23 ديسمبر، 2024 9:27 م

أموالنا المهدورة وضائقة سكوتلانديارد

أموالنا المهدورة وضائقة سكوتلانديارد

على مدى يومين تابعت بين دهشة وألم التقرير الذي نشرته وكالة الاسيوشيتد برس على موقعها والذي تحدث فيه مدققون عراقيون عن 800 مليون دولار يتم نقلها أسبوعيا الى خارج البلاد بشكل غير قانوني وهو إن صح فإنه يشكل كارثة تستنزف عملتنا من جهة وتهدم اقتصادنا من جهة أخرى تذكرت حينها قضية محافظ البنك المركزي الذي خرج ولم يعد بعد حبكة متقنة اثارت انتباه العالم بأسره وتذكرت أيضا ما يمر به بعض جيراننا من ظروف وتذكرت كذلك أننا ما زلنا نتنافس بحدة على المراتب الأولى لأكثر دول العالم فسادا بعد مضي تسع سنوات ونصف على تغيير ما زلنا لم نجني ثماره .
سرعان ما انتهت ذكرياتي بقليل من تعكير المزاج الذي سرعان ما انقضى بعد أن طغى عليه حدث اخر في بلد يمطر على أهله أحداثا جساما حتى عاد الألم والحزن ليداهمني من جديد وأنا صحيفة عربية تنقل عن الشرطة البريطانية سكوتلانديارد أنها ستبيع مقرها بسبب ضائقة مالية ضمن خطة تضمن توفير 800 مليون دولار فعدت بسرعة لأتذكر أموالنا المنهوبة والفرق ما بيننا وبين الاخرين وكيف يتقدمون هم ونتراجع نحن كما تذكرت علو كعب تلك الآفة التي ما تزال تنخر الجسد العراقي دون رادع .
قد نتفق جميعا على أن الفساد بأشكاله آفة عالمية لا تكاد تخلو منها دولة بنسبة أو بأخرى إلا أن المقياس في ذلك هو مقدار الجهود التي تبذلها تلك الدولة في مجالة محاربة هذه الآفة ولكم هو مؤسف اليوم أن نرى إجراءات لا تتناسب مطلقا مع حجم هذه الظاهرة التي أضحت كرة ثلج تتدحرج من سفح جبل في الوقت يتم التركيز فيه على عقد المؤتمرات الصحفية والبهرجات الإعلانية بل وحتى الإعلان بين الحين والآخر عن إلقاء القبض على صغار المفسدين وغض الطرف عن حيتان الفساد وأفاعيه ويتم اعتبار ذلك كله نصرا وانجازا.
إن الظروف الاستثنائية التي نعيشها والمركزية المقيتة والبيروقراطية المفرطة السائدة في أغلب مؤسساتنا اليوم إن لم يكن في جميعها مع ضعف أجهزة الرقابة وعدم مواكبتها لروح العصر وحاجات المجتمع مسببات يمكن إضافتها الى الطامة الكبرى المتمثلة بالمحاصصة التي انعكست واقعا في عدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب وهو ما مهد للفساد والمفسدين وهيأ  الأرضية الخصبة لتنامي هذه الظاهرة واثارها المدمرة كما لا يخفى أن الصراعات السياسية والمصالح الحزبية ألقت بضلالها القاتمة على عمل هيئة النزاهة وإجراءاتها للحد من هذه الظاهرة للدرجة التي أطاحت بثلاثة من رؤسائها في أقل من خمس سنوات وتركتها تدار بالوكالة وسط صراع خفي على عائديتها بين الحكومة ومجلس النواب وهو ما يثير العديد من التساؤلات  فهل نحن جادون فعلا في القضاء على هذه الآفة وهل تكفي النوايا لوحدها لذلك أم أن الأمر بحاجة إلى قوانين جديدة تضاف الى القوانين الحالية أو ربما مؤسسات وهيئات جديدة تضاف الى كم المؤسسات الحالية لندخلها في  بودقة المحاصصة الحزبية والطائفية ؟؟؟ لا شك أن القضاء على الفساد لن يتم إلا في ظل إصلاح سياسي حقيقي يقوي دور المؤسسات وفي مقدمتها السلطة التشريعية في ظل قضاء مستقل استقلالا حقيقياً لا يرضخ للضغوط ولا يستجيب يضاف الى ذلك كله قدر ولو بسيط من الثقة المتبادلة بين المتصارعين فهل انتم فاعلون …
وخزة …
لا يمكن عزل المفسدين عن الإرهابيين فكلاهما يشتركان في ذات الهدف

[email protected]