17 نوفمبر، 2024 1:01 ص
Search
Close this search box.

نشأة المسرح العربي (6) .. أهتم بتطوير المجتمع السوداني بعد الإستقلال !

نشأة المسرح العربي (6) .. أهتم بتطوير المجتمع السوداني بعد الإستقلال !

خاص : كتبت – سماح عادل :

كتب الأستاذ “بدر الدين حسن علي” ثلاث مقالات مهمة عن المسرح في السودان، نشرتها مجلة (الأقلام) العراقية ١٩٧٧، وهذه المقالات المهمة هي أهم مرجع عن المسرح في “السودان”.. يقول الأستاذ “بدر الدين”: “إن تاريخ المسرح السوداني يبدأ في ١٩٠٢ حين كتب (عبد القادر مختار) أول مسرحية سودانية هي (نكتوت) ومعناها (المال)، وتدور حوادثها بين صاحبة خمارة شعبية وتلميذ وتاجر”، وكاتب المقال يستند في هذا التاريخ إلى ما ورد في كتاب (حياتي)، الجزء الثاني للأستاذ “بابكر بدري”، من إشارة إلى المسرحية بوصفها أول نتاج سوداني، وما حدث بعد ذلك من تأييد لهذه الحقيقة تقدم به الأستاذ “إبراهيم العبادي” حين ذكر المسرحية ووصفها بأنها تعكس بصدق صورة من صور اﻟﻤﺠتمع السوداني في ذلك التاريخ، ثم يضيف أنه مع هذا  قد امتعض لظهور هذه المسرحية بقلم كاتب أجنبي هو “عبد القادر مختار” مأمور الفطينة، وذلك لأن موضوع المسرحية قد لمس وتراً حساساً ‡يمس خصوصيات الشعب السوداني.

بداية تحت الاحتلال..

يقول الأستاذ “بدر الدين”: “إن المسرحية على أهميتها التاريخية لا تمثل إلا ظاهرة معزولة لا أثر لها والمغزى الوحيد الذي تشير إليه هو أن الإنكليز كانوا أبعد نظراً من المستعمرين الأتراك؛ فسمحوا لبعض النشاط الفني والثقافي بالقيام في السودان، على عكس المستعمرين الأتراك الذين كانوا هم أنفسهم غير مثقفين وبالتالي كانوا أعداء للثقافة”. وتلي الإشارة إلى (نكتوت) إشارات مختلفة إلى نشاطات مسرحية مدرسية في السودان ما بين السنوات ١٩٠٥ و١٩١٥، فقد مثلت مدرسة البنات للرسالة الكاثوليكية في “أم درمان” مسرحية أدبية ضمن ألوان أخرى من النشاط المدرسي شمل إلقاء الخطب وعرض الأشغال اليدوية.

وفي عام ١٩٠٥ نشرت جريدة (السودان) بتاريخ ٥ تشرين أول/أكتوبر، أن “جمعية حب التمثيل” ستقيم ليلتها الخيرية مساء الخميس التالي في قهوة الخواجة “لويزو”، حيث يقوم أعضاؤها بتمثيل بعض المسرحيات الهزلية بالإنكليزية والعربية؛ إلى جانب فقرات موسيقية يشملها الحفل. وفي ١٥ تشرين ثان/نوفمبر ١٩٠٩، نشرت جريدة (السودان) خبراً عن مسرحية عرضت باسم (هفوات الملوك). وتستمر أنباء المسرح في جريدة (السودان)، فتذكر مسرحيات قدم أغلبها على مسرح “الخواجة لويزو”. ويلاحظ “بدر الدين” أن هذه النشاطات المسرحية جميعاً كانت متقطعة لا تكون تياراً متصلاً يبرر اعتبارها حركة مسرحية، وأن مقدميها كانوا يرجون وجه الخير لا وجه المسرح بتقد‡يمها، وأن هؤلاء كانوا وافدين على البلاد أتوا من الشام ومصر وبعضهم انتمى إلى مؤسسات كنسية، كما أن جمهورهم كان في غالبيته من الوافدين.

وخلال الفترة ما بين ١٩٠٣ و١٩١٥، بدأت محاولات في التأليف المسرحي على يد الأستاذ “إبراهيم العبادي”، الذي كتب مسرحية بالشعر العامي عام ١٩١٠ اسمها (عروة وعفراء)؛ استمد مادتها من التراث العربي القديم.

ويشير “حبيب مدثر” في بحثه: (نحو مسرح سوداني)، الذي نشر في مجلة (الخرطوم)، إلى أن فن المسرح قد نقله إلى السودان جماعة من الأساتذة المصريين، الذين عملوا في أول هذا القرن بالتدريس في كلية “غوردون” التذكارية، وكانت أول مسرحية لهم باسم (التوبة الصادقة) مثلت عام ١٩١٢؛ والمسرحية مصرية والممثلون مصريون وبطلها قاض مصري قام هو بنفسه بإخراجها. ويضيف “مدثر”: “أن الذين شاهدوا هذه المسرحية يقطعون بأنها خلقت شغفاً في نفوس طلبة الكلية للتمثيل، جعل إدارة المدرسة تأخذ في تكوين فرقة من الطلبة. وبالفعل قامت الفرقة وعين لإدارتها شاب شامي من خريجي الجامعة الأميركية ببيروت. واقتصرت عروض الفرقة على الطلبة الداخليين، وأحياناً كان يسمح للطلبة الخارجيين بحضور العروض مقابل قرش صاغ للواقف وقرشين للجالس على كرسي”.

جماعة صديق فريد..

ليأتي عام ١٩١٨ ويقوم “نادي الخريجين” بتكوين “جماعة صديق فريد للمسرح”، وظلت هذه الجماعة تقدم مسرحياتها العديدة خمس عشرة سنة. وقد أشار الأستاذ “حسن نجيلة”، في كتابه: (ملامح من اﻟﻤﺠتمع السوداني)، إلى نشاط تلك الجماعة فوصف ما سبق وما تلى عرض إحدى مسرحياتها، مساء الخميس ٩ كانون أول/ديسمبر ١٩٢٠، قائلاً: “كنا نسير جماعات لنشهد مسرحية يقوم بها طلبة كلية غوردون، تدور فكرتها حول تعلم المرأة، وكان موضوع الساعة آنذاك. وقد اشتهر شباب الموظفين والطلبة بإجادة هذا الفن وصار لهم صيت: منهم (صديق فريد) و(عرفات محمد عبد الله)، والأساتذة (عبد الرحمن علي طه) و(علي بدري) و(عوض ساتي) و(علي نور المهندس) و(أبو بكر عثمان) وغيرهم”.

ويضيف “حبيب مدثر”، في معرض الحديث عن “صديق فريد”: “إنه أقوى ›ممثل سوداني اعتلى الخشبة.. صوته جذاب.. جهوري.. سريع الحركة ينفعل في قوة ويهدأ في لطف. وقد روي عنه أنه عندما كان يؤدي دور صلاح الدين يصمت المتفرجون صمت القبور، وفي ليلة العرض الأولى صال وجال فوق المسرح وفجأة جرد حسامه في ثورة غضب فهب النظارة واقفين. وقد اتجه صديق فريد وجماعته إلى عرض المسرحيات التاريخية، وكان هذا طريقهم الوحيد هرباً من وطأة الاستعمار، الذي كان لا يسمح بأية محاولة تعرض بالنظام السياسي الاستعماري. لهذا اتجهت الجماعة إلى التاريخ أو المسرحيات الأدبية وبينها مسرحيات شوقي الشعرية، وأجادت الجماعة تمثيل (مجنون ليلى) على وجه الخصوص وأضافت إلى برامجها مسرحيات عالمية معربة، مثل مسرحيات شكسبير (أنطوني وكليوبترا) و(يوليوس قيصر) و(تاجر البندقية)، ولم يقتصر صديق فريد وجماعته على عرض مسرحياتهم في العاصمة بل كانت الفرقة تسافر في مناسبات الأعياد الدينية وخلافها لعرض مسرحياتها في عطبرة وواد مدني وغيرهما من مدن الأقاليم”.

ولعل أهم ما قدمته هذه الجماعة للمسرح السوداني أنها، رغم الظروف السياسية القاهرة ورغم مظاهر الكبت الأجنبي، استمرت تعرض فنون المسرح مدة طويلة، فساعد هذا على خلق جمهور للمسرح في تلك الآونة.

ويعيب “بدر الدين حسن علي” على الجماعة اتجاهها للتنفيس عن الضغط والكبت بعرض مسرحيات تمجد البطولة الفردية أو تعلي شأن حوادث الاستشهاد الديني أو تتحدث عن بطولات الشعر مثل (صلاح الدين) و(تاجر البندقية) و(وفاء العرب)، وذلك بدلاً من استنهاض الجماهير بالمسرح لمقاومة المستعمر. كما يعيب عليها أنها كانت في هذا الاتجاه صدى مخلوطاً لما كان يحدث في المسرح المصري.

عبيد عبد النور”..

لم تلبث الجماعة أن انفضت عقب اعتزال “صديق فريد” للتمثيل قبل وفاته بمدة، وبعد أن أخذ الاستعمار البريطاني يتعسف في معاملته للفن المسرحي عقب الثورة الوطنية، التي هبت عام ١٩٢٤. وظهر في أفق المسرح السوداني نجم جديد هو “عبيد عبد النور”؛ أحد خريجي الجامعة الأميركية ببيروت. وقد بدأ نشاطه بين طلبة كلية “غوردون” فأخذ يقدم مسرحيات قصيرة ذات أصل أجنبي، جعل يسودنها ويقدمها لجمهوره. فكانت هذه خطوة متقدمة عما سبقتها. ذلك أن “عبد النور” لم يلجأ إلى المسرحيات المعروفة التي سبق تقديمها بل حاول أن يفعل شيئاً جديداً هو “السودنة”. ولقد أظهرت الوقائع التالية أن خطوته هذه كانت جريئة نوعاً ما، فقد حدث أن قدم “عبد النور” مسرحية مسودنة تصور استهتار ابن أسرة محافظة بالعرف والتقاليد. ويعود ذلك الابن إلى بيته عند الفجر وهو سكران ويدخل البيت وهو يلعن من فيه. وذات يوم يعود والده من السفر فيفاجأ بالابن يدخل البيت مع الفجر وهو يسب الدين لأهله فيضرب الوالد ابنه. ويقلع هذا من بعد عن حياة الخلاعة والاستهتار.

أحدثت هذه المسرحية الساذجة دوياً كبيراً وطلب أحد القضاة من شيخ علماء السودان أن يصدر فتوى بكفر “عبيد”. وقابل “عبيد” شيخ العلماء وحكى له قصة المسرحية. ولما أطمأن الشيخ إلى أن الوالد قد ضرب ولده كانت فتواه: “ناقل الكفر ليس بكافر”، وأخلي سبيل “عبيد” ومسرحيته ودعا له الشيخ بالتوفيق.

كان “عبيد” يقدم مسرحياته تحت شعار: “ليالي الأنس”، وذات مرة عرض هو وجماعته، وأبرزهم: “خضر حمد” و”عوض أبو زيد”، مسرحية قصيرة أخرى اسمها (المأمور والمفتش ورجل الشارع)؛ وهي تصور استبداد رجال الإدارة بالمواطنين وخوف صغار الإدارة من كبارهم. وعرضت المسرحية مرتين ثم استدعي “عبيد” لمقابلة نائب مدير اﻟﻤﺨابرات، الذي طلب إيقاف المسرحية بدعوى أنها خطيرة على الأمن. ولم يجادله “عبيد” خوفاً على وظيفته. وهكذا توقف نشاط “عبيد” المسرحي. وهو في أوائل حياته.

وقد سجلت فترة جماعة الخريجين بعض الظواهر ذات الدلالات المهمة. أولها أن أحد مفجري ثورة ١٩٢٤ المسلحة، وهو البطل “علي عبد اللطيف” كان يشترك في النشاط المسرحي، يثبت الأهمية الكبرى التي وجدها ثوار السودان، كما وجدها قبلهم وبعدهم ثوار آخرون في غير السودان في فن المسرح كوسيلة إيقاظ وتهييج سياسي واجتماعي.

كما ظهر في الفترة نفسها واحد من النقاد البارزين في حقل المسرح؛ وهو “عرفات محمد عبد الله”، الذي كان ممثلاً ثم تحول ناقداً فأصبحت آراؤه في المسرحيات تصدر عن علم وتجربة معاً.. وكانت مجلتا (النهضة) و(الفجر) تنشران مقالات في النقد المسرحي تتحدث عن ضرورة احترام دقة المواعيد وتحث الجمهور على النظام واحترام العمل المسرحي وتطالب بأن تكون الصحافة في خدمة المسرح وأن تصبح موصلاً فعالاً يصل بين المسرح والجمهور.

ولعل أهم ما أنجزه “عرفات” في حقل النقد المسرحي؛ هو دعوته إلى قيام مسرح سوداني أصيل، وكان يشاطره آراءه وتوجيهاته الأديب “محمد عشري الصديق”. كما كان يكتب عن المسرح أيضاً “معاوية محمد نور” وامتازت كتاباته بالدقة والموضوعية.

أول مسرحية سودانية..

عام ١٩٣٢ بدأ الغرس الذي غرسه الفنانون السابق ذكرهم يؤتي ثماره، ففي ذلك العام كتب “خالد أبو الروس” أول مسرحية سودانية خالصة.

وكان “خالد” قد عانى كثيراً من رغبته في احتراف مهنة المسرح في مجتمع يرفض هذه المهنة، أولاً ينظر إليها النظرة التي تستحقها. وكان قد عرف فن المسرح من النتف المسرحية التي كانت تقدم داخل “المعهد العلمي” بأم درمان، حيث درس “خالد” في المعهد وفيه تخرج؛ ثم تملكته الرغبة في أن يهدي بلده أول نص مسرحي ينطق بلسانه ويعبر عن وجدانه ويستلهم تراثه. وكان أن ظهرت مسرحية (تاجوج والمحلق) وهما شخصيتان عاشتا قصة حب مأساوية، وحوادث المسرحية تدور حول المرأة الحمرانية الجميلة “تاجوج” وما جرى لها وما جرى بينها وبين زوجها المحلق.

وبدأ الإعداد للعرض الجديد للمسرحية بمعاونة الزوار الثلاثة، واستمر الإعداد ثلاثة أشهر، ثم عرضت المسرحية فلاقت إقبالاً كبيراً. ويقول الأستاذ “بدر الدين حسن علي” إن المسرحية، رغم بدائيتها تسجل خطوتين مهمتين هما: “الموضوع الوطني والاتجاه إلى التراث”. كما كان للمسرحية فضل آخر وهو الخروج بالعرض المسرحي من ضيق المسارح المدرسية إلى رحابة الأندية الرياضية. ومن ثم أخذ كل ناد رياضي يبحث عن كاتب يحتضنه وينتج له مسرحياته فاتجه “نادي المريخ” إلى الشاعر “إبراهيم العبادي”، واتجه “نادي الحديد” إلى الشاعر “سيد عبد العزيز”. وكذلك فعلت أندية أخرى مثل “نادي التاج” و”نادي الإخلاص”.

وتبع هذا أن اتصلت الحركة المسرحية الجديدة بجمهور الأندية الرياضية العريض ›مما أدى إلى انتعاش الحركة المسرحية والنشاط الاجتماعي في آن واحد. وبعد نجاح (تاجوج والمحلق) ألف “خالد أبو الروس” مسرحيته الثانية (خراب سوبا) في أواخر عام ١٩٣٣، واستقى حوادثها من تاريخ القرن السادس عشر عندما اتحد العرب والغونج لمحاربة النوبة وخربوا عاصمتها “سوبا”، ويدعي المؤرخون أن خراب “سوبا” جاء عن طريق امرأة عجوز لها بنت فاتنة استطاعت عن طريقها أن تخلب ألباب الأمراء والوزراء أدى إلى خراب المدينة. أما “خالد أبو الروس” فقد صور في مسرحيته مأساة الشر الإنساني وغريزة الثأر التي تودي بعقل الإنسان فتدفعه إلى ارتكاب الجرائم بلا توقف، وقد أظهر الكاتب “سوبا” في هيئة عجوز قبيحة الشكل ورمز بها للنفاق الذي يستشري في الحياة الاجتماعية على مستوياتها جميعاً.

وبعد هذه المسرحية انهالت على “خالد أبو الروس” العروض من جميع أنحاء السودان، تدعو الفنان وفرقته للتمثيل في أقاليم السودان مدناً وقرى. وبالفعل طافت الفرقة معظم أرجاء السودان وبعض قراه. وطار صيت “خالد” كممثل برع في الكوميديا والتراجيديا. ثم جعلت الفرقة تقدم مسرحيات “خالد” تباعاً، ومنها (السبعة الحرقوا البندر) و(مات طه) و(الضحية) و(الحب والمال). ثم تآمرت الظروف المحيطة على فرقة “أبو الروس” فلم تلبث أن تبددت، فقد ظهر منافس خطير للمسرح في السودان، وهو الفيلم المصري وخاصة أفلام “محمد عبد الوهاب” الغنائية: وبخاصة فيلما (الوردة البيضاء) و(يحيا الحب). كذلك تركت الفرقة تخوض طريقها الشاق وسط عقبات كأداء ودون معونة مالية من أحد  ذلك أن القوى الاستعمارية لم تكن ترضى عن النشاط المسرحي في السودان فتركته ‡يموت.

غير أن “أبو الروس” عاود نشاطه على خشبة المسرح القومي بأم درمان في عام ١٩٦٨، حينما أحس برغبة وزارة الشؤون الاجتماعية في تشجيع التمثيل بعد قيام الحكم الوطني في البلاد. وقد قدم “أبو الروس” إذ ذاك مسرحية جديدة هي (إبليس)؛ التي تعالج مشكلة الفساد الاجتماعي المنتشر في السنوات الأخيرة.

ومع “خالد أبو الروس” ظهرت جهود الشاعر “إبراهيم العبادي”، الذي قدم مسرحية من تأليفه ١٩٣٤؛ وهي (الملك) ™وكان لهذا الشاعر جهود سابقة في الكتابة المسرحية، وقد أخرجت له في عام ١٩٣٥ مسرحية (عائشة بين صديقين)، وهي تعالج موضوعاً حساساً؛ هو: النزاع بين صديقين على امرأة، قدم المسرحية “نادي المريخ”. أما مسرحية (الملك)™ فتستمد حوادثها من التاريخ، ويقول الأستاذ “بدر الدين طه” إنه بالرغم من الإحساس الظاهر بأن (الملك) مسرحية محكمة البناء؛ فإن الحوار الطويل والخطب الرنانة تضعف الجو العام للمسرحية.

وظهر أيضاً كتاب آخرون مثل: “سيد عبد العزيز” مسرحية (صور العصر)، و”أمين القوم” مسرحية (فتاة البادية) ١٩٣٨.

حركة المسرح السوداني..

يقيم الأستاذ “بدر الدين” حركة المسرح السوداني منذ مطلع القرن حتى الأربعينيات، فيقول: إن “النشاط المسرحي في هذه الفترة الزمنية كان محدود الأثر ليس في الوطن العربي وحسب؛ بل وحتى في العاصمتين: الخرطوم وأم درمان، ولهذا اتخذ المسرح شكل المبادرات الفردية، وهي بطبعها غير قادرة على الصمود والتواصل”.

ولم تسع المسرحيات في تلك الفترة إلى طرح قضايا المسرح بصورة جدية، وإلى جوار هذا فقد بدأت ظاهرة المؤلف ذي المسرحية الواحدة، مثل “سيد عبد العزيز” و”أمين القوم”. وهذان لم يواكبا الحركة المسرحية إلى جوار التأليف لها. لم يشذ عنها إلا “أبو الروس”؛ الذي تواصل إنتاجه بعد الأربعينيات. وفضلاً عن هذا فقد كتب هؤلاء الكتاب مسرحياتهم باللغة الشعرية الشعبية وهي مفهومة فقط في حدود ضيقة من أقاليم السودان.

في عام ١٩٤٦ تكونت أول فرقة للتمثيل  وظهرت المرأة السودانية على المسرح. أنشأ الفرقة الفنان ميسرة السراج وقدمت فرقته هذه مسرحيات كثيرة ذات محتوى اجتماعي منها “وفاء وعجائب” و”انتقام وغرام”. كما فتحت الفرقة الباب واسعا للتبرعات واتجهت إلى الشعب بشعار”أعطني قرشا أعطك مسرحا”. وقد قام الفنان ميسرة بمهام التأليف والإعداد وشرع في محاولة بناء مسرحي بما تحصل له من مال التبرعات.

وفي نهاية العام ذاته١٩٤٦ أسست”فرقة السهم الفضي”و”وفرقة الهواة للتمثيل”. كما كانت هناك نشاطات مسرحية مختلفة قام بها الناديان المصري والسوداني وأخرى بناحية مرنى وغيرها. كذلك انتشر المسرح المدرسي بانتشار التعليم في البلاد.

على أن هذا كله ظل  في رأي الأستاذ بدر الدين  مجرد حركات لم تتعد السطح وما كان في استطاعتها أن تفعل ذلك وهي واقعة في بحر السكون الشامل ومواجهة بواقع لغوي واجتماعي وعرقي شديد والتعقيد.ولهذا ما لبثت فرقة السراج أن تقلصت وانصرف بعض العاملين في المسرح إلى الإذاعة.

وفي الوقت ذاته تطورت مجموعة من الفنانين كانت تتعامل مع الشخصيات النمطية مثل محمد السراج في شخصية “أبو قمبورة” وعثمان أحمد حمد في “أبو دليبة” والفاضل سعيد في”بت قضيم” و”العجب أمه”  فطور هؤلاء فنهم إلى نشاط أصبح يعرف بالمسرح الكوميدي.

وينهي الأستاذ بدر الدين حديثه عن فترة ما قبل الاستقلال بالإشارة إلى تجربة معهد”بخت الرضا” الذي قام في عام ١٩٣٤ برعاية الدكتور أحمد الطيب وهو فنان ذو حس فني وأدبي رفيعين. وقد بدأ المعهد بإنشاء فرقة للتمثيل  أخذت تقدم روائع شكسبير: يوليوس قيصر، الملك لير وهاملت. وقد راعى الدكتور أحمد الطيب في ترجمة هذه المسرحيات أن تكون ملائمة لإمكانيات وأمزجة الطلبة وغيرهم من المتفرجين.

ويعود الأستاذ بدر الدين ليؤكد أن هذا كله لم يتعمق أغوار اﻟﻤﺠتمع السوداني  وذلك لقصور في الحياة السودانية كلها الثقافية منها والسياسية وهي حياة عجزت عن مواجهة مشكلات العصر وقضاياه مثل الاستقلال والاتحاد مع مصر. وانصرف النشاط السياسي والحزبي إلى الخطابة تعبيرا عن السياسة أو الدين.

الاستقلال الوطني..

في أول يناير١٩٥٦ نال السودان استقلاله الوطني. وفي عهد حكومة عبود تم بناء أول دار مسرحية كبيرة سميت: المسرح القومي وتم البناء في أم درمان عام ١٩٥٩ . قدم الكثيرون أعمالهم على هذا المسرح مما خلق جمهورا مسرحيا يعشق فنون الأداء. وقد ظل المسرح الكوميدي يقدم أعماله خلال هذه الفترة  على أيدي فنانين عملوا بالإذاعة مثل: الفاضل سعيد وعثمان أحمد حمد ومحمود السراج وعثمان حميدة  وحسن عبد اﻟﻤﺠيد وإسماعيل خورشيد. وهؤلاء وغيرهم كانوا ‡يمهدون الطريق لخلق مسرح يتجاوب مع روح الشعب لم يلبث أن ظهر بعد ثورة أكتوبر ١٩٦٤ .

أول أعمال هذا المسرح الشعبي قد جاء عن طريق جماعة تعرف باسم”أباد أماك” وهي جماعة آلت على نفسها أن تغوص في الواقع الشعبي السوداني. وكانت مسرحية”عنبر جودة” مثلا بارزا على أعمال تلك الجماعة فقد استخدم مؤلفها: الأستاذ عبد الله علي إبراهيم حادثة وقعت بالفعل حين رفض الزارعون تقديم أقطانهم للسلطة الإقطاعية  فطوقت هذه قرية جودة بعربات الشرطة المدججين بالسلاح والتقطت من بين صفوف الفلاحين١٠٣ من زعمائهم وحشرتهم في غرفة ضيقة ثلاثة أيام ليس فقط دون أكل وماء بل دون هواء كذلك. وكانت النتيجة أن مات هؤلاء المساكين اختناقا.

و قدمت الجماعة أعمالا أخرى مثل “أحزان ما بعد الساعة السادسة والنصف مساء” من تأليف الأستاذ عبد الله علي إبراهيم. وجرى تقديم هذه المسرحية بساحة شارع القصر › جذب إليها كثيرا من المواطنين. وقدمت الجماعة كذلك مسرحية “الفترينة” وعرضت بالمسرح القومي. ومسرحية”خطبة دفاع عن سميح القاسم” كشفت فيها ما تعرض له هذا الشاعر المناضل من تعذيب في سجون إسرائيل.

و تمخضت الثورة الشعبية أيضا عن نتاج مسرحي جديد هو المسرح الجامعي وقد قدم هذا المسرح أعمالا كثيرة منها “المغنية الصلعاء” يوجين يونسكو و “الحفل” و”الخطوبة ” تشخوف و “الإمبراطور جونز” يوجين أونيل و “مارا  صادا” بيتر فايس و “أنت اللي قتلت الوحش”علي سالم و “جان دارك”جان أنوي و “الزيارة” دورماك و “قصة حديقة الحيوان” إدوارد ألبي.

المسرح القومي..

قام المسرح القومي في السودان تحت توجيه فنان مسرحي سوداني موهوب هو: الفكي عبد الحميد الذي تولى منصب مدير المسرح القومي في عام ١٩٦٧ وكان الفكي قد عاد إلى البلاد بعد دراسة المسرح في إنجلترا في أحد معاهدها عاد وهو يشتعل حماسا وينبض أفكارا تدور كلها حول ضرورة النهوض بالمسرح السوداني الذي كان ولا يزال تنقض ظهره المتاعب الكثيرة: فانتشاره محدود وقضية المسرح غيرمطروحة بشكل إيجابي على مستوى القطر والنظرة العامة إليه هابطة ولم يبرز بعد الكاتب المسرحي المتمرس ولم تهتم الحكومات المتعاقبة بالمسرح ولا معهد للمسرح هناك لإخراج الطواقم المسرحية اللازمة ولا تزال المرأة غير حاضرة بالشكل المطلوب في نشاط المسرح ولا فرق نظامية في البلاد تحكمها لوائح وقوانين معروفة  فضلا عن المنافسة التي كان يلقاها المسرح من قبل السينما والتليفزيون.

قدم الفكي  المسرح القومي في أول موسم له تحت قيادته أربع مسرحيات سودانية كلها هي”الملك ™نمر” من تأليف إبراهيم العبادي وإخراج الفتى عبد الرحمن و”ستار المحروسة “من تأليف الطاهر شبيكة وإخراجه  و”إبليس” من تأليف خالد أبو الروس وإخراجه و “أكل عيش ” من تأليف الفاضل سعيد وإخراجه.

ثم توالت المواسم من بعد حتى الموسم التاسع وقد مال الفكي إلى تقديم مسرحيات سودانية وعربية وعالمية معطيا الأفضلية للمسرحية المحلية. ولم يحصر الفكي جهوده في العاصمة السودانية وحدها بل إلى الأقاليم فعمل على بناء مسارح جديدة مثل مسرح تاتوج بكسلا ومسرح بورتسودان ومسرح الجزيرة بود مدني ومسرح عطبرة ومسرح كردفان كما مكن لعروض العاصمة من أن تظهر على مسارح الأقاليم هذه.

وقد كان من أثر ازدهار المسرح في هذه الحقبة أن تألف إلى جوار المسرح القومي فرق مسرحية جديدة  واتسعت رقعة المسرح  كفن فأنشأ الفكي إدارة للفنون المسرحية والاستعراضية.

وكان من أبرز الفرق التي نشطت في هذا المعهد فرقة “الفاضل سعيد”ولم تكن هذه فرقة جديدة في الواقع  فقد امتد عمرها في الزمن إلى عشرين سنة  وكانت تعتمد طوال هذه السنين على الفنان الفرد: الفاضل سعيد وهو واحد من أبرز الكوميديين السودانيين وله عدد كبيرمن التمثيليات بالإذاعة والتليفزيون وكان يكتب النص المسرحي ويخرجه ويقوم بالدور الرئيسي فيه. وفي النشاط المسرحي الذي قدمه على خشبة المسرح القومي قدم مسرحيات: “أكل عيش” و “ما من بلدنا” و “النصف الحلو” و “أبو فراس” و “عم صابر” وقد أخذ الفاضل سعيد بطريقة التأليف الجماعي  وغالبا ما يكون هذا عن طريق الارتجال.ونجحت فرقة الفاضل سعيد نجاحا جماهيريا كبيرا

ثم انشقت عن الفرقة جماعة منها وألفوا فرقة:”أضواء ا لمسرح” التي أخذت تعرض إنتاجها من عام ١٩٧٢. وأصبحت واحدة من الفرقة المسرحية البارزة وفي عام ١٩٧٦ قامت “فرقة الخليل ٧٦” المسرحية وأخذت تركز نشاطها بشكل أساسي على إنهاض مسرح الطفل وفي عام ١٩٦٨ افتتح معهد الموسيقى والمسرح الذي أخرج حتى الآن أربع دفعات وقد قدم طلابه أعمالا وبحوثا مسرحية قيمة  من المسرح العالمي والعربي والأفريقي والسوداني.

وفي عام ١٩٧٦ افتتح أول مسرح سوداني يبنى على أحدث الطرق والوسائل الفنية وهو مسرح الصداقة السودانية الصينية.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة