قبـل القـراءة :
السـؤال أعـلاه ؛ ليس وليد فـراغ مـرجعي أو مـعزول عـن سبب نزوله ؛ بل مرجـعيته موضوع سبق وأن نشرناه تحت عنوان [ إشكالية الإنتحـار] وذلك عـبر العـديد من المواقع الثقافية العربية §§مشكورة بألف شـكر لمجهوداتها §§
إذ الموضوع سبب نزوله ؛ تأليف مسرحية بعنوان [ حبال الرحيل] التي ستصدر في الشهـر القـادم عن منشورات دار كتابات جديدة الإلكترونية ؛ وبالتالي فالأسطر أدنـاه رؤية شمولية لفحوى النص الذي يعيد استنهاض واستحـضار أربعة مبدعين ( مغاربة) انتحـروا ؛ ولم يـعـد أحـد يذكرهـم أو يلمح عـنهم ؛ وخاصة الذين طبلوا وولولوا في أوراق النعـي !!
إن نشرهـاته الورقـة كسابقتها معزولـة ؛ وإن كانا ( الورقتين) منوجـدين في ثنـايا الكتاب الإلكتروني ؛ ليس الأمـر فيه دعـاية مسبـقة أوإشـهارا منافيا لقيم لإبـداع ؟ بل نـشـرها تأكــيدا لـشــهوة مــا وراء الــنص ؛ الــذي يتحـرك خــلسة بين ثنايا الـواقــع الذي أدى بانتحــار هــؤلاء المبدعين وغـيــرهم من العالم العـربي كــثر ؟
شــهـــوة الـقــول :
من الطبيعي أن مسألة الانتحار؛ قـضية تهـز المشاعـر وتزعزع الأحاسيس كيفما كان عمق الإنسان؛ تركيبا وتكوينا وفي نـفـس اللحظة تفـرض التساؤل ؛ لماذا وكـيف تم هـذا الفعل التراجيدي ؟ فلماذا تتعـدد الروايات والأسباب والدوافـع ؛ لأن كـل منتحر في سجله حكايات وألف حكاية. وكيف تم الإقـدام على الـفعـل الإنتحاري ؛ فبدوره تختلف الوضعيات وأليـات فعـله وأدواته ؛ بمعنى لكل فعل انتحاري طقوسه الخاصة ومـقدماته المثيرة والتي يتصورها ويخطط لها – المنتـحـر- حسب قناعته الخاصة !
إذ كثير من الأفعال الإنتحارية؛ تترك الذهن مشدوهـا وعاجزا عـن فـك لغز الفعل؛ فحتى خبرة – المحـقـقين الجنائيين – في جرائم القتـل ؛ يظلون حيارى أمام العديد من الأفعال الإنتحارية ؛ رغم وجود شهادة إبراء ذمة في أوراق متروكة أو رسالة ؛ بأن الإنتحار تم بشكل شخصي واختياري ؛ وأتذكر عملية انتحار المسرحي التونسي- الحـبيب المسروقي– في 1980؛ حـسب ما رواه لنا أعضاء فرقة شباب نابل ؛ التي أنجزت مسرحية ( عصفور الجنة) في حـق روح الفنان – الحبيب المسروقي- وكذلك الفاضل الجعـايبي بمسرحية ( جنون) التي تحولت لشريط تلفزي فيما بعـد . بأن المحققين وجـدوه مشنوقا في الهواء؛ لا وجود لطاولة أو كرسي أو سلم صعد عليه ؛ بقدر ما وجدوا بقعة ماء فقط؛ اعتقـدوا في بداية الأمر – بوله – ولكن لاوجـود لبقعة مياه على سرواله. فكـيف انتحـر إذن ؟ ظـل السؤال معـلقا؛ حتى نطق عـفـويا أحد بائعي قطع الثلج ؛ بعدما وصله الخبر بشهور؛ بأنه اقتنى قطع ثلـج على شكـل مربعات ؛ بواسطتها صعد لتعليق المشنقة ؛ وظل فوق طوب الثلج حتى انصـهر؛ وكلما انصهرالثلج ؛ فطبيعي يتقلص طوله وتبدأ المشنقة في خـنق جيد المنتحر؛ وفعلا بعـد انصهاره انتهى وجـود – الحبيب المسروقي–
بالنسبة لنا في المغرب أربعـة مبـدعـين انتحــروا في أوقات مختلفة ؛ لكن القاسم المشترك بين :
المسرحي ( حوري الحسين 1946/1986) والشـاعـر( كريم حوماري 1972/1997) والقاص( سعيد الفاضلي1960/2004) والشاعر(ع القادرالحافوي1965/2014)
انتحـروا شنقـا ؛ وإن كانت أغلب الآراء تشك في انتحار : لأن رحـيل الفاضلي كان غامضا، إذ أنه توفي وحيدا في غرفة بفندق عادي بمدينة الدارالبيضاء، بعيدا عن أسرته الصغيرة وأصدقائه……لا يبدو سيناريو رحيل الفاضلي مقنعا أمام طبيعة شخـصيته الطموحة والتزامه بعدد من مشاريع البحـث(سعيد الفاضلي.. دهشة الرحيل– ج/الشرق الأوسط لحسن الوزاني 3 يوليو 2004 العدد 9349) من الطبيعى أن أي فعل خارج عن المعتاد؟ وغـيرخاضع لمنظوم التكـيف الاجتماعي؟ توضع عليه عـدة استفهامات وتتسلسل التأويلات وتبزر الشكوك . وبالتالي فمسألة انتحار- الفاضلي – واردة ؛ لأن صاحب الفندق شاهـد عن وجـوده و بقائه في غـرفة الفندق وحده ؛ فلو كان هناك قاتل لإنكشف في سياق المكان بنزلائه وزبائنه ؛وبالتالي فانتحاره يبقى قضية غامضة مثلها مثل الآخرين؛ إلا أن وجه الاختلاف أن المنتحرين تركوا رسائل وتلميحات لإقـدامهم على الفعل الانتحاري ! فالشاعر – حوماري – في رسالته لصديقه “مصطفى حيران” قبل انتحاره بقليل،: «عين الأشباح تطاردني صباح مساء، داخل عروق أصيلة المتشابكة في جسدٍ إيقاعُ دمعِه بطيء، وقلبُه له دقاتُ طبل، لكن لا أحد يسمع» هل هي صدفة أن يكتب هاته الرسالة التي تبدو مشفرة؛ لكن ارتباطا بما تحمله أشعاره من مقاطع مفعمة بالاحتجاج والرفض، وحضور أطياف الموت والإنهيار! تصبح الرسالة واضحة ؛ وأكثرها وضوحا؛ ما أشار إليه الشاعر ع القادرالـذي ترك رسالة من ثمان صفحات حسب تصريح أخيه – ع الله الحافوي – إضافة لما تركه بالقول في تدويناته ب = الفايس بوك : [ أنا أعـيش أسوأ لحظات عمري,,, سماحا أيها الأصدقاء / عـذرا سأنسى قواعد اللغة…كيف هو الانتحار] فهاته الأسطر الالكترونية والتي لم تعـرف التزوير؛ تشيرعلنا أن هناك نية مبيتة للانتحار! نـفـس الأمرالذي أشارإليه المسرحي – حوري الحـسين- في رسالة مطولة :
فتلك الرسائل تكـشف عن حضور وعي ورغبة شخصية ؛ نحو الانتحار؛ وهـذا إذا وضعنا عامل السِّـن أمامنا كمعيار للتجارب والنضج .فثلاثة متقاربين سـنا (الحافوي /49 = حوري/40 =الفاضلي/ 42) ( كريم/ 25) في مرحلة الشباب ؛ الذي يريد أن يعيش حياته بالطول والعرض ؛ حَـسب الظروف والإمكانات , وبناء على الرسائل والسن؛ نضيف اختيار المكان؛ الذي يوحي بوجود إرادة في الانتحار:
مكان مغلق = ( حوري/ الفاضلي/الحافوي) مكان مفتوح = ( حوماري)
وهاته الآمكنة المختارة سلفـا ؛ تجـسد الابتعاد عن الرقيب المتمثل في الآسرة والأصدقاء كعناصرللتدخل السريع لاحبـاط الفعل الانتحاري أو تأجيله.
لكن الملاحظة الآكثر أهمية؛ ان انتحار هؤلاء المبدعين الأربعة ؛ تم في فضاء ساحلي وليس في منطقة لو فضاء جبلي او صحراوي او داخلي ؟
(حوماري/ أصيلا – حوري / المحمدية – الفاضلي/ الدارالبيضاء – الحافوي / سيدي بنورمنطقة باقليم الجديدة الشاطئية) فهاته الإشارات تساهم إلى حـد بعيد إعادة النظر في مسألة الانتحار؛ وهذا سياق استثنائي فرض كتابة نص – حبال الرحيل – والذي جاء بناء على السياق العام ومفاده : استحضار هؤلاء المبدعين ؛ الذين تم نسيانهم وعدم تذكارهم كفعاليات ساهمت في المشهد الثقافي والابداعي في وقتها؛ وأقبرت من المشهد بعد موتها ؛ وما تلك الترنيمات والكتابات التي تمت حولهم إبان انتحارهم ؛ تبدو الا فورة بطولة مؤجلة في اعماق اصحاب من كتبوا وشعروا ومجدوا خصال ومجهودات الذين غادرونا عــبر حبال الرحيل . فما أقسى مشهد ذاك الحبل الذي كان في الجيد كقلادة ! وما أفظعها من حركة حينما يهْـوى الجَـسد ؛ ليعـطي للحبل إشارة الرحيل ! لا ننكر بأن إقـدامهم على الرحيل بتلك الطريقة ؛ مسألة جريئة ومغامرة مثيرة للغاية ؛ تبدو بطـولية بالنسبة لهـم ؛ وعند البعض مغامرة جبانة ؛ ولكـن كلا التعبيرين يبقى الانتحار أكثـر الظواهـر إلباسا وإلتباسا وطـرحا للأسئـلة العَـميقـة والمحـرجة في آن ؟ وعلى ضـوء كل هـذا فنص – حبال الرحـيل – لا تحمل شـهـوتها في حـواراتها و بين كلماتها بل شهْـوتها ما وراء الكـلمات ؛ وحمـولة الحـوار بين ما كان وما هـو كائـن…..
فــاس 10/ 08/2017