الحب هو ألف باء الحياة، وهو أكسيرها وسر وجودها، وصحيح أنه من حرفين ولكن كل حرف فيه بإمكانه أن يحرق قلوبا ويحول العشاق الى هائمين في بحور الجنون!!
والحب ومشتقاته : الغرام والوجد والصبابة والوله والهيام ، هو بحيرة يحاول من يهوى تعلم السباحة في مياهها أن يمارس هواياته الأولى في الصغر، على مقربة من سواحلها، ومن ثم يذهب بعيدا في أغوارها ،كلما وجد ان لديه الرغبة في العوم والبحث عن الكنوز الثمينة للقيم العليا ، في أعماق مياهها ، حتى يجد ضالته يوما في أنه أصبح بمقدوره أن يكون سباحا ماهرا، لايخشى حيتان البحر ولا أسماك القرش من ان تفترسه!!
أجل.. الحب هو أكاديمية تتعلم فيها كيف تخاطب من تحب، وكيف تهوى وتغامر ، وكيف تظفر بمن تهوى أو من تحب..وهو عبارة عن سلسلة تجارب، قد تكون أشبه بشجرة يانعة الثمار، ترى ان قطفها قد أصبح قاب قوسين أو أدنى، أو تكمل مهمة الغوص في الأعماق ، حيث تجد في عناق زرقة ماء البحر مع زرقة السماء في تجاذب كوني ملهم وساحر يأخذك بعيدا ويسري بك الى علياء السماء وهناك قد تستقبلك ملائكة الرحمة لكي تشعرك بأنك في واحة أمينة ، عندها تخفت دقات القلب وتأخذ قسطا من الراحة، بعد ان يمنحونك سفينة ابحار فضائية تبحر بها الى حيث تشاء ، وتجد نفسك رغم الاهوال التي قد تواجهها في رحلتك انك أصبحت فارسا قادرا على لجم جماح الفرس وتطويع إرادتها ، بعد ان يتمكن منها ، أو مثل ريم غزال ، قد مر سريعا ، وتحاول إغراءه او اللهاث وراءه ، لكي يقع في شباك من حاول إصطياده ، إن احسن كيف يرميه برفق ، ويكون بمقدوره ان يتمتع بفتونه !!
وقال عنه الشاعر الكبير نزار قباني :
الحب في الارض بعض من تخيلنا لو لم نجده عليها لإخترعناه
وقبلها قال عنه الشاعر الكبير عنترة العبسي:
ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبسم
والحب ليس مختصا بمرحلة أو عمر، فقد تجد شابا اغترف من فنون الحب مايروي ضمأه، وتجد رجلا في الخمسين من عمره وهو لم يغوص في أعماق بحيراته ولو لمرة واحدة، وآخر جمع من فنون الحب ومدارسه ما يرتقي الى مراتب الأستاذية والسلاطين في أبراجهم العالية!!
وقال الشاعر ابراهيم طوقان حين تحدث عن يخوض بحار الحب:
ما كل من ذاق الهوى عرف الهوى
ولا كل من شرب المدام نديم
ولا كل من عرف الصبابة عـاشــق
ولا كل من قرأ الكتاب فهيم
أنا الذي كنت لا أرحم عاشقاً حتى
أبتليت فصرت بحال العاشقين رحيم
والحب ، أو من يريد ان يلج بحاره، عليه ان يتحمل المشاق ويجتاز الصعاب، فقد يواجه حالات صد وهجر وربما مذلة وغدر وانقطاع وصال وغرور، وأناس يقفون في طريقه والزمن قد لايكون في صالحه والاقدار قد لاتصطف الى جانبه، لكن عليه أن لايبالي بما يواجهه ، ويشق طريقه في كل مرة وكانه واثق الخطوة يمشي ملكا!!
وقال عنه الشاعر العراقي المعروف حسن المرواني :
أعتق الحب في قلبي وأعصره فأرشف الهم في مغبر كاساتي
وأودع الورد أتعابي و أزرعه فيورق شوكا ينمو في حشاشاتِي
لامو أفتتاني بزرقاء العيون ولو رأوا جمال عينيك ما لاموا إفتتاناتي
لو لم يكن أجمل الألوان أزرقها ما أختاره الله لونا للسماواتِ
والحب، لايعني فقط عشق الحبيب، بل ان تنغرس في قلبه فضائله وقيمه الروحية، ويشعر من خلاله بأنه يحترم كل الناس ويكن لهم المودة في قلبه ويعاملهم بإحسان ورفق، ويشعرهم بالحنان ويقدم لهم المساعدة اذا ما احتاجوا، ويكون عونا لمن يقع في ضيق او محنة ، وهو فوق كل ذلك ، قلب متسامح وعطوف، يملأ الصفاء قلبه والمودة روحه ، ويشعر وكأنه شجرة مزهرة يريد أن تبهج الآخرين بجمال اوراقها وسيقانها وربما اثمارها وفتونها الساحر، مثلما تسحر الفاتنة الجميلة العشاق، الى ان يهيموا في بحار الجنون، وهو أعلى مراحل الحب واكثرها قدرة على خوض مغامراته ، والغوص في أعماق مكنوناتها ، حتى يكون بمقدوره ان يصل يوما الى مبتغاه..وصدق الشعر ابو القاسم الشابي حين قال:
ومن يتهيب صعود الجبال يبقى أبد الدهر بين الحفر!!