في واقعِ الأمرِ فأنّ المقالَ هنا ليس قطعياً بلا عنوان .! وإنّما العنوان لمْ يعد يصلح او يناسب كعنوان .! بل قد غدا يجمع كلّ عناصر الملل والخلل والزلل , إنْ لمْ نقل القرف .
اجتزنا نحو نصفِ قرنٍ من التطوّر الزمني والثقافي والعلمي فأنتقلنا من مكافحة الأميّة الى مكافحة الأرهاب والفساد الذي ساد البلاد وبعض العباد , فبأيِّ عنوانٍ نوصف انفسنا .!
الفسادُ المالي والأداري خطّان متوازيان لكنهما يلتقيان , ولعلهما يتعانقان , ولعلّ ” الأداري ” اهونُ شرّاً نسبياً من ” المالي ” , لكنّ المجتمع والدولة تدفع ثمنهما .
في التعاطي مع قضية مكافحة الفساد وبكلا شقّيها , فيصعب قبول او تقبّل القول او الجزم بأمكانية ملاحقة ومطاردة الفسدة ليعيدوا الأموال المسروقة .! فالمسألة يُنظر لها من اكثر من اتجاهٍ واكثر من زاوية , ولا بدّ من استخدام كلا < الوقاية والعلاج > , وحيث أنّ وزارات ومؤسسات الدولة هي الساحة الحيوية والرئيسية لممارسة الفساد من قِبل مسؤولين فاسدين , فالضرورة تقتضي اتخاذ اجراءاتٍ استباقية ووقائية لتفويت الفرصة ” اولاً ” على ممارسة عمليات فسادٍ اخرى قد لا يتمّ كشفها , ولتؤدي هذه الخطوة مفعولها فمن المفيد ” تمهيدياً ” اجراء حركة تنقلات واسعة بين وكلاء الوزارات ورؤساء المؤسسات والمدراء العامين وتغيير مواقعهم الى دوائر اخرى , بل أنّ المصلحة الوطنية والرأي العام لا يتقبّلان أنْ تظلّ الوزارة ” سين ” محجوزةً الى الحزب ” صاد ” وكذلك الوزارات والأحزاب الأخرى , وخصوصاً الوزارات غير السيادية .! وعملية التغيير المفترضة هذه لها ما لها من أبعاد , كما سبق وأن أشرنا الى الضرورة البالغة لإزاحة العديد من المدراء العامين الملتصقين في مناصبهم منذ الأحتلال ومنذ تشكيل اول حكومة بعد الأحتلال , فَمَن ذا الذي يضمن عدم ضلوع بعضهم بالفساد الأداري وحتى المالي , ودون تشكيكٍ بأسماءٍ محددة , لكنّ هؤلاء لهم دورٌ بارز في فشل النظام الأداري في اجهزة الدولة على الأقل.
واذا ما تناولنا هنا مثالاً قريباً , فأنّ ما وافتنا به الأخبار مؤخراً عن كشف الأجهزة الأمنيّة لبعض عمليات تهريب المخدرات والأغذية الفاسدة في ميناء البصرة , واذ لا يمكن تحديد كافة المتورطين من العاملين في الميناء في تسهيل عمليات التهريب وما هي الجهات السياسية التي يرتبطون بها , فمن الأولى نقل كافة الموظفين والعاملين في ميناء البصرة الى دوائر اخرى في المحافظة كأجراءٍ اوّلي لمنع حصول عمليات مشابهة اخرى وقد لا يمكن كشفها .
إنّ نسبة الضرر المالي والأقتصادي التي تسبب بها الفساد للدولة طوال هذه السنين , تتطّب فعلياً إدخال عناصر الأستخبارات في بعض دوائر الدولة كموظفين تقليديين لمتابعة كلّ واردةٍ وشاردة , مع استخدام التقنيات الفنية لمراقبة ايّة ثغراتٍ محتملة الوقوع , وأنّ مكافحة ومتابعة الفساد ” قبل وقوعه ” تتطلب ايضاً قيام الأجهزة الرقابية بزياراتٍ دورية منتظمة الى بعض دوائر الدولة وخصوصاً الى اقسام الحسابات والإطلاع على المراسلات والكتب الرسمية المتبادلة بينها وبين الوزارات التابعة لها .
وما ذكرناه في اعلاه قد يضحى أقلّ من القليل ّما يتطلب اجراؤه , لكنها وجهة نظرٍ لمْ نختر لها عنواناً , بغية عدم تعكير الأجواء والذائقة الجماهيرية للمواطنين والقرّاء من هذا الحديث الذي امسى حديث الساعة والدقيقة .!