لا يُفهم من المقال أنني أعتقد بأن الإمام الحسين عليه السلام خاص بالشيعة فقط ، وكما لا يستلزم أيضا أن غير شيعة العراق لا يشملهم الخطاب ، كل ما في الأمر أنني أحاكي أبناء بلدي وطائفتي كون الأمر يعنيهم أكثر من الآخرين وفقا لمعتقداتهم ولما يفرزه واقع اليوم . إن من أهم خصائص الجمهور العاشورائي انه جمهور يملك فكراً عاشورائيا ، و الفكر العاشورائي هو مجموعة من الرؤى و المفاهيم و القيم التي طرحتها ثورة الإمام الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء ، ولا يكفي أن نملك وعيا بهذه الرؤى و المفاهيم و القيم وحسب ، فإن هذا الوعي يمثل البعد النظري فقط ، و أما البعد العملي فهو أن يتحول هذا الوعي إلى واقع متحرك يصوغ كل رؤانا و مفاهيمنا و قيمنا ، وإذا أردنا أن نحاسب انتماءنا إلى عاشوراء ، فيجب أن نحاسب رؤانا و مفاهيمنا و قيمنا ، ربما تكون متناقضة مع عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام . محارب لعاشوراء كل من يتبنى أفكارا متناقضة لأفكار عاشوراء الحسين عليه السلام ، ومحارب لعاشوراء كل من يتبنى تلك الأفكار ولا يحولها إلى واقع عملي . الإمام الحسين ثار من أجل الدفاع عن الإسلام و حماية قيم الدين والحفاظ على مبادئ القرآن التي تتكفل صيانة الحياة من كل ظلم وجور وإجحاف . والإنسان العاشورائي هو من يتبنى الدفاع عن الأسباب التي ثار من أجلها الحسين ويجتهد في ترجمتها . الإنسان العاشورائي هو من يتبنى ويترجم مفاهيم الحق و الصلاح و العدل و الحرية و الكرامة والخير و الفضيلة و الطهر و النظافة وخلاف ذلك هم أعداء عاشوراء . أعداء عاشوراء هم من يتبنون ثقافة وترجمة الضلال والانحراف والفساد والظلم و القهر والاستبداد و العبث بالكرامات . هم الذين يتناقضون فكريا أو عمليا مع مفاهيم عاشوراء . إن الالتزام الفكري الصادق يفرض التزاما سلوكيا صادقا كما إن الالتزام العاطفي الصادق يفرض التزاما سلوكيا صادقا ، وحينما يبقى الفكر ثقافة في الذهن و لا يتحول إلى سلوك عملي فهو فكر غير ملتزم ، وحينما تبقى العاطفة شعورا في القلب و لا تتحول إلى ممارسة متحركة فهي عاطفة غير ملتزمة . ليس كل الباكين على الإمام الحسين عليه السلام هم من عداد الجمهور العاشورائي الذي يجسد خط الإمام الحسين ، فكم من الباكين على الحسين عليه السلام وهم من يشهر السيوف عليه ؟! و حسب تعبير الفرزدق حينما سأله الإمام الحسين عن الناس في العراق حيث قال : ( قلوبهم معك و سيوفهم عليك ) . قد نبكي الإمام الحسين ، و نتأوه لمصاب الحسين ، إلا أننا نحمل القيم التي يحملها قتلة الحسين ، و نحمل المبادئ التي حملها أعداء الحسين . فليس كل من بكى أصبح منتميا إلى خط الثورة الحسينية ، و ليس كل من حضر مجالس العزاء أصبح منتميا إلى خط الثورة الحسينية ، و ليس كل من لطم على صدره أصبح منتميا إلى خط الثورة الحسينية ، الإنتماء إلى هذا الخط يمثل ( هوية ) لها خصائصها و مكوناتها المتميزة ، كما أن الانتماء إلى الخط المضاد للثورة الحسينية يمثل ( هوية ) لها خصائصها و مكوناتها المتميزة . وهناك فاصلة واضحة بين الهويتين و الإنتمائين ، و حينما تتداخل الخصائص و المكونات يغيب التمايز بين الهويتين و بين الإنتمائين , و هذا كافٍ في أن يضع الإنسان في الخط المضاد للثورة الحسينية . و السؤال المطروح هنا : كيف نشكل من أنفسنا جمهورا عاشورائيا منتميا إلى خط الثورة الحسينية ؟ إن ملف الجريمة النكراء التي حدثت في ظهيرة عاشوراء في السنة الواحدة و الستين للهجرة ، هذا الملف يجب أن يبقى مفتوحا و يجب أن يكون حاضرا ، فمن خلال هذا الملف يجب أن تلاحق كل ملفات الظلم و الإستبداد وإنتهاك الحرمات و مصادرة الكرامات في كل الأزمنة و العصور . من خلال هذا الملف يجب أن تحاسب كل ممارسات العبث بمقدرات الشعوب ، و كل أشكال المصادرة لحقوق الإنسان ، في كل الأوطان و البلدان ، سواء صدرت من مسلم أو غيره ، من شيعي أو غيره . ومن خلال هذا الملف يجب أن تستلهم الجماهير إرادة التغيير على خارطة السياسة الظالمة ، وروح الإنتفاضة على نهج الحاكم الجائر ( سواء كان منتخبا أم لا ) ، و حينما يكون الحديث عن عاشوراء الثورة و عاشوراء الرفض لكل سياسات الظلم و القهر و الإستبداد فلا يعني أن رسالة عاشوراء تقف عند حد ما أو تسمية ما ! بل يجب أن تتوغل في كل المفاصل التي يعشعش فيها الظلم ، و تخرج على ممارسة العابثين بشعوبهم ، يجب أن تترجم رسالة عاشوراء ضد ملفات الفساد المالي والإداري التي تديره الحكومات ، ضد صفقات الهدر والإختلاس والسرقة ، ضد الإرهاب المنظم التي تديره مليشيات السلطويين ، ضد المحسوبية والتمييز في العطاء ، ضد الساسة الذي باعوا كل شيء لأجل مناصبهم ، ضد أي برلمان فاسد فاشل ، ضد أي حكومة فاسدة فاشلة ، ضد من يهتم بالقشور ويتجاهل اللب ، ضد من يجعل الحزن وطقوس العزاء هي الهدف ويركن الإصلاح خلف ظهره ، ضد من يهتف بالولاء و يقتل الحسين بموازرة أهل النفاق ، ضد مظاهر الجهل والرياء والغباء والطاعة البلهاء ، ضد وضد وضد ….. وختاما أتسائل : بعد كل هذا العمق التأريخي والعقائدي والسياسي لثورة عاشوراء المباركة علينا أن نسأل أنفسنا عن حقيقة المكاسب التي يفترض أن نجدها ماثلة في جوهر سلوكنا اليومي ، وهل أن الحسين عليه السلام فخور بشيعته اليوم أم أنه يراها تسير بالاتجاه المعاكس لأهدافه الخالدة ؟ وهل إمتلكنا شجاعة الحسين وأصحابه فنقول كلمة الحق أمام السلطان الجائر ؟ أم إننا ساهمنا في تنصيبه ؟ ودافعنا عنه ؟ وروّجنا له ؟ ورضينا بأفعاله ؟ وسكتنا عن ظلمه ؟ .