منذ ولادته غير الطبيعية (القوائم المغلقة والجماعية) اعتاد الساسة في مجلس النواب من مختلف الطوائف والقوميات والكتل على عقد الصفقات المشبوهة فيما بينهم ليس من أجل الوطن وخدمة الشعب والمصالح العليا ؛ وإنما للظفر بأكبر الفوائد الخاصة وتحقيق المصالح الشخصية والحزبية في الأموال أو المناصب أو الكيد بزملائهم الآخرين والإضرار بهم ، فكانت المساومات على مقدار الكسب والانتفاع ، ولم يشذ من هذا عن الأسلوب سوى نواب التحالف الكردستاني الخاضعين جميعهم لديكتاتورية مسعود البرزاني ونهجه العنصري ؛ وبسبب ذلك تحول البلد إلى جبهات حرب مشتعلة خلفت الانقاض والحطام ، وانتشر بعدها الفساد إلى كل مرافق الدولة بلا استثناء !!
أغلب المواطنين العراقيين يتذكرون تلك الجلسة العاصفة التي حضرها الدكتور حيدر العبادي في مجلس النواب بعد تنفيذ مسعود البرزاني استفتاءه غير الدستوري قبل أقل من شهرين ، وكيف ارتفعت أصوات الهرج والمرج والمزايدات حول معاقبة النواب الكرد المشاركين في الاستفتاء ، وكيف تم الاتفاق على إنزال أقصى العقوبات بهم من منع وطرد وفصل وإحالتهم إلى القضاء ، وشكلت لجنة برلمانية لمتابعة ذلك ، ثم طويت الصفحة بصمت ، وعاد النواب الانفصاليون الكرد إلى مجلس النواب وهو أشد حقدا على العراق وأهله ، ولتحيّن الفرص للانتقام منه وشق صفوف مكوناته ؛ ومن الضروري التنبيه هنا إلى أن صفقة سرية تمت بين رئيس المجلس الدكتور سليم الجبوري ومسعود برزاني بمباركة رئيس الجمهورية فؤاد معصوم ، وقد لمح لذلك النائب الانفصالي محسن السعدون في حديث صحفي له قبل يومين !!
يواجه العراق اليوم وأهله الطيبون مجموعة من المحن الحقيقية ، فهناك أعداد كبيرة من المهجرين لم يعودوا لمناطقهم بعد ، وهناك قرى عربية هدمتها قوات البيشمركة في الموصل وكركوك وديالى ، وهناك شحة كارثية للماء في محافظات الوسط والجنوب تهدد حياة السكان فيها ومزارعهم وحاجاتهم الحياتية ، فضلا عن مشاكل أخرى وتهديدات خطيرة في كركوك وسهل نينوى والبصرة ، وقضية خصخصة الكهرباء ؛ كل ذلك لم يحرك ضمائر النواب التي ماتت من زمان !! ويدعوهم للانعقاد وحل هذه المشاكل العويصة بروح علمية وعملية ، وبذلك ينقذوا الوطن ويخدموا الشعب الذي انتخبهم وأوصلهم إلى هذا العز الذي هم فيه اليوم !!
لكنهم انتبهوا من غفلتهم فجأة عندما علموا بقرب وصول ميزانية الدولة ، وقد وصلت ، وفيها عجز يصل إلى ثلاثة عشر تريليون دينار حسب تصريح عضو اللجنة المالية ماجدة التميمي يوم أمس !! وانتباهة السادة النواب ليست من أجل مناقشة هذا العجز ، والبحث عن حلول عملية له من خلال تقليص نفقات رواتبهم ومخصصاتهم وامتيازاتهم و النفقات الباهظة للرئاسات الثلاث ومن يتعلق بها من حمايات وحرس وموظفين ومنافع وغير ذلك ؛ أقول لم ينتبه السادة النواب من أجل ذلك بل من أجل المساومات وعقد الصفقات ، فهناك من يريد تأجيل الانتخابات ، والنواب الانفصاليون الكرد لا مانع لديهم من ذلك مقابل الحصول على أصوات النواب الداعين للتأجيل وكسب تصويتهم على إعادة حصة الإقليم غير الشرعية من الميزانية إلى سابق عهدها (17%) التي منحها نوري المالكي ثمنا لكرسي السلطة الذي تربع عليه دورتين ، ولا يعنيهم أي شيء غير ذلك مطلقا !!
يجب على النواب أن ينتبهوا لعراقيتهم ولو هذه المرة فقط ، ويناقشوا قضايا الوطن كافة بروح مخلصة لكل مكوناته ومناطقه ، ويجدوا الحلول الناجعة لمشاكله المتفاقمة بسبب مماحكاتهم وعنترياتهم وصخبهم الفارغ في أغلب الأحيان ؛ ليجرب أحدهم ويطرح فكرة أن تتنازل كل محافظة عراقية عن مبلغ بسيط من حصتها لمساعدة المحافظات المتضررة من داعش لإعادة أعمارها ومساعدة أهلها وهي فكرة حسنة وأتمنى أن تحصل ؛ وينتظر ماذا سيحدث ؟! من المؤكد لو حصل التأييد وتمت الموافقة ، فسيعترض نواب كردستان عليها إذا يرون إن لا علاقة لهم بأي محافظة عراقية غير محافظاتهم !! وسيشترطون مقابل ذلك إعادة حصتهم إلى سابق عهدها قبل التبرع بدينار واحد !!
صار الأمر واضحا الآن لكل أبناء الشعب العراقي المظلوم أن من يقوم بالمساومة من أعضاء مجلس النواب ، ويعقد الصفقات السرية والعلنية على حساب الوطن ومصالحه العليا ، ويلحق أفدح الضرر بحقوقهم الشرعية هو خائن بكل ما في هذه الكلمة من معنى ، فهل سيعي النواب ذلك أم سيواصلون صفقاتهم المشبوهة وخيانتهم للوطن الذي ابتلى بهم ؟!