خاص : عرض – سماح عادل :
رواية (بقايا القهوة) للكاتب الأوروغواني “ماريو بينديتي”، ترجمها عن الإسبانية “محمد العشيري”، تتناول الإكتشافات الأولى للحياة بالنسبة لطفل، حيث تدور في قالب سيرة ذاتية عن حياة طفل يكبر ليصبح رجلاً، ورصده للعالم الخاص به وتأثيره عليه.
الشخصيات..
“كلاوديو”: البطل.. طفل في حوالي السادسة من عمره يتحدث عن حياته وإكتشافات عالمه الصغير، ويكبر ليصبح شاباً يشغله عالمه الصغير، رغم أنه قد يتأثر بالعالم الكبير من حوله وأحداثه، لكنه يظل تأثيراً خافتاً.
“سيرخيو”: والد “كلاوديو”.. يعمل مدير لأحد الفنادق، شخص هادئ حياته تمر بسلاسة، يكتب يومياته ليوقف زحف الزمن.
“ريتا”: فتاة صغيرة.. قابلت “كلاوديو” خلسة لتواسيه عندما مرضت أمه، وظلت من ذلك الوقت فتاة أحلامه ينتظرها ويتمنى لقاءها.
“ماريانا”: فتاة أحبها “كلاوديو” حين تجاوز العشرين من عمره.. وهي طالبة في الجامعة وقررت أن يتزوج منها.
“إيدمونو”: عم “كلاوديو”.. وهو موظف في أحد البنوك، يحب الإنخراط في العمل النقابي بعد موت زوجته وهي شابة، وساعده العمل النقابي والقراءة الكثيرة على التخلص من حزنه، كما أنه يقدر العمال، يقول أنه يتعلم منهم الكثير، لأن من يقوم بالعمل اليدوي يمتلك معرفة بالحياة أكثر من هؤلاء الذين يتعاملون مع الأرقام والأعمال الذهنية المغرقة في التجريد.
الراوي..
الرواية تعتمد على الحكي بضمير المتكلم، حيث يروي “كلاوديو” عن نفسه وعن إكتشافاته للحياة، منذ أن كان طفلاً، لكنه مع ذلك يستعين الكاتب براوي آخر يحكي عن “كلاوديو” في بعض المواضع، كما يستعين الكاتب بيوميات أبو “كلاوديو” مرتين في الرواية لنتعرف عن قرب على نفسية الأب وهمومه وأحلامه.
السرد..
إيقاع السرد هادئ، والأسلوب يعتمد على السخرية المحببة، تنقسم الرواية إلى 48 نص، يبدأ كل منهم بعنوان، موزعة على 260 صفحة من القطع المتوسط، والسرد لا يخرج عن وجهة نظر الطفل الذي ينمو ثم الشاب الذي أصبح عليه إلا مرتين حين استعانت بيوميات الأب ومرات قليلة حين استعان الكاتب براوي يتحدث عن “كلاوديو” بضمير الغائب.
الإكتشافات الأولى للحياة..
يحكي الطفل “كلاوديو” عن نفسه بلغة سهلة وأقرب إلى السخرية، كيف أكتشف عالمه الصغير بدءً من المنزل الذي يتغير كثيراً نظراً لتنقل أسرته بين البيوت، ويصور إحساسه بهذه المنازل خاصة المنزل الذي أمتلك فيه غرفة تخصه تطل على شجرة تين كبيرة، وعن إحساسه بأمه الطيبة وأبيه الهادئ وأخته الصغيرة، وكيف كان طفلاً مريضاً حتى أنه قضى فترة دراسته الأولى كلها في المنزل، وكيف كان يلعب مع أبناء خالته وباقي الجيران، وأول إكتشاف لمعنى الموت حين عثر هو وأصدقاءه على جثة متشرد يدعى “الداندي”، في وقت كان أهل الحي كله منشغلون بمنطاد يطير في الهواء ومندهشين إلى حد نسيان الأطفال، وقد أكتشف هؤلاء الأطفال جثة المتشرد المقتول، ثم تركوها في الحديقة دون إبلاغ أحد، ثم بعد ذلك أختفت الجثة ولم ينشر عنها في الصحف أي خبر.
كما يصور إكتشافه للفقد، حين فقد أمه وهو في الثانية عشر من عمره، حيث أصيبت بمرض خطير وصارحه أبوه قبل موتها بهذا المرض، وكان حزيناً لا يعرف ماذا يفعل، ثم عرف الموت مرة ثانية من خلال موت أمه المؤلم، لكنه رغم ذلك يحكي بحياد كامل يخلو من أي إنفعال أو مشاعر، ويحكي كيف تلاءم الأب مع موت زوجته، حيث حبس نفسه في المطبخ مكلفاً أخيه بأعمال الدفن والجنازة، ثم حاول تجاوز حزنه فيما بعد عن طريق الإنتقال من المنزل الذي يحمل ذكريات الزوجة المتوفاة.
ويستمر يرصد الإكتشافات لعالمه حين أكتشف ميله للمرأة، وحين بدأ يهتم بعالمها، أولاً من خلال مدرسته التي كانت تأتي للمنزل يومان في الأسبوع لتدريسه، وكانت تمتلك ساقان جذابتان، ثم بداية التواصل معها حين تسللت “ريتا” إلى غرفته على شجرة التين التي تطل عليها نافذة غرفته لكي تواسيه وتخفف عنه خبر مرض أمه المميت، حين سمعت من الجيران بالأمر، وقبلته بالقرب من شفتيه، وكان هذا أول قرب له مع عالم الأنثى، ثم زاد هذا القرب حين تواصل جسدياً مع “نتاليا” تلك الفتاة التي تسكن في غرفة في منزله الجديد، ثم يصبح التواصل مع عالم المرأة أكثر حميمية حين دخل مع “ماريانا” في علاقة حب وقرر الزواج منها بعد فترة.
كما يكتشف الحياة عن طريق جده وجدته لأمه الذين، رغم كبر سنهما، يعيشان حياة يملؤها الود، وعن طريق أحد الجيران الذي لا يرى، ويواظب “كلاوديو” على زيارته وإمطاره بأسئلة حول العمى وإحساسه بالحياة.
اليوميات مقاومة لزحف الزمن..
“سيرخيو” والد “كلاوديو” يكتب يومياته ويخفيها عن الجميع، لكن الكاتب يضمنها داخل الرواية دون أن يعلم القارئ كيف حصل عليها، يكتب “سيرخيو” عن نفسه وهمومه، وكيف أن حياته هادئة تخلو من مغامرات وأحداث، حتى علاقاته الغرامية قليلة، فقد أحب فتاة تركته ثم تزوج من أم “كلاوديو” وذبلت وماتت، ثم تزوج مرة أخرى من موظفة معه في العمل تصغره بعشر سنوات تدعى “سونيا”، وهي رغم ذلك ليست قريبة منه مثل أم “كلاوديو”، ويقول “سيرخيو” في يومياته أنه يكتبها ليقاوم زحف الزمن، ولكي يسجل الأحداث الهامة التي تجبر الإنسان على تغيير حياته ومساراته لكي يعرفها فيما بعد، ولكي يتعرف على ذاته رغم أنه يرى أن الإنسان لا يقترب من ذاته فعلاً إلا مرات قليلة جداً في حياته، يكتب “سيرخيو” في يومياته داخل الرواية: “لماذا أكتب هذه المسودات ؟.. عندما تتراكم الأعوام في عمر الإنسان، يبدأ بإدراك أن الوقت يفلت من بين يديه، وربما لذلك، يبدأ بتنمية الخداع النفسي عنده، بفكرة أن الكتابة عن الحياة اليومية بوسعها أن تكون طريقة (بدائية إن شئتم) لإيقاف تلك الكارثة. والكارثة لا يمكن إيقافها، بطبيعة الحال. ما من شيءٍ أو أحد بوسعه أن يوقف الزمن. ومع ذلك، هناك أحداث كثيرة وصور تمر أمامنا (مناظر، أخبار، أفراح، قراءات، مفاجآت، مآسٍ، أخطار، أيام حافلة، جموع) وبطريقة ما، تغيّر حياتنا، ولو بمقدار بضعة أجزاء من ألف، عن الوجهة المحددة. وبعد مرور أيام أو شهور أو أعوام، ربما نتأسف لأننا لم نسجل تلك الوقائع والأحداث”.
العالم الكبير خافت..
رغم أن الرواية تعد سيرة ذاتية بإمتياز، تتناول فقط حياة “كلاوديو” الخاصة وعلاقته بالناس القريبين منه، إلا أنه لا يخفي تأثره بالعالم الخارجي، فقد دارت الأحداث بدءً من الثلاثينيات ثم مرت على الحرب العالمية الثانية، ويحكي “كلاوديو” أنه حين ضربت اليابان بالقنبلة التي ألقيت على منطقة “ناغازاكي” 1945 تأثر كثيراً وأصابه الإحباط واليأس وحزن كثيراً لموت كل هؤلاء المدنيين حرقاً، ولقد تأثر بالقنبلة الثانية على الرغم من أن القنبلة الأولى كانت أسبق، وقد ألقاها الأميركان على منطقة “هيروشيما”، لكنه أحس أن قنبلة “ناغازاكي” كانت إمعاناً في الفظاعة البشرية، خاصة وأن دول كثيرة رحبت بها واعتبرتها رمزاً للإنتصار، رغم ذلك التأثر ورغم ذكر “كلاوديو” لإضراب قام به زملائه في المدرسة الثانوية اعتراضاً على النظام إلا أنه بقي بعيداً عن أحداث العالم الكبير وظل تأثيره عليه خافتاً.
الكاتب..
“ماريو أورلاندو هاردي هاملت بريننو بينديتي فارروخيا”، والذي أشتهر بـ”ماريو بينديتي”، كاتب وشاعر أوروغواني، ولد في “باسو دي لوس توروس” في أوروغواي في 1920، كان عضواً في جيل الـ 45، والذي ينتمي إليه أيضاً بعض الكتاب مثل “خوان كارلوس أونيتي” و”أيديا بيلارنيو”.
إنتاجه الأدبي غزير حيث أصدر أكثر من ثمانين كتاباً، وتمت ترجمة العديد من أعماله إلى أكثر من عشرين لغة، وتوفي “ماريو بينديتي” في “مونتيفيديو” في أوروغواي في 2009.
وكان “ماريو بينديتي” مسؤولاً سياسياً يسارياً. أسس “حركة 26 آذار/مارس” في العام 1971، وكان عضواً في المكتب التنفيذي لـ “فرنتي امبليو” (الجبهة الموسعة)، وهي ائتلاف يساري يتولى السلطة راهناً. وإبان الديكتاتورية العسكرية في الأوروغواي بين عامي 1973 و1985، أجبر الكاتب على سلك طريق المنفى فأقام في الأرجنتين والبيرو وكوبا وإسبانيا.
كما كان “ماريو بينديتي” عضواً في حزب الكنيسة المجاهدة، وكان أول تفاعل له مشاركته في الحركة التي قامت ضد المعاهدة العسكرية مع الولايات المتحدة. كما عمل “ماريو بينديتي” كناقد مسرحي وككاتب مقالات ساخرة وكتبَ نقداً سينمائياً.
عاد “ماريو بينديتي” إلى أوروغواي عام 1983، بعد انتهاء فترة نفيه، والتي كانت دافعاً وراء الكثير من أعماله. وبين عامي 1987 و1989 أنضم إلى اللجنة الوطنية للاستفتاء، التي أُنشئت لإبطال مفعول قانون إسقاط الدعوى التأديبية للدولة، والذي صدر في كانون أول/ديسمبر عام 1986 للحيلولة دون الحكم في الجرائم التي أرتكبت في ظل الديكتاتورية العسكرية في أوروغواي منذ عام 1973 وحتى عام 1985.
وفي عام 1986، أستلم جائزة “خريستو بوتيف” البولغارية عن أعماله الشعرية والمقالية. كما مَنحته “منظمة العفو الدولية” في بروكسل عام 1987 جائزة الياما دى أورو “اللاما الذهبية” عن روايته “ربيع بزاوية مكسورة”. كما قُلِد بميدالية “هيدي سانتاماريا” من مجلس الدولة في كوبا عام 1989.
أعماله..
تنوعت أعمال “ماريو بينديتي” فشملت كتاباته نوعي الأدب السردي الدرامي والشعري.
المجموعات القصصية..
هذا الصباح وقصص أخري (1949)
أهالي مونتيفيديو (1959)
الموت ومفاجآت أخري (1968)
بالحنين وبدونه (1977)
جغرافية (مجموعة قصص وأشعار، 1984)
غافلون وصرحاء (مجموعة قصص وأشعار، 1989)
بريد الوقت (1999)
مُستقبل ماضي (2003)
روايات..
الهدنة (1960)
شكرا على إشعالك سيجارتي (1965)
عيد ميلاد خوان أنخل (رواية شعرية،1971)
ربيع بزاوية مكسورة (1982)
بقايا القهوة (1992) ترجمة محمد العشيري
أنداميوس (1996)
قصائد وأشعار
أُمسية لاتُنسى (1954)
فقط وفي تلك الأثناء (1950)
أحبُك (1956)