أولاً – القصيدة – كما وردت في أمالي المرزوقي – البحر الطويل :
1 – عميرةَ ودِّعْ إن تجهَّزتَ غاديا ** كفى الشَّيبُ والإسلامُ للمرء ناهيا
2 – جنوناً بها فيما اعتشرْنا علاقـــةً***علاقةَ حـبٍّ مستسرّاً وباديا
3 – لياليَ تصطادُ القلـوبَ بفاحــمٍ **** تـراهُ أثيثـاً ناعمَ النَّبتِ عافيا
4 – وجيدٍ كجيدِ الرِّئم ليسَ بعاطلٍ * من الدُّرِّ والياقوتِ والشَّذرِ حاليا
5 – كأنّ الثُّريَّا علِّقتْ فوقَ نحرها *وجمرَ غضًى هبَّت لهُ الرِّيحُ ذاكيا
6 – إذا اندفعتْ في ريطةٍ وخميصةٍ * ولاثتْ بأعلى الرأسِ برداً يمانيا
7 – تريكَ غداةَ البينِ كفَّاً ومعصماً **** ووجهاً كدينارِ الأعزَّةِ صافيا
8 – وما بيضةٌ بــاتَ الظَّليمِ يحفُّها ***ويـــرفعُ عنها جؤجؤاً متجافيـا
9 – ويجعلها بينَ الجناحِ ودفِّــهِ **** وتفرشها وحفاً مـن الزَّفِّ وافيا
10- ويرفعُ عنها وهيَ بيضاءُ طلَّةٌ * وقد واجهتْ قرناً من الشَّمسِ ضاحيا
11 – بأحسنَ منها يومَ قالتْ أرائحٌ *** مع الرَّكــبِ أم ثاوٍ لدينا لياليا
12 – فإن تثوِ لا تملكْ وإنْ تضحِ غاديا ** تزوَّدْ وترحل عن عميرةَ راضيا
13 – ومن يكُ لا يبقى على النأيِ ودُّهُ ** فقد زوَّدت ودَّاً عميرةُ باقيا
14 – ألكني إليها عمركَ الله يا فـــتى ****بآيةِ ما جاءتْ إلينا تهــاديا
15 – تهاديَ سيلٍ في أباطحَ سهلةٍ **** إذا ما علا صمداً تفرَّعَ واديا
16 – وبتنا وسادانا إلـــى علجانـــةٍ***وحقفٍ تهاداهُ الرِّيــــاحُ تهاديـا
17 – توسِّـــدني كفَّا وتثني بمعصمٍ ****عليَّ وتحنو رجلها من ورائيا
18 – ففاءتْ ولم تقضِ الذي أقبلتْ لهُ * ومن حاجةِ الإنسانِ ما ليس قاضيا
19 – فما زالَ بردي طيِّبا من ثيابها * إلى الحولِ حتَّى أنهجَ البردُ باليا
20 – أقلِّبها للجانبينِ وأتَّقي **** بها الرِّيحَ والشَّـــفَّان من عن شماليا
21 – وهبَّــــتْ لنا ريحُ الشَّمالِ بقرَّةٍ*****ولا ثـــوبَ إلاّ ردعها وردائيا
22 – سقتني على لوحٍ من الماءِ شربةً **** سقاها بها الله الذِّهابَ الغواديا
23 – ألا أيُّها الوادي الذي ضمَّ سيلهُ ** إلينا نوى الحسناءِ حيِّيتَ واديا
24 – فيا ليتنا والعامريَّـــــةَ نلتقـي**** نرودُ لأهلينا الرِّيـــاضَ الخواليا
25 – وما برحـــــتْ بالدَّيرِ منها أثارةٌ *** وبالجوِّ حتَّـــى دمَّنتـــهُ لياليـا
26 – فإنْ تقبلي بالودِّ أقبل بمثلـــهِ *** وإن تدبري أذهبْ إلى حالِ باليا
27 – ألــــم تعلمي أنِّي قليلٌ لبانتي *** إذا لــم يكنْ شيءٌ لشيءٍ مواقيــا
28 – وما جئتها أبغي الشِّفاءَ بنظــــرةٍ *** فأبصرتها إلاّ رجعـــتُ بدائيا
29 – ولا طلعَ النَّجمُ الذي يهتدى بـه***ولا الصُّبحُ حتَّى هيَّجا ذكرَ ماليـا
30 – إلاّ لسافي الرَّائحاتِ عشيةً***إلى الحشرِ أستنجي الحسانَ الغوانيا
31 – أخذنَ على المقراةِ أو عن يمينها ** إذا قلتُ قد ورَّعنَ أنزلنَ حاديا
32 – أشـــــوقاً ولمَّا يمضِ في غيرِ ليلةٍ ***رويدَ الهــوى حتَّى يغبَّ لياليا
33 – وما جئنَ حتَّى حلَّ من شاءَ وابتنى **** وقلنَ سرفناكمْ وكنَّ هواديا
34 – وأقبلن من أقصى البيوتِ يعدننـي **** ألا إنَّما بعضُ العوائــــدِ دائيا
35 – تجمَّعنَ من شتَّى ثلاثـــــاً وأربعــــاً ***** وواحدةَ حتَّى كملنَ ثمانيــا
36 – وقلنَ ألا يا العبنَ ما لـــم يرنْ بنــا ***نعـــاسٌ فإنَّا قد أطلنا التَّنائيـــا
37 – لعبنَ بدكداكٍ خصيبٍ جنابـــــهُ****وألقينَ عــــن أعطافهـــنَّ المراديا
38 – وقلنَ لمثلِ الرِّيمِ أنــــتِ أحقُّنا*****بنــــزعِ الخمارِ إذ أردنَ التَّجاليـــا
39 – فقامـــتْ وألقتْ بالخمارِ مدلَّةً **** تفادي القصارُ السُّودُ منها تفاديـا
40 – تأطَّرنَ حتَّى قلتُ لسنَ بوارحاً ****وخفَّضنَ جأشي ثـــمَّ أصبحَ ثاويـا
41 – وما رمنَ حتَّى أرسلَ الحيُّ داعياً ** وحتى بدا الصُّبحُ الذي كان تاليا
42 – وحتى استبانَ الفجرُ أبيضَ ساطعاً**** كــأنَّ على أعلاهُ ريطاً شآميـا
43 – فأدبرنَ يخفضنَ الشُّخوصَ كأنَّمـــا **** قتلنَ قتيلاً أو أتـــينَ دواهيــا
44 – وأصبحنَ صرعى في البيوتِ كأنَّما **** شربنَ مداما لا يجبنَ المناديا
45 – ألا نادِ فــــــي آثارهنَّ الغوانــــيا ****ســــقينَ سماماً ما لهنَّ وما ليـا
46 – وراهنَّ ربِّي مثــــلَ ما قد ورَينني **** وأحمى على أكبادهنَّ المكاويـا
47 – وقائلةٍ والدَّمــعُ يحــــدرُ كحلها ****أهذا الذي وجـــداً يبـــكِّي الغوانيـا
48 – أشارتْ بمدراها وقالت لتربها*****أعبد بني الحسحاسِ يزجي القوافيا
49 – رأتْ قتباً رثَّاً وســحقَ عبــــاءةٍ*****وأســـودَ مما يملكُ النَّـــاسُ عانيا
50 – يرجِّلنَ أقوامــــــاً ويتركنَ لمَّتي ***** وذاكَ هــــوانٌ ظاهرٌ قـــد بدا ليا
51 – فلو كنــــــتُ ورداً لونـــهُ لعشقنني*****ولكنَّ ربّــــي شـــانني بسواديـا
52 – وما ضرَّني إن كانتْ أمِّـــــي وليــدةً*****تصرُّ وتبــــري للِّقــاحِ التَّواديا
53 – ذهبنَ بمسواكي وألقينَ مذهباً *****من الصَّوغِ في صغرى بنـانِ شماليا
54 – فعزَّيتُ نفسي واجتنبتُ غوايتي*****وقرَّبــــتُ حرْجوجاً من العيسِ ناجيـا
55 – مروحاً إذا صام النهارُ كأنَّــــما****كســـوتُ قتودي ناصـــعَ اللَّونِ طاويــا
56 – شبوباً تحامـــــاهُ الكلابُ تحامياً****هــــو اللَّيثُ معدوّاً عليـــــه وعـــــاديـا
57 – حمتهُ العشاءَ ليــــــلةٌ ذاتُ قـــرَّةٍ*****بوعساءَ رمـــلٍ أو بعرنـــانَ خاليـــا
58 – يثيرُ ويبــــــدي عن عروقٍ كأنَّهـــا ***** إعنَّــــةُ خــــرَّازٍ جديـــدا وباليـــا
59 – ينحِّــــي ترابـــا عـــن مبيتٍ ومكنسٍ ****ركاماً كبيـــــتِ الصَّيدنـــاني دانيــا
60 – فصبَّــــــحهُ الرَّامـي من الغوثِ غـدوةً *****بأكلبهِ يغري الكلابَ الضَّـــواريا
61 – فجــــالَ عـــــلى وحشـــيِّهِ وتخالــــهُ *****علــى متنــــهِ ســـبَّاً جديـدا يمانيا
62 – يذودُ ذيـــــــادَ الخامسـاتِ وقــــد بدتْ ***** ســـوابقها مــن الكلابِ غواشيا
63 – فــدعْ ذا ولكن هـــــل تـرى ضوءَ بارقٍ ***** يضيءُ حبيَّــــاً منجداً متعاليا
64 – يضيءُ ســـــــناهُ الهضبَ هضــــبَ متــالعٍ****وحبَّ بذاكَ البرقِ لو كان دانيا
65 – نعمــــــــتُ بــــهِ بالا وأيقنــــتُ أنَّهُ ***** يحـطُّ الوعولَ والصُّـخورَ الرَّواسيا
66 – فـــــما حرَّكتــــــهُ الرِّيحُ حتَّى حسبتهُ *****بحــــرَّةِ ليلــــى أو بنخلــــةَ ثــاويا
67 – فمـــــرَّ علـــى الأنهاءِ فالتجَّ مزنـــــهُ ***** فعقَّ طويلاً يســـكبُ الماءَ ساجيا
68 – ركاما يســــــحُّ المـــــاءَ عن كلِّ فيقــةٍ ***** كما سقتَ منكوبَ الدَّوابرِ حافيا
69 – فمــــــرَّ علـــــى الأجبالِ أجبــــال طيِّءٍ ****** فغادرَ بالقعيـــانِ رنقاً وصافيا
70 – أجـــــــشَّ هزيمــــاً سيلهُ متدافـــــعٌ****تـــرى خشــبَ الغلاَّنِ فيـــه طوافيــــا
71 – لــــــه فــــرَّقٌ يُنتَّــــــجنَ حولــــــهُ ****** يُفقِّـــئنَ بالميـــثِ الدِّماثِ السَّوابيا
72 – فلـــــما تدلَّـــــى للجبــــــالِ وأهلهــــا ***** وأهـلِ الفراتِ قاطعَ البحرَ ماضيا
73 – شـــكا شــــجوهُ واغتــاظَ حتَّى حسبته****مــن البعـــدِ لمَّا جلجلَ الرَّعدُ حاديا
74 – فأصبــــحتِ الثِّـــــيرانُ غرقى وأصبحت****نســـاءُ تميمٍ يلتـــقطنَ الصَّياصــيا(1)
ثانياً – إلقاء نظرة خاطفة على ديوانه ، محققه ، شعره ، عدد أبيات قصائده :
له ديوان صغير من الشعر حققه عبدالعزيز الميمني، عبدالعزيز بن عبدالكريم الميمني الراجكوتي المتوفى سنة 1398هـ/ 1978م ، ولد عبدالعزيز في بلدة راجكوت في الهند وأخذ عن كبار العلماء والمحدثين في لكنو والبنجاب ودلهي، وأكب على الأدب العربي فحفظ نحواً من مئة ألف بيت من الشعر.
عيّن أستاذا بجامعة عليكرة، وصار رئيس قسم اللغة العربية بها، وانتقل إلى باكستان بعد انفصالها عن الهند فدرّس في جامعة كراتشي وجامعة البنجاب، وأشرف على عدد من مراكز تعليم العربية في مختلف الجامعات، واختير عضواً في مجمع اللغة العربية بدمشق.
له مؤلفات كثيرة منها: ” الطرائف الأدبية” و”ابن رشيق القيرواني” و” زيادات ديوان شعر المتنبي”، كما قام بتحقيق شعر سحيم، و”رسالة الملائكة” للمعري و” الوحشيات” لأبي تمام.
الديوان: يقدم محقق الديوان ترجمة موجزة للشاعر بعنوان “أخبار سحيم وترجمته”، ويذكر أنه كان يكنى بـ أبي عبدالله وقيل إن اسمه حية، وسُحِيم تصغير الأسحم بمعنى الأسود، ويشير إلى قصة مقتله لدى سيده بعد أن أطال التشبيب بنساءقومه، وقد اعتمد المحقق على نسخة خطية للديوان من صنعة نفطويه، وهي أكمل رواياته، يتخلل فيما بين سطورها روايات وتعليقات تدل على العناية بالضبط والحرص على جمع الروايات النادرة، والنسخة الخطية الأخرى التي اعتمد عليها المحقق هي نسخة من إملاء محمد بن الحسن بن دينار وكان من وراقي القرن الرابع، والروايتان تأخذان من رواية أبي عبيدة، ولعله أول من صنع شعر سحيم. (2)
الديوان الشعري لسحيم صغير وعدد القطع الشعرية فيه على اختلاف أحجامها هو(31) قطعة، وتبلغ الأبيات الشعرية لهذا الديوان (265) بيتاً معظمها مقطوعات قليلة الحجم، ولا يتجاوز عدد القصائد في هذا المجموع (9) قصائد اثنتان منها طويلتان (91-32) ، واثنتان متوسطتان (16-15)، وخمس قصائد قصيرة (8-9) أبيات.
والباقي مقطوعات تتراوح أبياتها بين بيت واحد وسبعة أبيات.
والغرض الغالب في شعر سحيم هو الغزل الذي يتأرجح بين الغزل التقليدي والغزل الفاحش، وهناك بعض الفخر، ووصف جميل للمطر.
ومن شعر حسيم :
كأن الصبيريـــات يوم لقينـنا ****ظباء حنت أعناقــــها في المكانسِ
وهنّ بنات القوم إن يشعروا بنا**يكنْ في بنات القوم إحدى الدهارس
فكم قد شقـــقنا من رداء منــيَّرٍ ** ومن برقع عن طفلةً غير عــانس
إذا شُــــــقّ بردٌ شُقَّ بالبرد بُرقـــعٌ*** دَواليك حتى كلنا غير لابـــــس
وهكذا تصور غزليات هذا العبد الأسود القبيح الوجه تصوره وكأنه معشوق الفتيات، فهناك أسماء فتيات كثيرة ترددت في نصوصه الشعرية : سلمى، سمية، عميرة، هند، أم سلمة، أسماء.
وهو رغم وضعه المتدني في السلم الاجتماعي يبدو في شعره ذا أنفة وكبرياء أمام معشوقاته:
فإن تقبلي بالــــودّ أقبلْ بمــثله** وإن تدبري أذهب إلى حال باليا
ألم تعلمي أني صرومٌ مواصـــلٌ**إذا لم يكن شيءٌ لشيءٍ مواتيا
وشعر سحيم رغم قلته يتميز بالصدق الذاتي والجمال في التعبير مما يجعل له مكاناً في مملكة الشعر.(3)
ثالثا – اسمه وبعض أخبار :
جاء في ( خزانة الأدب ) للبغدادي : ” سحيم ” : مصغر أسحم، تصغير ترخيم من السحمة بالضم ، وهي السواد. ويذكر ثلاثة شعراء وسموا بهذا الاسم أولهم : سحيم بن وثيل يتصل نسبه بيربوع بن حنظلة، كما قال ابن الكلبي في الجمهرة. فمن بني حميري بن رياح بن يربوع بن حنظلة سحيم بن وثيل بن عمرو بن جوين بن أهيب بن حميري الشاعر، القائل :
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا…… ” البيت. ”
وهو الذي نافر غالباً أبا الفرزدق في الإسلام. انتهى وليس في آباء سحيم من اسمه جلا. وسحيم شاعر معروف في الجاهلية والإسلام، عده الجمحي في الطبقة الثانية من شعراء الإسلام.
وثانيهم : سحيم بن الأعرف، وهو من بني الهجيم، وكان في الدولة الأموية، ولم يذكر ابن قتيبة في طبقات الشعراء غير هذا وأورد طرفاً من شعره.
وثالثهم شاعرنا : سحيم عبد بني الحسحاس، وكان عبداً حبشياً، وهو صاحب القصيدة التي أولها
عميرة ودع إن تجهزت غاديا *** كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا
وهو من شواهد مغني اللبيب، وسنذكر إن شاء الله ترجمته بتوفيق الله تعالى في الشاهد الرابع والتسعين.
ولم يذكر الآمدي في كتابه ” المؤتلف والمختلف ” واحداً من هؤلاء الثلاثة، مع أنه من شرط كتابه.
وقد حصل اللبس للعيني في باب المعرب والمبني من اتفاق أسماء هؤلاء، فزعم أن الأول هو الثالث فقال: سحيم بن وثيل الرياحي كان عبداً حبشياً، وكان عبد بني الحسحاس. هذا فيما قاله الجوهري. انتهى.
مع أن الجوهري لم يذكر لفظ سحيم في صحاحه. (4)
ويخبرنا الأصفهاني في ( أغانيه ) تحت عنوان (أخبار عبد بني الحسحاس) :
اسمه سحيم وكان عبدا أسود نوبيا أعجيما مطبوعا في الشعر فاشتراه بنو الحسحاس وهم بطن من بني أسد …فكان إذا أنشد الشعر استحسنه أم استحسنه غيره منه يقول أهشنت والله ، يريد أحسنت والله وأدرك النبي ويقال إنه تمثل بكلمات من شعره (كفى الشيب و الإسلام للمرء ناهيا).
وأخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلام قال كان عبد بني الحسحاس حلو الشعر رقيق الحواشي وفي سواده يقول :
وما ضرّ أثوابي سوادي وإنّني *** لكالمسك لا يسلو عن المسك ذائقه
كسيت قميصاً ذا سوادٍ وتحتـــــهُ*** قميصٌ مـن القوهي بيضٌ بنــــائقه
عمر بن الخطاب يستجيد بيتا له:
أخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلام قال أنشد سحيم عمر بن الخطاب قوله
عميرة ودع إن تجهزت غاديا *** كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا
فقال عمر لو قلت شعرك كله مثل هذا لأعطيتك عليه ، وفي رواية أخر ، فقال له عمر لو قدمت الإسلام على الشيب لأجزتك.
عثمان بن عفان يقول لا حاجة لي إليه:
كان عبد الله بن أبي ربيعة عاملا لعثمان بن عفان على الجند ، فكتب إلى عثمان إني قد اشريت غلاما حبشيا يقول الشعر فكتب إليه عثمان لا حاجة لي إليه فاردده، فإنما حظ أهل العبد الشاعر منه ، إن شبع أن يتشبب بنسائهم وإن جاع أن يهجوهم فرده ، فاشتراه أحد بني الحسحاس
وكان يشبب بنساء مواليه حتى قال
ولقد تحدر من كريمة بعضكم****عرق على متن الفراش و طيب
فقتلوه …وهنالك روايات أخرى !! (5)
رابعا- مطلع القصيدة كشاهد في النحو العربي :
عمــيرةَ ودِّعْ إن تجهَّزتَ غاديا *** كفى الشَّيبُ والإسلامُ ناهيا
وورد البيت المطلع كشاهد رقم 737 في( شرح الأشموني) : ” قبح إسناد صيغة الأمر إلى الاسم الظاهر، فزيدت الباء في الفاعل ليصير على صورة المفعول به كامرر بزيد، ولذلك
بخلافها في نحو: “كفى بالله شهيدًا” فيجوز تركها كقوله “من الطويل” :
737-
عميرة ودع إن تجهزت غاديًا *** كفى الشيبُ والإسلام للمرء ناهيا ” ( 6)
وفي الهامش ينسب البيت لقائله ، وبذكر تخريجاته :
– التخريج: البيت لسحيم عبد بني الحسحاس في ديوانه ص16؛ والإنصاف 1/ 168؛ وخزانة الأدب 1/ 267، 2/ 102، 103؛ وسر صناعة الإعراب 1/ 141؛ وشرح التصريح 2/ 88؛ وشرح شواهد المغني 1/ 325؛ والكتاب 2/ 26، 4/ 225؛ ولسان العرب 15/ 226 “كفى”؛ ومغني اللبيب 1/ 106؛ والمقاصد النحوية 3/ 665؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص144؛ وأوضح المسالك 3/ 253؛ وشرح عمدة الحافظ ص425؛ وشرح المفصل 2/ 115، 7/ 84، 148، 8/ 24، 93، 138، ولسان العرب 15/ 344 “نهى”.
اللغة: شرح المفردات: عميرة: اسم امرأة. تجهز: تهيأ. ناهيًا: مانعًا
المعنى: يدعو الشاعر إلى ترك مواصلة الغواني، والتخلي عن اللهو؛ لأن الشيخوخة والإسلام يردعان عن ذلك.
الإعراب: عميرة: مفعول به مقدم منصوب بالفتحة. ودع: فعل أمر مبني على السكون، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره “أنت”. إن: حرف شرط جازم: تجهزت: فعل ماضٍ مبني في محل جزم, والتاء ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل وهو فعل الشرط. غاديًا: حال من الفاعل منصوب بالفتحة. كفى: فعل ماض مبني على الفتحة المقدرة على الألف للتعذر. الشيب: فاعل مرفوع بالضمة. والإسلام: الواو حرف عطف، “الإسلام”: معطوف على “الشيب” مرفوع بالضمة. للمرء: اللام حرف جر، “المرء”: اسم مجرور بالكسرة، والجار والمجرور متعلقان بـ”ناهيا”. ناهيًا: حال من الشيب منصوب أو تمييز منصوب بالفتحة.
الشاهد فيه قوله: “كفى الشيب” حيث أسقط الباء من فاعل “كفى”، فدل على أن هذه الباء ليست واجبة الدخول على فاعل هذا الفعل.(7)
وتروى عنه الروايات كروايات ألف ليلة وليلة ، لأن أمره شاذ ، عجيب غريب ،فهو عبد من عبيدهم ، وأسود البشرة ، ويشبب بجرأة متناهية بنسائهم ، فيضرب الحيال بأذهانهم ، ويختلقوا ما لم يخلق ، ليشبعوا غرائزهم المكبوتة ، وهو يجدها فرصة ملائمة لإبراز ذاته ، فيترجل ، ويتغزل ، واختلط علينا الحابل بالنابل ، اقرأ ما يروي المرزوقي في ( أماليه) :
” وحدثوا أن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي كتب إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه: أني قد اشتريت لك غلاماً حبشياً شاعراً فانظر هل تريده، فعرض عليه، فقال: إنه عبد بني الحسحاس هو ابن نفاثة بن سعد بن أسد من أسد بن خزيمة بن مدركة، واسم العبد سحيم، فقالوا: نعم هو شاعر يرغب فيه، فقال: لا حاجة لي فيه، لأن الشاعر لا حريم له، حظ العبد الشاعر منه إذا شبع أن يشبب بنسائهم، وإذا جاع أن يهجوهم، ورده.
قالوا: فاشتراه رجل، فلما رحل به أنشأ يقول :
أشوقاً ولمَّا يمضِ في غيرِ ليلةٍ *** فكيفَ إذا سارَ المطيُّ بنا شهرا
وما كنتُ أخشى مالكاً أن يبيعني ***بشيءٍ وإن أضحتْ أناملهُ صفرا
أخوكم ومولى مالكمْ وحليفكم*****ومن قد قوى فيكم وعاشركم دهرا
فلما بلغهم هذا الشعر ردوه وأكرموه وبقي فيهم مدة، حتَّى وجدوه يشبِّب بنسائهم، فأجمعوا قتله، فأخذوه وهو شارب ثمل، فهزئت به امرأة منهم وهو على تلك الحال شماتة به، فقال:
فإنْ تهزئي منِّي فيا ربَّ ليلةٍ ***جعلتكِ فيها كالقباءِ المفرَّجِ
قالوا: ومرَّت التي اتهموه بها، فأهوى لها يده فضربوه، فقال:
فإنْ تقتلوني تقتلوني وقد جرى ***لها عرقٌ فوقَ الفراشِ وماءُ
فشدوا وثاق العبد للقتل، فقال:
شدُّوا وثاقَ العبدِ لا يفلتكمُ ***إنَّ الحيـــــاةَ من المماتِ قريبُ
ولقدْ تحدَّرَ من جبينِ فتاتكمْ***عرقٌ على ظهرِ الفراشِ وطيبُ
فقتل.
قالوا: وقد كان أنشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
عميرةَ ودِّع إن تجهَّزتَ غاديا **** كفى الشَّيبُ والإسلامُ للمرءِ ناهيا
فقال له عمر: لو قدَّمت الإسلام لأجزتك، فقال: والله ما سعرت. يريد: ما شعرت. وقال له أيضاً: لو كان شعرك كله هكذا لأحسنت جائزتك، فلما بلغ قوله:
وبتنا وسادانا إلى علجانةٍ *****وحقفٍ تهاداهُ الرِّياحُ تهاديا
قال: إنك مقتول، فقتل . ” (8) …!!!
إنّا لله وإنّا إليه راجعون ….أصبح الشغل الشاغل للخلفاء ، الخليفة عثمان يترفع عن شرائه ، والخليفة عمر يجري عليه ويثني ، ويقتله …!!!و قيل الخليفة عثمان قتله …أين حماد الراوية وخلف الأحمر عن مثل هذه الروايات … نترك العبد لحاله رحمه الله ، وأنا أكتب عنه ، والكتاب تحت الطبع ، مستعجل من أمري ، ولدي الشاعر توبة بن الحمير لأضيفه للكتاب ، والله غالب على أمره ، فهو مولانا ، ونعم النصير .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) – الأمالي : أبو على أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي الأصفهاني (المتوفى: 421هـ) – المكتبة الشاملة – ج 1 ص 68 – 70 – الإضافة: 14 نوفمبر 2010 م .
(2) ديوان سحيم عبد بني الحسحاس : جمع وتحقيق عبد العزيز الميمني – طبع: مطبعة دار الكتب المصرية ــ القاهرة (ط1) 1370هـ /1950م
عدد الصفحات: 70 صفحة
انظر: الأعلام 3/79، 4/157، تاريخ الأدب العربي: عمر فروخ 1/306، موسوعة أعلام العلماء والأدباء العرب والمسلمين 12/318، معجم المؤلفين 2/169.
(3) ديوان سُحَيْم عبد بني الحسحاس – مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي
www.albabtainlibrary.org.kw/new/m/books.php?bid=210
(4) خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب : عبد القادر بن عمر البغدادي (المتوفى: 1093هـ) تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون الناشر: مكتبة الخانجي، القاهرة الطبعة: الرابعة، 1418 هـ – 1997 م
– خزانة الأدب: عبد القادر البغدادي- 1 / 93 – موقع الوراق.
http://www.alwarraq.com
(5) الأغاني : أبو الفرج الأصفهاني – تحقيق سمير جابر – ج 22 – ص 305 – 308 – الطبعة الثانية – دار الفكر – بيروت .
(6) شرح الأشموني على ألفية ابن مالك المؤلف: علي بن محمد بن عيسى، أبو الحسن، نور الدين الأُشْمُوني الشافعي (المتوفى: 900هـ) – ج2 / 265 – دار الكتب العلمية بيروت – لبنان الطبعة: الأولى 1419هـ- 1998م.
(7) م . ن .
(8) الأمالي : المرزوقي ص 68 م. س.