لا احد يفكر بالعراق غير الفقراء والمحرومين والذين نهبت ثرواتهم من قبل “حيتان الفساد” ودكاكين الدين واذنابهم واتباعهم والاميين الذين يتمسحون بأذيالهم طمعا في شهوة المال والسلطة والامن المؤقت . الاف الكفاءات الكبيرة المتنوعة وملايين المهاجرين الذين يعيشون من عرق جبين الشعوب الأخرى ، لم يترك لهم العراق سوى الاسم في هوياتهم وضمائرهم ، هؤلاء يمثلون العراق ويعكسون صورة مغايرة لما يعكسه خنازير الدين وعبدة السلطة من صور كارتونية عن الحياة في مختلف أوجهها.
حين كنا نعمل معارضين لنظام صدام ، كنا نحلم بدولة خالية من الرعب ، ومن المحسوبية ومن صناعة شيوخ العشائر الخدّج الذين تصنعهم السلطة ، تعلي شانهم بالقوة والرشى متى شاءت وتذلهم متى شاءت ،دولة لامغامرات سياسية ولاتمييز طائفي او ديني فيها ولاتبعية للاجنبي ، دولة حرة حديثة في قوانينها الانسانية ، تستثمر ثرواتها في تنمية عقول شبابها في التعليم والتربية والصحة واللحاق بركب الدول المتقدمة . لكن الانوار المتبقية هنا وهناك اطفئت ، وسط نزاعات رخيصة وشهوات وضيعة وتسويق أهوج سطحي متخلف للدين ، اهانة للجامعات والمناصب حيث انتشار جامعات لاتنطبق عليها ادنى ضوابط الاخلاق والامانة العامة ناهيك عن ضوابط العلم والامانة العلمية . اهانة للمؤسسات بتنصيب كفاءات بسيطة حالمة على كياناتها ، فوضى في المال والبنوك والسلاح وقياس الاضعف يعيّن الاضعف منه ، والغبي يمنح فرصا للاغبى منه ، حتى تستقيم معادلة البقاء في السلطة والمنصب في اضيق مديات النظر للحاضر والمستقبل عرفتها الفطرة الانسانية .
أمام هذا ظللنا نحن الذي حلمنا بوطن آخر، مرمىً للشماتة بنا والسخرية من نماذجنا ،لاننا نذرنا اعمارنا لعراق مختلف متقدم حر متطور ، لايحكمه الابديون الذين لاتقيلهم من مناصبهم سوى مقابر الله.
هؤلاء لايفكرون بالوطن ، لايفكر بالوطن من يأكل لقمة حراما باليد او بتشريع حرام ، لايفكر بالوطن من يبيعه للأجنبي أو يعرضه للارهاب، لايفكر بالوطن من يجعل أراذل الناس اسيادا عليهم ، الذي يفكر فقط اولئك الذين اذا ذُكِرَ العراقُ وجِلتْ قلوبُهم وزادتهم اصرارا على الحياة . اولئك المواطنون على نفقتهم الخاصة ، لانهم خارج العراق لاتكترث السلطات لوجودهم وآرائهم ومواهبهم وجهودهم لخدمة البلاد، وداخل العراق لاتكترث لحياتهم اصلا.