لايختلف الجميع على ان ارض بلاد مابين النهرين هي الموطن الجغرافي لاقدم الحضارات التي عرفها الانسان حيث تم اختراع الحرف فيها كدلاله على التطور المعرفي لهذا الانسان ومنه تعلمت البشريه الكتابه.
ان المفهوم الجغرافي لهذه الارض بقي ولم يتغير عكس مفهوم الدوله الذي نشأ عليها. ففي استعراض سريع للتاريخ نرى ان بلاد مابين النهرين نشات فيها وقبل حوالي 5000 سنه اول مفهوم للدوله ككيان سياسي – اجتماعي.
لقد تاسست في الجنوب الدوله السومريه وفي وسط البلاد الدوله الاكديه ثم البابليه وفي الشمال الدوله الاشوريه, وان كل دوله كانت تفرض سيطرتها على مجمل البلاد تقريبا وقد تمتد الى مناطق الجوار محتله اراض شاسعه بقوه جيوشها.
ودار الزمن حتى جاء الوقت الذي تقاسمت فيه الامبراطوريه الرومانيه و الفارسيه ارض بلاد مابين النهرين و اصبحت هذه الارض مسرحا لكثير من المعارك التي دارت رحاها بين هاتين الدولتين.
وبعد بزوغ فجر الاسلام كنظام اجتماعي وسياسي تكونت الدوله الاسلاميه التي امتدت لتظم هذه البلاد كجزء منها (وليست دوله مستقله عن الدوله الاسلاميه) وحتي سقوطها في نهايه عهد الدوله العباسيه و تاسيس الدوله العثمانيه.
لقد حكم العثمانيون العراق على اساس ثلاثه ولايات ( البصره, بغداد و الموصل) و ظل هذا التقسيم السياسي نافذا بشكل عملي حتى سقوط العراق تحت سيطره الجيش البريطاني و اندحار الدوله العثمانيه في الحرب العالميه الاولى.
حكم البريطانيون العراق بشكل مباشر من 1917 ولغايه 1920 عندها قرروا ان الشعب العراقي لايمكن حكمه بشكل مباشر من قبلهم لاسباب عده ( اجتماعيه و سياسيه) فقرروا انشاء حكم “وطني” لاداره البلاد من خلاله فاستقدموا الملك فيصل الاول ونصبوه ملكا على العراق. لقد كان اختيار الملك فيصل موفقا جدا حيث كان الرجل على مذهب اهل السنه وهو الاصيل ذو النسب العلوي لذا رضي به سنه العراق و شيعتهم في وقت كان الناس في ظلام الجهل تستولي على عقولهم وتحركهم الافكار العشائريه و الطائفيه.
كان تاسيس الدوله العراقيه الاولى يتضمن ولايه بغداد و ولايه البصره. اما ولايه الموصل (والتي تشمل كردستان العراق) فقد كانت تطالب بها تركيا لتظمها اليها. وبقي الامر هكذا حتى عام 1926 عندما قرر عرب الموصل و كرد كردستان انهم عراقيون في استفتاء عصبه الامم الذي فصل في النزاع العراقي-التركي حول احقيه اي دوله بولايه الموصل.
لذلك فان تاسيس الدوله العراقيه قد اكتمل عام 1926 بشكله السياسي وهي اول مره يؤسس فيها لدوله العراق سياسيا في التاريخ الحديث وقد تم الاعتراف الناجز بهذه الدوله عام 1932 عند قبولها في عصبه الامم.
من كل ما مر اعلاه نلاحظ ان العراق كمفهوم سياسي لم يظهر في التاريخ الحديث حتى نهايات العشرينيات من القرن الماضي ولم يستطع هذا الكيان الصمود الا تحت نظم دكتاتوريه في معظم فتراته!!
والان وبعد 7 سنوات من التحرر من الدكتاتوريه و تطبيق النظام التعددي الديمقراطي هل سيصمد العراق كدوله موحده؟ ام ان الصراعات السياسيه و التي بدات تؤثر على النسيج الاجتماعي المتسامح “سابقا” ستجعل من تقسيمه امرا لامفر منه؟
اعتقد ان الضمان الوحيد لوحده العراق هواراده و وعي المواطن على مختلف اطيافه بضروره بقاء العراق دوله واحده.
فالولايات المتحده الامريكيه مثلا دوله تتالف من ولايات تجمعت لتؤسسها ويسكنها بشر جاءوا اليها من كل ارجاء العالم اي انها دوله تجميعيه, لكنها بقت و نمت بسبب وجود نظام صحيح وشعب متعلم يرغب ان يبقى موحدا وقويا.
ان بقاء النظام السياسي للدوله يحكمه بالدرجه الاولى رغبه افراد الشعب ودرجه تحضره. فكلما تعلم و تثقف المواطن اصبح قراره ذاتيا لايتاثر باي فكره او مؤثر خارجي الا بالقدر الذي يتفق مع قناعاته الذاتيه.
ان الشعب العراقي لازال غير متعلم بالدرجه الكافيه كي يختار بارادته, فالفرد العراقي تابع لاهوائه ويتاثر بكل المؤثرات الخارجيه لذلك جاءت الديمقراطيه ناقصه و عرجاء.
ان مسؤليه الاحزاب و النخب السياسيه وجمهره النخبه المثقفه و المتعلمه (وهي الفئه الصامته حاليا) هي المحافظه على عراق واحد مع تهيئه كل الظروف لنهضه الشعب تعليميا و ثقافيا كي ناخذ بيده في مسار الديمقراطيه الصحيحه. عندها سنرى اكثر من وزير “عربي” في اقليم كردستان تم اختيارهم لانهم عراقيين كفوئين في مجال تخصصاتهم او سنرى رئيس الجمهوريه “صابئيا” لانه عراقي مخلص وكفوء. وهكذا تزول الصفات الشخصيه الضيقه ليحل محلها الانتماء الوطني العراقي كمقياس وحيد. ان هذا الامر يحتاج لفتره قد تطول وجهد قد يكون عسيرا لاصلاح الخراب و خاصه مااصاب النفس البشريه.
ان “الكعكه” العراقيه كبيره جدا تكفي كل العراقيين وتزيد وهي اكبر من مثيلاتها في كل دول الخليج المجاوره و اذا ما طبق النظام السياسي و الاجتماعي الصحيح و القانون فاننا سنكون في حاله اخرى سيحسدنا عليها كل دول الجوار…
لكن هل بالامنيات تبنى الاوطان؟