16 نوفمبر، 2024 4:00 ص
Search
Close this search box.

تركيا في عفرين: تحديات ما بعد العمل العسكري والمواقف الدولية والإقليمية

تركيا في عفرين: تحديات ما بعد العمل العسكري والمواقف الدولية والإقليمية

إعداد/ محمود سمير الرنتيسي
تحاول هذه الورقة الوقوف على تفاعلات العملية العسكرية التي تستهدف “وحدات حماية الشعب” في عفرين، والتي بدأتها تركيا في 20 يناير/كانون الثاني 2018. وترى الورقة أن العملية تمت بتوافق تركي-روسي لرغبة مشتركة في إفشال المخطط الأميركي في شمال سوريا ولحاجة تركيا لضوء أخضر لضمان نجاح عملياتها وخاصة الجوية، وترى الورقة أن العملية التي يمكن أن تخفف من مخاوف تركيا الأمنية قليلًا سوف تكون خطوة أولى قبل التقدم نحو منبج وهو ما سيجعل العلاقات التركية-الأميركية أمام تهديد ومواجهة مباشرة. أما فيما يتعلق بالحل السياسي في سوريا وفيما تُظهر الأمور أنها تصب في مصلحة روسيا ودمشق فإن المزيد من التعقيد هو المرجح في مسارات الحل المستقبلي.

تركيا وواقع عفرين

بعد إعلان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بوقت قليل أن العملية التركية الموجهة ضد حزب العمال الكردستاني، وامتداده “وحدات حماية الشعب” التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي في عفرين، قد بدأت فعليًّا، أعلنت القوات المسلحة التركية عن بدء التقدم في عملية “غصن الزيتون” في تمام الساعة الخامسة مساء من يوم 20 يناير/كانون الثاني 2018. ووفقًا لمسؤولين أتراك، فقد استندت العملية التي تجري على الأراضي السورية قانونيًّا، كما حصل في عملية درع الفرات، على المادة 51 من قرارات الأمم المتحدة(1).

تَعتبر تركيا تواجد قوات وحدات حماية الشعب في عفرين، المحاذية لمدينتي كليس وهاطاي التركيتين، خطرًا على أمنها القومي؛ وذلك انطلاقًا من مخاطر تتعلق باحتمالات إنشاء ممر كردي على الحدود التركية-السورية. وتُعتبر عفرين التي تبلغ مساحتها 3900 كيلومتر مربع وتتميز بتضاريس جبلية، واحدة من ثلاثة تجمعات كبرى تسيطر عليها وحدات حماية الشعب بالإضافة إلى عين العرب كوباني، والجزيرة، ولكن عفرين -التي تقع في الجانب الشمالي الغربي من سوريا- ليست متصلة بالكنتونات الأخرى ولم يكن هناك سوى مساحات قليلة لوصل الكنتونات الشرقية بعفرين قبل أن تتدخل تركيا من خلال عملية درع الفرات في أغسطس/آب 2016 وتفرض واقعًا جديدًا، لكن هذا الواقع لم يكن كافيًا لإزالة هواجسها. وبالإضافة إلى الخطر المستقبلي فإن هناك خطرًا يتعلق بأمن تركيا الداخلي حيث تعتبر عفرين منطقة أساسية كحاضنة بشرية وكمحطة لتدريب وتأهيل وانطلاق أفراد حزب العمال الكردستاني إلى داخل تركيا وتحديدًا إلى معاقلهم في جبال الأمانوس داخل ولاية هاطاي التركية(2).

لقد تكرست سيطرة وحدات حماية الشعب المدعومة من التحالف الدولي بقيادة واشنطن بعد إعلانها الحكم الذاتي، في يناير/كانون الثاني 2014، وتغطية على الصبغة الكردية لوحدات حماية الشعب تم إنشاء قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، في أكتوبر/تشرين الأول 2015، كقوة برية مدعومة من التحالف الدولي بهدف معلن وهو طرد تنظيم الدولة. وضمَّت قسد مقاتلين عربًا وأرمن ذكرت بعض المصادر أن نسبتهم لم تتجاوز 3% ولكن قلبها كان من وحدات حماية الشعب والتي كانت تتبع في قراراتها باهوز أردال، القيادي في حزب العمال الكردستاني(3). وقد بدا أن أهداف “قسد” تنسجم مع مصالح كل من واشنطن وموسكو، وبالفعل استفادت “قسد” من أزمة تركيا مع روسيا في أعقاب إسقاط تركيا لمقاتلة روسية، في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، وتقدمت في مناطق المعارضة واحتلت مناطق مهمة مثل تل رفعت ومطار منغ بدعم جوي روسي بل وبادرت بالتقدم نحو مدينة الباب، وفيما لا يوجد في عفرين قواعد عسكرية أميركية على عكس الحال في الجهة الشرقية من نهر الفرات فإن الروس هم من ملؤوا هذا الفراغ؛ حيث تواجدوا في مواقع في منطقة كفر جنة وفي جندريس بالقرب من عفرين(4).

الأوضاع السياسية قبل عملية عفرين

بينما كانت تركيا تتقدم بخطى ملموسة في سوريا عبر تفاهماتها مع روسيا وإيران في مسار آستانا-سوتشي الذي تمخض عن اتفاقيات مناطق خفض التوتر ودخول القوات التركية إلى إدلب، كانت مستويات الثقة بين واشنطن وأنقرة تسير في منحى متدهور خلال السنة الماضية إلى أدنى مستوياتها، ومنذ عدم إيفاء إدارة أوباما بتعهداتها بإخراج وحدات الحماية من منبج بعد القضاء على تنظيم الدولة بقيت تركيا مستعدة لسيناريو تقوم بموجبه، عبر تدخل عسكري آخر بعد عملية درع الفرات، بإفساد الخطة الأميركية لتقوية الميليشيات التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، وقد وصل الخلاف في الموضوع السوري ذروته بعد تزايد الدعم العسكري الأميركي لوحدات الحماية الذي وصل إلى أكثر من 4000 شاحنة عسكرية، وفق المصادر التركية، وتزامن ذلك أيضًا مع تنفيذ إقليم شمال العراق استفتاء شعبيًّا من أجل الاستقلال عن العراق. وقد عزَّز هذا قناعة الأتراك بأن الدعم الأميركي لوحدات الحماية لم يكن تكتيكيًّا لمواجهة داعش بل له أهداف استراتيجية منها البقاء في شمال سوريا، عبر دعم وجود كيان كردي من خلال إضفاء شرعية سياسية على الميليشيات الموجودة. ويُعتبر الموقف الأميركي الحالي في تركيا موقفًا عدائيًّا حتى لو لم يتم التعبير عن ذلك رسميًّا.

وفي ذات السياق، قرأ الأتراك إعلان وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، ملامح استراتيجية واشنطن في سوريا في حديث له في جامعة ستانفورد، والتي ترتكز على المحافظة على وجود عسكري دائم عبر مزيد من الدعم والشراكة مع وحدات الحماية، وقد استشاطت تركيا غضبًا مع تزامن ذلك مع الإعلان عن تشكيل التحالف الدولي لقوة حدودية قوامها 30 ألف مقاتل نصفهم من وحدات حماية الشعب(5) دون استشارتها، وهي دولة عضو في حلف الناتو والذي أعلن هو أيضًا أنه لم يُستَشَر بخصوص إنشاء هذه القوة.

وبالتأكيد لم تَرُقْ هذه الفكرة لروسيا بل لربما اعتبرتها محاولة أميركية لتقسيم سوريا ولإفشال مسار سوتشي خاصة بعد أن توصلت موسكو إلى أن هجمات الطائرات بدون طيار الأخيرة على قواعدها في حميميم وطرطوس كانت بهدف إظهار أن تركيا وراء ذلك، ولهذا كان ما سبق دافعًا لموقف يسمح بدخول الأتراك إلى عفرين.

لا يوجد أدنى شك في أن تركيا لم تكن لتتمكن من بدء عملية في عفرين دون تنسيق مع موسكو، وقد لوحظ هذا التنسيق سواء في اتصالات زعيمي البلدين أو في زيارة رئيس الأركان ورئيس المخابرات التركيين إلى موسكو قبل بدء العملية، ويُعتَقَد أن روسيا قد منحت ضوءًا أخضر لتركيا للقيام بعملية في عفرين ولكن قراءة سبب موافقتها تدور بين عدة أمور، ومنها: أن وحدات الحماية رفضت عرضًا روسيًّا بتسليم عفرين للنظام؛ ومن هذا اعتبرت روسيا أن وحدات الحماية تتحرك ضمن المخطط الأميركي، ومنها: أن هناك تفاهمًا على تقدم تركيا في عفرين فيما يتقدم النظام في مناطق في إدلب، ومنها: أن ذلك فرصة جديدة لبوتين لدقِّ إسفين آخر في شرخ علاقة أنقرة وواشنطن.

بدء العملية والقراءة العسكرية

بدأت العملية العسكرية من خلال القصف المدفعي والجوي لبعض مواقع وحدات الحماية، ثم قصف الطيران التركي 108 أهداف عسكرية من أبرزها مطار مينغ العسكري ومواقع في جبل برصايا وتل رفعت، تلا ذلك تقدم بري للقوات التركية وقوات الجيش السوري الحر من أكثر من محور نحو عفرين ويُتوقَّع أن يتم العمل على إجلاء المدنيين قبل استكمال العمليات، وربما ينسجم هذا مع ما ذكره رئيس الوزراء التركي من أن العملية تسير ضمن 4 مراحل وتهدف لإنشاء منطقة عازلة بعمق 30 كيلومترًا. وتتراوح التقديرات لعدد القوات المهاجِمة في مجموعها ما بين (20-25) ألفًا حيث تُقدَّر القوات التركية بما بين 6-10 آلاف عسكري بما فيهم قوة من نخبة القوات الخاصة التركية فيما تُقدَّر قوات الجيش الحر بما بين 10-15 ألفًا، ووفق التقديرات التركية أيضًا، فإن المسلحين من وحدات حماية الشعب تُقدَّر أعدادهم بـ 8-10 آلاف مقاتل وهم منتشرون حاليًّا على عدة محاور من أهمها غرب أعزاز وجندريس وبلبل وشيخ الحديد وتل رفعت.

ويبدو تقدم العمليات في اليوم الخامس لعملية غصن الزيتون، من عدة محاور، وهي المحور الشرقي من جهة أعزاز والمحور الشمالي من مدينة كيليس والمحور الغربي من هاطاي ومن المحور الجنوبي وإن بدرجة قليلة، وهو محور إدلب، علمًا بأن دخول تركيا لإدلب كان في الأساس لأجل عفرين وبذلك تكون المدينة تحت حصار كامل للقوات التركية عدا منطقة التقاء مناطق سيطرة وحدات حماية الشعب مع مناطق سيطرة النظام السوري، وهو شريط يمتد من منطقة تل رفعت ويستمر جنوبًا بمحاذاة محيط بلدتي نبل والزهراء.

ومما لا شك فيه أن هناك تفوقًا عسكريًّا تركيًّا واضحًا من خلال استخدام الطائرات الحربية والطائرات بدون طيار التي أسهمت في إحداث تفوق نوعي، كما لوحظ أن هناك تحضيرًا وتخطيطًا مسبقًا للعملية من خلال الإعلان عن قصف أكثر من 90% من بنك الأهداف، ولكن الطبيعة الوعرة للتضاريس والبيئة غير الصديقة مقارنة بمناطق درع الفرات والاستعدادات المتمثلة في الأنفاق والأسلحة النوعية (مضادات الطائرات ومضادات الدروع التي يُرجَّح أنها وصلت من الشرق عبر مناطق النظام) التي من الممكن أن يتم اللجوء لها في الأيام القادمة مع التعمق البري قد تسفر عن خسائر في القوات المهاجمة وهو ما يتم العمل على تجنبه.

ومن الأمور التي تخشى تركيا منها أيضًا، احتمال قيام حزب العمال الكردستاني بنقل المعارك إلى داخل تركيا سواء باستهداف المدن التركية من داخل عفرين أو من خلال هجمات داخل تركيا، وقد تتعقد الأمور إذا حصل الاستهداف من مناطق شرق الفرات حيث التواجد العسكري الأميركي، وقد أحبطت تركيا حتى الآن أكثر من 100 محاولة تسلل. ولا تبدو العقبات العسكرية في مسار مناطق العمليات هي الأصعب بل الإرادة السياسية أمام الضغوط والحسابات الدولية التي قد تتزايد مع تقدم العمليات من دول مثل الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا. ولكن تركيا أيضًا تبدو عازمة على عدم التجاوب مع هذه الضغوط قبل تحقيق إنجازات ملموسة على الأرض.

المواقف الدولية

ثمة مواقف دولية مهمة وخاصة للقوى الدولية والإقليمية التي تمتاز بحضور وتأثير داخل المشهد في سوريا، وهي: أميركا وروسيا وإيران بالإضافة إلى موقف النظام السوري، وفيما يلي نستعرض ردود أفعال هذه القوى على العملية التركية في عفرين.

الموقف الأميركي
من المعلوم أن أحد البواعث الأساسية للعملية التركية هو تطور الاعتماد الأميركي على وحدات حماية الشعب وتزايد الدعم لهم بالرغم من القضاء على داعش. وقد تساءَلَت تركيا كثيرًا عبر رئيسها عمَّا يعنيه وصف العلاقة بين أنقرة وواشنطن بالتحالف في ظل الدعم الأميركي لجهة على حدود تركيا تعتبرها الأخيرة إرهابية. ولهذا، فإن الذي كان ماثلًا أمام واشنطن، والتي ليست موجودة في عفرين، هو تخفيف الاحتقان التركي لتجنب تضرر أكبر في العلاقة مع تركيا وعدم تقديم فرصة أكبر لموسكو للتغذي من هذه الحالة؛ وقد قال وزير الدفاع الأميركي، جيم ماتيس، أمس: إن لتركيا مخاوف أمنية “مشروعة” في المنطقة، وإنها كانت على علم مسبق بالعملية العسكرية في حين قالت الناطقة باسم الخارجية الأميركية، هيذر ناويرت، في أول يوم للعملية العسكرية: “نحض تركيا على ممارسة ضبط النفس وضمان أن تبقى عملياتها محدودة في نطاقها ومدتها، ودقيقة في أهدافها لتجنب سقوط ضحايا مدنيين”(6). وقد قال وزير الخارجية الأميركي، تيلرسون: “إن بلاده “تُقدِّر” حق تركيا في الدفاع عن نفسها ضد الإرهابيين، ولكن “الوضع الآن صعب؛ حيث يوجد اختلاط كبير بالمدنيين، ولذلك طلبنا منهم أن يكونوا دقيقين، وأن تكون عملياتهم محدودة، وأن يُظهروا تقيدًا، وسنرى إذا كان بإمكاننا العمل معهم لخلق مناطق أمنية قد يحتاجونها”. قد يكون الموقف الأميركي مقدِّرًا لحالة عدم التحمل التي وصلتها تركيا أو لما يقال إنه فخ روسي نصبه بوتين للإيقاع بين واشنطن وأنقرة ولهذا فإن الموقف الأميركي قد غضَّ الطرف عن العملية التركية في عفرين ولعل هذا ما يفسر تراجع واشنطن عن إعلانها عن تعبير قوة حدودية إلى قوة داخلية في سوريا ولكن ربما سنكون أمام موقف مختلف فيما لو توسعت العملية إلى منبج أو مناطق شرق الفرات.

وفي ذات السياق، ذكرت مصادر صحفية تركية أن تركيا هددت واشنطن بإغلاق قاعدتي إنجرليك وكوجيجك أمام القوات الأميركية، في حال عارضت عملية عفرين، ونُقل عن وزير الخارجية التركي قوله: “فلا تُجبرونا على اتخاذ خطوات أحادية الجانب، فإن كنتم تضعون هذه الخسائر نصب أعينكم استمروا بمعارضتكم”(7).

الموقف الروسي
ساد شيء من عدم الوضوح بخصوص الموقف الروسي قبيل تقدم تركيا إلى عفرين حيث نفى لافروف انسحاب قوات بلاده من عفرين والتي انسحبت قبل بدء العملية بساعات، وبالرغم من أن روسيا أعربت عن قلقها إلا أنها أعلنت أن واشنطن هي من دفعت أنقرة لهذه الخطوة وأن واشنطن تضغط على الأكراد وتشجعهم على التوجهات الانفصالية، كما أن التنسيق التركي مع روسيا برز بشكل مباشر من خلال توجه رئيس الأركان والمخابرات التركيين إلى موسكو حيث ذكر وزير الخارجية التركي أن بلاده تُجري مشاورات مع روسيا وإيران لتمكينها من استخدام المجال الجوي السوري، وقال: إن زيارة رئيس الأركان التركي إلى موسكو تأتي في إطار مشاورات مع روسيا وإيران الداعمَتين الرئيسيتين لبشار الأسد، للسماح لطائرات تركية بالمشاركة في حملة عفرين(8).

الموقف الإيراني
بالرغم من أن تركيا عملت مع إيران بشكل وثيق لإحباط نتائج استفتاء إقليم شمال العراق بشكل ناجح إلا أن إيران التي تحتفظ بتواجد في مناطق قريبة من عفرين دعت إلى إنهاء العملية العسكرية بحجة أن ذلك قد يؤدي لتقوية الجماعات الإرهابية، وقد قال حسين جابر أنصاري، مساعد وزير الخارجية الإيراني: إن كلًّا من الدول الضامنة لوقف إطلاق النار عليها ألا تُقدِم على خطوة من هذا القبيل حتى لا يتأثر مؤتمر سوتشي في 29 و30 يناير/كانون الثاني 2018، ومن جهته أيضًا، دعا رئيس الأركان الإيراني، في اتصال مع نظيره التركي، إلى تأكيد تركيا على احترام وحدة الأراضي السورية وأنها ليس لها أطماع في سوريا(9) وهو ما أكدته تركيا بشكل واضح، حيث لم يعتبر الأتراك، الذين حرصوا على التنسيق المكثف مع إيران، موقف الأخيرة موقفًا معارضًا بل اعتبروه أيضًا موقفًا متفهمًا للخطوة التركية(10). وعند هذه النقطة تحديدًا، فإن طهران التي لديها مخاوف مشتركة من مشروع كيان كردي لا تريد بالتأكيد للنفوذ التركي -الذي تعرف موقفه من نظام بشار الأسد- أن يتزايد في شمال سوريا على حسابها، وتريد طهران أن تبقى صاحبة كلمة من خلال العمل مع موسكو ودمشق، ولكن إدراكها أنها مستهدفة في الاستراتيجية الأميركية الجديدة قد جعلها تُبدي مرونة وربما يكون هناك تنسيق لاستخدام الأراضي التي تهيمن عليها قوى تابعة لها في العمليات.

موقف النظام السوري

بالرغم من حرص تركيا على التنسيق، ولو بشكل غير مباشر، مع دمشق وتأكيدها على احترامها لوحدة الرأي السورية، وصفت الخارجية السورية العملية التركية بأنها “تمثِّل الخطوة الأحدث في الاعتداءات التركية على السيادة السورية”، مطالبة المجتمع الدولي باتخاذ الإجراءات اللازمة لوقفه، حيث أكد وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أن “تركيا أبلغت النظام عبر مذكرة مكتوبة بعملية عفرين”(11). وعلى الأرجح، وصلت هذه المذكرة عبر روسيا لكن مصادر مقربة من النظام نفت ذلك، ومن الواضح أن النظام أضعف من أن يعارض الموقف الروسي ولكن موقفه الحالي قد يتيح له حرية التحرك في أكثر من اتجاه لاحقًا. وبالفعل، تقدم النظام في أكثر من بلدة قبل وأثناء العملية التركية، ومن هذه الأماكن: مطار أبو الظهور العسكري الذي يبعد 50 كيلومترًا عن إدلب.

خاتمة وسيناريوهات

تسير العملية في إطار سيناريوهين محتملين:

أولهما: أن تكون العملية مركزة تستهدف تدمير البنية التحتية لوحدات الحماية وقصيرة تستهدف إنشاء منطقة عازلة بعمق 20 إلى 25 كيلومترًا داخل الحدود السورية.
أما السيناريوالثاني، وهو الأكثر ترجيحًا في الوقت الحالي، هو مضي تركيا في عملية شاملة متدرجة تصل بالنهاية إلى سيطرة كاملة على عفرين وهذه العملية لن تكون عملية سريعة.
إن سيطرة تركيا على عفرين ستثبِّت قدمها ودورها أكثر على طاولة المباحثات كما ستقود توجهها نحو منبج والذي سيكون التحدي فيه هو الموقف الأميركي وليس التحدي الميداني، والذي من المحتمل أن يكون أكثر حزمًا، وخاصة لمنع تركيا من التوجه إلى مناطق شرق الفرات التي تحتوي مواقع عسكرية أميركية. وهنا، فإن الكرة في ملعب واشنطن؛ فهل ستقوم بالتفاهم مع تركيا بعد عفرين أم ستترك تركيا تتجه بشكل أكبر نحو روسيا؟

ما زالت دول تركيا وروسيا وإيران ملتزمة بمسار آستانا-سوتشي الذي أصبح يتقدم بشكل أكبر على الأرض والذي تعتبر عملية عفرين نتاجًا للتنسيق بين أطرافه، ويمكن القول: إن نتائج الاجتماع القادم في سوتشي مهمة جدًّا في تحديد ملامح مرحلة ما بعد عملية عفرين.

____________________________________________

محمود سمير الرنتيسي، باحث متخصص في الشؤون التركية

مراجع

1 جان أجون، 5 أسئلة عن عملية غصن الزيتون، مركز سيتا للدراسات، 21 يناير/كانون الثاني 2018، تاريخ الدخول: 24 يناير/كانون الثاني 2018: https://www.setav.org/5-soru-zeytin-dali-harekati/

2 المرجع السابق.

3 “قوات سوريا الديمقراطية”.. جيش الأكراد بسوريا، الجزيرة نت، 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، تاريخ الدخول: 24 يناير/كانون الثاني 2018: https://goo.gl/RTqSzm

4 خالد الخطيب، لماذا تتواجد روسيا في عفرين؟، المدن، 22 مارس/آذار 2017، تاريخ الدخول: 24 يناير/كانون الثاني 2018: https://goo.gl/DHvpJY

5 Tillerson in policy speech at Stanford, Stanford, 18 Jan 2018, ( 24 يناير 2018): https://news.stanford.edu/2018/01/18/secretary-state-rex-tillerson-discusses-u-s-strategy-syria-stanford/

6 عفرين: مواقف دولية متباينة، بي بي سي، 22 يناير/كانون الثاني 2018، تاريخ الدخول: 24 يناير/كانون الثاني 2018): http://www.bbc.com/arabic/in-depth-42780452

7 عبد القادر سلفي، حرييت، 24 يناير/كانون الثاني 2018، تاريخ الدخول: 24 يناير/كانون الثاني 2018: http://www.hurriyet.com.tr/yazarlar/abdulkadir-selvi/rusyanin-afrin-mesaji-neydi-40719798

8 انسحاب روسي من عفرين، الجزيرة نت، 19 يناير/كانون الثاني 2018، تاريخ الدخول: 24 يناير/كانون الثاني 2018: https://goo.gl/dyibD7

9 إيران: مؤتمر سوتشي قد يتأثر، حرييت، 24 يناير/كانون الثاني 2018، تاريخ الدخول: 24 يناير/كانون الثاني 2018: http://www.hurriyet.com.tr/bir-aciklamada-irandan-kongreyi-etkileyebilir-40716646

10 برهان الدين ضوران، مقابلة مع قناة إن تي في، 23 يناير/كانون الثاني 2018، تاريخ الدخول: 24 يناير/كانون الثاني 2018: https://www.setav.org/zeytin-dali-harekatinin-bolgedeki-kurtlere-etkisi/

11هل يتدخل الأسد لإنقاذ عفرين؟، DW، 22 يناير/كانون الثاني 2018، تاريخ الدخول: 24 يناير/كانون الثاني 2018: https://goo.gl/sxm9Zd
المصدر/ الجزيرة للدراسات

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة