تابعت مطولاً وبصبر ماكتبه شيعة العراق وتداولوه على صفحات الفيسبوك وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي، وما دار من أحاديث في بيوتهم ومجالسهم العامة والخاصة؛ بشأن أعمال الشغب الأخيرة التي شهدتها بعض مدن إيران، وماكان متصوراً من احتمال حدوث مايهدد أمن الجمهورية الإسلامية الإيرانية وسلامتها واستقرارها.
لقد أذهلني حجم التعاطف والشعور بالمسؤولية الذي عبّر عنه شيعة العراق تجاه سلامة ايران وأمنها؛ بل دهشت من حالة الممانعة التي انطوت عليه أحاديث العراقيين حيال مؤامرات آل سعود وتدخلات الإدارة الامريكية والتواطؤ الإسرائيلي ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية وقيادتها وامنها. وكنت اسمع في البيوت والمساجد ومواقع التواصل دعاء العراقيين بكل عفوية: ((اللهم برداً وسلاماً على إيران))؛ وكثير منهم لم يزوروا إيران ولايعرفون حتى إيرانياُ واحداً.
وكان اللافت أن تعرب النخب المتدينة الشيعية العراقية المنتقدة وغير القريبة من ايران؛ عن مخاوفها أيضاً من تراجع التجربة الشيعية الإيرانية؛ بعد أن حققت كل هذه الإنجازات على الصعد العلمية والتكنولوجية والخدمية والإدارية، وفي مجالات التنمية البشرية والثقافية والتعليمية والفنية والسياسية والإقتصادية؛ برغم أربعة عقود من الحصار السياسي والاقتصادي الشامل، والمؤامرات الخارجية، والحروب المسلحة؛ حتى باتت تقدم تجربةً لنجاح المنظومة المذهبية الشيعية في الاستجابة لتحديات العصر؛ في مقابل الفشل الذريع الذي ظلت تمنى به النماذج العنصرية والطائفية والعسكرية والدكتاتورية والعشائرية في بلدان عربية وإسلامية أخرى.
حينها أيقنت أن تمسك الشعبين العراقي والإيراني بالمشتركات الواقعية العميقة بينهما لم يتأثر بالماكنة الإعلامية والسياسية البعثية الهائلة التي ظلت تضخ كل ألوان الكراهية بين العراقيين والإيرانيين طيلة 35 عاماً. كما أيقنت أن الهستيريا الإعلامية السعودية والأعرابية، والضخ المالي السعودي والخليجي في العراق، ومحاولات كسب بعض الانتهازيين والمغفلين الشيعة في وسط العراق وجنوبه؛ بهدف معاداة ايران، وضرب الاستقرار في ايران؛ قد فشلت فشلاً ذريعاً، وأظهرت هذه الخيبة أن أبناء الوسط والجنوب العراقي أكثر وعياً وحنكة ودهاءً وفطنة من إعلام البعث والسعودية وأموالها، ومن مؤامرات أمريكا ومخططات إسرائيل.
لقد أثبت العراقيون مرة أخرى أن قرارهم السياسي المستقل، وسيادتهم المطلقة على دولتهم، ووطنيتهم التي لايمكن أن يزايد عليها أحد؛ لاتعني أنهم لايعون ماتمثله لهم الجمهورية الإسلامية الإيرانية من عمق ستراتيجي حقيقي، وجوار منتج، ومشتركات مذهبية أصيلة، وتداخل اجتماعي متفرد، وماتمثله دولة آل سعود وبعض الأعراب من مخاطر وجودية حقيقية تطال الشيعة؛ دون تفريق بين عراقي وايراني وهندي ولبناني؛ بل تطال أمن المنطقة العربية والإسلامية برمتها.