يبدو ان العملية السياسية الجارية في العراق اليوم , والتي يطلق عليها جزافا بالمشاركة الوطنية والتي لاتعدو ان تكون في حقيقة جوهرها, إلا صراعا بين الإرادات المتنفذه, من اجل الاستحقاقات على المناصب, والمراكز والامتيازات الوظيفية, والمصالح الشخصية. والتي أدت إلى انحراف هذه التجربة الوليدة في عراقنا الجديد, عن مسارها ومسلكها الذي رسم وخطط لها بدم العراقيين ,,فأبعدتها تلك السياسات, والقيادات الحمقاء, مسافات عن هموم الوطن والمواطن, في البناء والازدهار ,وتقديم أدنا ما يمكن من خدمات كان يتطلع اليها هذا الشعب المتعب والمنهك بالرزايا.
.ولكن الانكى والأمر من كل ذلك, ان يتحول هؤلاء القوامون على إدارة وتصريف هذه العملية, إلى أصحاب مشاريع اقتصاديه وريعيه ,والى أصحاب شركات حقيقية, أو وهميه أو إلى وسطاء وسماسرة ,لشركات أجنبيه وهميه, فتضحي ساحة العملية السياسية التي يديرها هؤلاء الشركاء, إلى سوقا تجاريه للمنافسة والمضاربة والمتاجرة ,بالمواطن العراقي الذي جعلوه جسرا يعبرون من خلاله, إلى تحقيق مآربهم وأهدافهم في الربح والفائدة .
وما يطفو اليوم على سطح الإعلام من صخب وضجيج,حول نسب العمولة في صفقات السلاح الروسية والاكرانيه والتستر الفاضح على الرموز المنتفعة التي لعبت دور الوسيط الدنيء في إبرام تلك العقود . فضلا عن الفساد الذي اعترى مركز الاقتصاد الوطني العراقي والمحاولات المستميتة في لي عنان البنك المركزي العراقي وجعله تحت رحمة الحكومة وسطوتها وتنفيذ رغباتها وأهوائها والتغطية على المستفيدين من مزاد بيع العملة من الأحزاب والشخصيات المتنفذه التي تتاجر بتهريبها وتبيضها إلى خارج البلد.
تليها إلغاء البطاقة التموينية التي تدخل في صميم عيش المواطن ومصدر رزقه ثم التراجع الدراماتيكي السريع عن القرار المجحف, لتتداخل مع خلق أزمة عسكريه بين المركز والإقليم لتختلط فيها دماء أبناء الشعب الواحد وتعيدنا إلى أيام الحروب الاهليه الطاحنة.
والحمد لله أنها تداركت بمسرحية هزليه وان كانت مؤقتة االا أنها لا تخلو من نتائج أبعدتنا عن شفا حرب عاجله. .
و وما يشغل بال السادة رجال السلطة والدولة ويجعلهم في هرج ومرج, لما يعتريهم من خلل فاضح ومروع, وهو من صلبهم وبين ظهرانيهم ,حيث لا يجرؤا ان يجدوا له حلا للتداخلات والضغوطات السياسية التي يمارسها قويهم على ضعيفهم.
لهذا تبقى الحقائق مقنعة تحجبها الزوابع التي يبتدعوها ,بين فترة وأخرى, ويبقى هذا الشعب منشغلا بأزمات السياسيين وصراعاتهم, التي يختلقوها, متناسيا وغير آبه لما يقترفوه بحقه من وراء غبار زوابعهم ,من سرقة ,ونهب وتلاعب بأرزاقهم وقوت أبنائهم .
ويغدو العراق فرجة ومزخرة للعالم, حين يتبؤ الصدارة في سلم الفساد الإداري والمالي, والذي فاقت درجاته موسوعة السيد غيتس للأرقام القياسية, وربما ستحثه إلى إعادة النظر مجددا في موسوعته مستقبلا .
كل ذلك نتاجا لفساد الأحزاب والمسئولين, ولقصور خبرتهم ودرايتهم في إدارة السلطة والدولة, ولتفاضلهم بين العمل الوظيفي (( المفترض به ان يكون تكليفا وليس تشريفا ))وما بين العمل الاستثماري, والتجاري, والذي يمارسوه في الخفية والعلن, أو عن طريق الوسطاء,,, حيث تكون له الكفة الراجحة في التفاضل ,وبالتالي يكون المتضرر والخاسر الوحيد الذي تقع عليه تبعية هذه الممارسات ,والسلوكيات الخاطئة و السيئة, للمسئولين, هو المواطن والمستهلك العراقي.
لان هدف أي مشروع هو تحقيق الربح ,والفائدة لمالك المشروع وشركائه ,والذي لا يتأتى إلا بفعل عوامل ومستلزمات ,قد يشك بمصداقيتها ونزاهتها أو مشروعيتها .
لم يترك هؤلاء الساسة والقياديون, للعراقيين فسحة وفرصة للعمل, إلا ونافسوهم بها ,,فلقمة العيش, لا تدخل جوف أي عراقي إلا من خلال هؤلاء المسئولون, فهم منتجون, ومستثمرون, ومستوردون, لكل السلع والخدمات, التي يضج بها سوق الاستهلاك العراقي الزاخر ألان.
وكأن الرواتب العالية والامتيازات الضخمة, التي يتقاضوها و التي ليس لها مثيل يضاهيها في عالمنا المحيط بنا.
ناهيك عن التصرف برواتب الحمايات, والاستيلاء على قطع الأراضي وتسجيلها بأسماء الأقارب والأقارب الأبعدون, والاستحواذ على قصور وقلل أزلام النظام السابق, وملئ الارصده والجيوب, واحتكارهم لمناصب ألدوله ومرافقها, لأبنائهم ولأصدقائهم ,ولمن ينتسبون لهم ,حيث أضحت الكثير من الوزارات والدوائر, وقفا على هذا الحزب,أو لذلك المسئول .كل هذا لا يشبع نهمهم وشراهتم, إلا بدخول السوق العراقية, من أوسع أبوابها .
مستغلين مراكزهم ومناصبهم الوظيفية, في تمرير سلعهم وخدماتهم ,والترويج لها بالقوة والإكراه دون إتباع شروط المنافسة السوقية الشريفة, والنزيه, ألقائمه على أساس ألجوده والنوعية.
وما يثار ألان من زوبعة حول العقود والصفقات الوهمية, التي تبرمها ألدوله لتمشية حاجة مرافقها ومؤسساتها مع شركات ومقاولين أجانب, لا يمتلكون جذورا أو أصولا تجاريه مثبته في سجلات دولهم, فضلا على انها تفتقر لكل مقومات ومواصفات ألجوده, والنوعية, التي يقتضيها المشروع العراقي ,ناهيك عن ارتفاعها المذهل في الأسعار, مقارنة بالسوق العالمية وما يصاحبها من عمولات ورشاوى, تدفع مقدما إلى الشريك العراقي, أو إلى مخالفتها إلى السعر الحقيقي المتفق عليه بين الشركة والوسيط ,وغالبا ما يكون هو المسئول المتنفذ, الذي يستمد قوته من ظهره الذي يستند اليه ,سواء كان حزبا أو رأسا كبيرا في سلم السلطة, والذي لا يفقه شيئا عن العمل الاستثماري, سوى ما يرد اليه من مغانم ومنافع شخصيه, بغض النظر عن الفائدة المستحصله من هذا العقد والمشروع لوطنه .
هذه الازدواجية ,ما بين العمل الوظيفي والخدمي, وبين العمل التجاري ,هي الطامة الكبرى التي تؤدي بانزلاق البلد إلى الهاوية ,ولن تقوم للعراق قائمة تذكر طالما تربع مسؤولية وحكامه,على دفة السلطة ومحرك الاقتصاد في آن واحد.
وان اغلب دول العالم ,تضع تشريعات وقوانين مسبقة ,تحيل فيها ما بين المسؤولية والعمل التجاري. فالمسؤولية لا تتزاوج مع العمل التجاري ,طالما كان المسئول في السلطة, وهذا سياق جبلت عليه معظم شرائع العالم وقوانينه, حتى في صدر الإسلام, عند تولي الخليفة أبو بكر زمام ألخلافه ترك العمل التجاري متفرغا لشؤون الرعية .
لا بد لي هنا ان اُذّكرْ الذوات ,من الساسة والقياديين والأحزاب ,اللذين عارضو النظام السابق.
ان يرجعو إلى صحفهم وأدبياتهم وخطاباتهم, التي كانت تندد وتستهجن عن كيفية احتكار السوق العراقية, لبعض من بضائعها, من قبل أقارب صدام وذويه, وكيف أضحت عيشة المواطن ,وبالأخص السلع الاستهلاكية منها, وقفا على ما يقرره هؤلاء المتنفذون والمحتكرون, لرواج وبيع تلك السلع, وكيف كان يتحمل المواطن انعكاسات المنافسة والمضاربة بالأسعار, من قبل هؤلاء السلطويون الذين لا رادع أو ضمير يوقف تلاعبهم في السوق .
.وإذا كان ذلك السوق وقفا على أقارب صدام, واللذين يعدون بالأصابع في حينه, فكيف بنا والساحة السياسية العراقية اليوم تضج وتعج بآلاف الأحزاب, والساسة والمسئولين, والكل فيها يبحث ويتقاتل من اجل الهيمنة, والسطوة على موارد ألدوله واقتصادياتها .
ولا ضير في نظرهم في تسخير العملية السياسية برمتها, من اجل المتاجرة بالعراق وطننا وشعبا لإرضاء قناعة هؤلاء المتسلطون وإشباع نهمهم.