23 نوفمبر، 2024 12:09 ص
Search
Close this search box.

قـصة ( البعث و الحِساب ، و العقوبة و الثواب ) .. في الميثولوجيا المصرية ..!

قـصة ( البعث و الحِساب ، و العقوبة و الثواب ) .. في الميثولوجيا المصرية ..!

قـصة ( البعث و الحِساب ، و العقوبة و الثواب ) .. في الميثولوجيا المصرية ..!نتداول جميعنا أحد الأمثال المعروفة : ( هو أنتَ على راسك ريشة ..؟) .. لكن ربما الكثيرين لا يعرفون حكايتهُ .. حكاية المثل مأخوذة من فكرة ( الحق و العدل و النظام ) عند المصريين القدامى ..!
و لنبدأ القصّـة مِن البداية :
في الألفيّة الثالثة قبل الميلاد أو في عصر الدولة القديمة ما بين (2780 – 2263 ق.م ) كان المصريين القُدامى يضعونَ على جُـدران المقابر أو على تابوت المتوفّي تمائم و تعاويذ و معها تعليمات إرشادية تُمكّن الميّـت من تخطّي العقبات والمخاطر التي ستصادف روحه في أثناء رحلته إلى الحياة الأخرى ، وتُـدلهُ أيضاً على الوسائل التي يتعيّن عليه أن يستخدمها ليتمِّم هذه الرحلة بنجاح من دون أن يتعرض لأي سوء..! سُمّيـت هذه التمائم و التعليمات و التعاويذ بـ ( كتاب الموتى ) ..! أي كل ما يتعلّق بالمتوفي من معلومات و من سلوك و أداء قامَ بهِ في حياتهِ ..!وهو يشبه الى حد كبير فكرة ( المَلكَيـّـن ) عند المسلمين ، ألذان يجلسان على كتفي المسلم يُسجّلان كل ما يفعلهُ و يقولهُ في حياته ..!
في العصر الوسيط ما بين ( 2134 – 1069 ق.م ) وما بعدهُ ، تمّ تحويل هذه النقوش و الكتابات مِن الجدران و التوابيت الى برديّـة توضع مع المتوفي في قبره .. فيها معلومات شخصية عن المتوفي مِن قبيل أسمهُ / وظيفتهُ / عُمرهُ / ألقابهُ ..ألخ و فيها أيضاً معلومات سيُسأل عنها الميت عند الحِساب مثل أسماء الألهة و عليه حفظها أثناء رحلتهِ من القبر الى يوم الحساب .. ( حياة البرزخ ) عند المسلمين ..!
و يتضمّن كتاب الميّت هذا أيضاً أعمالهُ و سلوكهُ خلال حياتهِ تُدرج في البرديّة ..! تُـلفّ البرديّة و توضع مع جثة المتوفي أو توضع داخل تمثال صغير من الخشب للرمز ( أوزوريس ) وهو الأله ألذي يرأس قُضاة المحكمة ألـ (42) و هذا العدد هو نفس عدد المدن و الأقاليم المصرية القديمة ، وأحياناً كانت تُدسّ البرديّة بين لفائف المومياء على الصدر تحت الذراعين المطوييّن، أو توضع بين ساقي المومياء ..! يوجد نموذج من هذه البرديّـة عُـثرَ عليها في أرض طيبة سنة 1881، ودوّنت أبان الأسرة التاسعة عشر ( 1350 ق.م ) في المتحف البريطاني تحمل الرقم ( 10470) ، وتسمى هذه البرديّة باسم صاحبها ( آني ) وهي على شكل لُفافة يبلغ طولها 23 متراً و60 سنتيمتراً ، وعُرضها 39 سنتيمتراً ، وتتزيّن فصولها برسوم ملونة غاية في الدقة ..!
فكرة ( كتاب الموتى ) تعكس فلسفة المصريين القدامى في الرؤية للحياة و الموت ، أذا كانوا لا يعتبرون الموت جزء مُـنفصل عن الحياة بل هو مكمّل للحياة و يستعدّون لهُ كما يجب للعبور نحو الحياة الأخروية .. و دور ( كتاب الموتى ) هنا بما يحتويه من تعاويذ و توجيهات و تعليمات تُساعد الميّت على البعث من جديد و الأنتقال للجنّة أو الفردوس ، حيث يعيش فيها مثلما كان يعيش على الأرض ، لكن بدون أمراض ولا تعب ولا كُبر في السن .. بل يكون رفيقاً للآلـهة يأكل و يشرب معهم في العديد من المناسبات ..!
—-
( ماعت ) :
ماعت هي فكرة أو مبدأ ( الحق و العدل و النظام و الأخلاق ) في الحياة المصرية القديمة .. و هي أروع ما أنتجتهُ الحضارة المصرية القديمة ، عن طريق تأسيس فكرة أحقاق الحق و ترسيخ العدالة في الحياة و ما بعد الموت ، واعتُبرت حينها القانون الإلهى الكونى الذي سـنّـهُ كبير الآلهة ( رع ) و الذى يُرسى قواعد الخير والحق و العدل في مواجهة قوى الشر والظلم ..!
ماعت ( Ma’et ) جسّـدتها الأسطورة المصرية بشكل آلهه أنـثـى جميلة تتميّز بوضع ( ريشة ) على رأسها أشبَه بـ ريشة النَعام بحيث أصبحَت الريشة رمزاً للـ ( ماعت ) ( الصورة الأولى ) .. و ماعت هي أيضاً أبنة آله الشمس ( رع ) الذي يحكم طبقا لمبادئ راسخة من الحق والعدالة قرّرها هو كناموس عام ، ولذلك نرى هذه الربّة دوما وهي تقف في مقدمة مركب الشمس المقدسة بصحبة ( رع ) خلال رحلته عبر السماء ..!
و يتكوّن نظام ألـ ( الماعت ) مِن 42 فقرة هي عبارة عن أعترافات أو أقرار مِن المتوفي عن ما فعلهُ في حياتهِ مِن قبيل :
– أنا لم افعل أي ضرر للإنسان أو الحيوانات .
– أنا لم اتسبب في ذرف الدموع .
– أنا لم اظلم الشعب ، ولا أضمر لهم أي نية في الشر.
– أنا لم اسرق ، ولا آخذ تلك الآشياء التي لا تنتمي لي .
– أنا لم آخذ من بلادي أكثر من حصتي العادلة من المواد الغذائية .
– أنا لم اتلف المحاصيل والحقول أو الأشجار .
—-
تبدأ عملية مُحاسبة المتوفي حين يَحين موعد الحساب ، بأن يـقودهُ الآله ( أنوبيس ) يداً بـيد الى قاعة المحاكمة .. و يبدأ الـقُضاة بتوجيه الأسئلة له و أستجوابهُ عن أفعاله في الدنيا ، وهل كان مُتبعاً للـ ماعت أي (الطريق القويم) أم كان من المُذنبين..؟ و يبدأ الميت في الدفاع عن نفسه ويقول مثلاً : لم أقتل أحداً ، ولم أفضَح أنساناً ، ولم أشكو عاملا لدي رئيس عمله ، ولم أسرق ، وقد كنتُ أُطعم الفقير، وأعطي ملبس للعريان ، وكنت أساعد اليتامى والأرامل ، وكنت أعطي العطشان ماءً .. ألخ ثم يبدأ القضاة في سؤاله عن معرفته بالآلهة ، فكان عليه أن يـتذكّر الآلهة بأسمائها من ( كتاب الموتى ) الذي رافـقهُ في قبرهِ .. وحذار أن ينسى واحدا منهم ..!
يُدقّـق الـقُضاة اجوبتهُ مع ( كتاب الموتى ) المرافق له .. بعدها يؤخذ للمرحلة الثالثة من يوم الحساب وهي مرحلة ( البعث ) أو الفناء ..! حيث يقودهُ الآله ( أنوبيس ) ثانيةً إلى عملية وزن القلب أي ( قلب المتوفي ) أمام ( ريشة ماعت ) للفصل في الأمر و للتأكّد هل كان صادقاً بأجوبتهِ أم كاذباً ..! حيث يوضع قلبهُ في كـفة الميزان و توضع ( ريشة ماعت ) في الكفـّة الأخرى ( الصورة الثانية ) .. فإذا نجَح في عملية الوزن أي أن الريشة كانت أثقل من قلبهِ عندها يُسمّى ( صادق القول ) بمعني ( المغفور له ) مِن الغفران و عندها يُسمَح له بالحياة من جديد .. ويُعيدوا تركيب قلبه في جسمه ( المحنّط ) ويُعطوه ملابساً بيضاء زاهرة ويدخل حديقة الجنة أو الفردوس ، حيثُ الحياة المرفهة و الأنهار و الأشجار و الفواكه ليعيش فيها راضياً سعيداً أبد الآبدين ، يُساعده فيها خدَم يسمّون ( أوجيبتي) أي مُجيبين يُلبـّـون كافة طلباتهِ ..!
وإذا لم ينجح و كان قلبهُ أثقَـل في الميزان ، يكون هالكا حيث يكون ( عمعموت) بانتظاره .. و ( عمعموت ) هو رمز الفناء النهائي .. عِبارة عن حيوان خرافي رأسهُ رأس تمساح و جسدهُ جسد أسد و ذيلهُ بشكل فرس النهر ، و يكون واقفا بجانب الميزان مُنتظرا كي يُلقوا إليه قلب المذنب فيلتهمُه على الفور ، ويكون ذلك المصير النهائي للفقيد ..! وفي أثناء ذلك يقوم الآله ( تحوت ) آله الحكمة الذي علّـمَ المصريين القدماء الكتابة و الحساب .. يقوم بتسجيل نتيجة الميزان في سجلّـهِ الأبدي ..!
—-
( عمعموت ) يُمثّل الجحيم في الأديان الأبراهيمية .. لكن لو لاحظنا الفارق المهم بينهما ، هو أن المُذنب في الحياة و حين يكون مصيرهُ الجحيم يؤكل قلبهُ و يفنى مرّة واحدة .. لا أن يبقى يُعذّب طوال الدهر و يُستَـبدَل جلدهُ كلما نضج بجلد آخر أمعاناً في القسوة و التعذيب ..!!
من هنا جاءت قصة المثل ( هو أنتَ على راسك ريشة ) أي هل أنتَ على راسك ريشة ماعت ..؟ بمعنى هل أنتَ مُميّـز من الآلهة و أنكَ تُساير ألـ ( ماعت ) و أعمالك كلها صالحة و الآلهة راضية عنك و لن تدخل الجحيم أي لن يأكل قلبك ( عمعموت ) ..؟؟

—–
المصادر :
http://ar.mideastyouth.com/?p=47790
National Geographic, Ancient Egyptians – Book of the Dead
https://mythsandgodsblog.wordpress.com/tag/%D8%B1%D9%8A%D8%B4%D8%A9-%D9%85%D8%A7%D8%B9%D8%AA/
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%A7%D8%B9%D8%AA
http://www.bibalex.org/egyptology/Sections/Show.aspx?ID=JX3xGxA53lCux/fplFz5Xw==&CatID=oO3osR/fJX7UAViKnz3nyg==

أحدث المقالات

أحدث المقالات