قبل الخوض في الحديث اود الاعتذار التام عن قلمي وفكري وعقلي ووجداني لانها جميعا قاصرة ومقصرة في ان تحيط بالسيد محمد الصدر (قدس) ولكن الذي يهّون الخطب ان السيد محمد الصدر (قدس) قد كان كريما في حواراته ولقاءاته ودروسه وخطبه ومواعظه مما جعل الامر اكثر يسرا فجزاه الله عن الاسلام والمسلمين والانسانية خير جزاء المحسنين…
في لقاء الحنانة وبالضبط حينما تعرّض للحديث عن استاذه وابن عمه السيد محمد باقر الصدر (قدس) كشف السيد محمد الصدر (قدس) عن شيء من وعيه بخصوص موضوع الشهادة في سبيل الله واود ان انقل ما قاله السيد محمد الصدر (قدس) في لقاء الحنانة ومن ثم احاول التعليق والتحليل معتمدا على الاحداث التأريخية التي برهنت على مطابقة وعي السيد محمد الصدر (قدس) للواقع بدرجة لا يمكن ان يختلف عليها عاقل فقد قال السيد محمد الصدر (قدس) في لقاء الحنانة ما نصه:
(( ولكنه انا امامك سلمت, لانطباع انا سببته لنفسي وهو علي بدرسي فقط, صح انا بيني وبين الله مقتنع بامور لا دخل للناس لها, ولكنه الشيء الذي أأديه اني احافظ على نفسي ليس حبا بنفسي وإنما حبا بالحوزة التي استطيع ان انفعها وحبا بالشيعة الذين أستطيع ان انفعهم, ليس اكثر من ذلك, والا هي ما احسن الشهادة على اية حال ولكنه ليست الشهادة دائما مطلوبة, فلذا السيد لو كان موجودا لنفع الناس, ذهب برجله للشهادة هو فاز ولكننا خسرناه, فانا مثل هذه الخسارة لا اريد ان تحدث بالنسبة لي, وبالنسبة الى غيري, لعلي اني استطيع ان اؤدي ما في ذمتي امام الله سبحانه وتعالى)) انتهى.
وقد اعتذر السيد محمد الصدر (قدس) عن السيد محمد باقر الصدر (قدس) حيث قال السيد محمد باقر الصدر (قدس) مجتهد فإن اخطأ فله كفل من الثواب..
فالمسألة هي مسألة اجتهاد وقد اختلف السيد محمد الصدر في هذه المسألة (مسألة التعجيل بالشهادة) مع استاذه…
وكان السيد محمد الصدر (قدس) قد استطاع ان ينفع الحوزة والشيعة وهما لحد هذه اللحظة ينعمان بتلك الفائدة العظيمة التي انتجها السيد محمد الصدر(قدس) بعد ان حافظ على نفسه..
وتعليقا على هذا الامر ان السيد محمد الصدر(قدس) بالرغم من قسوة الظروف في تلك الفترة وبالرغم من المآسي والحزن وتفشي الظلم فتكون الشهادة في سبيل الله هي الفوز والخلاص من ذلك الواقع المرير على عكس العيش في تلك الفترة حيث لا يطاق العيش بعد فراق الاحبة وفراق اولياء الله العاملين فاختار السيد محمد الصدر (قدس) الاصعب على الاسهل لا لشيء الا لاعتقاده بانه لا يريد الخسارة للحوزة والدين والمذهب أملاً في الله ان تسنح الفرصة لكي يؤدي رسالته وينفع الحوزة والناس…
وهذا ما قد حصل بالفعل ولكنه بعد عناء طويل وسنين عجاف مرت على السيد محمد الصدر (قدس) من خلال الاقامة شبه الجبرية التي فرضت عليه وما صاحبه من تضييق في المعيشة ومراقبة الدولة المستمرة له.. واستمر الحال لاكثر من عشرة اعوام ومن ثم جاءت مرحلة التصدي للمرجعية التي كانت اشد قسوة من تلك الفترة حيث شنت عليه حرب شعواء اشترك فيها الجميع من داخل العراق وخارجه واشترك فيها الجلاد والمجلود واشترك فيها المغرض وغيره…
ولكن الله نصر عبده ووليه المخلص العارف وجعل أفئدة من الناس تهوي اليه واستطاع السيد محمد الصدر (قدس) ان ينفع الحوزة والشيعة بل والناس اجمعين بفضل الله ومنه انه على كل شيء قدير..
ومن ثم جاءت له الشهادة تسعى اليه بعد ان ادى ما في ذمته امام الله سبحانه وتعالى وقد برهن السيد محمد الصدر (قدس) على صدق وعيه واعتقاده حينما أجّل الشهادة وتحمل وصبر وظفر ومن ثم نال الشهادة وفاز بعد ان احيا الله به الارض بعد موتها
وحسب فهمي ان تأجيل الشهادة لأجل أداء الوظيفة الدينية المتمثلة في تربية وهداية وإصلاح المجتمع ونشر الوعي في ربوعه هي من أهم الدروس العظيمة التي سطرها الشهيد محمد الصدر(قدس) للجيل المعاصر والأجيال اللاحقة فسلام عليه حياً وميتاً…