19 ديسمبر، 2024 12:23 ص

مواسم جني الدولارات

مواسم جني الدولارات

من المؤمل ان يعقد في الكويت مؤتمر دولي للمانحين ابتداءا من 12 من شباط القادم ولمدة ثلاثة ايام . ومن المتوقع ، بحسب التصريحات الرسمية ، ان يشارك في المؤتمر ممثلو ما يقارب سبعين دولة فضلا عن عدد من المؤسسات المالية الدولية وعلى رأسها مجموعة البنك الدولي . ويسعى العراق لجمع ما يقارب مائة بليون دولار لدفع فاتورة اعمار العراق.
بطبيعة الحال ، فان مثل هذه الاخبار تبعث الأمل في قلوب العراقيين، وهم يتوقعون ان الخير بدأ يطرق الابواب بعد سنوات عجاف أحرقت الاخضر واليابس .ولكن دعونا نتذكر انه قبل اربعة عشر عاما وفي شهر تشرين الاول من عام 2003 ، انعقد في مدريد مؤتمر دولي للمانحين شاركت فيه ما يقارب السبعين دولة أضافة الى العديد من المنظمات الدولية والمؤسسات والشركات الحكومية وغير الحكومية ، على امل جمع ما يقارب 58 بليون دولار لتوفير فاتورة اعادة اعمار العراق ، وبالفعل تم الاعلان عن تعهدات بما يقارب 33 بليون دولار في حينها . وفي شهر مايس من عام 2007 تمّ الاعلان عن العهد الدولي مع العراق ، وهي وثيقة أكدت على الالتزامات المتقابلة بين المجتمع الدولي والحكومة العراقية . بمعنى ان المجتمع الدولي ملتزم بدعم العراق سياسيا واقتصاديا وفنّيا ، وبدورها فان الحكومة العراقية ستلتزم بالتوصل الى اجماع وطني ومشاركة حقيقية بين المكّونات العراقية في العملية السياسية وبالتخلص من الميليشيات ومحاربة الفساد وأنتهاج الحكم الرشيد . ولكن بعد ذلك التاريخ لم يعرف أحد ماذا حلّ بهذا العهد وعلى اي رف حفظ . نعلم كيف بدأ ونجهل كيف انتهى . والآن نحن نتطلع الى مؤتمر الكويت وعلى ال 100 بليون دولار القادمة ، وكيف ستنقل العراق الى مصافي مجموعة الدول العشرين .
فضلا عن ذلك ، وخلال تسع سنوات ، من 2004 ولغاية 2013 ، أنفقت الولايات المتحدة وحدها ما مجموعه 60 بليون دولار من اموال دافعي الضرائب الامريكيين لأعادة الاعمار في العراق . وتوجد في الولايات المتحدة آلية متماسكة لمراقبة كيفية التصرف بتلك الاموال، ومنها تعيين المفتشين العامين المستقلين. وعليه عيّنت الادارة الامريكية السيد ستيوارت بوين كمفتش عام مستقل لأعادة الاعمار في العراق ، يقدم تقاريره الى الكونكرس مباشرة . ولمن يريد معرفة حجم الفساد في صرف تلك الاموال فعليه العودة الى تقارير السيد ستيورت بويين ، الذي اشار فيها الى ان 15% من ال 60 بليون دولار لم يتم التعرف على كيفية انفاقها ولا توجد سجلات صرف بها . ويضرب أمثلة متعددة عن اوجه الفساد منها ان مشروعا في البصرة كلفته 50 مليون دولار يصبح بقدرة قادر 165 مليون دولار ، وآخر في الفلوجه تكلفته 30 مليون دولار يصبح 100 مليون دولار ، والامثلة تطول . ( وعلى طريقة الشيء بالشيء يذكر ، فقد اجبر حاكم تكساس السيد بويين على الاستقالة من وظيفته كمفتش عام على مشروع الرعاية الصحية في ولاية تكساس منتصف عام 2017 بتهمة مخالفة التقاليد الاخلاقية في العمل ، حيث اظهر التحقيق انه يجمع بين وظيفتين في آن واحد ، واحدة منها لها علاقة بالعراق ) . ان الفساد الذي اشار اليه السيد بويين في تقاريره عن اعادة الاعمار في العراق يرينا بوضوح كيف يتم التصرف بالاموال التي تخصص لأعادة الاعمار في العراق .
وفوق كل هذا ، وبعد العديد من خطط التنمية من عام الاحتلال ولغاية 2017 ، وانفاق مئات البلايين من دولارات عائدات النفط ( لمن يريد التعرف على الارقام يمكنه الرجوع الى موازنات العراق خلال تلك الفترة) ، وصل مستوى البطالة في العراق الى حدود غير مسبوقة بما يقارب 40% ( احصاءات وزارة العمل ) ، وازدادت نسبة الفقر لتصل الى مستوى 30% عام 2016 بعد ن كانت 22% عام 2014 و13% عام 2013 ( احصاءات وزارة التخطيط ) . ولا نتكلم عن الخدمات الصحية وحالات المدارس وخدمات التربية والتعليم فهي معروفة وتعيش الأسر العراقية معاناتها في كل يوم. .
ان مشاريع دعم العراق وأعادة أعماره لا تعدم من ان تكون منعطفات حاسمة في تاريخ العراق بعد الاحتلال، فمؤتمر مدريد للمانحين انعقد بعد اشهر قليلة من غزو قوات التحالف للعراق من اجل اعادة اعمار ما دمرته تلك القوات ، ووثيقة العهد الدولي اعلنت على اثر الفتنة الطائفية التي عصفت بالعراق عامي 2005 و2006 لأعادة اعمار ما خلفته الفتنة . اما مؤتمر الكويت فينعقد والعراق يعيش اجواء الانتصار على داعش ليعيد اعمار ما دمرته داعش و الحرب على داعش.
لا نظن ان أوجه صرف الاموال والمشاريع التي ستجمع من مؤتمر الكويت ستدار بغير الطرق التي انفقت بها اموال اعادة الاعمار السابقة، فالاحزاب هي نفس الاحزاب والوجوه هي الوجوه نفسها ، وغالبية المسؤولين وحاشيتهم تنتظر مؤتمر الكويت بلهفة ، فبعده سيحل موسم جني الدولارات .