هل كان محمد رجل حرب وغزوات؟ وكيف تكونت تلك الصورة التاريخية لمحمد بن عبدالله؟ اسئلة موجودة في الاذهان، يمكن هنا مناقشتها عقليا وليس دينيا. ويمكن القول ان صورتان قد ركزت في الاذهان هي:
الصورة الاولى القاتمة: ان محمدا هو رجل حرب وغزو وقتال ونساء. اما الصورة الثانية هي: ان محمدا هو رجل فكر وتجرد وزهد وتسامح وسلام. وحسب فهمي يمكن تبرير او تعليل تكون الصورة الاولى (القاتمة) الى اسباب اهمها:
اولا: ان محمدا مارس النشاط حوالي 22 سنة، منذ 610 م، حتى 632 فقط. وقد انفق اكثر من نصفها في تاسيس المفاهيم الجديدة، محاصرا من قبل السلطة في قريش، ثم بدا العمل بشكل اوسع في المدينة، خلال مدة قصيرة نسبيا، منشغلا بالدفاع عن الوجود المادي لتطبيقه في المدينة. لذلك لم يتسنى له ان يكمل الصورة النهائية لمشروع السلام والتسامح، عمليا. وبقي المشروع المحمدي موثقا في القران والاحاديث، التي سوف تلاقي لاحقا، حربا ضدها. ولن يتحقق المشروع المحمدي حتى يرتقي العقل البشري، بعد معاناة طويلة قادمة.
ثانيا: ان الملوك من بني امية والعباس قد حكموا حوالي 600 سنة،باسم محمد، وهم قد تعمدوا رسم تلك الصورة القاتمة لمحمد، ليبرروا سلوكهم المنحرف والعسكري. ان صورة محمد تشكلت من قبل الحكام المنحرفين، خلال ذلك، يضاف لها التشوية من قبل ملوك العثمانية والصفوية، اضافة الى الجماعات الاسلامية الحالية مثل الوهابية والقاعدة والاحزاب الدينية، الفاسدة غالبا.
وليست الصورة الاولى (القاتمة)، التي رسمت للنبي صورة رجل الحرب والنساء، هي حكرا على ذهن من اساء الظن بمحمد، بل موجودة في اذهان اغلب اتباع محمد، للاسف، بسبب السلوك المنحرف للحكام بعد محمد حتى يومنا هذا، كذلك بسبب التعمد في تقديم تلك الصورة المشوهة، والمناقضة للصورة الحقيقية، التي سوف نحاول رسمها بناءا على الادلة والشواهد.
اما الصورة الثانية، اي صورة محمد السلام والتسامح، قد لا تجدها في اذهان اغلب المسلمين، بل قد تجدها عند غير المسلمين. وهنالك قائمة واسعة من الكتاب والباحثين، الذين عبروا عن فهم موضوعي لمحمد، منهم الشاعر الفرنسي ألفونس دي لامارتين الذي قال:”أترون أن محمدًا كان صاحب خداع وتدليس، وصاحب باطل وكذب؟! كلا. بعد ما وعينا تاريخه، ودرسنا حياته، فإنَّ الخداع والتدليس والباطل والإفك، كل تلك الصفات هي ألصق بمن وصف محمدًا بها”. انظر الهامش1.
وكان الأديب الأيرلندي برنارد شو هو الآخر منفعلا بشخصية النبي محمد إذ قال: “إن من الأنصاف أن يدعى محمد منقذ الإنسانية وأعتقد أن رجلاً مثله لو تولى زعامة العالم الحديث لنجح في حل مشكلاته وأحل فيه السعادة والسلام”. كذلك تولستوي في كتابه (حِكَم النبي محمد) قال: ً”قام محمد بعمل عظيم بهدايته وثنيين قضوا حياتهم في الحروب وسفك الدماء، فأنار أبصارهم بنور الإيمان وأعلن أن جميع الناس متساوون أمام الله” .انظر الهامش2
وهنالك اسماء كثيرة من الباحثين (الغير مسلمين) الذين وصلوا الى الصورة الحقيقية لمحمد. لذلك، ولاجل رسم الصورة الحقيقية لرجل السلام والتسامح، استعرض بداية حياة الرجل، استنادا الى ما ثبت من شواهد تاريخية. ويمكن ان اطرح الاسئلة التالية: كيف بدأ محمد حراكه ضد السلطة في مكة؟ ما هي الاساليب التي استخدمها؟ هل استخدم العنف؟ من الذي بدأ العنف؟ كذلك، لماذا ثار محمد ضد قريش؟
ويمكن اختصار الاجابة على هذه الاسئلة، استنادا على ما ورد وتواتر تاريخيا، ومن ذلك:
اولا: ان محمدا قد بدأ حراكا ثقافيا، دعى فيه المجتمع الى التجرد فكريا، والتفكر الى وجود خالق ليس كمثله شيء. وكان حراكه ثقافيا فكريا، بعيدا عن العنف، ضد سلطة الحجر.
ثانيا: ان محمدا ثار ضد سلطة، مارست اذلال الانسان، بواسطة تركيعه لمن هو ادنى منه. اقصد ان سلطة مكة مارست تركيع الانسان للحجر. اي تركيع الاعلى للادني، وايجاد سلطة للحجر على الانسان… وهذا اذلال للانسان، وانتقاص لقيمته الاخلاقية والحقيقية. ولاني اناقش هنا استنادا على العقل والاخلاق –وليس استنادا على الدين- لذلك اجد ان ثورة محمد في مكة، هي ثورة حضارية انسانية، لاجل كرامة الانسان ومستقبله، بالرغم من استخدام محمد للاساليب السلمية حصرا ضد سلطة قريش.
ثالثا: ان السلطة في قريش هي التي مارست العنف ضد محمد، لانه عبر عن اراءه بصراحة وعلانية. وبالتالي، اليوم يقف الانسان المتحضر الى جانب محمد في حراكه السلمي الثقافي والفكري ضد سلطة قريش المتخلفة، التي منعت حرية التعبير، وصادرت حق محمد في ممارسة حقوقه الاجتماعية.
وهنالك اسباب اخرى، يمكن ان يفكر فيها القاريء اللبيب. الا ان هنالك من لا ينكر هذا، لكن يدعي ان محمدا قد تغير بعد هجرته الى المدينة (يثرب) وصار حاكما عسكريا، محبا للقتال والنساء وسفك الدماء. وهذا لا صحة له، للاسباب التالية:
اولا: ان محمدا في المدينة واجه محيطا رافضا له، ويحاول افناء وجوده، اقصد سلطة قريش من جهة، ودول كبرى من جهة اخرى، هي دولة الروم والفرس. يضاف الى ذلك جهة داخل المدينة، هم ساسة اليهود.
ثانيا: ان الجهات الثلاثة، اي 1- سلطة قريش. 2-دولة الروم والفرس. 3- ساسة اليهود، جهات اثبت التاريخ فسادهم وعداءهم للجنس البشري، وبالتالي يقف المنصف الى جانب محمد في الحرب ضدهم، وهذا يبرر حروبه الدفاعية ضد هذا الثلاثي الفاسد.
ثالثا: ان حروب محمد هي 9 فقط، كانت حروبا دفاعية، ضد تلك الجهات الثلاث، المعادية للبشرية وتكاملها ومستقبلها.
رابعا: الشواهد التاريخية، اثبتت ان محمدا اقام حكم شعبي، انموذجا للحكم الرشيد، الهادف الى تخليص الانسان من الرذائل والاستغلال، ودفع عجلة التعلم والتطور البشري، في مناخ السلام والتسامح. هذا الاستقراء المنطقي ممكن، استنادا على ما توفر من شواهد تاريخية، لا ينكرها الباحث المنصف. وللحديث بقية.
الهوامش:
الهامش1: شهادة المنصفين من الغربيين على صدق نبوة الرسول، تاريخ الوصول 19 يوليو 2011.
الهامش2: https://www.alarabiya.net/views/2008/03/06/46549.html