كانت العشائر التلعفرية التركمانية على موعد مع قدر قاس ينتظرهم يوم 30/4/2016 ذلك التاريخ الذي من الصعوبة بمكان نسيانه ولو لوهلة من الوقت فقد تجمعوا على قارعة الخط السريع الرابط بين محافظتي كربلاء والنجف المقدستين وامام الحسينيات التي يقطونها وهم يزفون الملازم أول الشاب ” حبيب حميد علي الياس البياتي ” آمر سرية ” سوات تلعفر ” الذي لم يتجاوز العقد الثالث من العمر استشهد بقاطع جبال مكحول بعد معركة شرسة مع داعش الارهابي استمرت لمدة خمس ساعات متواصلة غاب عنها الغطاء الجوي لأسباب مجهولة !!
يقول جلا وعلا في محكم كتابه العزيز ” ولا تبخسوا الناس أشياءهم ” فقد أرتينأ ان نستعرض بنبذة مؤجزة عن حياته وبعضاً من بطولاته القتالية في ساحات الوغى مع ثلة من رفاقه الابطال الاشاوس .
بعد سقوط النظام المباد في عام 2003 سيطرت القاعدة على محافظة نينوى وقضاء تلعفر وعاثت في الارض فسادا وظهرالقتل على الهوية والمفخخات والاحزمة الناسفة والعبوات وغيرها من الوسائل الاجرامية الدنيئة مما حذا بهذا الشاب الشهم وهو في الثانية والعشرين من عمره الالتحاق بالأجهزة الأمنية بدافع حماية وطنه ومدينته التي لم يكن يمر يوم إلا وتشهد تفجيراً هنا أو هناك ، وبعد أن برزت فيه صفات الشجاعة والتضحية والقيادة والحكمة تم تشكيل قوة خاصة تحت أمرته سميت بـ”سوات تلعفر”.
بدأت هذه القوات مهامها القتالية بداخل محافظة نينوى وخارجها وبمهمات صعبة تنفذ وبنجاح ساحق وبأقل الخسائر ، إذ لم تسجل في تاريخ هذه القوات أية انتكاسة أو اخفاق مما يدل على حنكة وقدرة قائدها قياساً بعمره الصغير وخبرته في المعارك العسكرية التي كانوا يخضونها مع الارهاب الدامي بكافه انواعه .
بعد ان افل نجمه وذاع صيته ونال ثناءً وتقديراً كبيرا من جميع القادة والضباط الذين اشرفوا عليه وتعاملوا معه ، عمل تنظيم القاعدة كمينا له بعد أن شنواً هجوماً على حي القادسية بتلعفر في عام 2006 ولكنه نجا منها وصدوا الهجوم عن الحي بكل بسالة وبطولة على الرغم من اصابته بالمعركة وبتر مشط قدمه الايمن وبنسبة عجز 90% حسب التقرير الطبي من وزارة الصحة العراقية ولكنه لم يتوانى عن الدفاع عن المدينة ولو لبرهة من الوقت .
لم يستكن تنظيم القاعدة ولم يهدأ لهم بال بل ظلوا يتحينون الفرص تلو الأخر للنيل من هذا القائد المبدع إذ نفذوا ما يفوق أثني واربعين عملية انتحارية ضد قوات سوات تلعفر وبالتحديد ضد الملازم حبيب آمر الفرقة .
كان الشهيد بدورة تدريبية بالعاصمة بغداد يوم سقوط مدينة الموصل عام 2014 ولكنه عاد الى مدينته للدفاع عنها ضد تنظيم داعش وظل يقاتل حتى تلقى اوامر من القيادات العليا بالانسحاب والتحصن داخل مطار تلعفر بعد خذلانه من قبل الخونة والمتأمرين على تسليم تلعفر لقمة سائغة لداعش ولم يبق معه الا بعدد اصابع اليد لا يتجاوز سبعة اشخاص يقاتلون بضراوة في المطار حتى نفدت أسلحتهم وعتادهم ..
بعد استيلاء عصابات داعش على مدينة تلعفر قاموا بتفجير بيته ، ما يؤكد مدى حقدهم الدفين والبطولات الكبيرة التي سطرها ذلك العملاق ضدهم، بل أن التنظيم الارهابي كان قد سمى عمليات احتلاله لمدن نينوى بعمليات “ابي عبد الرحمن البيلاوي” احد قياداته البارزة والتي أذاقها شهيدنا الراحل وقوته في “سوات تلعفر” الموت غصة غصة قبل أسبوعين من سقوط الموصل.
وما أن غادر تلعفر حتى اتجه إلى بيجي مباشرة حيث كانت القوات الأمنية في مواجهات شرسة مع تنظيم داعش الإرهابي، وصمد مع قواته حتى تمّ تحرير بيجي بالكامل ، وقد اشاد ببسالتهم وصمودهم فيها محافظ صلاح الدين السيد رائد الجبوري بتصريح لقناة العراقية الفضائية ” لن تسقط مدينة بيجي بيد داعش ما دام قوات سوات تلعفر فيها بآمرة قائدهم ” ملازم أول حبيب البياتي ” ونالوا مكرمة من قائد قوات الرد السريع على هذه البسالة والجود بالنفس غاية الجود فضلاً عن مشاركتم بعمليات تحرير تكريت والصينية وغيرها من قطعات القتال المختلفة .
ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه فقد شاءت القدرة الهية ان تجازية على صبره وثباته في الدفاع عن عراق المقدسات وفي صبيحة 30 نيسان 2016 صعدت روحه الطاهرة إلى بارئها في مشهد كان يتمناه، واختلط دمه بتراب بقعة تبعد مئات الكيلو مترات عن مدينته التي كان أملنا جميعا أن يكون تحريرها على يديه.
وكان أخر كلمة قالها : ” اعلموا أن عزرائيل لا يجامل الخلق فعليكم بالتوجه إلى السواتر الأمامية” .