كانت لي تِلْك المشاهدات أثناء زيارتي للمراجع العِظام ( أعلى الله مقامهم)؛الشيخ أية الله العُظمى محمّد إسحاق الفياض والسيد أية الله العُظمى محمد سعيد الحَكِيم والشيخ أية اللَّه العُظمى بشير النجفي حفظهم الله.
للأسف انتهى الوقت المخصص للتشرف بزيارة السيّد أية اللَّه العُظمى عليّ السيستاني ( دام ظله الوارف).
وأنت تدخّل إلى محل إقامتهم و هو المكان ذاته لإستقبال الزائرين والسائلين وكل الشخصيّات الرسميّة وغيّر الرسميّة الَتِي تأتي لفقيه ألطائفة من شتّى أرجاء العالم ، هو نفس مكان الاستقبال الّذي يجلس به من هم على مستوى عالٍ من الأهمية، ومن هم اناس عاديين، لاتجد هناكَ فرقاً بالأمكنة يجلس الفقير والغني، المسؤول والإنسان العادي في نفس المكان، وعلى نفس الفراش. هذا المكان وانت داخل له لا تلمح مظاهر الترف او البذخ ،او شَيْء مَن الإسراف والقفزة العصرية، بل بالعكس أنت تدخل إلى بيوت أقل ما يمكن ان يُقال عنها إنها قديمة بل معالجة بطريقة جداً بسيطة لحفظها من التآكل والتصدع فضلاً عن السقوط! بيوت او ما تسمى بالمكاتب الرسميّة والتي يقصدها كبار السّياسيين والشخصيات المهمّة وعامة الناس ترحب بضيوفها بتلك الطلة البَسيطة،
انهم يتأسون بنبيهم وعليّ عليهم السّلام ويعطون درساً عملياً في مشاركة الآخرين فقرهم وحاجتهم.رغم اهميتهم وعلو شأنهم ومكانتهم الكبيرة.
تراءى لي في سقف مكتب او بيت أية الله العظمى الشيخ الفياض ذلك النخر والتقشير لمادة ( البياض) بالسقف واظنه بسبب حشرة “العثة” كما انه مفروش بفراش بسيط لكنه نظيف ومرتب بيتٌ صغير مصبوغ بشكلٍ بسيط بغرف صغيرة مع قاعة مناسبة يجلس فيها الزائرين على أرض مفروشة .تنتظر لدقائق بعد ان تشرب الشاي الذي يقدمه لك بعض الشّباب وبأسلوب مؤدب مع كلمات الترحيب والإحترام ليؤذن لك بالدخول على غرفةٍ اخرى تكاد تكون مساحتها (ثلاثة أمتار مربّعة). اصغر او اكبر، تحتوي على آرائك للجلوس من النوع العادي وفي نهاية الغرفة مكتب تعتليه الكتب الكثيرة ويجلس خلفه أية الله العظمى الشيخ الفياض. انت ستنسى كل تِلْك التفاصيل عندما تنظر لهيبة هذا الرجل وينظر اليك وهو يتمتم بصوتٍ خفيض يرد السّلام عليك والدعاء لك، هيبةً تاخذك الى حيث التأريخ حَيْث تحضّر امامك صوّر المقدسين وكيف هَذَا الرجل يسير علَى خطاهم ويمثلهم
البساطة في المسكن والملبس والوجه الذي ينفتح باب الامل منه عند النظر اليه،وتشعر ببالغٍ من الهيبة والإحترام له. بلا أي تراجع أنت تستشعر طهارة المكان ونقاءه وجماله رغم بساطته تعلم حينها كَيْف تخرج الحكمة ومن أين مصدرها ومن هم رجالها؟.
وأنت تدخّل الى بيت او مكتب اية الله العظمى السيد محمد سعيد الحَكِيم حفظه الله. تجد ان البيت من القِدَم والبساطة مايعطيك صورةً حقيقية عن طبيعة الزهد والإيثار الذي يعيشه مرجع كبير للطائفة الشيعيّة، تجد الجدران قديمة ومعدلة بتصليحات بسيطة جداً والأرض مفروشة بسجادٍ عادي لكنه جميل ونظيف جداً تصميمه القَديم على طراز البيوت القديمة المفتوحة من الداخل مما جعلهم يعدلون عليه ويسقفونه بمادة حديدة هي بالمقياس العمراني والهندسي اقل ما يمكن تكلفة، تجلس في مكان اشبه بالقاعة على الأرض المفروشة بشكلٍ بسيط ونظيف وتنتظر إذن الدخول من باب القاعة المؤدي الى غرفة السيد محمد سعيد الحكيم. غرفة مستطيلة مفروشة بشكلٍ جميل وابواب خشبية من النوع القديم تدخل من هذا الباب الخشبي القَديم، يستقبلك السيد على الجهة اليسرى من الغرفة جالس بعمامته السوداء ووجه الّذي يثير في داخلك الف جملة ( ماشاء اللَّه) بل لا تتمالك نفسك عند رؤيته وهو يستقبلك بإبتسامة خفيفة ومهذبة ان يذهب لسانك للصلاة على محمد وال محمد عند رؤيتك اياه، تمسك يده وتصافحه ولاتزال شفتاهُ تتمتم لك بالدعاء ورد السّلام، وعندما تنظر إلى وجهه المضيء والمشرق تشعر أن عليك الصمت الآن، ويحين وقت التأمل بذلك الوجه المبارك، تشعر بغزارة الفيض النوراني المبعوث من تلك الوجوه يتكلم الوجه دون الشفاه بأنهم ، وأنه. كم أطاعوا الله بالغيب وافنوا أعمارهم في الاتّصال مع اللَّه وعبادته في تلك البيوت القديمة الَتِي ينشرح صدرك بها وتستشعر الطهارة والنقاء في كل اروقتها وجدرانها.
تحين لحظة التبجيل لهم،لتسأل نفسك ان كان هذا الرجل وهو غير معصوم بهذه القدسية فكيف يكون المعصومُ إذن؟ تلحظ ان هناكَ شبه وامتداد طبيعي للمعصوم دام هناك مرجع ومرجعية.
محطتي الاخيرة كانت في بيت او مكتب الشيخ اية الله العُظمى بشير النجفي حفظه اللَّه.
البيت صغير جداً بسيط لايختلف في القدم عن بيوت المراجع العظام الآخرين حفظهم الله، تسير في ممر ضيق جداً ليؤدي بك الممر الى صالة بسيطة سقفها معالج بالحديد وبعض سقفها لازال يرفع ( بالعمدان الخشبية)، مكان بسيط وضيق لكنه نظيف يجلس الناس فيه كبيرهم وصغيرهم وكل ألوانهم وجنسياتهم لينتظروا قدومه المبارك، وقبل الدخول عليه يقدموا لك الشاي مع اروع عبارات الترحيب والتواضع. هناك باب اخر يطل على غرفة تم فتحه لنا ليستوعب عدد الزائرين والسائلين، الغرفة الأخرى المفروشة بنفس الفراش البسيط والجميل والنظيف سقفها لايتعدى المترين حيث وانت واقف يكاد رأسك يصل إلى السقف، ومما ظهر بعد حين ان هذه الغرفة ذات السقف المنخفض جداً هي مكان جلوس الشيخ اية الله العظمى بشير النجفي ( حفظه الله). وهي والصالة الاخرى مكان الصلاة للجماعة. لما حضر الشيخ من مكان أخر سلم على الجميع وجلس في مكان اشبه بالزاوية بالقرب من مكتبة خشبية بسيطة تحوي على بعض الكتب، بعد ان سلم على الجميع جلس ورفع يَدَاه وبدأ بالدعاء للحاضرين بكل أنواع الكلمات الجميلة والمباركة، يدعوا للحاضرين والغائبين ولكل البشر بالتوفيق والسداد ومما تلاحظه عليه. كلما يذكر الحسين عليه السّلام يعتصره البكاء وينخفض صوته ويتغير.
تكلم بعض الْكَلام ونصح الجميع في كل كلمة كان يقولها تجد فيها كلمات مفتاحية لفقه محمد وال محمد. تلحظ فيها الرحمة والأمان.
عندما رام بالقيام ليستعد لصلاة الظّهر وغادرنا كان يقول ( انا خادمٌ لشيعة عليّ، انا خادمٌ لكم).
مرجعٌ وفقيه وعلى مستوى من الأهمية تجده وتجدهم جميعهم بهذه الروحية والنقاء.
بحق ان تأريخ عليّ وابناءه المعصومين عليهم السّلام يتجدد بالحوزة العلميّة المباركة على أيدي كرامٍ بررة، متأخرين منهم رحمهم الله واعلى الله مقامهم. قرأنا سيرهم واذهلونا في ورعهم وزهدهم وتمثيلهم خير تمثيل لخط ال البيت، ومعاصرين منهم وقفنا شهوداً للعصر علَى حياتهم وبساطتها ومساكنهم وطهارتها ووجوههم ونورانيتها، لتستمر الرسالةَ بمثل هؤلاء العِظام المكرمين، هم من مثل خير تمثيل زهد ال البيت والمعصومين عليهم السّلام، وهم بحق الوريث الشرعي والروحي والوجداني الانسب والأقدس لمذهب التشيّع.
لم اقصد الحصر في المراجع الثّلاثة العِظام حفظهم وسددهم الله في كل لحظة. بل قصدتهم كعينة عن أمثالهم من المراجع الحقيقيين الآخَرين اينما كَانُوا وكتبت ما شاهدته من خلال زيارتي. فإنهم بحق عمادٌ لهذه الأرض وتوازنٌ لها، حيثما تجد آثار عليّ عليه السلام في التأريخ تلمسها بالزهد والورع التواضع والعلم والعبادة والقداسة عند هؤلاء. لذلك يطلق عليهم ” بالمرجعية”
هي فعلاً مرجعيّة؛ ليست مرجعيّة مسائل واجوبة فقهية فحسب.
انها ليست مرجعيةً من ورق!
هي مرجعية سيرة الأولين المقدسين في وجوههم وكلامهم واعمالهم،تلاحظ بلا ادنى شك صوتاً غريباً ليس مثل أصواتنا عندما يهموا بالدعاء لك وللأمة،تشعر باتصاله المباشر مع السماء. صوتاً تشعر امتداده بعلي عليه السّلام وبالحكمة وبالله جل وعلى. لما يقوموا للصلاة ويصلون، شَيْء غريب يتميز به “المرجع الحقيقي”، يختلف عن المدعي للمرجعيَّة، لديه صوت قريب في نداءه الى السماء، شيء تشعر به وتحسه يخرج من الوجدان الى الذات المقدسة، تسأل نفسك هذا وكيل المعصوم وشبيهه، إذن كيف يكون المعصوم ؟ سلام الله عليْه.
أنت تأمن في وجهه وتلمح الرَّحمة، تغور في سبر نوره لتلاحظ عينه تنطق الحكمة قبل فمه، يكادُ سنا نوره من أثر الإخلاص والعبادة أن يخطف قلبَك وتلوذ بالصمت الرهيب لتختار بارادتك خيار الانصات والتأمل في وجهه فحسب.
تتيقن ان المَرجِعية الحقة هي خط علي وال بيته الممتد الذي حمّله هؤلآء الصالحين المقدسين، انهم مقدسون بحق،لما تلاحظه عليهم من ملائكية، وكيف افنوا أعمارهم با الزهد. وهذه البساطة وهذا النقاء وهذه العبادة لله تعالى، لا طلباً في الجاه ولا في الدّولة ولا في الوزارات وَلا في أبسط معالم الدُنيا الَتِي لم الاحظها في حياتهم.
حفظ الله المَرجِعية الرشيدة وسدد خطاها