23 نوفمبر، 2024 12:02 ص
Search
Close this search box.

أبو الشمقمق يعكس الواقع الشعبي البائس في عصريه الأموي والعباسي

أبو الشمقمق يعكس الواقع الشعبي البائس في عصريه الأموي والعباسي

1 – أبو الشمقمق بتمامه : بين وجودية فقره ، وخلود ذكره
1 – الخلود الفكري ، والفناء الجسدي ، ودأب الدّهر ذا أبداً ودابي :
برزتُ من المنازل والقبابِ** فلم يعسر علـى أحدٍ حجابي
فمنزليَ الفضاءُ وسقفُ بيتي** سماءُ الله أو قطعُ السحاب
فأنت إذا أردت دخلت بيتي*** عليّ مسلّمــــاً من غير باب
لأني لم أجد مصراع بابٍ ** يكون من السحاب إلى التراب
ولا خفت الإباق على عبيدي **ولا خفت الهلاك على دوابي
ولا حاسبت يوماً قهرماني **** محاسبة فأغلط في حسابي
ولا شق الثرى عن عود تختٍ *** أؤمل أن أشــــدّ به ثيابي
ففي ذا راحة وفراغ بالٍ **** وداب الدهــــــر ذا أبـدا ودابي (1)

نعم لأيم الله ، ودأب الدهر ذا أبداً… ، فالدهر في صرفه عجيب ، يقلب العالي دانياً ، ويسمو بالداني عالياً ،تابع قراءة الموضوع بتأمل شديد ، ورؤية بعيدة المدى ، ودقق النظر كيف كان يعيش هذا البائس المعدم حتى من النخالة في حياته بين الحشرات والعناكب ، والفأر والسنور ، بل هربت منه متسللة إلى القصور ، وبرز هو نفسه هارباً إلى فضاء الله ، مفترشاً التراب ، ملتحفاً السماء ، عاش الوجود ، كما كما كان الوجود ، قبل العقل الموجود ، ومثله من بعده مباشرة العبقري الخالد التعيس الثاني ابن الرومي ، فملأ شمقمقنا القرن الثاني الهجري أو كاد ، وشغل رومينا حيزاً كبيراً من قرنه الثالث ، وتساءل – يا صاحبي – من بقى ، ومن فنى ؟!!
أين وزراء وكتاب وتجار وأعيان عصريهما منهما ، بل العديد من خلفاء عصريهما ، ومن بعدهما ؟!
من يعرف شيئاً ، أو قد سمع من أجيالنا – غير المختصين – عن الخليفتين الأمويين الوليد بن يزيد ، وإبراهيم بن الوليد مثلاً ممن عاصرا هذا الشمقمق الكائن الحشري بمعيشته ، لولا شعره العبقري ، ومن هم هؤلاء القادة والأعيان الكبار أمثال اسحاق بن مسلم العقيلي ، ويقطين بن موسى ومحمد بن عمرو النصيبي التغلبي، بل حتى يعقوب بن داود وزير المهدي ،وطاهر بن الحسين الخزاعي ، قائد المأمون الرهيب الذي قطع رأس الأمين ، أمام خلود هذا الشمقمق المستجدي للقمة خبزه ، ومن كرهت الأرض أن تحمل جسده ، ومن ثم خلدت ذكره ، وأرغمتني والعشرات مثلي أن يشيد بشعره وفكره ؟؟؟!!!! وما هو إلا بالمحل الثاني أو الثالث من بين عباقرة أمتنا الخالدين ، لذلك أراك مشفقا عليَّ أن أعدد المئات من الخلفاء والوزراء والحجّاب والقادة ممن عاصروا ابن الرومي ، ومَن جاءوا من بعده ، وسحقهم الدّهر كعصفٍ مأكول ، ورسّخ الطود الشامخ هازئاً بالرياح على مرّ العصور ، وهكذا حال سيابنا الخالد ، ومرارة حياته ، ومأساة مرضه وموته ، ورصافينا الشامخ ، وبيع سكائره ، وحرّ صيفه ، والعبقري الصافي النجفي ، وهجرته وإغفال حاله ، ورصاصة عينه ، المجد والخلود للفكر والشعر والأدب والفن ، وما أجساد الدنيا إلاً جيفة ورميما.

2 – من هو أبو الشمقمق ؟ ومن هم رجال عصره ؟ وكيف برز من بينهم؟ !!

تذكر الموسوعة الشعرية هو مروان بن محمد أبو الشمقمق (112 هـ-200 هـ/730-815 م).
شاعر هجاء، من أصل البصرة، قراساني الأصل، من موالي بني أمية، له أخبار مع شعراء عصره، كبشار، وأبي العتاهية، وأبي نواس ، وابن أبي حفصة .وله هجاء في يحيى بن خالد البرمكي وغيره، وكان عظيم الأنف، منكر المنظر . زار بغداد في أول خلافة الرشيد العباسي، وكان بشار يعطيه كل سنة مائتي درهم، يسميها أبو الشمقمق جزية ، قال المبرد: كان أبو الشمقمق ربما لحن، ويعزل كثيرا، ويجد فيكثر. (2)
نعم من موالي مروان بن محمد الحمار ، آخر خلفاء بني أمية ، ولد في عصر الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك في بخاري ، ونقله عبيد الله بن زياد مع أهل بخارى ، وأسكنهم محلة البخارية بالبصرة ، ويقول عنها الحموي في معجم بلدانه : ” البخارية سكة بالبصرة أسكنها عبيد الله بن زياد أهل بخارى الذين نقلهم كما ذكرنا من بخارى إلى البصرة وبنى لهم هذه السكة فعرفت بهم ولم تعرف به .” (3)
شبّ الرجل في عصر السفاح ، وعاش مع العباسيين في عصرهم الذهبي ، إذعاصر المنصور والمهدي والهادي والرشيد والأمين ، ومات في عصر المأمون وعاصر من الشعراء إضافة إلى ما ذكرته الموسوعة ، دعبل الخزاعي ومسلم بن الوليد ( صريع الغواني ) ، والعباس بن الأحنف ، وأبي دلامة ، ومن الرواة خلف الأحمر ، وحماد الراوية ، والأصمعي ، ومن الكتاب عبد الله بن المقفع والجاحظ ، ومن النحويين سيبويه والكسائي ، ومن العروضيين الفراهيدي والأخفش الأوسط ، ومن النسّابة ابن الكلبي ، ومن العلماء أبو بكر الخوارزمي صاحب الجبر والمقابلة ، ، ومن أصحاب السير ابن هشام ، ومن المترجمين إسحاق بن حنين ، ومن أصحاب الحديث الحسن البصري وواصل بن العطاء ومن الفقهاء ابي حنيفة ومالك بن أنس ، والشافعي… وأبي يوسف ،ومن الأئمة الباقر والصادق والكاظم والرضا ويكفيني هذا تعداداً وعدّا كي أقول استطاع مع كلّ هؤلاء العظام أن يثبّت اسمه في سجل الخالدين ، وهو من أعدم المعدمين !! .
يكنى أبا محمد و يلقب بأبي الشمقمق و الشمقمق معناه الطويل الجسيم من الرجال و قيل الشمقمق هو النشيط ، وكان عظيم الأنف ، قبيح المنظر.

3 – وصف ابن عبد ربه الأندلسي له في (عقد فريده) :

يضع أخباره ضمن أخبار المحارفين الظرفاء ، والمحارف هو الذي يطلب حاجة ، فلا تلبى له ، عكس المبارك ، ومع ذلك كان ظريفاً ، أليس من حقّه أن يقول :
ففي ذا راحة وفراغ بالٍ **** وداب الدهــــــر ذا أبـدا ودابي
المهم يصفه ابن عبد ربّه قائلاً :
أبو الشمقمق الشاعر، وكان أديباً طريقاً محارفاً، وكان صعلوكاً متبرماً بالناس، وقد لزم بيته في أطمار مسحوقة، وكان إذا استفتح عليه أحد بابه خرج، فينظر من فروج الباب، فإن أعجبه الواقف فتح له وإلا سكت عنه. فأقبل إليه يوماً بعض إخوانه الملطفين له، فدخل عليه، فلما رأى سوء حاله، قال له: أبشر أبا الشمقمق، فإنا روينا في بعض الحديث: إن العارين في الدنيا هم الكاسون يوم القيامة. فقال: إن صح والله هذا الحديث كنت أنا في ذلك اليوم بزازاً، ثم أنشأ يقول :
أنا في حالٍ تعالى **** الله ربّـــي أي حالِ
ليس لي شيء إذا قيـ **ل لمن ذا قلت ذا لي
ولقد أفلست حتى **** محت الشمس خيالي
ولقد أفلست حتـــــى ****حــــلّ أكلي لعيالي
وله :
أتراني أرى من الدهر يوماً *** لي فيه مطية غير رجلي
كلما كنت في جميعٍ فقالوا *** قربوا للرحيل قربت نعلي
حيث كنت لا أخاف رحيلاً *** من رآني فقد رآني ورحلي
وقال أبو الشمقمق أيضاً :
لو قد رأيت سريري كنت ترحمني **** الله يعلم ما لي فيه تليس
والله يعلم ما لي فيه شادكةٌ ***** إلا الحصيرة والأطمار والديس
وقال أيضاً :
لو ركبت البحار صارت فجاجاً *** لا نرى في متونها أمواجاً
ولو أني وضعت ياقوتةً حمـ … راء في راحتي لصارت زجاجا
ولو أني وردت عذباً فراتاً ***** عاد لا شك فيه ملحاً أجاجاً
فإلى الله اشتكى وإلى الفضـ *** ل فقد أصبحت بزاتي دجاجا (4)
هذه الأشعار التي يرويها لنا ابن عبد ربّه الأندلسي تجعلنا نقف حائرين مندهشين أمام الظاهرة الشمقمقية كيف كان يعيش هذا الرجل الشمقمق الشاعر المتمكن ، والمفكر العميق ، والطريف الظريف في عصرٍ ينعت بالذهبي ، وكان الشعراء فية متميزين ، بلباسهم ، وطبقتهم ، ولسانهم ، وحظوتهم في مجالس الخلفاء والوزراء والأعيان ، ربما نجد العذر لمأساة ابن الرومي ، لأنه عاش في العصر العباسي الثاني (221 هـ – 283 هـ) ، وكان عصراً مضطرباً إذ ولد في عصر المعتصم ، وكان طفلاً في عصر الواثق ، وشب في عصر المتوكل ، ثم توالت النكبات على الخلافة ، ونقلت العاصمة إلى (سر من رأى) ، فامنتصر يقتل أباه المتوكل ، والمنتصر نفسه يسم بعد ستة أشهر ، ويقوم المستعين ، ويخلعه الأتراك ، ويخلفه المعتز ، ويُخلع ، ويتلاقفها المهتدي ، وأراد أن يتشبه بعمر بن عبد العزيز ، فيطيروه تطييرا، ويأتي المعتمد على الأتراك ، وتندلع ثورة الزنج ، وتستمر خمسة عشر عاماً ، وينهض بالخلافة المجدد العباسي الثاني المعتضد ، ويموت في عصره ابن الرومي ، أقول قد نجد تعليلاً أو مخرجاً لبن الرومي وجحود عصره ، ولكن أبا الشمقمق قد ذكرت لكم من عاصره من الخلفاء والرجال العظام ، فما باله مرّ بحياةٍ أشبه بما قبل التاريخ …!!
الرجل ليس ببسيط حتى نقول عنه ، ما كان يحسن التصرف مع الآخرين ، والآخرون على كلّ حالٍ ليسوا على حالٍ واحد ٍ ، إن لم يجد أحداً ينصفه ، فلا بد أن يجد الثاني أو الثالث أو الرابع …! أنا أميل إلى أنّ هو بإرادته كان وجودياً بفلسفته وفكره ، ونمط حياته ، فيصرّ على هذه المعيشة البائسة ، بل ويسعد بها ، وللناس فيما يعشقون مذاهبُ ، تأمل في أبياته جيداً:
ولا خفت الإباق على عبيدي** ولا خفت الهلاك على دوابي
ولا حاسبت يوماً قهرماني **** محاسبة فأغلط في حسابي
ولا شق الثرى عن عود تختٍ *** أؤمل أن أشــــدّ به ثيابي
ففي ذا راحة وفراغ بالٍ **** وداب الدهــــــر ذا أبـدا ودابي
وتمعن – رحمك الله – بالأبيات التالية ، وأترك سخريته وتهكمه ، وإشهار إفلاسه :
كلما كنت في جميعٍ فقالوا *** قربوا للرحيل قربت نعلي
حيث كنت لا أخاف رحيلاً *** من رآني فقد رآني ورحلي
هو يريد هذا ، يكره التكلف مهما كان بسيطاً ، ويكره العلاقات الاجتماعية المزيفة ، ونفاقها الأبدي ، ولا يعطي اعتبارات لما سيقوله الناس عليه ، وعلى تصرفاته التي تبدو مجنونة عند الآخرين لمخالفتها نظام العقل الجمعي المتطبع ، ولكن كما يبدو لي كان يريد أن يكون إنساناً كما هو يريد ، لا كما يريده الآخرون ،فـ ( الآخرون هم الجحيم ، على حد تعبير جان بول سارتر ) ، وهذا لا يعني أنه لا يحترم إرادة الإنسان الآخر ، كلا!! وإلا لماذا خضع لإرادة الجمع وقرّب نعله ، وممن لا يخاف رحيلا ؟!! وهذا يذكرني بنمط حياة المعري وتفلسفه ، ولو بشكل آخر ، وكذلك كان الصافي النجفي ميالاً لهذا النمط المعيشي ، والتفلسف الوجودي ، وأرى الشمقمق قد مهد الطريق إلى جان بول سارتر ووجوديته ، وليس سقراط هو الأول فقط ، يا أعزائي أكتفي بهذا القدر المحتوم ، لكي لا يضيع المقسوم ، ويختلط مفهوم بمفهوم ..!!!

4 – شعره …وديوانه :

شعره يمتاز بالجزالة والقوة ، والسلاسة والضعف ، والسليم والملحون ، والقصائد المطولة ، والأبيات المنثورة ، والمقطوعات والنتف،حافظ على عمود الشعر العربي ، وأغراضه من مديح وهجاء وحِكم ، ولكن برع في الوصف ، وبلغ القمة حتى عُدّ مجددا في محادثته لسنوره ، ووصفه لبيته ، وقد صدرنا الحديث عنه بما لذ وطاب من شعره بعذبه والعذاب !!
يذكر لنا الدكتور واضح محمد الصمد في معرض جمعه وتحقيقه لديوان أبي الشمقمق : له ديوان مرتب على الحروف ، فيه /57/ مقطوعة ، تضم /216 / بيتاً ، جمعها المستشرق النمساوي ( جوستاف فون جرو نباوم )، ، ثم قام الدكتور محمد يوسف نجم بترجمة الدراسات ، وأضاف من خلال تحقيقه ست قطع تتألف من /35/ بيتاً ، وزاد الدكتور واضح نفسه أربع قطع ،وثلاثة أبيات ، وحذف بيتاً واحداً ، ورتب القوافي بتقديم المكسور ، فالمفتوح ، فالمضموم ، فالساكن . (5)
ينقل الخطيب في ( تاريخ بغداده) عن أبي العباس المبرد قوله : ” كان ربما لحن ويهزل كثيرا ويجد فيكثر صوابه .” (6)
5 – شهرته…جرأته… بداهته :
لم يحفل به في مجالس الخاصة من خلفاء ووزراء وكتاب وقادة وززعماء وأعيان ، لبساطته وشعبيته وهزله ، وعدم مبالاته ، أو قل لعدم قدرته على الرياء والتملق ، والسلوك الدبلوماسي بلغة عصرنا ، فأجبرته الحياة على أن يرى الناس جحيماً ، فنبذهم وعاش الوجود كالموجود فراشه الأرض ، سقفه السماء أو قطع السحاب ، وأصدقاؤه السنور والفأر والعناكب والحشرات ، فنقل لنا حياة الفقراء والكادحين والمستضعفين من الشعب في عصر ينعت بالذهبي ، لرقي حضارته ، واستقراطية نبلائه ، وجمال جواريه الحسان ، والتمتع بالمخانيث من الغلمان ، ولم يكن الرجل مغموراً – كما يقال – ، ولكنه عاجز عن مجاراة ومنادمة الكبار ، ويسخر من المتهافتين عليهم بالدجل والرياء !!
أنقل إليك هذه المشاهد الشمقمقية :

6 – أبو الشمقمق بين يدي المنصور وخالد بن يزيد الشيباني.
أ – ما بين أبي الشمقمق والمنصور :
يروي لنا ابن المعتز في ( طبقات شعرائه) ، وهو ينفرد في جعل وفاة أبو الشمقمق 180 هـ ، وهو غير صحيح ، وستتفق معي ، ويذهل ابن المعتز نفسه ، مما سنلزمه عليه ، المهم سننقل هذه الروايتين من ( طبقات شعراء ) معتزنا ، إحداهما في شرخ شباب الشمقمق ، والأخرى في نهاية حياته :
عن ” إسحاق بن إبراهيم الموصلي يقول: ماتت ابنة عم للمنصور، فحضر المنصور دفنها، فلما صار على شفير القبر إذا هو بأبي الشمقمق. فقال له: ما أعددت لهذا الموضع؟ قال: ابنة عم أمير المؤمنين. فضحك المنصور في ذلك الموضع، على أنه قليل الهزل ، وقد روى بعض الناس أن هذا الكلام لأبي دلامة مع المنصور . ” (7 )
بادئ ذي بدء ، ابن المعتز هو ابن خليفة عباسي ، وهو نفسه أصبح خليفة لليلة وخلع وقتل (297 هـ) ، يسند روايته عن إسحاق الموصلي ، وهو النديم الأول لجده المعتصم ، ومن عائلة لصيقة جداً ببيت الخلافة العباسية ، إذ يعتبر بطل المشهد أبا الشمقمق ، ويسرد ابن المعتز عابراً دون أي سند ، وإنما لبعض الناس أنّ بطلها أبو دلامة فلا أتردد من قبول صحة نسبتها لأبي الشمقمق ، وما أبو دلامة إلا بطلاً مزعوماً ، اكتسب البطولة لشهرته ، وعلاقته الحميمية مع المنصور ، فعلى أغلب الظن نسبة الرواية لأبي دلامة غير صحيحة ، وأكرر ابن المعتز ابن بيت الخلافة ، وقريب لعصر الرواية ، وسنده إسحاق الموصلي ، وما أدراك من هوهو هذا الإسحاق !! .
هذا يعني لنا أن أبا الشمقمق كان جريئاً جداً ، حاد الذكاء ، وذا سرعة بديهة لا تجارى ، وشخصية معروفة ، وهو في شرخ شبابه .
ب – ما بينه وبين خالد بن يزيد بن مزيد الشيباني :
وهاك الرواية الثانية :
” ولما ولي المأمون خالد بن يزيد بن مزيد الموصل خرج معه أبو الشمقمق، فلما كان وقت دخوله البلد اندق اللواء، فتطير خالد لذلك، واغتم غما شديدا، فقال أبو الشمقمق فيه :
ما كان مندق اللواء لريبة *** تخشى ولا سبب يكون مزيلا
لكن رأى صغر الولاية فانثني *** متقصدا لما استقل الموصلا
وكتب أصحاب الأخبار بذلك إلى المأمون، فولّى خالدا ديار ربيعة كلها، وكتب إليه: هذا الاستقلال لوائك ولاية الموصل. وأحسن إلى أبي الشمقمق، ووصله بعشرة آلاف درهم. وتوفي أبو الشمقمق في حدود الثمانين ومائة ” ، (8 ) وابن الأبار في ( حلته السيراء)، يؤكد الرواية ، وينقلها بأبياتها ، ويزيد ” فسر خالد بما صدر منه في الحين وسرى عنه وأحسن إليه ” ( 9)
وهذا يعني أيضاً أن الرجل استمر على شهرته بالرغم من فقره المقذع ، وإن كان بين الحين والحين البعيد يقنص جائزة أو عطية أو مكرمة من ذوي المقدرة والجاهة والسلطان ، ولكن وقع ابن المعتز في تناقض غريب عجيب في ذكر خبر وفاته ( 180 هـ)، وذكره لرواية تولية المأمون لخالد بن يزيد ولاية الموصل ، ومرافقة أبي الشمقمق له ، ولا ريب أن هذه الولاية لم تتم قبل 185 هـ وهي سنة وفاة يزيد بن مزيد والد الخالد ، ثم أن المأمون ولادة 170 هـ ،لا يعقل أن يوليه أبوه الرشيد الرشيد منصباً رفيعاً حساساً خطيراً ، ولم يتجاوز العشر سنوات ، وابن المعتز ينفرد في هذا التاريخ لوفاة الشمقمق،إذن تاريخنا الذي دوّناه لوفاته هو الصحيح .
7 – ما بينه وبين شعراء عصره :
كان للرجل علاقات مشوبة بالارتزاق والحقد عليهم وعلى عصره الذي أهمله وسحقه ، مما جعله يهبط للعامة ، فيتأثر بلحنهم وسوقيتهم وابتذالهم ، ينقل الخطيب البغدادي في ( تاريخه ) خبراً.
مسنداً عن ابن عائشة، إذ يقول: يعجبني من شعر أبي الشمقمق في وصف بغداد:
ليس فيها مروءة لشريف *** غير هذا القناع بالطيلسان
وبقينا في عصبة من قريش *** يشتهون المديح بالمجان ( 10)
كما ترى أن البيتين رائعين ، وكان الرجل صادقاً مع نفسه ، ومع مجتمعه ، ومع شعراء عصره ، فإليك أخباره مع بعضهم :
أ – ما بينه وبين أبي العتاهية :
وفي رواية ينقلها الأصفهاني في ( أغانيه) تبين موقف أبي الشمقمق من الشعراء الكبار ممن لديهم حظوة كبيرة في مجالس الخلفاء والوزراء وعلية القوم وأعيانهم مثل أبي العتاهية الذي كان يساير المغنثين ، مما يثير حقد وضغائن شمقمقنا الفقير المعدم الوجودي ، وبالتالي كان يتهيبه أبو العتاهية ، ويخشى لقاءه في مجلس واحد ، ففي مرّة اعترضه الشمقمق قائلاً : أمثلك من يضع نفسه هذا الموضع مع سنك وشعرك وقدرك ،فقال له أبو العتاهية : أريد أن أتعلم كيادهم وأتحفظ كلامهم .(11) ، إليك رواية الأصفهاني :
” اجتمع أبو نواس وأبو الشمقمق في بيت ابن أذين وكان بين أبي العتاهية وبين أبي الشمقمق شر فخبأوه من أبي العتاهية في بيت.
ودخل أبو العتاهية فنظر إلى غلام عندهم فيه تأنيث فظن أنه جارية فقال لابن أذين متى استطرفت هذه الجارية فقال قريبا يا أبا إسحاق فقال قل فيها ما حضر فمد أبو العتاهية يده إليه وقال:
مددتُ كَفّي نحوَكم سائلاً *** ماذا تَرُدُّون على السائِلِ
فلم يلبث أبو الشمقمق حتى ناداه من البيت :
نَرُدّ في كفِّك ذا فَيْشَةٍ *** يَشْفِي جوى اسْتِك من داخلِ
فقال أبو العتاهية شمقمق والله وقام مغضبا (12)
لا تعليق لي ، تركت أمره لأبي العتاهية !!!
ب – ما بينه وبين بشار بن برد :
ويروي صاحب الأغاني عن دعبل بن علي الخزاعي قال :
كان بشار يعطي أبا الشمقمق في كل سنة مائتي درهم فأتاه أبو الشمقمق في بعض تلك السنين فقال له هلم الجزية يا أبا معاذ فقال ويحك أجزية هي قال هو ما تسمع فقال له بشار يمازحه أنت أفصح مني قال لا قال فأعلم مني بمثالب الناس قال لا قال فأشعر مني قال لا قال فلم أعطيك قال لئلا أهجوك فقال له إن هجوتني هجوتك فقال له أبو الشمقمق هكذا هو قال نعم فقل ما بدا لك فقال أبو الشمقمق :
إني إذا ما شاعِرٌ هجَانِيَهْ *** وَلَجّ في القول له لِسَانِيَهْ
أدخلتُه في استِ أمهِ عَلاَنِيَهْ *** بشّــــــارُ يا بشّــــارُ…
وأراد أن يقول يابن الزانيه فوثب بشار فأمسك فاه وقال أراد والله أن يشتمني ثم دفع إليه مائتي درهم ثم قال له لا يسمعن هذا منك الصبيان يا أبا الشمقمق.
وفي خبر يسنده الأصفهاني للأصمعي قال :
أمر عقبة بن سلم الهنائي لبشار بعشرة آلاف درهم فأخبر أبو الشمقمق بذلك فوافى بشار فقال له يا أبا معاذ إني مررت بصبيان فسمعتهم ينشدون:
هَلِّلِينَــهْ هَلِّلِينَــــهْ *****طَعْــــنَ قِثَّاةٍ لتِينَهْ
إنّ بشّارَ بنَ بردٍ ** تَيسٌ اعْمَى في سَفِينَهْ
فأخرج إليه بشار مائتي درهم فقال خذ هذه ولا تكن راوية الصبيان يا أبا الشمقمق (11)
ج – ما بينه وبين سلم الخاسر :
إن كان أبو العتاهية يهرب منه ويخشاه ، وبشار الأعمى يسترضيه بمائتي درهم لكي يتخلص من شرّه ، فتسعيرة سلم الخاسر خمسة دنانير في كلً هبّة من هبوبه ، يروي صاحب الأغاني بسند عن زكريا بن مهران قال :
طالب أبو الشمقمق سلما الخاسر بأن يهب له شيئا ، وقد خرجت لسلم جائزة فلم يفعل ، فقال أبو الشمقمق يهجوه :
يا أم سلم هداك الله زورينا *** …………..
ما إن ذكرتك إلا هاج لي شبقٌ *** ومثل ذكراك أم السلم يشجينا
قال فجاءه سلم فأعطاه خمسة دنانير وقال أحب أن تعفيني من استتزارتك أمي وتأخذ هذه الدنانير فتنفقها .(14)
ويذكر الأصفهاني في مكان آخر خبراً ثانياً عن هجاء أبي الشمقمق لسلمه الخاسربسند عن الجماز قائلاً : إن أبا الشمقمق جاء إلى سلم الخاسر يستميحه فمنعه ، فقال له اسمع إذا ما قلته وأنشده :
حدثوني أن سلما *** يشتكي جارة أيره
فهو لا يحسد شيئا*غير أيرٍفي است غيره
وإذا سرك يوما **** يا خليلي نيل خيره
قم فمرْ راهبك الأصلع *** يقرع باب ديره
فضحك سلم وأعطاه خمسة دنانير ، وقال له أحب جعلت فداك أن تصرف راهبك الأصلع عن باب ديرنا (15)
الحق مسحت عجز البيت الثاني لفحشه ، ثم عدلت لأنني وجدت السخر في هذه الأبيات في هذه السخرية !!

د – ما بينه وبين الأعرابي الهجاء المتهتك :
من عجائب وغرائب أبي شمقمقنا أن يشتري الهجاء عليه بثمن ، هو أحوج ما يكون إليه ، يروي ابن المعتز خبراً مسنوداً عن ابن العلاف قائلاً : مر أعرابي بأبي الشمقمق الشاعر فقال له: يا أعرابي. قال: ما تشاء؟ قال: أتقول الشعر؟ قال: بعضه، قال: خذ هذا الدرهم واهجني. قال: فأطرق الأعرابي هنيهة ثم قال: ما رأيت أحدا يشتري الهجو بالثمن غيرك قال: وما أخذ. قال الأعرابي:
مررت بـ… بغل مسبطر *** فويق الباع كالحبل المطوقْ
فما إن زلت أعركه بكفي *** إلى أن صار كالسهم المفوقْ
فلما أن طغى وربا وأندى * ضربت به حر أم أبي الشمقمقْ
أزيدك، أم كفاك؟ وذاك أني *** رأيتك في التجارة لم توفق
فقال أبو الشمقمق: أعوذ بالله من الشقاء، ما كان أغناني عن هذه التجار . (16)
يا أبا الشمقمق أرى تعويذتك غير صادقة ، وكنت تتمنى أن يكون الهجاء أقسى وأمر ، ليتداول الناس خبرك ، ويشتهر ذكرك ، وتشفي غليلك من مجتمع تراه لا يستأهل إلا هذا الهجاء العار ، يكفينا هذا !!

8 – الجاحظ العملاق يخلده في كتابه الكبير ( الحيوان ) ، وهو يروي أشعاره ، ونحن ننشر أضواءه :
وكان الجاحظ – (159هـ – 255هـ) ، وهو من معاصري أبي الشمقمق ، وابن مدينته البصرة – يصغره بسبعة وأربعين عاماً – قد أغرم بفأر صاحبه وسنوره ، وعناكبه ، وحشراته ، فينقل إلينا في (كتابه الحيوان) الكبيرعدّة قصائد نظمها المعدم الفقيرعن حاله المرير ، كأنه يستجير ولا مجير حتى افترش التراب وعلاه السحاب ، ( ودأب الدهر ذا أبداً ودابي ) ، اقرأ بعض ما رواه جاحظنا العظيم عن : شعر أبي الشمقمق في الفأر والسنور :
ولقد قلتُ حين أقفرَ بيتي **** من جراب الدقيقِ والفخارَه
ولقد كان آخلاً غير قفر ****** مخصباً خيرهُ كثيـر العماره
فأرى الفأر قد تحنبنَّ بيتي *******عائذاتٍ منه بدار الإماره
ودعا بالرحيل ذبانُ بيتي ******* بين مقصوصةٍ إلى طياره
وأقامَ السنورُ منهُ من شدةِ الجو* عِ وعيشٍ فيه أذىً ومراره
قلتُ لما رأيتهُ ناكس الرأ ** سِ كئيباً، في الجوف منه حراره
ويكَ صبراً فأنتَ من خير سنَّـ ****ور رٍأتهُ عينايَ قطُّ بحاره
قال: لا صبر لي، وكيف مقامي **ببيوتٍ قفرٍ كجوفِ الحماره
قلتُ: سر راشداً إلى بيت جارٍ ***مخصبٍ رحلهُ عظيمِ التجاره
وإذا العنكبوتُ تغزلُ فــــــــي دنــــىِّ وحبِّي و الكوزِ والقرقارَه
وأصابَ الجحــــامُ كلبي فأضحى ***** بين كلبٍ. وكلبةٍ عيّاره (17)
تذكرني الأبيات بما قاله أمير الشعراء أحمد شوقي في جسر البسفور ، وكأنه يستعير منزل أبي الشمقمق :
أَميرَ المُؤمِنينَ رَأَيتُ جِسراً ***أَمُرُّ عَلى الصِراطِ وَلا عَلَيهِ
لَهُ خَشَبٌ يَجوعُ السوسُ فيهِ ** وَتَمضي الفَأرُ لا تَأوي إِلَيهِ
وَلا يَتَكَلَّفُ المِنشارُ فيــــــهِ **** سِوى مَرِّ الفَطيمِ بِساعِدَيهِ
وَكَم قَد جاهَدَ الحَيوانُ فيـــــهِ **وَخَلَّفَ في الهَزيمَةِ حافِرَيهِ
وقال أيضاً :
ولقد قلتُ حين أجحرني البر ** دُ كما تجحرُ الكلابُ ثعاله
في بييتٍ من الغضارة قفر ** ليس فيه إلا النوى والنخاله
عطلتهُ الجرذان من قلة الخير *** وطار الذبابُ نحو زُباله
هاربات منهُ إلى كلِّ خصبٍ *** جيدة لمْ يرتجينَ منهُ بلاله
وأقام السنورُ فقيه بشرٍ ****** يسأل الله ذا العلا والجلاله
أن يرى فأرةً، فلم ير شيئاً ***** ناكساً رأسُهُ لطول الملاله
قلت لما رأيته ناكس الرأ *** س كئيباً يمشي علـى شرِّ حاله
قلتُ صبراً يا نازُ رأسَ السنا ***** نير، وعللته بحسن مقاله
قال: لا صبر لي، وكيف مقامي ***** في قفار كمثل بيد تباله
لا أرى فيه فأرة أنغض الرأ * س ومشي في البيت مشي خَيَاله
قلت : سر راشداً فخارَ لك الله ******* ولا تعــــدُ كربجَ البقاله
فإذا ما سمعت أنَّا بخير ********** في نعيم من عيشةٍ ومناله
فائتنا راشداً ولا تعدونا ******** إن منْ جازَ رحلنَا في ضلاله
قال لي قولة : عليك سلامٌ ********غير لعـــــب منه ولا ببطاله
ثمَ ولي كأنه شيخُ ســـــــوء ******* أخرجوه من محبس بكفاله (18)
نحلل هذه الأبيات كأنموذج لبقية شعره المنكود الحظ !!
إذن البرد المكلوب لاحق شمقمقنا ، لم يرفأ بحاله حتى أحجره ، كما تلاحق الكلاب الثعالب ، فتختبئ في جحورها خائفة مقرورة ، وماذا في بيته ، لا غضارة ، ولا وسائل للعيش سوى النوى والنخالة، والبؤس والكآبة ، ويسخر من وضعيته أي سخرية قائلاً : حتى الجرذان غادرته إلى مكان آخر أكثر حظاً للعيش ، وأوفر غذاء للتواصل مع الحياة الكفيفة ، أما الذباب فيتطاير حول الأوساخ المتناثرة وزبالته ، والسنور أين يذهب السنور ؟ وهو أكبر من أن تقبله الثقوب ليصطاد الجرذان والفأر التي هاجرت المنزل الكئيب ، فرفع يداه بعد الملل واليأس والقنوط داعياً رب العلا والجلاله أن يرزقه العيش المقسوم وفقاً لإرادة الحياة وسننها المشروعة ، وشاعرنا شفق على حال سنوره الجائع الذي يتلوى ضور ، فأخذ يحاوره عندما رآه ناكس الرأس:
ويك صبراً فأنت رأس السنانيـ *** ر وعللته بحسن مقالة
عليك بالصبر الجميل ، أنت الرأس والعقل والحكمة والرأي السديد ، وهذا حسن المقالة ، فأجابه سنوره الساخط الغاضب من عيشته ، وعيشة صاحبه المنكود المحارف :
قال : لا صبر لي وكيف مقامي في قفار كمثل بيد تبالة
نعم أجابه كيف – يا صاحبي – لي أن أصبر على هذه الحال المحال ، فهل أنت تسخر مني بعد أن أوصلتني إلى هذا المآل ؟!!
وترى في المقطوعة الرائعة من صور فنية ، وبديع لطيف ما يجعلنا أن نشيد بشاعرية الشمقمق حين يخلو بنفسه ، ويبتعد عن مجاراة عوام الناس وسوقيتهم ، فحواره ما كان إلا ليكشف عن حالته النفسية المؤلمة ، وتعلله بالصبر الجميل ، ويأمل نفسه بالآتي الظليل ، ومن محسنات البديع تأمل مثلاً في الاستعارة المكنية،( أحجرني البرد ) ،إذ حذف المشبه به الإنسان ، وأبقى شيئاً من لوازمه ، وهو الإلزام والإكراه ، وكذلك في الطباق الإيجابي بين عطل وطار ، إصباح و إمساء ، والطباق السلبي بين يرى ، ولم ير ….وكم أضحكني هذا البيت الأخير :
ثمَ ولّي كأنه شيخُ ســـــــوء ******* أخرجوه من محبس بكفاله
لم يكتفِ أن يجعله شيخا ً ، بل شيخ سوء مولياً ، كأنه قد أخرج من محبسه ، ولم ينسَ أن ربطه بالكفالة ، كل ذلك لأن السنور يريد أن يأكل كما تأكل مخلوقات الله ، ويذكرني هذا البيت ببيت آخر لمعاصره البطل الجريء دعبل الخزاعي ، ولكن ليس بحق سنور ، وإنما بحق السيد وزير المأمون الغاضب الساخط أبي عباد :
أولى الأمور بضيعة وفساد ***** أمر يدبّره أبو عباد
خرق على جلسائه فكأنهم*حضروا لملحمة ويوم جلاد
يسطو على كتابه بدواته *** فمضمخ بدم ونضح مداد
وكأنه من دير هزقل مفلت ***حرد يجر سلاسل الأقياد
فاشدد أمير المؤمنين وثاقه ***فأصح منه بقية الحدادِ
ودير حزقيل هو دير كان يحجر فيه المجانين الخطرين بعد تقييدهم بالسلاسل الحديدية الثقيلة كي لا يهربوا ، ويقع بين البصرة والعمارة الحالية، و (بقية الحداد) هذا المذكور هو أحد مشاهير المجانين في ذلك العصر !! ، والحقيقة أن أبا الشمقمق أكبر من دعبل بستة وثلاثين عاماً ( ولد عبل 148 هـ / 765م)، وتعاصرا نيف ونصف قرن ، ونقل دعبل خبر أبي الشمقمق وبشار حول الجزية ، إذ كان حاضراً بينهما ، وشاهداً لها وعليها !!
وقال أبو الشمقمق أيضاً :
نزل الفـــــــأرُ ببيتي *******رفقةً من بعد رفقه
حلقاً بعــــــــد قطارٍ ****** نزلوا بالبيت صَفقه
ابن عرس رأس بيتي *** صاعداً في رأس نبقه
سيفه سيفٌ جديــــــدٌ *****شقه من ضلعِ سلقه
جاءنا يطــــــــرق بالليل **** فــــــدق الباب دقه
دخل البيت جهـــــــاراً **** لم يدع في البيت فِلْقه
وتترسْ برغيــــــــفٍ ***** وصفقْ نازُويه صفقه
صفقة أبصرتُ منها ******* في سوادِ العين زرقه
زرقة مثل ابنِ عـــــرس ****** أغبشٌ تعلوهُ بلقه (19)
وقال أيضا، وهو يحاور الفأر ، والشعر من الغرائب ، نترك الجاحظ يروي :
أخذ الفأر برجلي *** جفلوا منها خفافي
وسراويلات سوء *** وتبابين ضعاف
درجوا حولي بزفن ** وبضرب بالدفاف
ساعة ثمت جازوا **عن هواي في خلاف
نقروا استي وباتوا**دون أهلي في لحافي
لعقوا استى وقالوا *** ريح مسك بسلاف
صفعوا نازويه حتى ** استهلت بالرعاف (20)
9 – ابن المعتز يروي له ، ونحن نسير معه مسرعين …!!
في طبقات ابن المعتز ، وله في بعضهم :
وإبطك قابض الأرواح يرمي***بسهم الموت من تحت الثياب
شرابك في الشراب إذا عطشنا *** وخبزك عند منقطع التراب
وما روحتنا لتذب عنا ********** ولكن خفت مرزئة الذباب (21)
الأبيات من الوافر ، يزيدها محقق الديوان الدكتور واضح بيتاً ، ووجدته في عدة مراجع :
رأيتُ الخبز عزّ لديك حتى *****حسبتُ الخبز في جوّ السحابِ
ويذكر أن أبا الشمقمق كان يعيب طعام جعفر بن أبي زهير ، وفي ضيافته لشاعرنا هجاه بهذه الأبيات !!:
وتروى لأبي الشيص في ( محاضرات أدباء) الأصفهاني ، وفي ( محاسن وأضداد ) الجاحظ تنسب إلى أبي نواس ، إذ جاء : عن حذيفة بن محمد الطائي قال : قال الرشيد :لا أعرف لمولدٍ أهجى من قول أبي نواس :
وما روحتنا لتذب عنا ********** ولكن خفت مرزئة الذباب
شرابك في السراب إذا عطشنا *** وخبزك عند منقطع التراب (22)
وله على رواية ابن المعتز :
ذهب الموال فلا موا *** ل وقد فجعنا بالعرب
إلا بقايا أصبحوا *** بالمصر من قشر القصب
بالقول بذوا حاتما **** والعقل ريح في القرب
هذه الأبيات من مجزوء الكامل خلف الموالي خلفه ، وهو منهم ، ووجّه سهامه نحو العرب الذين هم بقايا متناثرة بلا أصل ولا لبٍّ حتى كناهم بقشر القصب لخفتهم وعدم رزانتهم سوى أقوال دون أعمال ، وعقولهم فارغة مثل الريح في القرب .
تشير هذه الأبيات أيضاً إلى مدى الصراع بين العرب والموالي بعد سقوط الدولة الأموية وبزوغ شمس الدولة العباسية ، وظهور ظاهرة الشعوبية ، إذ نادت الشعوب الإسلامية من غير أمة العرب أن تساوي العرب في القيادات العسكرية والإدارية والاجتماعية والقيادية ، ورأت أنها رفدت الدولة بالرجال والعباقرة والفكر والترجمة والشعر والأدب ، بل وصل الأمر إلى استصغار شأن العرب ورميهم بالأعراب والتخلف الاجتماعي ، فأهاجي بشار بن برد أبان سخطه وغضبه التي حسبت عليه شعوبية ومنها قوله في هجاء من افتخر من الأعراب – و على أغلب ظني قال الأبيات ارتجالاً بحق عمرو بن العلاء ، لمّا استخف بشاعريته – :
أحيـن كسيت بعد العري خزاً *** ونادمت الكـرام على العقـارِ
تفـاخـر يابن راعيـةٍ وراعٍ **** بني الأحرار حسبك من خسارِ
وكنـت إذا ضـمئت إلى قراحٍ **** شركت الكلب في ولغ الإطـار
وهذا أبو نواس هو الآخر يستخف بالأعراب وقبائلهم الشهيرة في لحظات التهتك والمجون :
قالوا ذكَرْتَ ديارَ الحيّ من أسَدٍ *** لا دَرّ درّكَ قلْ لي من بَنو أسَـدِ
و مَن تميمٌ، ومنْ قيسٌ وإخوتُهُمْ، * ليس الأعاريبُ عندَ اللهِ من أحَدِ
وحتى العرب أنفسهم حدث صراع قبلي رهيب بينهم ، بين العرب العاربة اليمانيين ، وبين العرب المستعربة النزاريين ، ولكن لم يصل إلى مس الهاشميين من بيت الخلافة ، ولا العلويين من آل بيت النبي (ص) ، كان الكميت بن زيد الأسدي يتعصب للمضريين وقد هجا اليمانيين بقصيدته المذهبة ، التي يقول فيها :
وهم كتبوا الكتاب بباب مروٍ *** وباب الصين كانوا الكاتبينا
فرد عليه دعبل الحزاعي بقصيدته الدامغة :
أفيقي من ملامك يا ظعينا *** كفاك اللّوم مرّ الأربعينا
هذه النزاعات القبلية ، والترسّبات الشعوبية ، والنظرات الشوفينية ما زالت تهيمن على العقلية العربية بشكل عام ، والعراقية على وجه الخصوص .
10 – و مما يروي ابن المعتز
ومما يرويه لنا ابن المعتز عن أشعار أبي الشمقمق ( من مجزوء الكامل ) قوله :
ويستحسن قوله:
عاد الشمقمق في الخسارة* وصبا وحن إلى زراره
من بعد ما قيل ارعــوي ** وصحا لأبواب الشطارة
من قهــــوةٍ مسكيّــــةٍ ******واللون مثل الجلنارة
تدع الحليـم بلا نهــى *****حيران لـــيس به إحاره
ولربما غنــــــى بهـا *****يا جارتا ما كنــــت جاره
يا أيها المـلك الذي ******* جمـع الجلالــــة والوقاره
ورث المكارم صالحا ******* والجـــود منه والعماره
إني رأيتك في المـنا ****** م وعدتني منـــــك الزياره
فغدوت نحوك قاصـدا ***** وعليك تصديـــــق العباره
أني أتاني بالنـــــدى ****** والجود منـــــك إلى البشاره
إن العيال تركتهــــم **** بالمصر خــــــــبزهم العصاره
وشرابهم بول الحمــا **** ر مزاجه بـــول الـــــــحماره
ضجوا فقلت تصبــــروا******* فالنجح يقــرن بالصباره
حتى أزور الهاشـــــم ******* ي أخــا الغضارة والنضارة
ولقد غدوت وليس لـــــــي ******** إلا مديحـك من تجاره (23)
وله أيضا
ما جمع الناس لدنياهم *** أنفع في البيت من الخبز
والخبز باللحم إذا نلته ***** فأنت في أمن من الترز
والقلز من بعد على إثره **** فإنما اللذات في القلز
وقد دنا الفطر وصبياننا **** ليسوا بذي تمر ولا أرز
وذاك أن الدهر عاداهم ******* عداوة الشاهين للوز
كانت لهم عنز فأودي بها ***** وأجدبوا من لبن العنز
فلو رأوا خبزا على شاهق **** لأسرعوا للخبز بالجمز
ولو أطاقوا القفز ما فاتهم ******* وكيف للجائع بالقفز (24)
ومما يستحسن قوله :
يبس اليدين فما يسطيع بسطهما ***** كأن كفيه شدا بالمسامير
عهدي به آنفا في مربط لهم ** يكسكس الروث عن نقر العصافير(25)
وشعر أبي الشمقمق نوادر كله (26)
11 – أبو الشمقمق رائد كدية الشعراء :
شاعر ليس لديه ما يفقده بعد أن خسر كرامته ، ولمّا تخلى عنه مجتمعه كي يحفظ ماء وجه ، هذا مصيره وتفلسف مع وجوده فطنة وضرورة ، والجوع أبو الكفار ، وتبعه على نهجه شعراء الكدية ، ماذا تنتظر من شاعر قال ما قال كما أسلفنا ؟ ونذكرك للتأمل والربط :
ولقد قلتُ حين أقفرَ بيتي ***** من جراب الدقيقِ والفخارَه
فأرى الفأر قد تحنبن بيتي *******عائذاتٍ منه بدار الإماره
أو قوله :
ولقد قلتُ حين أجحرني البر ** دُ كما تجحرُ الكلابُ ثعاله
في بييتٍ من الغضارة قفر ** ليس فيه إلا النوى والنخاله
عطلتهُ الجرذان من قلة الخير *** وطار الذبابُ نحو زُباله
أحسن حالاته لما يضيق به الحال يلجأ لصاحبه بشار يستجدي منه ، كما يروي لنا صاحب (الأغاني ) :خبرني هاشم قال حدثني دماذ قال حدثني رجل من الأنصار قال
جاء أبو الشمقمق إلى بشار يشكو إليه الضيقة ويحلف له أنه ما عنده شيء فقال له بشار والله ما عندي شيء يغنيك ولكن قم معي إلى عقبة بن سلم فقام معه فذكر له أبا الشمقمق وقال هو شاعر وله شكر وثناء فأمر له بخمسمائة درهم فقال له بشار :
يا واحد العرب الذي *** أمسى وليس له نظير
لو كان مثلك آخر ******ما كان في الدنيا فقير
فأمر لبشار بألفي درهم فقال له أبو الشمقمق نفعتنا ونفعناك يا أبا معاذ فجعل بشار يضحك . ( 27)
الحقيقة يذكر ابن المعتز وغيره عن تفشي ظاهرة كدية الشعراء ، وبحرفية أمهر وأشنع بعد أن بذر بذرتها الأولى أبو الشمقمق ، فإليك ابن المعتز و(طبقاته)،وأخبار أبي فرعون الساسي :
” حدثني أبو محرز الكوفي قال: أتى أبو فرعون الساسي أبا كهمس التاجر فسأله، فأعطاه رغيفاً من الخبز الحواري كبيراً، فصار إلى حلقة بني عديٌ، فوقف عليهم وهم مجتمعون، فأخرج الرغيف من جرابه، وألقاه في وسط المجلس وقال: يابني عدي استفحلوا هذا الرغيف، فإنه أنبل نِتاج على وجه الأرض، قالوا: وما ذاك؟ فأخبرهم، فاجتمعوا إلى آبى كهمس التاجر فقالوا: عرضتنا لأبي فرعون وقد مزقنا كل ممزق.
ومما يستملح له – وكان من أفصح الناس وأجودهم شعراً، وأكثرهم نادرة، ولكنه لا يصبر عن الكدية…. – وهو القائل :
ليس إغلاقي لبابي أن لي ** فيه ما أخشى عليه السرقا
إنما أغلقه كي لا يرى *** سوء حالي من يجوب الطرقا
منزلٌ أوطنه الفقر فلو ******** دخل السارق فيه سُرقا
لا تراني كاذباً في وصفه **** لو تراه قلت لي: قد صدقا
(…. ) وهذه القصيدة من خيارها : والذي أخذ فيه طريق الجد كلمته في الحسن بن سهل وقد أجمع الناس على حسنها وفصاحتها وهي قوله :
سُقياً لحى باللوى عهدتهم **** منذ زمان ثم هذا عهدهم
عهدتهم والعيش فيه غرة ***** ولم يناو الحدثان شعبهم
ولم يبينوا لنوى قذافة *****تقطع من وصل حبالي حبلهم
فليت شعري هل لهم من مطلب***أو أجدن ذات يوم بدلهم
الناس أشباهٌ كما قد مثلوا ****** وفيهم خير وأنت خيرهم
حاشا أمير المؤمنين إنه ******** خليفة الله وأنت صهرهم
فأحسنوا التدبير لما ناصحوا ***وأمنوا العتب فطال نصحهم
إليك أشكو صبية وأمهم ******** لا يشبعون وأبوهم مثلهم
قد أكلوا اللحم ولم يشبعهم **** وشربوا الماء فطال شربهم
وامتذقوا المذق فما أغناهم***والمضغ إن نالوه فهو عُرسهم
لا يعرفون الخبز إلا باسمه ***** والتمر هيهات فليس عندهم
وما رأوا فاكهة في سوقها ****وما رأوها وهي تنحو نحوهم
زعر الرءوس قرعت هاماتهم … من البلا واستك منهم سمعهم
كأنهم جناب أرض مجدب ***** محل فلو يعطون أوجي سهمهم
بل لو تراهم لعلمت أنهــم ********* قــــوم قليل ريهم وشبعهم
وجحشهم أجرب منقور القرى **** ومثل أعواد الشكاعي كلبهم
كأنهم كانوا وإن وليتــــــــــهم ********طراً مواليِّ وكنت عبدهم
مجتهداً بالنصح لا آلوهـــــــــــم ***** أدعو لهم يا رب سلم أمهم ” . (28)
يذكر عباس هاني الجراح في معرض جمعه وتحقيقه لديوان أبي فرعون الساسي أن أسمه ( شو يس)، وهو عربي من عدي بن الرباب بن عبد مناة بن أد بن طابخه ، وكنيته : ( أبو فرعون ) ، و يطلق علية : شويس العدوي . إما لقبه (الساسي) ، فقيل نسبة إلى قرية الساس ، أسفل واسط
وأبو فرعون هذا ” شيخ قصير، عظيم الهامة، كث اللحية ” ، عاش في البصرة في العصر العباسي، و كان بدوياً، إعرابيا، سائلاً، ” لا يصبر عن الكدية ” ) ! و لا نعرف سنة وفاته تحديداً، و إن كنا نرجح انه توفي في أوائل القرن الثالث الهجري ، ويذكر أن أدونيس أرخ وفاته 212 هـ دون سند،وأنني أميل لهذا التاريخ من حيث مدحه للحسن بن سهل وزير المأمون . (29)
12 – أبو هلال العسكري وأبو الشمقمق والخليفة الهادي وزب رباح :
حكى أن أبا الشمقمق دخل على الهادى وسعيد بن سلمٍ عنده، فأنشده :
شفيعى إلى موسى سماح يمينه **** وحسب امرىءٍ من شافعٍ بسماح
وشعرى شعرٌ يشتهى الناس أكله **** كما يشتهى زبــــــــــدٌ بزب رباح
فقال له الهادى: ويلك! ما زب رباح؟ قال : تمرٌ عندنا بالبصرة، إذا أكله الإنسان وجد طعمه في كعبه، قال: ومن يشهد لك؟ قال: القاعد عن يمينك. قال: أكذا يا سعيد؟ قال نعم، فأمر له بألفى درهم، قال سعيد: فو الله لقد شهدت له، وما أعرف صحة ما قال . (30) ويقال كان خادم واقفاً إلى جنب الخليفة الهادي ، والله أعلم !!
وأخيراً من الجميل أن نختم الموضوع الشمقمقي بالحج ، على ما يبدو لنا كانت هنالك رغبة مكبوتة في العقل الباطن ، ويسندها العقل الظاهر بما يرى من لصوصية التجار ، وغصب الموسرين لحقوق الآخرين ، وتسلط المتجبرين على أعناق المستضعفين ، فرمى هذين البيتين :
إذا حججت بمال أصله دنس *** فما حججت ولكن حجت العِيرُ
لا يقبل الله إلا كل طيبة ********* ما كل حج ببيت الله مبرورُ (31)
نكتفي بهذا القدر من حديثنا عن أبي الشمقمق ، والحديث شجون ، والدنيا شؤون ، والله يعلم ، ونحن وأنتم قلّ ما نعلم وقلّ ما تعلمون !!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) العقد الفريد : ابن عبد ربه الأندلسي – 2 / 474 – الموسوعة الشاملة – الوراق .
(2) (تراجم شعراء الموسوعة الشعرية ) : 1 / 190 – الموسوعة الشاملة .
(3) معجم البلدان : ياقوت بن عبد الله الحموي أبو عبد الله – 1 / 365 – الناشر دار الفكر – بيروت.
(4) العقد الفريد : ابن عبد ربه الأندلسي م . س .
(5) ديوان أبي الشمقمق : جمعه وحققه الدكتور واضح محمد الصمد – دار الكتب العلمية – بيروت – 1995 م – الطبعة الأولى.
(6) تاريخ بغداد : الخطيب البغدادي ج 15 ص 186 – رقم الترجمة 7080 – المكتبة الشاملة .
(7) طبقات الشعراء : ابن المعتز – 1 / 35 – 36 – الموسوعة الشاملة – الوراق .
(8) م. ن.
(9) الحلة السيراء ابن الأبار 1 / 105 – الموسوعة الشاملة – الوراق .
(10) تاريخ بغداد : الخطيب البغدادي م. س . .
( 11) الأغاني : أبو الفرج الأصفهاني : – ج 4 – ص 3 …- دار الفكر – بيروت – ط2 – تحقيق سمير جابر .
( 12) م . ن . ج 4 – ص 90 .
(13) الأغاني : ج3 ص 190 – م. س .
(14) الأغاني : ج 19 ص291 م . س .
(15) م . ن . 298
(16) طبقات الشعراء : ابن المعتز م . س .
(17) ، (18) ، ( 19) ، (20) الحيوان : الجاحظ – ( 1 / 448 – 1 / 449 ) – الموسوعة الشاملة – الوراق .
(21) طبقات الشعراء : ابن امعتز – 1 / 35 –
(22) ديوان أبي الشمقمق : ص 29 – م . س .
:(26) ، (25) ، ( 24) ، (23)
طبقات الشعراء : ابن امعتز – 1 / 35 – الموسوعة الشاملة
(27) الأغاني : (3/172) م . س .
(28) طبقات الشعراء : ابن المعتز -1 /114 – م. س .
(29)
مجلة الجندول AL JANDOOL MAGAZINE
مجلة ادبية فكرية تصدر في محافظة القادسية ، السنة الثانية: العدد 14، تشرين2 (نوفمبر) 2004 – مجلة علوم انسانية – شعر أبي فرعون الساسي – جمع و تحقيق عباس هاني الجراخ / باحث و محقق / جامعة بابل .
(30) جمهرة الأمثال : أبو هلال العسكري – 1 / 183 – الموسوعة الشاملة – الوراق .

أحدث المقالات

أحدث المقالات