الخصائص الفنية كميائيا وفيزيولوجيا، ويمكن ايضا دخول مواد اخرى يمكن ان تكتشف او تستحضر طبيا في المستقبل.
ويقول الدكتور (محمد فتحي عيد) في كتابه (جريمة تعاطي المخدرات في القانون المصري والقانون المقارن) انه لكي نستطيع تعريف المخدرات يجب القاء الضوء على بعض المصطلحات، فالمخدرات من العلوم التي تجرى فيها دراسات عديدة تتناولها من جميع جوانبها الصحية والقانونية والاجتماعية، والمعلومات التي كانت من قبل قضايا مسلما بها من قبل الجميع، اصابها التعديل، فتعريف الادمان مثلا من الامور التي ثار حولها كثير من الجدل، ففي عام 1967 فرقت لجنة المخدرات التابعة للامم المتحدة بين ادمان المخدرات والتعود عليها، فعرفت الادمان بانه (حالة تسمم دورية او مزمنة، تلحق الضرر بالفرد والمجتمع وتنتج عن تكرار تعاطي عقار طبيعي او مصنوع ويتميز الادمان بما يلي:
-رغبة ملحة او قهرية في الاستمرار بتعاطي العقار والحصول عليه بأية وسيلة كانت.
-ميل الشخص إلى زيادة الجرعة المتعاطاة باستمرار.
-اعتماد نفسي وجسماني بوجه عام على اثار العقار.
-تأثير ضار بالفرد والمجتمع.
وعرفت التعود على المخدرات بانها حالة تنشأ عن تكرار تعاطي عقار مخدر، وهذه الحالة تتضمن الخصائص التالية:
-رغبة غير قهرية في استمرار تعاطي المخدر من اجل الاحساس بالراحة والانتعاش التي يبعثها المخدر.
-ميل قليل وقد لا يوجد لزيادة الجرعة المتعاطاة من المخدر او العقار.
-وجود اعتماد نفساني إلى حد ما على اثر المخدر ولكن لا وجود للاعتماد الجسماني وبالتالي لا وجود لاعراض الامتناع عن تعاطيه.
-اذا امتنع الشخص عن تناول العقار فلا تتعدى الاعراض التي يعانيها الفرد بعض الامراض النفسية البسيطة مثل تبلد المزاج والشعور بصداع بسيط يمكن التغلب عليه بسهولة.
وتتوسع الدراسات الاكاديمية في تفعيل احوال وتأثيرات المواد المخدرة، والمشكلات التي تخلفها وتسببها، كافتقار الفرد (المتعاطي) وعلى نحو تدريجي، القدرة على التركيز الذهني، وفقدان السيطرة على التصرفات وتفرض عليه تبديل وعيه بالبيئة بشكل يجعله يرى وكأن مجريات الامور تسير على نحو آخر وبايقاع اخر.
وبسبب التزايد المريع في معدلات ضحايا العقاقير والمؤثرات العقلية، انتبه المجتمع الدولي إلى خطورة هذه الظاهرة مبكرا، وبدأت العديد من حكومات الدول التحرك في اتجاهات عديدة وفي سعي جاد للسيطرة على كل العوامل التي تؤدي إلى التعاطي ومن ثم الادمان، والثابت ان الولايات المتحدة الامريكية كانت من طلائع الدول التي سارعت لدراسة المشكلة من جميع جوانبها وذلك في منتصف الاربعينيات عندما فوجئ رجال الجيش الامريكي بتورط اعداد كبيرة من الجنود الذين شاركوا في الحرب العالمية الثانية في تعاطي المواد المخدرة.
انواع المخدرات:
وهنا تتعدد المعايير المتخذة اساسا لتصنيف المواد المخدرة تبعا لمصدرها، او طبقا لاصل المادة التي حضرت منها، وتنقسم طبقا لهذا المعيار إلى:
-مخدرات طبيعية..
-مخدرات نصف تخليقية
-مخدرات تخليقية
المخدرات الطبيعية:
لقد عرف الانسان المواد المخدرة ذات الاصل النباتي منذ أمد بعيد، ولا توجد مخدرات ذات اصل حيواني، والمواد الفعالة في النباتات المخدرة هي:
أ.في نبات خشخاش الافيون تتركز المواد الفعالة في الاثمار غير الناضجة.
ب.في نبات القصب تتركز المواد الفعالة في الاوراق وفي القمم الزهرية.
ج.في نبات القات تتركز المواد الفعالة في الاوراق.
د. في نبات الكوكا تتركز المواد الفعالة في الاوراق.
هـ.في جوزة الطيب فالمادة الفعالة تتركز في البذور.
ويمكن استخلاص المواد الفعالة من الاجزاء النباتية الخاصة بكل مخدر، بمذيبات عضوية وبعد تركيز المواد المستخلصة يمكن تهريبها بسهولة لتصنيعها واعدادها للاتجار غير المشروع، ومثال ذلك، زيت الحشيش وخام الافيون والمورفين والكوكايين، وفي هذه العملية لا يحدث للمادة المخدرة المستخلصة اية تفاعلات كيمياوية، أي ان المخدر يحتفظ بخصائصه الكيمائية والطبيعية.
المخدرات نصف التخليقية:
وهي مواد حضرت من تفاعل كيميائي بسيط مع مواد مستخلصة من النباتات المخدرة التي تكون المادة الناتجة من التفاعل ذات تأثير اقوى فعالية من المادة الاصلية ومثال ذلك الهيرويين الذي ينتج من تفاعل مادة المورفين المستخلصة من نبات الافيون مع المادة الكيمياوية (استيل كلوريد) او (اندريد حامض الخليك) مورفين+استيل كلوريد= هيرويين.
المخدرات التخليقية:
وهي مواد تنتج من تفاعلات كيمياوية معقدة بين المركبات الكيمياوية المختلفة وتم ذلك في معامل شركات الادوية او معامل مراكز البحوث وليست من اصل نباتي. وتأثيراتها تتركز في الحالات التالية- مهبطات- منشطات- مهلوسات.
وهكذا تصبح ماهية المخدرات واضحة تماما وان كانت تحتمل تفاصيل اخرى، لكننا نرى ان نكتفي بهذا الحد من اطلاع مواطننا العراقي على ما يجب ان يطلع عله ليكون على بينة ومعرفة علمية ولو بسيطة بدقائق آفة المخدرات، وقد استندنا في معلوماتنا العلمية هذه إلى كتابات الدكتور محمد فتحي عيد وبخاصة كتابه (تعاطي المخدرات في القانون المصري والقانون المقارن) الجزء الاول، ووثائق هيئة الصحة العالمية – سلسلة النشرات لسنة 1973، ومصادر اخرى تعريفية عامة.
حبوب (الكبسلة)
وتدخل مضافة إلى (المخدرات) التي نوهنا بها (حبوب التخدير) التي اصطلح العراقيون على تسميتها بحبوب الكبسلة، وقد راجت هذه الحبوب بقوة منذ زمن النظام المباد، فهي متوفرة بكثرة ورخيصة الثمن ومفعولها لا يقل تأثيرا عن المخدرات (النباتية الطبيعية) ومشتقاتها وهي تغني عن الكحول ايضا.
يقول صاحب مذخر (……) للادوية في شارع المشجر ببغداد: كنا نحصل على (الحبوب المخدرة) او (حبوب الكبسلة) بطرق شتى من مذاخر الحكومة وصيدليات مستشفياتها، التي يلجأ الصيادلة وامناء الصندوق فيها، إلى (تصفير) موجوداتهم لننقلها بدورنا إلى الصيدليات المتعاملة معنا، وإلى المتعهدين من غير الصيادلة او (الباعة) غير القانونيين، ولم يلبث النظام السابق ان فتح لنا خلال سنوات الحصار باب الاستيراد من دون سقف ثابت، أي انه كان بامكاننا الاستيراد بكميات غير محددة وبمبالغ مفتوحة ومن مناشئ عدة بلا مناقشة، وكان اغلب الذين يسعون إلى الربح السريع يتجهون إلى استيراد حبوب التخدير من سوريا ولبنان وايران والاردن ودول اخرى، وهكذا لم يعد في البال تدقيق وضع المشتري الذي كان في الغالب بائعاً غير قانوني، وقد وصل هؤلاء بتجارتهم حتى إلى القرى والارياف ومدوا بسطاتهم على قارعة الطريق، فيما بات يعرف بصيدلية الرصيف، ولم يكتفِ هؤلاء ببيع حبوب الهلوسة او (الكبسلة) او اقراص التخدير وكبسولاتها، بل صاروا يبيعون ايضا حقن المورفين والكلوروفورم وكماماته وهي من أخطر المواد والادوية المخدرة وتتطلب خبرات اختصاصية عند استخدامها والا فان ارتكاب خطأ صغير سيقود إلى الكارثة.
الدكتورة نوال شاهين، اختصاص (تخدير) في مدينة الطب، تقول انها شاهدت احد الاطفال يبيع كمامات الكلوروفورم، وقد ذهلت، فلم تتمالك نفسها من سؤال الطفل عن مصدر هذه الكمامات وان كان يعرف مدى خطورتها، ليطردها والده الذي كان يقف قريبا منه موفرا له الحماية والدعم.
ويقول العميد ناجي صبري مدير شرطة مكافحة الجريمة والاقتصادية: انهم في حملاتهم لمكافحة ظاهرة صيدلية الرصيف، صادروا ادوية وعقاقير وحقناً طبية لا يعرف حتى المختصون مناشئها ولا كيفية استخدامها.
نسيان الواقع
ويقول العديد من مستهلكي الهيرويين والكوكايين، انهم انما يلجأون للمخدرات لنسيان الواقع الصعب الذي تتخبط فيه البلاد، احد المدمنين على الهيرويين، خالد حسين (22عاما) الذي لم يكمل دراسته الجامعية قال: انه يبيع المخدرات وبموافقة والده المدمن ايضا، في شوارع (…) لاعالة افراد اسرته. ويضيف خالد: في البداية وجدت الفكرة غريبة لكنني اليوم اشعر براحة عميقة لقيامي بذلك وكسب المال، وانا استخدم المخدرات لنسيان وقائع الارهاب، وجرائم القتل والاحوال المضطربة وغياب الحريات ومصادرتها، ويتهم مسؤولون في وزارة الداخلية مجموعات اجنبية ومحلية متعاونة معها بتهريب كميات كبيرة من المخدرات إلى داخل العراق حيث يزداد الطلب عليها وترتفع اسعارها باطراد.
ويضيف هؤلاء المسؤولون: ان التصعيد في الهجمات الارهابية وهجمات الجماعات المسلحة دفع الحكومة إلى التركيز على القضايا الامنية والتغاضي عن القضايا الاخرى ومنها المخدرات، اما مروجو المخدرات ففي احاديثهم للشبكة الموحدة للاعلام الاقليمي حول الشؤون الانسانية التي تعمل بالتعاون مع الامم المتحدة، قالوا انهم وجدوا سوقا مربحا بين جنود الاحتلال وان القوات الايطالية كانت من ابرز الزبائن..
وقال بعضهم ان العديد من عناصر القوات متعددة الجنسية يطلبون من رفاقهم العاملين معهم من الجنود العراقيين والمترجمين شراء المخدرات لهم، ويضيف هؤلاء، ان تجارة المخدرات ازدهرت في الاونة الاخيرة ، وقد قفز سعر الغرام الواحد من الهيرويين في السوق السوداء بشوارع العراق ما بين 20 و25 دولاراً بعد ان كان يباع بـ10 إلى 15 دولاراً.
ويقول المدير العام لوزارة الصحة السيد كامل علي: ان عدد المدمنين تضاعف، ومعظمهم من الشباب وعلى وفق الارقام المسجلة لدى الوزارة فان عدد المدمنين في بغداد تضاعف عما كان في العام المنصرم وازداد من 3000 حالة إلى 7000 حالة، وفي كربلاء بلغ 1200 حالة بعد ان كان يراوح عند 400 حالة قبل عام. (وهذه الارقام ليست نهائية كما انها في حالة تزايد مستمر). ويقول المسؤول المذكور:
ويواجه المهربون عقوبة السجن المؤبد او الاعدام، في حال ادانهم القضاء العراقي، الا ان هذه العقوبات للمهربين وتجار المخدرات لم تعد رادعة، ومع غياب أي برامج صحية متخصصة لتأهيل مدمني المخدرات، وبخاصة ان العديد من المنظمات غير الحكومية التي تحاول مساعدة ضحايا هذه الآفة كانت قد تلقت رسائل تهديد من تجار المخدرات فان مستقبل الشباب العراقي بات يقبع في المجهول.
الوكالة الدولية للسيطرة على تجارة المخدرات والموقف من العراق
تقول الوكالة الدولية للسيطرة على تجارة المخدرات، وهي معنية بمنع انتشار تجارة المخدرات في العالم: ان تجار المخدرات يستغلون الفوضى المسيطرة على الوضع في العراق، من اجل تحويل البلد إلى منفذ للهيرويين.
وتلقي الوكالة باللائمة في هذا الوضع، على العنف المتصاعد في العراق، وتقول ان حدود البلاد غير المؤمنة تشجع مهربي المخدرات على استخدام العراق كجسر عبور وطريق مرور لتجارتهم المحرمة، وتشير الوكالة في تقرير اصدرته مؤخرا بهذا الشأن، إلى ان السلطات الاردنية قد وضعت يدها على كميات كبيرة من المخدرات عند محاولة تهريبها عبر العراق إلى الاردن، وتؤكد السلطات الافغانية ان مشكلة المخدرات في البلاد بلغت من الخطورة بحيث باتت تهدد وجودها بالاساس.
وقد استولت سلطات الكمارك الاردنية على كميات كبيرة من خام الحشيش وحبوب الامفيثامين اضافة إلى الهيرويين والافيون.
ويقول حميد قدسي، رئيس الوكالة الدولية للسيطرة على تجارة المخدرات، ان الشكل العام لتجارة المخدرات في العراق يشبه إلى حد بعيد الاوضاع السائدة في غيره من البلاد التي تعاني آثار الحروب، ويضيف: (لا يمكن للسلام والامن والتنمية ان تسود من دون معالجة مشكلة المخدرات) و(سواء اكان السبب هو الحرب أم كارثة طبيعية، فان ضعف السيطرة على المنافذ الحدودية وانهيار الوضع الامني يحولان البلد إلى جسر مرور ملائم ليس للارهابيين وحسب، وانما لتجارة المخدرات ايضا) ويذكر ان الوكالة الدولية للسيطرة على تجارة المخدرات هي هيئة مستقلة انشئت لمراقبة تنفيذ مبادرات الامم المتحدة الخاصة بالحد من تجارة المخدرات ويعترف قدسي، ان هيئته ليست لديها ارقام دقيقة وموثوق بها بشأن حجم المشكلة، فيما يخص العراق، وقال انها قلقة جدا بسبب الأدلة التي تشير إلى تنامي المشكلة. ويضيف: انه في الوقت الذي تتعاون فيه السلطات العراقية مع جهود محاربة هذه التجارة، فانها تفتقر إلى الموارد الضرورية للقيام بذلك.
المخدرات في جنوبي البلاد تنتشر حتى في السجون
يروي لي بعض ضباط مكافحة المخدران عن بعض انواع هذه المخدارت فيذكرون تسميات غريبة: (كالنقيب والمقدم والعقيد والعميد) ويشرحون لك ان التسميات متأتية من عدد النجوم التي تحملها أكياس (الهيرويين) والافيون وهناك (النكوع) وهو نوع من الحشيشة يلف بقطعة قماش وتوضع في ماء مغلي مدة من الزمن ثم تبرد وتشم، ، ويتحدث عدد من الضباط الجدد عن دهشتهم لواقع الحال، حيث رصدوا ظاهرة اتساع ادمان المخدرات بين الشباب وبخاصة في محافظة البصرة التي تشهد حتى سجونها الاصلاحية انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات كما يقول هؤلاء الضباط ويذكر محمد عبد الزهرة الباحث الاجتماعي في سجن المعقل لمراسل الوكالة الوطنية العراقية للانباء -نينا- ان بعض النزلاء في سجن المعقل يتعاطون العقاقير المخدرة، وان بعض افراد الشرطة يدخلون هذه العقاقير إلى السجن!! فهم من ضعاف النفوس تجاه المغريات المادية وقد عملنا جاهدين للقضاء على هذه العادة السيئة، حيث بلغت نسبة من يتعاطون المخدرات داخل السجن 5% ويقول عبد الزهرة: ان وقت الفراغ هنا سبب الادمان وكذلك الاحساس بفقدان الحرية واذا اردنا أن نقضي عليه فيجب علينا ان نملأ اوقات الفراغ التي يقضيها السجين المدمن، بأنشطة رياضية او علمية وتوفير فرص العمل لهؤلاء كما يجب فتح ورش عمل او مراكز تأهيل للمدمنين وتنسيب مرشد اجتماعي، وطبيب نفسي في كل مركز للتغلب على هذه الظاهرة، وقال الدكتور عبد الرحيم عباس العاقولي:
-لقد كانت بداية ادمان بعض الشباب تعود إلى ما بعد غزو الكويت بالتحديد، فقد كان تعاطي حبوب الكبسلة على نطاق ضيق جدا ومحصورا في الذين يجندون في الجيش بذريعة انها تساعدهم على تحمل الاوضاع القاسية، لكن بعد سقوط النظام السابق، انتشرت هذه الظاهرة بشكل متسارع ومفاجئ في ظل الانفلات الامني وعدم وجود الرقابة والمحاسبة، ويتناولها بعضهم ويتعاطى المخدرات حتى امام الشرطة من دون خوف ويضيف الدكتور عبد الرحيم: ان اغلب مدمني المخدرات هم من العاطلين عن العمل وهم يلجأون اليها للهروب من واقعهم البائس.
محاولات لزراعة وانتاج المخدرات في العراق
يشهد سوق المخدرات تسارعاً في تعاطيها والاتجار بها بالمعدلات التي اطلعنا عليها وفي مدة زمنية قصيرة واستجابة للرغبة في الربح والاثراء السريع لدى بعض ضعاف النفوس من المزارعين ومُلاّك الاراضي واصحاب المختبرات الكيمياوية، ففي تصريح حسب احد مسؤولي شرطة ديإلى، فان الشرطة هناك احبطت محاولة لزراعة النباتات المخدرة (ولم يحدد نوعها) في بلدة (قره تبه)، وفصل كيفية اكتشاف هذه النباتات بالقول ان مفارز الشرطة العراقية المختصة لاحظت وجود بعض النباتات الغريبة الشكل واللافتة للانتباه في احدى مزارع البلدة، فقامت بالاستفسار عنها، وبعد ان تأكدت من نوعيتها قامت باعتقال صاحب المزرعة الذي اعترف انه جرب زراعتها في رقعة صغيرة، لانه يعرف ان مردودها ممتاز وانه بزراعتها يوفر على نفسه مخاطر تهريبها وكلفة جلبها جاهزة.
واكتشفت الشرطة كذلك رقعة صغيرة اخرى في محافظة ميسان تمت زراعتها بنبات الخشخاش، ويكتشف رجال حرس الحدود في كوردستان يوميا عددا من المحاولات لتهريب بذور نبات الخشخاش ونبات القنب وغيرها من النباتات المخدرة، وتقول المهندسة الزراعية المتقاعدة (اختصاص بستنة) نوال محمد الشيخ، ان عددا من زميلاتها المهندسات الزراعيات اللواتي نسبن لرعاية مزارع وحدائق مسؤولي النظام السابق في منطقة الطارمية ومقاطعات التاجيات، ذكرن لها ان هؤلاء خصصوا رقعا محددة كانوا يمنعون الاخرين من الاقتراب منها لزراعة نبتة الخشخاش المميزة بزهرتها الشديدة الحمرة الكبيرة الحجم ذات العطر المميز، وذكر لي احد اعضاء نقابة ذوي المهن الصحية انه شهد مختبرين في الاقل في العاصمة بغداد يقومان بانتاج (مخدر مخلق) وتحويل بعض النباتات المخدرة إلى مسحوق (TALK) او بودر وتعبئته في اكياس خاصة وبيعه لمتعهدين سريين وهذه التجارب بالرغم من قلتها كماً ونوعاً الا انها تعطي مؤشرا على انها عمليات رائدة تقود بالنتيجة إلى توسيع زراعة المخدرات في الاراضي العراقية، وتحويل العراق، من نقطة مرور إلى مزرعة للانتاج.
ويعلق الدكتور المهندس الزراعي جابر عبد الكريم من كلية الزراعة في جامعة بغداد على هذا الوضع قائلا: اذا انصرفت فعلا مجموعات من المزارعين إلى زراعة الخشخاش والقنب والنباتات المخدرة الاخرى، ونجحت في تسويقها فانها ستجر معها اعدادا كبيرة من المزارعين إلى هذا الحقل بسبب الاغراءات المادية الكبيرة والواسعة، وسينعكس ذلك على الاقتصاد الوطني عموما والاقتصاد الزراعي بشكل خاص، فستضعف مفردات وكميات المواد التي تحويها سلة الغذاء العراقية وتضعف قابلية الاراضي الزراعية وقوتها الانتاجية لان نبات المخدرات يستهلك خصوبة الارض ويحرمها من عناصر اساسية في عملية الانتاج الزراعي، ويستهلك الماء الشحيح اصلا في غير مكانه وبخاصة اننا في العقد القادم سنواجه شحة شديدة في المياه بسبب مشروع (G-A-P) التركي وسدوده على نهري دجلة والفرات، وفضلا عما تحدثه المخدرات من تخريب في العلاقات والنسيج الاجتماعي في البلد، فانها ستزيد من خسائر الدخل القومي، فكم هو عدد ساعات العمل المهدورة؟ وما حجم الاستثمار في مجال المخدرات وهو بناء على الرمال ورمي للنقود في البحر وتفريط في رصيد وطني كان يمكن ان ينتج تقدما ورفاهية لو استثمر في التنمية والتصنيع والمجالات المفيدة؟.
ويرى احد السياسيين الذي نكتفي بالاشارة اليه بالرمز (هـ.ع) بناء على طلبه، ان زراعة وانتاج المخدرات في العراق، اذا نجحت او اتسعت فعلا، فانها كارثة محققة فعلا، وتحويل العراق إلى افغانستان اخرى في هذا الجانب بعد تحويل الساحة العراقية إلى ميدان يصول ويجول فيه الارهاب والعنف الطائفي تماما كما هو الحال في افغانستان، يعني تهديدا مباشرا لكل القوى السياسية في البلد وللوجود السياسي وكيان الدولة اصلا، لذا يجب الانتباه بشدة إلى هذا المسرى واغلاق هذا الباب فورا وبكل قوة ردع.
الجهد الرسمي العراقي لمعالجة ادمان المخدرات
ما زال انتباه السلطات العراقية المختصة ضعيفا تجاه تسارع تعاطي المخدرات وزراعتها وانتاجها والاتجار بها في العراق.
ولهذا فان اجراءاتها لمكافحتها ومعالجة اثارها ما زالت قاصرة ودون المستوى المطلوب، ولهذا فان مكافحة الادمان اخذت شكلا عاما ولم تتفتح عن فروع للتخصص في انواعه، واقتصرت الجهود الرسمية للنظام السابق على افتتاح مستشفى بن رشد لمعالجة الادمان، وما زال هذا المستشفى منذ افتتاحه حتى اليوم يستخدم نفس الاساليب الروتينية المكررة ولم يطور فعالياته ولم يوسع نشاطاته كماً وكيفاً.
وقد حاولنا زيارة هذا المستشفى الا اننا صدمنا بعدم موافقة ادارة المستشفى على التعامل مع الصحافة، وتكرار الاطباء القول انهم غير مخولين بالتصريح او الحديث للاجهزة الاعلامية بالرغم من ابرازنا كتابا من وزارة الصحة يسمح لنا بزيارة مستشفياتها.
تصريحات مسؤولة بشأن واقع المخدرات في العرق
يقول مدير برنامج مكافحة المخدرات التابع لوزارة الصحة (سيروان كامل علي) ان عدد المسجلين لدى الوزارة كمدمني مخدرات بلغ قرابة 2029 مدمنا حسب احصائية اجرتها الوزارة بين الاول من ايار 2003 لغاية 31 آب/2004 .
ويضيف السيد سيروان كامل علي موصيا ومنبها الى خطورة الوضع ، فيحدد عدد المدمنين في محافظة ميسان على سبيل المثال بـ5% من سكان المحافظة وهو رقم صعب كما نرى وليس بالهين.
وينكر الدكتور محمد العبودي معاون المستشار الوطني للصحة النفسية في وزارة الصحة هذه الارقام ويقول انه لا توجد لدى وزارة الصحة اية ارقام عن مدمني المخدرات وانما هناك ارقام عن مراجعين يشكون من اعتماد دوائي وادمان كحولي فقط.
أما المقدم رعد مهدي عبد الصاحب، مسؤول مكتب المخدرات في وزارة الداخلية، وعضو اللجنة العليا لمكافحة المخدرات فيقول: ان اسباب اتساع ظاهرة تعاطي المخدرات والاتجار بها تعود إلى الانفلات الامني وغياب الرقابة داخل الاراضي العراقية التي تدخلها يوميا تقريبا كميات كبيرة من المخدرات عبر دول الجوار، كذلك حل الاجهزة الامنية ومن ضمنها مكاتب مكافحة المخدرات، وتطور الاجهزة التي يستخدمها المهربون في اتصالاتهم ووسائل النقل الحديثة التي يمتلكونها.
ويستطرد متحدثا عن تراجع مستوى اجهزة الشرطة وفعاليتها ونقص الخبرة، وفتح الدول المجاورة حدودها مع العراق، وتدهور الاقتصاد الوطني وفعالياته ونقص الخدمات والحالة الاجتماعية المتوفرة والبطالة واسباب اخرى مساعدة- ويقترح المقدم رعد مجموعة اجراءات من شأنها الحد من عمليات تهريب المخدرات، منها تعزيز ضبط الحدود واجهزة الكشف عن المخدرات واستخدام الكلاب البوليسية واشراك العاملين في مجال مكافحة المخدرات خصوصا رجال الشرطة، في دورات تدريبية للتعرف على انواع المخدرات، ودعا ايضا إلى تشجيع المواطنين للابلاغ عن حالات تعاطي وترويج المخدرات وتخصيص مكافآت مالية للمتعاونين، وتقديم مكافآت مالية كبيرة لرجال الامن لمكافحة الفساد الاداري، والاستفادة من خبرات الدول الاخرى وتبادل المعلومات مع الدول المجاورة في مجال ضبط المخدرات وكشف عمليات غسيل الاموال طبقا لاتفاقية الامم المتحدة الخاصة بالاتجار بالمخدرات لعام 1988 .
ويرد هنا تصريح لوزير الصحة الأسبق، علاء الدين العلوان قال فيه (لاسباب كثيرة لا توجد لدينا معلومات دقيقة عن حجم المشكلة الحقيقي في الوقت الراهن (تعاطي والاتجار بالمخدرات) واحد الاسباب هو عدم وجود مؤسسات صحية كافية ومؤهلة ما يجعل لغة الارقام وحدها غير كافية لتحديد حجم المشكلة).
ونضيف إلى تصريح العلوان القول، ان النظام المباد مارس تعتيما كثيفا على حركة المخدرات في العراق ولم يتعامل معها بنية المكافحة الجدية، ولهذا فهو لم ينشئ قاعدة معلومات بيانية واحصائية لواقع التعاطي والاتجار بالمخدرات في البلد، فظلت مجهولة وظلت الاجراءات لمواجهتها قاصرة، فأنت لا تستطيع محاربة خصم لا تعرفه.
وكان العلوان في وقتها قد اعترف ان احد اسباب تسارع انتشار تعاطي المخدرات في البلد هو (ضعف تطبيق القانون بحق المخالفين وعدم الاستقرار الامني والبطالة وسهولة توفر المواد المخدرة والموقع الجغرافي في العراق).
وكذلك قيام النظام السابق باطلاق سراح الالاف من المجرمين المدمنين اصلا على المخدرات). وهذه الاسباب ذكرها كل المسؤولين والخبراء وذوي الاختصاص الذين واجهناهم وحاورناهم حول مشكلة المخدرات في العراق وابعادها، كما ان هؤلاء جميعا يتفقون على انه ليس بامكان جهة ما وحدها تحمل اعباء مكافحة تعاطي المخدرات والاتجار بها وانه لا بد من تعاون بين عدة جهات صحية وامنية وقانونية وتعليمية ودينية واجتماعية.
الجهد الوطني لمكافحة المخدرات
الحديثة والمتأخرة منها بشكل خاص، زاد سعي دول العالم لمكافحتها، وكما ذكرنا فان العراقيين لم يتخلفوا عن الركب برغم كثرة العقبات امامهم، وينقل الزميل عبد الكريم العبيدي عن الدكتور عدنان فوزي عطية/معاون مدير البرنامج الوطني لمكافحة المهخدرات قوله: ان قضية تعاطي المواد المخدرة اصبحت مشكلة العصر في الوقت الحاضر، ونحن -كوزارة صحة- وكهيئة وطنية منبثقة عنها، نعمل على الحد من هذه الظاهرة، عن طريق اقامة الكثير من ورش العمل الخاصة بدراستها، اضافة إلى عقد الندوات وجلسات النقاش التي تدار من قبل الاختصاصيين والمعنيين بهذه الظاهرة للتوعية بمخاطرها الجمة.
كما ينقل عن الدكتور فوزي رجب توفيق/مدير التربية والبيئة والصحة في وزارة التربية قوله: ان ظاهرة تعاطي المخدرات طالت المؤسسات التربوية ايضا بسبب سوء الاوضاع الامنية والتسيب الذي عم الوزارة بعد سقوط النظام السابق، وان جهودا متميزة قامت بها الوزارة بالتعاون مع وزارة الصحة في هذا المجال، وقــــد كانــــت النتائــــج مرضية.
ويقول الشيخ كاظم المؤيد امام جامع السادة في الكاظمية، انه رصد انصراف بعض شباب المدينة إلى تعاطي وترويج المخدرات، ولهذا فقد بذل جهده في تركيز محاضراته الاسبوعية في الجامع لتوعية الشباب بمخاطر هذه الآفة وكونها من المحرمات الدينية، فهي اكثر خطرا من الكحول، ويؤيده في ذلك الشيخ عبد الحسين الرفيعي من مدينة الصدر، ويدعو علماء ورجال الدين إلى اداء واجبهم الشرعي في مكافحة هذه الآفة وانقاذ الشباب العراقي منها ويدعو السلطات الايرانية إلى مزيد من الحزم في مراقبة حدودها مع العراق.
حركة المخدرات فـي العـراق والمستقبــل
(من أمن العقاب اساء الادب) هذه الحكمة في الحقيقة قانون نافذ ومطبق وجار في كل مجالات الحياة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعادات وبخاصة المحرمة منها، كتعاطي المخدرات موضوع حديثنا، والاتجار بها او انتاجها، وقد انكرت سلطات النظام السابق وجود المخدرات في العراق وحالات تعاطيها، فكانت كالنعامة التي تخبئ رأسها في الرمال، وعلى هذا فهي لم تتخذ أي اجراء لمكافحتها، ومع اننا نعترف ان مشكلة المخدرات ايام النظام المباد لم تكن بالحجم الحالي، الا اننا نؤكد انه كان من المشجعين على الاتجار بها في الخفاء وبخاصة في مناطق معينة من العراق، لاهداف معروفة تتلخص بمعارضة سكان تلك المناطق للنظام المباد وسياسته.
وتتجه اليوم كل المؤشرات في الساحة العراقية إلى التأكيد على ان حركة غير طبيعية للمخدرات تشهدها هذه الساحة حاضرا وهي تهدد من خلال تسارعها ونمو حركتها بقلب واقع العراق وصبغته مستقبلا يساعدها على ذلك، واقع امني مضطرب وكما ذكرنا تكرارا حدود مفتوحة، وجيران غير متعاونين او ان تعاونهم ليس بالمستوى المطلوب لامساك وضبط هذه الحدود واقفالها في وجه تجارة تهريب المخدرات ومكوناتها، ووسائل انتاجها، اضافة إلى واقع نفسي سيشهد انحطاطا واحباطا متزايدا وواقع اجتماعي يتجه نحو التفسخ بسبب عوامل عدة في مقدمتها الانقلابات الايديولوجية والثقافية والفكرية والعادات والتقاليد والاعراف التي ابتدأت بالاهتزاز والمستوى المعيشي المتجه إلى الانخفاض والبطالة.
وللحكومة مكتب لمكافحة المخدرات في وزارة الداخلية وهي الوزارة الاكثر تماسا واهتماما بحركة المخدرات كما هو مفترض، لكن هذا المكتب يعاني شللاً جزئياً سببه قلة الملاك والتخصيصات اللازمة والاجهزة المطلوبة لملاحقة نشاطات المهربين وتحديد مناطق الاتجار والتعاطي والمروجين والمتعاطين وتحديد نوعية المخدرات ومصدرها، وبمعنى ادق، هذا المكتب لا يملك القدرة على التعجيل في نشاطه بنفس المستوى المتسارع الذي تشهده حركة المخدرات اليوم، مما يجعل فائدته في المكافحة والحصر محددة وغير ذات بال.
كما انه لا توجد قاعدة معلومات رسمية دقيقة وارشيف بياني بخصوص هذه الحركة والجهد المضاد لها، ولا توجد توعية ثقافية وصحية ودراسات متخصصة بمخاطر المخدرات واثارها المدمرة، ولا فعاليات قانونية تبين ابواب جريمة التعاطي والزراعة والانتاج، والترويج والاتجار بالمخدرات وعقوباتها، ولا توجد عودة لتقليب صفحات الاتفاقيات مع دول الجوار للتعاون في مكافحة انتشار المخدرات في المنطقة عموما.
ملاحظـــــــــة:
مصادر المعلومات التي استقى منها هذا التقرير (ملف المخدرات في العراق) وهي بعض المقالات الصحفية، والاخبار والتقارير المحلية والعالمية ونشرات بعض الوكالات العالمية التابعة للامم المتحدة ذات التخصص بتجارة المخدرات وتعاطيها، وافادات شخصيات متخصصة وزيارات ميدانية لبعض مناطق العراق، وحوارات شخصية مع بعض المسؤولين السياسيين والمواطنين ورجال الدين، وملاحظات شخصية مدونة خلال اكثر من عقدين من الزمن شملا الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وسنوات الالف الثالث ادرجت معلومات واوردت تقارير متخصصة عن واقع المخدرات في العراق، والاستفادة من تحليلات الصحف الاجنبية وتعليقاتها وتوقعاتها باقلام كتاب اكاديميين متخصصين تمت ترجمة ملاحظاتهم إلى العربية بجهد شخصي.