17 نوفمبر، 2024 3:33 م
Search
Close this search box.

تفاصيل مفاوضات انسحاب القوات الامريكية من العراق في كتاب جديد

تفاصيل مفاوضات انسحاب القوات الامريكية من العراق في كتاب جديد

يصادف نهاية هذا العام مرور ست سنوات على انسحاب القوات الامريكية من العراق استنادا الى اتفاقية انسحاب قوات الولايات المتحدة الامريكية من العراق وتنظيم انشطتها خلال وجودها المؤقت فيه. وقد جاءت هذه الاتفاقية ثمرة لمفاوضات استمرت ما يقارب الثمانية اشهر بين العراق والولايات المتحدة الامريكية ، واثارت في حينها الكثير من الاراء والمواقف المتضاربة وبخاصة على المستوى الوطني والاقليمي . وما دفعني لأستذكار هذه الاتفاقية هو اطلاعي على كتاب صدر حديثا من تأليف الدكتور محمد الحاج حمود ومراجعة وتقديم السيد هوشيار زيباري وزير خارجية العراق السابق تحت عنوان مفاوضات سحب القوات الامريكية من العراق عام 2008 ، صادر عن دار الثقافة للنشر والتوزيع في عمان – الاردن . وأهم ما في الكتاب هو الفصل الذي يتحدث عن تطور المفاوضات واوجه الخلاف بين الجانبين العراقي والامريكي . والذي استوقفني فيه هو صبر المفاوض العراقي ومقدرته العالية في التفاوض ، واصراره على ان تعكس مواد الاتفاقية قدرا كافيا من الاحترام لسيادة العراق على اقل تقدير ، على الرغم من الخلل الكبير في توازن القوة والأمكانيات بين الطرفين المتفاوضين ، بين اكبر قوة في العالم وبلد منقسم على نفسه مجتمعيا وسياسيا يرزح تحت قيادة متعددة الولاءات تركت آثارها الكارثية على عموم الشعب .
المطّلع على هذه الاتفاقية يلاحظ انها اخذت بنظر الاعتبار انعكاس تواجد القوات الامريكية على مختلف جوانب الحياة في العراق، وتمت صياغة اثارها في اطار قانوني وضع في الاعتبار الاول الحفاظ على مصالح العراق الوطنية ، ويبدو واضحا من خلال السياق ان وفد العراق المفاوض كان متنوع المهارات والاختصاصات ويتمتع بحرفية ومهنية عالية مكنته من معالجة قضايا في غاية الحساسية مثل ملكية المنشآت والمساحات وكيفية استخدامها والمرافق المتعلقة بها واجراءات التعاقد ووضع الكوادر العاملة بما في ذلك حمل الاسلحة وارتداء البزات الرسمية وتنظيم الدخول الى العراق ومغادرته والولاية القضائية للقوات المسلحة وافراد العناصر المدنية المرتبطة بها وتنظيم اجراءات الاستيراد والتصدير والضرائب وتنظيم تراخيص وتصاريح قيادة المركبات والامور المتعلقة بالصرف والعملة والتعويضات عن الاضرار والخسائر ومعالجة الاثار المترتبة على الاضرار بالبيئة وغيرها من القضايا التي تمس حياة المواطن بشكل مباشر.
كما يتناول الكتاب نقاط الخلاف بين الجانبين ويلخصها في اربع وعشرين نقطة ، من ابرزها حصانات القوات الامريكية ، احتجاز المواطنين العراقيين من قبل القوات الامريكية ، اتصالات القوات الامريكية اللاسلكية وتخصيص الترددات ، المركز القانوني للعناصر المدنية العاملة مع القوات الامريكية ، تمركز وتخزين المعدات ونقل ملكيتها ، خزن ودفن النفايات المحرمة دوليا، حمل الاسلحة ، دخول القوات الامريكية الى العراق والخروج منه ، التعويض عن الاضرار ، الاستيراد والتصدير والضرائب ، التعامل بالدينار والدولار وتحديد سعر الصرف ، السيطرة على الاجواء في العراق ، حصانات الشركات الامنية المتعاقدة مع القوات الامريكية ، حركة المركبات والزوارق والطائرات . ويقدم الكتاب شرحا مختصرا لهذه النقاط وكيفية معالجة هذه الاختلافات ، حيث يلاحظ اصرار الجانب العراقي على ان تكون القوانين العراقية هي المرجعيات الاساسية لحل هذه الخلافات ، وفي حالة تعذر هذا الامر فيتم اللجوء الى القانون الدولي للتوصل الى حلول لاتتعارض مع القوانين العراقية .
ويعلق مؤلف الكتاب على الملابسات والظروف التي احاطت بالمفاوضات بقوله : ( ان تلك المباحثات لم تكن بين طرفين متكافئين ، فقد كانت بين دولة عظمى تملك من وسائل القوة الاقتصادية والعسكرية ما يجعلها القوة الاولى في العالم ، وبين دولة تعاني من اثار الدكتاتورية والحروب المتتالية والاحتلال الاجنبي. هذا الواقع جعل الوفد المفاوض العراقي في موقف صعب. اذ من المعلوم ان اي مفاوض، خاصة في موضوعات هامة كهذه ،يكون بحاجة لأسناد جبهة داخلية رصينة ومتماسكة وتتحدث بلغة تفاوضية واحدة . هذا الواقع اثر بشكل سلبي على الوضع النفسي والتفاوضي للمفاوض العراقي، مقابل وفد تفاوض امريكي يستند الى مصدر قوة واحد يلجأ اليه ويستند الى تعليماته بشكل منتظم ) . وعلى الرغم من هذه الملابسات والظروف فقد نجح الوفد العراقي المفاوض في الدفاع عن المصالح الوطنية وبما وفّر انسحابا سلسا للقوات الامريكية من العراق . هذا النجاح ، بمثل تلك الظروف ، ما كان ليتم من دون وفد مستقل غير خاضع للتأثيرات الحزبية او المذهبية ، وفد متنوع الاختصاصات في جميع المجالات التي تناولتها مواد الاتفاقية ، وأخيرا ، وفد يتحرك بما يمليه عليه حبه لبلده ، ومهنية اكتسبها بالمعرفة والدراية والخبرة المتراكمة
ما تقدم يقودنا الى استنتاج مفاده ان العراق لازال مليئا بالكفاءات والخبرات الوطنية في مجال القانون والسياسة والاقتصاد وادارة الاعمال والمال ، وهي قادرة على الوصول بالعراق الى بر الامان لو ترك لها قيادة العراق بعيدة عن التكتلات المذهبية والعنصرية والخضوع لسيطرة ونفوذ الاحزاب الدينية . من شأن هكذا قيادة ان تضع الشخص المناسب في المكان المناسب على المستوى الوزاري والاداري ، وتمكّن شعب العراق من مواجهة التحديات الكارثية التي هددت ولما تزل استقرار بلده وامنه وقوت شعبه ، ولأمكن انتشال العراق من الهاوية التي ينحدر اليها ووضعه على جادة تفضي لما فيه خير العراق والعراقيين.

أحدث المقالات