عن دار الرافدين في بيروت صدر حديثا كتاب (تاريخ التعليم في العراق) بأجزائه الثلاثة في طبعة جديدة أنيقة ومنقحة لمؤلفه المؤرخ والأديب الراحل عبد الرزاق الهلالي (1916- 1985م) وبمراجعة دقيقة من كريمته عالية عبد الرزاق الهلالي ، ويعد هذا الكتاب من أوائل وأهم الكتب التي أرخت لبدايات وتفاصيل مرحل التعليم في العراق منذ الزمن الأول للحكم العثماني ومرورا بحقبة الاحتلال البريطاني وانتهاءً بقيام عهد الحكم الوطني .
تناول المؤلف في الجزء الأول من هذا الكتاب تاريخ التعليم في العهد العثماني 1638- 1917م ، وبين في مقدمته أن المعلومات التي حصل عليها عن التعليم عند إعداده لفصول كتابه الشهير الآخر (معجم العراق) كانت معلومات (واسعة ، حوت الشيء الكثير من الحوادث النادرة ، والصور الطريفة ، والأخبار الشائقة )) جعلته يفكر في إصدارها بكتاب خاص ، وحسنا فعل بذلك ، وأضاف أن فصول كتاب التعليم ((إن هي نتيجة مجهود فردي ، وتتبع واستقصاء شخصي)) .
مهد المؤلف لهذا الجزء من الكتاب بدراسة عن العراق العثماني وعلاقة العثمانيين بفكرة الخلافة ، ونظام حكمهم ، قبل أن ينتقل إلى الحديث عن الولايات العراقية (بغداد والموصل والبصرة) ، وملامح المجتمع العراقي ، وأسس الدراسة العلمية ، والمعاهد الدراسية ، والكتاتيب ، والمدارس في بغداد والموصل والبصرة والنجف الأشرف ، وسياسة الإصلاح في العهد العثماني ، والإصلاحات الخيرية والمدارس ، والدولة العثمانية والتعليم الحديث ، والعراق والمدارس الحديثة التي لم يباشر بإنشائها إلا في زمن المصلح الكبير مدحت باشا 1869- 1872م على الرغم من مرور ما يقرب من الثلاثين عاما على إنشائها في استنبول أو الولايات العربية الأخرى !!
وانتقل للحديث عن المدارس في الولايات العراقية معززة بالجداول ، والتعليم والمدارس العسكرية ، والأقليات والتعليم ومدارسها في العراق ، والمدارس المسيحية الأجنبية ، ومدارس الحاليات الأجنبية ، والدراسات العالية في العراق ، والدراسة خارج العراق ، وإدارة شؤون المعارف .
أما الجزء الثاني فقد خصصه المؤلف للحديث عن تاريخ التعليم في عهد الاحتلال البريطاني 1914- 1921م ، وقد ذكر في مقدمته حادثة مؤسفة عندما استحصاله لموافقة المسؤولين في وزارة التربية على قيامه بالبحث عن الأضابير القديمة في مخازن الوزارة فأخبروه إن لا وجود لها لأن ((فيضان سنة 1946م قد أتلفها جميعا ، ولم يعد لها وجود مطلقا))!!
ومهد المؤلف في هذا الجزء كما فعل في الجزء الأول بدراسة عن ملامح المجتمع العراقي في عهد الاحتلال البريطاني ، وعن النفوذ البريطاني في بلاد ما بين النهرين قبل الاحتلال ، ووقوع الاحتلال ، وشؤون التعليم في ولاية البصرة 1915- 1918م ، وشؤون التعليم بعد احتلال بغداد إذ دخلتها القوات البريطانية فجر يوم 11 آذار 1917م ، فأعادت فتح المدارس فيها ، وقد تولى الميجر بومن شؤون نظارة المعارف العمومية ، ولما دخلت القوات البريطانية الموصل نظمت شؤون المعارف فيها كما هو الحال في المدن العراقية الكبيرة الأخرى ، ووضعت المناهج للتعليم الابتدائي .
وتحدث المؤلف عن التعليم الثانوي ، والتعليم النسوي ، والتعليم المهني ، والدراسة العالية ، وإعادة فتح مدرسة الحقوق ، وفتح مدرسة للصيدلة ، واندلاع شرارة الثورة العراقية الكبرى في 30 حزيران 1920م ، وتعطيل الدراسة في المناطق الثائرة ، وتقديم الميجر بومن استقالته من نظارة المعارف العمومية لانتهاء فترة إعارته ، ومغادرته العراق مطلع شهر آب من سنة 1920م ، فشغل المستر ليونيل منصبه وكالة حسب قرار الحاكم الملكي العام .
وفي هذا العهد أسست مدارس أهلية جديدة في بغداد وكربلاء ، وترجم قانون الكشافة ، ووزع على المدارس ، وأنشئت جمعية الكشافة العراقية ، وانتقل المؤلف للحديث عن أثر السياسة البريطانية في العراق ، وتشكيل الحكومة العراقية المؤقتة ، وتعيين المستشارين لها ، وكان أول وزير للمعارف في تلك الحكومة المؤقتة هو (عزت باشا الكركوكلي) ، ولم يبق فترة طويلة في الوزارة فتركها في 29/12/1921م إلى وزارة أخرى ، وحل مكانه السيد محمد مهدي آل بحر العلوم ، وهو من الشخصيات الكربلائية المعروفة ، كما أورد المؤلف جداول إحصائية للمدارس في العراق للعام 1920- 1921م ، وتحدث عن التعليم الصناعي ، ودار المعلمين ، وبداية البعثات الدراسية إلى الخارج ، والمدرسة العسكرية .
أما الجزء الثالث من الكتاب وهو الأضخم حجما فيها ، فقد خصصه المؤلف للحديث عن تاريخ التعليم في عهد الانتداب البريطاني 1921- 1932م ، وذكر في مقدمته أنه باشر بكتابة صفحاته على الرغم من المرض الذي تعرض له (مرض الكليتين) برا بوعده في تكملة أجزاء الكتاب وكان ذلك سنة 1984م ، وأن من مصادره (المركز الوطني لحفظ الوثائق) الذي له الفضل الكبير في حصوله على العديد من الوثائق الخاصة بالتعليم ، وتليه (مكتبة وزارة التربية) التي وجد لديها التقارير السنوية التي كانت تصدرها وزارة المعارف عن سير التعليم في العراق ، وقد أفادته فائدة كبيرة ، فضلا عن المراجع الأخرى التي ثبتها في الهوامش وهي كثيرة .
وكما في الجزأين السابقين مهد المؤلف لفصول الكتاب بدراسة عن الدولة العراقية الجديدة ، واختيار فيصل بن الحسين ملكا للعراق ، وإقرار مجلس عصبة الأمم يوم 27/9/1924م بقبول الانتداب البريطاني على العراق ، وإبرام المعاهدة العراقية البريطانية الأولى سنة 1922م ، وانتخاب المجلس التأسيس الذي افتتح في 27 آذار 1924م ، وإبرام المعاهدة العراقية البريطانية الثانية سنة 1926م بعد اعتراض بعض الشخصيات العراقية على المعاهدة الأولى لما تضمنته من بنود مقيدة للعراق ، وموافقة مجلس عصبة الأمم عليها ، وعقد المعاهدة العراقية البريطانية الثالثة سنة 1927م تحت ضغط الظروف السياسية الداخلية ، وجددت هذه المعاهدة بأخرى سنة 1930م .
وكان أول وزير للمعارف في هذا العهد هو السيد محمد علي هبة الدين الشهرستاني الذي تولى الوزارة في 27/9/1921م (وزارة النقيب الثانية) ، وتعاقب على هذا المنصب مجموعة من الوزراء وهم : الحاج عبد الحسين الجلبي الكاظمي ، والشيخ محمد حسن أبو المحاسن ، والشيخ محمد رضا الشبيبي ، والسيد عبد المهدي المنتفكي ، ومحمد أمين زكي ، وتوفيق السويدي ، ومن الملفت للنظر أن الحاج عبد الحسين الجلبي تولى هذا المنصب الوزاري خلال هذا العهد فقط خمس مرات ، كما اعتذر الحاج محسن شلاش عن توليه في الوزارة النقيبية الثالثة في 30/9/1922م لكثرة أشغاله التجارية .
وتحدث المؤلف عن الموظفين الانكليز الذين عملوا في وزارة المعارف وهم خمسة (المستر سمث ، والكابتن فارل ، والمستر كلن ، والمستر رايلي ، والمستر سمرفيل) ، ورأي الوزراء المعنيين بهم ، وتوقف عند المدارس الطائفية في الموصل ، ودعوة وزير المعارف الشهرستاني لإنشاء مجلس للنظر في منهاج الدراسة ، ومدرسة أبناء الشيوخ ، ومباشرة ساطع الحصري العمل في وزارة المعارف ، وسياسة المعارف في العراق ، وتطوير دار المعلمين ، ورفع مدة الدراسة ، والمدارس الأهلية ، ومدارس الأوقاف ، والنشاط اللاصفي في المدارس ، والتدريب العسكري فيها ، والمدارس الأجنبية ، والدراسات العالية ، وكانت خمسة ، هي : مدرسة الحقوق ، ودار المعلمين العالية ، وجامعة آل البيت ، والكلية الطبية ، ومدرسة الأركان .
وانتقل للحديث عن البعثات الدراسية خارج العراق ، ولم تقتصر الدراسة في الخارج على ما أخذت ترسله وزارة المعارف من الطلاب ، بل إن عددا من أغنياء البلاد أخذ يرسل بأبنائه إلى الخارج للدراسة على نفقته الخاصة ، وأدرج أسماء من تضمنتهم تلك البعثات حسب السنين مع ذكر التخصصات ، وأعطى نبذة مختصرة عن (لجنة مونرو) ، أو لجنة الكشف التهذيبي ، وهي لجنة أمريكية قدمت إلى العراق سنة 1931م برئاسة الدكتور بول مونرو لوضع خطة مثلى تنفذ تدريجيا من قبل وزارة المعارف ، وقد باشرت اللجنة عملها حال وصولها ، وقد رافقها الدكتور محمد فاضل الجمالي ، وقدمت تقريرها إلى الوزارة التي قامت بطبعه سنة 1932م باللغتين العربية والانكليزية ، وقد أشاد مدير اللجنة الدكتور مونرو في رسالة إلى وزير المعارف الحاج عبد الحسين الجلبي بإمكانية الدكتور فاضل الجمالي وقدرته ((من جميع الوجوه على القيام من الوجهة الإدارية بتحقق كل توصية من التوصيات )) التي قدمت ، كما ((يستطيع أن يقدم مشورة سديدة لتحقيقها كافة)) ، واقترح بصورة خاصة ((أن يوجه إلى الدكتور عبء المباشرة بتطبيق التشكيلات الإدارية ، ويحتمل أن يقوم بالوقت نفسه بوظيفة وكيل مدير التنقيب ، حتى تتمكنوا من الحصول على رجل قدير مدرب)) .
وأضاف المؤلف لكتابه أربعة ملاحق مهمة ، هي دليل حفظ النظام والانتظام في المدارس الابتدائية ، والكتاتيب أو مدارس الملالي ، وأجوبة الأسئلة الموجهة لبعض المربين (الأستاذ عبد الرزاق إبراهيم ، الدكتور داود الجلبي ، الأستاذ صديق القادري ، الأستاذ أحمد أمين ، الأستاذ كاظم شكارة ، الدكتور محمد صديق الجليلي) ، وملاك وزارة المعارف في سنة 1920 1921م في عهد وزير المعارف السيد محمد علي هبة الدين الشهرستاني .