– لجنة إقرار الدراسات والبحوث – برآسة الاستاذ عبد الرحمن الصوفي
(4)
تصدر جنس بيني جديد بعنوان / المقطوعة السردية / ابتكار
مقدمة :
انطلاقاً من حركة التصحيح والتجديد والحفاظ على التراث الأدبي الرصين وعودة الجنس العربي الانيق ، أقدّم مشروعي هذا لشرعنة جنس أدبي جديد, أسميته / المقطوعة السردية/. لذا أضع بحثي المتواضع بين أيد أمينة, أيادي اللجنة الموقرة لدراسته وإقراره ، و وضعه كجنس أدبي بيني مستحدث أو جديد, ومن الله التوفيق . تم ارفاق ثلاثة امثلة من المقاطع السردية لاطلاع اعضاء اللجنة الموقرة عليها لإعطاء ملاحظاتهم بشكل تطبيقي حسب معطيات النظرية الذرائعية….
الحدود الجنسية للمقطوعة السردية :
الاسم : ارتأيت أن يكون اسم هذا الجنس المقطوعة أو المقطوعة السردية, لكونه مقطوعة متماسكة سردياً من حيث تعشيق المفردات بشكل جمالي يبرز صوراً متلاحقة .
أُخذ هذا الجنس كفرع مستقل من القص القصير, باختلاف بنائي, حيث أنه يجمع بين الخاطرة والقص .
يختفي في هذا الجنس البناء الفني, ويكون اختفاؤه متعمَّداً, حيث يذوب بشكل مُعشَّق بين جمل النص.
يمتاز هذا النص بتوالد متتالٍ للصور الجمالية والمعاني والأفكار بمجرى منسّق مدروس.
يمتاز هذا الجنس بارتفاع نسبي للبناء الجمالي, حيث يصل إلى نسبة %90
وأكثر بانزياح نحو الخيال والرمز.
يعتمد هذا الجنس على التعبير المفرداتي(الكلامي) أكثر من التعبير(الشخصيات ), بل تفهم الشخصنة من خلال صراع شفيف يظهره الجريان المنتظم الداخلي في ذهن الكاتب Stream of consciousness.
يعتمد هذا الجنس على مطلع مقالي ينضوي تحت نظرية الفن للفن ( الأدب للأدب), أي تقوم المفردات بواجب الصراع المفترض فوق ديباجة النص بشكل مخبوء وظاهر شفيف, وتُحسب كأنها صراع درامي بين شخصيات, هذه الشخصيات غير موجودة في الحقيقة وإنما تتجلى بتلميحات سردية ( فانتازيا).
يميل بشكل عميق وليس إخباري نحو الخاطرة, وبنهاية قص, يستطيع الكاتب أن يخلق لوحة أو مقطوعة موسيقية بالكلمات, وينهيها بضربة فرشاة, أو بضربة نغم.
الأمثلة:المقطوعة السردية
تــيه في عينيها …
عبد الرزاق عوده الغالبي
تسنّم الليل هامتها عباءةً، جاهداً في إخفاء ما أبدع الله، وما يؤسر النفس يناظر المألوف بحتمية الجمال ووقاحة العشق, و يبرز من وراء العتمة قسراً شماتة بخيبة الليل وعجزه حين أعلن انكساره عن إخفاء النور, رغم ركوبه العناد حصاناً والهواء سيفاً والحب جهاداً, ومع ذلك كله أخذ شهيداً حين غرة وأريق إحساسه بين محراب عينيها المتشاطئتين، يتنمّر الريح وتستأسد الأشجار لكي تطرد بقسوة وخباثة ليل العباءة الرابض فوق قيم الجمال، ولو عن جزء من قمرها المبدر حتى تضيء الدنيا وتنكشف الأسرار، ويتسارع العشاق بالنفور والاختباء, كل خلف قفاه أو أصبعه… وهذا لؤم يستيقظ ليساند الخبث والوشاية والشماتة….يقال – والعهدة على الراوي- القمر، بجلالة قدره، واشٍ و نمام ولئيم وشامت حين يكشف خبايا ليل العشاق بنوره، وأكثرهم يفضله هلالاً أو ينحسر…..؟!
تتحرك غيمة بيضاء بغنج و دلال وهي تلاطف الضوء كي تخفي ما بان منه في زرقة السماء الصافية, ويفرض برادوكس الألوان انتصاره البهي، حتى يأخذ الهوس مكانه من الصراع المبتّل بندى الزهور وعبق الفجر المتحرك نحو الصباح, بحركة توّاقة متسارعة شوقاً إلى خيوط الشمس التي تهمّ بالنهوض من رقادها متكاسلة وهي تتثاءب بنحول، تستبشر الزهورُ والأوراقُ استهلالَ الخيرِ كي يمنحها فسحةً كافية لترتدي أطواق الجمال الرباني القادم من وجنتيها تحت تجوال خيوط الشمس الذهبية, وأسمح لوقاحتي بمهادنةِ الموقف, وأنسلّ بهدوء خلف أخيلتي أمرِّغ مقلي في ثرائها الثر, وأكتوي بنارها المثلجة، الكامنة تحت الرماد، أرفع رأسي في أفق السحر لأستوضح ما يحدث, وأجد نفسي سابحاً في أديمه وغيوم الأحاسيس المتناثرة هنا وهناك, وأتحرك بأثيرها وكأنّ أجنحة تأبطت خواصري وحملتني طائراً نحو احمرار الشفق حين بان, وكأنه سيف تعب قد عاد من حرب ضروس خاسرة, وهو يتستّر بغمده كي يخفي نار الهزيمة وعار الفشل….. و يطوّق كلَّ شيء حمرةٌ تعاند الشفاه لثغر عروس لا تحسن التبرج…!
مضغةٌ من بريق تنعكس من وجهها البدري تجاري الشمس بهاءاَ تدفعني بقوة نحو قدرة الخالق في خلقه هذا المخلوق, وأنا أتمتم وأهمهم دون شعور:
–” يا لخالقها من مهندس ماهر…..!؟”
وتداخلت الأفكار في مخيلتي المثقلة, وبدأت تتصارع وتماطل بعضها البعض حتى أصبحتْ عبئاً ثقيلاً على عقلي, حين استعرضتُ كل حقد الدنيا وكأن ثأراً بين أفكاري وأحلامي اليقظة…. أظنّ بسوساً كونية قد استوت على مسالك الموقف واستولت على نواصي الأحاسيس ودقّت إسفيناً بين الوعي والخيال, كي أبقى شارداً كما أنا، حتى لاح في أفق فكري هِنّة من ضياع بين شتات نفسي المبعثرة حين داعبت نسمة عابرة أذني, ولفح عبقها الأسطوري أنفي, فتهت قليلاً بين أثير العبق ونعومة النسيم ونسيت بسوسي قليلاً … و صحوت من غفلتي…! بحثت عن نفسي الضائعة، إبرة تحت قش عثرت عليها، آخر نفس، غارقة في فوضى عارمة من الانبهار …. بدأت أتلفت حولي كمجنون تائه …..أتساءل بغباوة وتيه :
-” من أنا…. أين أنا …!؟”
خرس اللسان وباع الكلام ونضبت الأجوبة بغيابي أنا ….أنا ليس أنا، أنا لست هناك…! حتى وإن كنت، كتلة من حواس غارقة في أديم السحر، بعيدة عن الوعي تماماً، منشغلة بطوفان الألوان والعبق الذي يغطي الأرجاء…! …أثير لا يشبه الواقع ولا الخيال…شيء غريب يخطو قليلاً نحو النشوة والتلذذ، أخال نفسي تارة وهي تمصمص أصابعي وأخرى شفتي…..!…تمنيت بعمق ودناءة بشرية أن تطول غفلتي تلك وأنفلت كلياً من زمام اليقظة، حين سحبتني هذه المرة وبقوة موجات الطوفان نحو الوعي الكامل, و عنّفتني جميع أعضائي بشدة … إلا حواسي اللعينة فلا تزال تسبح بالنشوى والخيال بعهر ووقاحة آدمية …!؟
خجلت أن لمحت أعضائي وشتات أفكاري و حتى ضميري المزعج, وهي تنظر نحوي بعيون تكاد تفرّ من محاجرها، وجوه تملؤها علامات الاستفهام والترقب, فجمعت أوصال شتاتي وأجزاء شجاعتي الإنسانية المبعثرة فوق جدران وباحات مخيلتي، أصبو العودة نحو هيبتي لكي أصحو من طمعي الدنيوي هذا، بدأت حواسي تستيقظ وتتسارع وتحث بعضها البعض على النهوض تحت ضربات أعضائي المتناثرة, والتي لا تزال تحت ثقل التأثير السحري، تقدمتُ خطوات نحوها وأنا أضع كفي أمام وجهي لأستر قليلاً شدة الضوء القادم من شمس محياها المشرق, وعيناي نصف مفتوحة فهي لا تقوى على مجاراة النور الصاخب القادم من شعلتيها بجسارة، ارتطمت قدمي بشيء منها فأدركت أني في دائرة الخطر حين دق ناقوس الوصول وهتفت جميع حواسي بالانتصار …..مددت يدي حتى لامست أصابعي حريراً وبدء السحر يسري في جسدي تياراً مكهرباً، صُعِقتُ، وانزلق الواقع مني من جديد……
بقايا من ذكريات
عبد الرزاق عوده الغالبي
تتهامس الأسارير وتستبشر الأعضاء حين تعود ذاكرتي فرحة تقلب صفحات من سنوات العمر الهاربة تجاه الأعماق، تتسع مساحات الابتسام و السعادة وتخطو ذاكرتي نحو أيام العز والخير فيتجمّد الإحساس فوق وسادة الزمن النائم في أحضان الماضي وهو ينظر إعجاباً, ويفرد أصابعَه معي ليعد دقائق أيام نابضة بالحب والخير والعرى الثقيلة التي مسحت من عصر الانهيار المصبوغ بلون ساكنيه وطباعهم المتقلبة، فيحمرّ تارة نحو الدم ويصفرّ أخرى نحو زعاف السم، اقتضب سفري في النزول حين لمحت مخيلتي صفحة عند قاع الذكريات مُعَلَّمة بخصوصية مفرطة, أثارت الحفيظة في جميع مكونات عقلي المنغلق عليها بحرص شديد في زاوية خاصة من زوايا هذا السجل العملاق، تغطي فترة خضراء من عمر تخطّى ركام الخمسين، توقّف الزمن عندها باحترام وصمت في محراب استهلال العمر، صفحة بيضاء نقية من شروطه وهذاره المقيت، استثار ذاكرتي حماساً مخضراً بالنشاط و حيوية التحليق بدقائقها من جديد بعيون مفتوحة انبهاراً وبحثاً في صفحاتها المشرقة عن ومضة من سعادة هنا وهناك, و نكزتني واحدة بوقاحة…!
ترتدي دوماً مدينتي سماء زرقاء تعاند صفحة الفرات الصافية الطافحة بالخير، لوحة متخمة بألوان زاهية تحاكي الطبيعة جمالاً، تتراقص صفوف النخيل عليها وكأنها مغروسة فوق وجه الماء المزجج، انعكاس حي لجمال نشط مشرئب الأعناق بريشة رسام بارع لا زال يضع اللمسات الأخيرة من ألوان الطبيعة الضاحكة والمثقلة بالبهجة حين يخلطها ببراعة والفرح والسعادة و الانبهار معاً، ليسرق العقول بلون أسطوري جذاب، يؤطِّر تلك اللوحة السرمدية، يهرع أبناء المحلة ليحتل كلّ مكانه منها أي مساء، ويتحرك كورنيش الفرات الرطب كرطوبة الرطب البرحي وحلاوة الكنطار الجنوبي مع أمل مؤكد بصيد وفير من سمك طازج، بني وكطان وشبوط تتطلّع إليه مواقيد النار المنتظرة صبراً وتوقاً في بيوت الأهل السعيدة، عشاءاً يطرد الشر والهم والكرب وتعب الكفاح اليومي, ويبهج الأسارير تحت نسمات الغروب المتجه نحو الليل المضيء ببشارات اللذة الذائبة في الأفواه المحملة بالأنغام و الشعر وعسل الكلام ومذاق الطعام اللذيذ فوق مائدة الله…
أرادها الله قلوباً عامرةً بالحب فهو يشاركها البهجة بكرمه اللامحدود حين يقذف الرزق نحوها بشكل عفوي غير محسوب من سنارة أو شبك صيد أو ثمر نخلة أو حقل بعيد عن السواد في الكسب، قوت يوم يكفي ويزيد حين كانت القناعة فينا كنزاً لا يفنى ولا ينضب، وتُقبَّل الكفوف وجهاً وقفاً، أخطو نحو السابعة في طرق الخمسينات، وأنا أرافق أخي الكبير أحمل سنارة الصيد وسلة من خوص نخلة منزلنا الباسقة وهي لا تزال شامخة، فسائلها ورثت بستاناً عامراً بالبواسق يظلل محلتنا حد الساعة، أضع فيها صيد رزقنا المنتظر والمؤكد بطيبة النفس وصفاء السريرة، نأخذ مكاناً منزوياً فوق لوحة الفرات العامرة بالحركة المعطرة بعبق الرزق الزكي ومتعة الصيد الحلال، بين نسمات المساء الفراتية الهادئة حين تتعشّق مع الصدور النظيفة والمترعة بالحب تحت ضوء القمر، يقال -والعهدة على الراوي – أن السمك يعشق ضوء القمر فيتكاتف في بقع الضوء الفضية ويسهل صيده في الأيام المقمرة وخصوصاً وقت العشاء وفي الساعات الأولى من الليل!؟ وتهزّ السمكة الأولى سنارتنا وتهتز معها قلوبنا فرحاً وغبطةً، طفلة سمك، صغيرة الحجم لا تتحمل نار الشواء ولا تسدّ رمق، أفلتها من السنارة وأقذفها في النهر تحت ضحكات محملة بالسعادة والرجاء بصيد جديد، وتأتي الأخرى بعد دقائق وكأننا ننتقي صيدنا من حوض جاهز مليء بالسمك، هذه المرة كبيرة تغطي العشاء لعائلتنا وحصة الجيران وتفيض عنها، ويحضر الرضا الموقف ونتجه نحو المنزل بقناعة الغنى ونحن نعوم بموجات من الفرح والغبطة.
وتبدأ رحلة أمي وتنورها، الشخصية الطينية الشامخة بكبرياء في زاوية خاصة من ساحة البيت الوسطى هو مشهد سومري مألوف في بيوتنا الخمسينية، منصب مرموق ومكانة راقية تحسده عليها جميع قطع الأثاث في البيت, وتنظر إليه بعين الغضب والغيرة، وتبدأ رائحة الخبز والشواء وعبق الرزق وصوت غناء التنور مع صفق الأرغفة بين يديها الخيّرَتين وكأنّها تصفّق فرحاً لهدف مدريدي …. ويتناغم مرأى دخان الشاي ورائحه خدره الجسرة في ساحة البيت المفتوحة مباشرة نحو السماء الصافية، يبدأ العشاء في هذا المشهد البهي تحت ضوء الفانوس والقمر والنجوم التي نعدّها أنا وأخوتي بعد العشاء مباشرة، أيهما يعدّ أكثر نجوماً هو الفائز، وتستمرّ تلك اللعبة حتى يغفو آخر طفل فينا، تحمله أمي نحو فراشه في جو عذري هادئ رطب خال من دخان العجلات وأصوات المراوح وأجهزة التبريد، حياة هانئة مختزلة مبسطة بحب الله والناس، تملؤها العفوية والصدق والبراءة والعلائق الراقية…..وشتان ما بين الأمس واليوم……
العشق الرقمي
عبد الرزاق عوده الغالبي
نوارس من غيوم تتناثر هنا وهناك فوق بساط أزرق مختوم بمصابيح بيضاء تتدلى من سقف قاعة رياضية أو ملعب كرة قدم، الكلّ يعدو وبكل الاتجاهات خلف سراب ودون بوصلة يقال عنه المستقبل، و منهم من وسمه بالنجاح، وبساط أخضر يمتد من تحت أقدامي نحو مصير مغلق النهايات في زحام سنوات العمر….وقعت وأنا أجري ولكن ليس ككل المرات، بدأت أبحث عن ذاتي برأس قلمي الخجل المكسور في حربه الخاسرة وحتى قبل أن تدور رحاها…. أربعة عقود ولاح جلالها بعد انتظار طويل، هيفاء…. صورة مرسومة بحرفنة فوق جدار الخيال ويقال أنه الواقع….أنّى يكون كذلك ….أنا لم آلف واقعاً كهذا من قبل …جبروت من نفي…لاءات كبيرة، تمسك مستقيماً في بوابة الغرابة بجزء من حقيقة تنتحر بين حروف ضائعة، و آهات تتبعها دوماً هاءات متكررة … برادوكس أزلي …مغري مبهر……
مرة حلمت أن أجد أخرى على ورق أبيض …….كينونة من أرقام بين طيات أثير تكتنفه هالة من ألوان وكلمتين…..وتقف صامتة أمام بوابات الشرع والقانون و مقصد، تحفر في ذاكرتي معاولاً، تمزّقني فوق صورة بلا حجاب…وأنا واجم مبهور، استهلالاً أجد نفسي رخيصاً, وأخرى فوق سحابة تأخذني عميقاً في دهاليز الكبرياء نحو سابع أرض، حتى صرت شمعة انطفأت بين عميان…. بسوساً تتجدد فوق ذراعي، أن يرسمها القدر بقلم رصاص أو عدسة أو عين موبايل وقح، و تمرّ بين أثير الله ملايين منها, إلّا في بابي تتحجّر كلّ تماثيل العظماء….ويتوالد المحال شعوباً وقبائل…… هو الحظ الأخضر أو نصيب تائه في ساحات التحفّظ والتطفّل…..انسحبت بنصف خسائر, وتوجّهت نحو نفسي وأنا أعرف أنها نفسي…..
مسكت بتلابيبي وبدأت أصرخ في وجهي حتى كدت أقع على الأرض حنقاً وغضباً….فلا أريد أن أخسر حربي وأنا أعرف، لا في الحرب من رابح… هل تقف النفس في طابور الصبر والانتظار ….؟… أليس هو جرح بليغ في خاصرتي.. أن يكون البعيد فوق قارّات الله قريباً بين العينين والحاجبين…..سكناً دائماً….
تكسّرت كلُّ الأقلام فوق دفاتري، وتبعثرت كلُّ أوراق الكون فوق مقاصدي، غريب في العين حبيب في القلم، نهر في القلب يروي عطش العشق، أملكها و أحتل صدرها قلبين وعقلها عقلين نأى جسدها عنها وتاه في خيالي حلماً وردياً يسكن جناتي، قلم لا ينضب حبره، رسام ماهر، يستعطفني أحياناً ويستلطفني أخرى، يرسمها لي بأبهى صورة وشكل، طفلة تلعب فوق صدري برجل واحدة، تتهجأ اسمي بنبرات ضحكتها المكتوبة، ترفس في خاصرتي بعنف…احتجزتني في مصباح علاء الدين مارداً خجولاً، سدّت كلّ منافذ المصباح عنّي إلّا من بصيص ضوء أحمر محجّب اختفى خلف زجاج مظلم…
تيه في زحام آمال مائتة سلفاً، أحياناً بين أهرامات مصر تائهاً فوق بعير, و أخرى في باب السيدة زينب أبحث عن أمل و عن سكين أذبح أحلامي، أو غافياً على ضفّة الفرات اليسرى تحت باسقة، أسألها بكبرياء …هل رأيت مدلّلتي….؟… تضحك نخلتي حتى تكاد تنقلب على قفاها….تلتفت وهي تأخذ نفساً عميقاً وكأنها تشم عبير عنبر ورطباً وعبقاً فردوسياً عميقاً ….أرفع رأسي ويبدأ سفري غياباً في عالم ملون عجيب، نصفه محجوب عني، أسرار شهريار بين شفاه ثغر شهرزاد الأسطوري يخفي صفين من لؤلؤ فوق مدن الجمال وأروقة الانبهار، أحلّق طيراً في سموات لا أعلم، أتنقّل بين أناس لا أعرف، أتّبع خيطاً من نور يخرج من مقل تسحر، التصق فوق لساني سؤال يدفعني بعنف يصرخ في أذني ” إلى أين؟” ألتفت كالمخبول وأتابع السير ولا أزال ملتصقاً في ذاك الغربال المؤسر…..!
وتعود نوارس الغيوم تتكاثف في السماء, وتخلق رعباً في جسدي الخادر في المشهد، دقّات كالرّعد، ضربات كالطّبل … حروباً بين ملائكة الخير والشر…. طير لا أفقه ما يجري، كسر جناحي انفلت زمامي…..أسقط فوق صورتها كياناً رقمياً…..تتلقّفني عيناها وتلفّني أرقاماً فردية وأضيع بين طيات حجابها صفراً وإلى الأبد…….
لجنة إقرار الدراسات والبحوث
برآسة الأستاذ عبد الرحمن الصوفي
1-الكتورة كريمة رحالي ………… المغرب
2-الأستاذ عبد الرحمن الصوفي….. المغرب
3-الأستاذة ناديا صمدي………….. المغرب
4-الأستاذ محمد الطايغ…………… المغرب
5-الأستاذ مراد دروزي……………. المغرب
6-الأستاذة مجيدة السباعي……….. المغرب
7-الأستاذ محمد لطفي…………….. المغرب
8-الأستاذة سميرة شرف السباعي… المغرب
9-الأستاذة شامة المؤذن………….ز المغرب
10-الأستاذ سعيد نعانع…………… المغرب
11-الأستاذة ابتسام الخميري…….. تونس
آراء اللجنة في المقطوعة السردية
1-رأي الدكتورة كريمة رحالي/ المغرب :
أولاً وقبل كل شيء يشرفني أن أكون عضوة مع نخبة من الأساتذة الأجلّاء لتقديم ملاحظاتي الأولية حول فن أدبي جديد. ويشرفني أكثر لكوني قارئة لعمل جليل لأستاذنا عبد الرزاق الذي نحييه على كل خطوة من خطواته الإيجابية التي ساهمت في النهوض بالأدب العربي المعاصر. وعند تتبعي للمقطوعة -والتي أجهل الكثير عنها كجنس أدبي مستحدث- ونحن نعلم جيدًا أن كل جديد أدبي يحدث ثورة قلبًا وقالبًا. وأنا لم أشأ أن أخضع ملاحظاتي للبحث والتوسع لأنني ارتأيت أن أسجل انطباعاتي المباشرة للعمل كقارئة جديدة له والتي أجملها فيما يلي:
1-من حيث الشكل:
*لوحة سردية موسيقية.
*جمعت بين الخاطرة والقص.
*وجود عنصر الاستطراد الإيجابي في غياب البناء الفني. يتنقل فيه المبدع بانسيابية وينقل معه القارئ.
*هيمنة الوصف التجريدي والتجسيدي.
*التكثيف الرمزي وهيمنة الانزياحات.
*التركيز على جمالية اللغة والتصوير.
*المزاوجة بين الأسلوب الإنشائي والخبري.الأول يكشف عن انفعالات صاحب المقطوعة والثاني يكشف لنا معطيات واقعية مخبوءة .
2-على مستوى المضمون:
*تناول تجربة الغربة, غربة الذات في الكون والزمان والمكان.
*تعبير الذات عن مشاعرها ومواقفها من نفسها ومن العالم الخارجي.
*الجمع بين الهموم الذاتية والجماعية.
*تناول جدلية الصراع بين القديم والجديد وموقع الذات العربية بينهما.
استنتاج:
هذا المولود الجديد وجد فيه المبدع ضالته واستجاب لرغباته وطموحاته حيث فتح له مجال الحرية ليطلق العنان لقلمه ويعبر عن نفسه وواقعه بكل طلاقة, إلّا
أنني أرى أنه سيخلق أزمة تواصل بينه وبين القارئ العادي, بمعنى أنه موجّه إلى فئة معينة من القراء, فئة تستطيع استجلاء مخبوءاته لأنه غني بالإيحاءات وغارق في الرمزية, خصوصًا ونحن نعيش في عالمنا العربي أزمة القراءة. إلا أنني أراه -من زاوية أخرى- أنه عمل سيرفع من مستوى القارئ وسيشركه في العملية الإبداعية عن طريق البحث عن معانيه وأفكاره العميقة و فك رموزه.ويبقى الجديد ظاهرة ملفتة سيخلق جدلًا و سيحرك الأقلام لدراسته وإخضاعه للنقد والتحليل.
وشكرًا للكتور الغالبي المحترم على هذا النبوغ الأدبي الذي يجعلنا نفتخر بك وشكرًا أيضًا لأستاذنا عبد الرحمن الصوفي على منحه لنا هذه الفرصة الثمينة للخوض في مناقشات علمية التى لا شك ستكون استفادتنا منها كبيرة جدًا.لكما مني ألف تحية عطرة ولجميع الأساتذة الأعضاء.
2-رأي الأستاذ عبدالرحمن صوفي/ المغرب:
السلام على كل أخواننا وأخواتنا في اللجنة العلمية
لقد عرض على اللجنة العلمية لإقرار الدراسات التابع لحركة التصحيح والتجديد والابتكار جنس أدبي جديد أسماه صاحبه الدكتور عبدالرزاق عودة الغالبي ب….المقطوعة السردية… ..كجنس أدبي مستحدث، ومن خلال قراءتنا للنماذج المرفقة وتأنّي في إنتاج الرأي تبين لنا ما يلي :
1-ميل المقطوعة السردية إلى الخاطرة، وليس من الخاطرة وأنواعها سواء الخاطرة الطويلة أو الخاطرة المتوسطة أوالخاطرة أو القصيرة أو الخاطرة المموسقة .
2-تميل المقطوعة السردية إلى القص وليست من أنواع القص بكل أشكاله .
3- العمق على المستوى المضمون.
4- تبدأ المقطوعة السردية بالأسلوب البنائي للخاطرة ..وتنتهي بأسلوب القص …
5- المفردات والألفاظ هي المحركة للصراع الداخلي للمقطوعة ..
6- تعبير متمحور بدرجة كبيرة حول المفردات أكثر من التركيز على التمحور حول الشخصيات النصية .
7-تميل المقطوعة السردية نحو الانزياح والخيال والرمز …
8- نلاحظ أن الصور والمعاني تأخذ صبغة التتالي .
9- بناء المقطوعة السردية مختلف كل الاختلاف عن الخاطرة والقصة.
10- سرد صبغته التماسك والحبك..
فمن خلال ملاحظاتي أقر المقطوعة السردية كجنس بيني ( بين الخاطرة والقصة ) من ابتكار عبدالرزاق عودة الغالبي .
اللجنة العلمية لإقرار الدراسات التابع لحركة التصحيح والتجديد في الابتكار في الأدب العربي
عبدالرحمان الصوفي
المغرب
3-رأي الأستاذة نادية صمدي / المغرب:
السلام عليكم…بدوري أتقدم إلى الدكتور عبد الرزاق الغالبي المبدع صاحب الفضل بعد الله عز وجل بكامل امتناني له..فقد أحدث لي زوبعة ذهنية جعلتني أنفض الغبار عن قلمي ليسطر بوضوح لمسار أدبي جديد وجدنا فيه ضالتنا..صراحة رغم أني دارسة للأدب العربي فما كان يروقني النقد الأدبي والنظريات النقدية الغربية المعروفة .. لكن وبعد أن تعرفت على النظرية الذرائعية العربية التطبيقية والتي تهدف إلى دراسة النص الرصين واستجلاء ذرره القيمية شغفت بهذه الخطوة المباركة والله المستعان..
قرأت المقطوعة السردية كما يحلو للدكتور أن يسميها..وشرف لي أن أقرأ لعملاق أدبي فذ… وأول ماتبادر إلى ذهني سؤالين …لماذا؟ ولمن؟
لماذا هذا الجنس الأدبي الجديد؟ولمن نكتبه أو من المتلقي الذي سيستهويه هذا الجنس الجديد ؟
لن أتحدث عنه من حيث الشكل/القالب.. أوالمضمون / المحتوى.فقد وفى الدكتور في مقدمته وعرف الدكتور بهذا الجنس الوليد الذي يتموقع بين الخاطرة والقص..وتتوالد فيه الصور الجمالية كمن ينظر إلى لوحة تشكيلية متداخلة الألوان يحاول أن يفك شفرتها ويقرأ دواخلها..تصوير لواقع بانزياحات خيالية مكثفة ورموز ودلالات وتجريدات .. فكأنك تسافر بعيدًا, وتفصل جسدك عن روحك, فتحلق بهذه الأخيرة إلى أفق الخيال الواسع بكل حرية وأريحية..
أرجع لأطرح السؤال من جديد ..لماذا هذا اللون الجديد؟ هل للاستمتاع والترفيه فقط ..أم لتخليص الذهن من وطأة الواقع المرير فنحرره فترات وكأنه في رياضة ذهنية..وسؤالي الثاني لمن نكتب هذا اللون الجديد؟ هل لعامة القراء ولا أظن ذلك..هل للناشئة الشباب وأغلبهم لا تغريه الكتابات التي تنزاح نحو الخيال والرمز التي تتعب مخيلته وهو الذي اعتاد مع التيكنولوحيا الحديثة على الموجود في الحقيقة وفي الواقع…
إنما هو جنس أدبي جديد يغري محبي الحرف ..محبي الأدب بقراءته والاستمتاع به..
شخصيًا راقني كثيرًا…
4-رأي الأستاذ محمد الطايع/ المغرب:
من خلال النماذج التي قرأت، يمكنني القول، أن المقطوعة السردية، قصة قصيرة تعتمد الإيحاء والشاعرية، وذلك من خلال رسم صور فنية غاية في الجمال والبهاء، تنوب بذكاء عن تقنية السرد العادي، وتبلغك مايبلغك إياه السرد الواضح ، من عقدة وحل وانفراج، وكذا توفر مايوفره السرد عموما من استمتاع وتفاعل وتأثير على القارئ …
فعلا إنها جنس مستقل بذاته، وإن كانت خاضعة لجنس القصة بشكل أو بآخر، لما توفر لها من خيط حكي ناعم، ورغم شفافيته ونعومة تشكيله الدقيق، لاينقطع، بل يظل خيط السرد القصصي ظاهرًا، لكن كظهور الهلال في ليلة غائمة، إذ أن المقطوعة، تأخذك على محمل الاستمتاع دون أن تفتقد جسر الحكي الجاد، وهو بذلك أشبه بالهدية الماسية المغلفة بورق من حرير مرصع بنجوم عقيق تتلألأ، ومخملي أعشاب شديدة الفوح، لما تعتمده من تحفيز للمخيلة، وذلك من خلال سلسلة من الصور الشديدة الرهافة والتماسك، والتوليد المسترسل، فصيغة استنبات المفردات من بعضها، تعطي إحساسًا بضمان تتابع النسق، دونما حاجة للقلق بشأنه، فثمة عقدة وحل وانفراج، وتصاعد وصراع درامي مبطن، والمقطوعة انتُهجت بهذا نهج، القول السردي غير المباشر، تمامًا كالنظر إلى الأشياء على المرايا، أو على صفحة الماء، عالم يعتمد على صناعة زواياه وأبعاده، بتقنيات الحلم والإيحاء، فيغدو الرمز والخيال، والتشبيه والتصوير مبعث أحاسيس تخلف في نفس القارئ شعورًا بالاطمئنان، للفهم، والركون للمعنى المراد تبليغه، معنى هو في مخيلة الكاتب، خط شديد الوضوح، مما يمنحه القدرة على الاحتفاظ بوهج المضمون، أشبه بشعلة نار لاتنطفئ رغم برودة الجو وعصف الأنواء، لكن الكاتب يرفض أسلوب المباشرة، وتقنية التدقيق وكل هذا لكي يضمن انسياب الحروف، أشبه بمحارات كوكبية تسبح في عمق بحر من الرؤى اللا متناهية.
المقطوعة السردية، ابن شرعي مهذب و مطيع للسيدة القصة، أو جار لها، فهي استغراق نوعي في الذاتية، وهي مشاغبة لطيفة للمحسوس والملموس معًا، وهي أيضا جسد شديد الكثافة خفيف الوزن، كثير الإيحاء والإحالة على وصف كلما كثرت ألوانه، ازداد غوصًا في النفس وتأثيرًا فيها .
لم ألاحظ في المقطوعة السردية، شخصيات ثابتة ولاحوار، فقد كتبت بطريقة بعيدة عن الإنشائي والإخباري، فيها من جمال الخاطرة، ورهافة الشعر، وتماسك السرد، مايمنحها ذاتها المستقلة، فيحق لها بذلك أن تكون جنسًا أدبيًا متفردًا بذاته ، محتفيًا بكيانه الخاص .
وكخلاصة يمكنني القول أن الكاتب الدكتور عبد الرزاق عودة الغالبي، استطاع أن يأتي بجديد، مقبول ومرغوب، يمتاز بالقدرة على الانسلاخ نسبيًا عن الأجناس الأدبية الأخرى، وفيه من الإخلاص القدر الوافر للغة والهوية العربيتين، وهو
أيضا تمرد على العادي، الممل، المليء بالإطناب، و الذي تفضحه سمات التصنع في تركيب المفردات، ونحت الصور.
المقطوعة السردية عمل يستحق الثناء، والإقرار بأنه جنس أدبي قائم بذاته …
5-رأي الاستاذ مراد دروزي/ المغرب:
المقطوعة السردية تبحث لنفسها عن موقع وموطئ قدم في ساحة الأجناس الأدبية الأخرى، هل هي حاجة أم ترف ؟ سؤال يفرض نفسه والساحة تعج بالكثير من النماذج الإبداعية ؟ هل المقطوعة السردية حصة من شيء أو جزء من سرد لم يكتمل نموه ؟ أم هي تعبير لحالة نفسية وجدانية ذهنية وسيلتها الكلمة الجميلة وضخ جملة من الصور الجمالية والمعاني … ؟ أو هي انعكاس لتجربة واقعية يقف من خلفها المؤلف معيدًا، أخرج فصولها ضمن بناء جمالي يثوي خلفه أفكارًا قدت على مقاس إيحائي جدًا ورمزي جدًا وخفي جدًا وزئبقي جدًا … والقليل من يحسنون سبر أغوارها, هذا إن وفقوا في ذلك لأنها صعبة الولوج, فهي مغرقة في الذاتية وخاصة جدًا .
من هنا أقول : إن المقطوعة السردية خاطرة بامتياز, ومايميزها أنها من تأليف الدكتور عبد الرزاق عودة الغالبي وقد أبدع فيها . علينا أن نطرح سؤالًا آخر، من أين تأتي الأجناس ؟ بكل بساطة من أجناس أدبية، والجنس الجديد هو دائمًا تحويل وتحوير لجنس أو عدة أجناس أدبية سابقة عن طريق الاجتهاد والتغيير والقلب والزخرفة والتوليف … وهو عمل فانتازي أي تأليف وصياغة بشكل معين وفق خيال ورؤية المؤلف نفسه، وهذا ما برز بشكل واضح في [ تيه في عينيها – بقايا من ذكريات – العشق الرقمي ] نصوص جذابة تلمس واقعًا في قلوبنا فتجذبنا جذبًا لنعيش معها في أدق تفاصيل مشاعرها, من خلال أسلوبها الجميل الرائع جدًا وفيها قدر كبير من العمق والتركيز والغوص بين فجج النفس البشرية بدرجة انزياحية كبيرة جدًا يشق على مبتدئ مثلي سبر أغوارها السحيقة، فهي كمن يشرب ماء دون أن يذهب الظمأ .
6-رأي الأستاذة مجيدة السباعي/ المغرب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بادىء ذي بدء أحيي الأديب المبدع القدير الدكتور عبد الرزاق الغالبي ألف تحية وسلام، فلايسعني إلا أن أقول ما شاء الله ،وأنحني احترامًا أمام مقدرته الأدبية
الفذة هذه, وتفوقه في تركيب أساليب مدهشة ومعاني راقية وتراكيب تتدفق شلالات بهاء معتق.
والأروع أنه أهدى به لونًا أدبيًا جديدًا ارتأى أن يجعله بين القصة والومضة و ما أروع أن ننوع في أساليب ترجمة أحاسيسنا وعواطفنا بمنحى جديد راق ساحر يكسر رتابة القديم . لكن أرى أن لهذا اللون الأدبي الجديد أسلوبٌ فلسفيٌ عميقٌ مغرقٌ في جمالية الكلم ورونق المعنى, وجدٌ موغل في الدلالة والترميز ومثقل بالإيحاءات كأنه مُهدى للنخبة من المثقفين الكبار فقط …
سوف لن يجنح لقراءته في نظري إلا ثلة قليلة من القراء، وقد لاينهون أمام ظروف هذا الزمان المشاكس والحياة اليومية العسيرة.
فاللآلىء لايقتنيها إلا القلائل المميزين.!
7- رأي الأستاذ محمد لطفي/ المغرب:
أعترف أنه جنس أدبي، ينضاف إلى الأجناس الأدبية الفنية الأخرى، غير أنه ليس بالقصة وماهو بالخاطرة ولا هو بالومضة. يستحق أن نسميه بالمقطوعة السردية ،لظهور وانسياب عنصر السرد فيه، فهو جنس أدبي قائم بذاته، ومستقل بذاته، لون فني منفتح قادر على استيعاب القضايا الوجدانية والمعرفية التي يعيشها الإنسان. قادر على استيعاب التطورات والمستجدات و الايقاع السريع للحياة الراهنة..المقطوعة السردية لون أدبي فني مبتكر هنيء لمبتكرها وله براءة الابتكار, إنه الأستاذ عبد الرزاق عودة الغالبي.
8-رأي أستاذة سميرة شرف/ المغرب:
إذا كان الأدب عمومًا تعبيرًا عن ذات المبدع في إطار ذاتي و موضوعي يستمد مشروعيته من جدواه كأداة فعالة ضمن أدوات التنفيس للتثقيف و التوجيه و الترفيه و الإشراك…فإنه لاشك أن الجنس الأدبي يدخل في إطار اختيارات المبدع لقناة تصريف إبداعه, ليجد له جمهورًا واسعًا يتفاعل معه بالاستحسان و الترقب لمستجداته على الساحة.
وكل ما صدر عن الإنسان من إبداعات قادته إلى تصنيف الأجناس من واقع الضرورة إلى تحديد مجال الإتقان و التمكن من أدواته و البراعة فيه والولاء له…فنجد الشعراء و الروائيين و القصاصين و المسرحيين وأصحاب الخواطر و الزجالين…وكل منهم يحاول الوفاء لجنسه معتبرًا إياه رقعة بحدود معلومة و ضوابط ممكنة لجودة إبداع تندثر كلما ابتعد عنها بالزيادة أو النقصان…
وعندما نفكر في ابتكار جنس أدبي جديد فإن حتمية التوالد تتراءى في أفق المنظر لهذا الجنس ..إذ لن ينجبه لقيطًا و من فراغ…لابد له أيضًا من وعاء يحتويه و اسم يشار به إليه في محاولة فرزه و استقلاليته عن الأجناس المتواجدة …حسنًا(المقطوعة السردية) سأتناول بالتحليل هذه التسمية:
المقطوعة لفظ اشتقاق من عائلة القطع و الاقتطاع و التقاطع و القطيعة ..وهي دالات تعود في حمولتها الى الجذر(قطع) فإن كانت (مقطوعة:وهو اسم مفعول)فقد مورس بها فعل القطع فصارت كذلك (مقطوعة)…ويكفي هذا اللفظ ليتضح للمتلقي أن ما سيقرأه هو بعض من شيء ارتأى صاحب الابداع أن يغنيه عنه بما سيوفره له من عوامل التكثيف و الزخم في السرد باعتباره ركيزة اساسية في التسمية(المقطوعة السردية)..
وهنا ستفرض على المتلقي القديم لهذا الجنس الجديد مساءلة الاختيار نفسه عن قيمته الأدبية مهما بلغت جودتها في إقناعه أن ما يقرأه جنس جديد!!! فيهيم في قراءته في عوالمه المألوفة مما عرفه سابقًا على أنه أقصوصة أو خاطرة …ولا شيء في( المقطوعة السردية) سينبئه أنه أمام جنس جديد اللهم انتزاع كم أكبر من إعجابه و استحسانه لجودة عمل ارتقى شيئًا ما عن المألوف لديه…
سيكون لزامًا على المبدع لهذا الجنس أن يعلن عنه في دفة الكتاب إلى جانب اسمه دون الوثوق التام أن المتلقي سيستعذبه لأنه فقط (مقطوعة سردية) لأن خلفيته الثقافية مشبعة بالأجناس الثابتة لديه والواضحة أمامه دون حاجة له في خليط الأجناس…
وأخيرًا هذا كله لا يمحو رغبة الدكتور الغالبي في إغناء الساحة الثقافية العربية بجنس جديد ينضاف إلى قائمة الأجناس والتي كما صنعت لها جمهورًا..نطمح أن يولد هذا الجنس الجديد فئة تجد فيه ضالتها من متعة الإبداع المخلص لروح العصر و التي تسعى إلى السرعة و الاختصار…
9-رأي الأستاذة شامة المؤدن/ المغرب:
السلام عليكم ورحمة الله
أتقدم بتحية خاصة للأديب الكبير والمبدع المتميز الناقد عبد الرزاق الغالبي .بالنسبة لهذا اللون أو الجنس الأدبي الجديد : المقطوعة السردية وبعد قراءتي المقاطع الثلاث أرى أنها تتموقع بين الخاطرة والقصة القصيرة. جاءت بلغة ثرية غير مستهلكة، غير متكررة وتعلن إبداع صاحبها. كتابة بها نوع من التميز والارتقاء باللغة لكنها غير قريبة للفهم للقارئ العادي. ستكون المقطوعة السردية ثورة حقيقية وفي صالح وخدمة اللغة العربية. وفقكم الله .
10-رأي الأستاذ سعيد نعانع/ المغرب:
أنا كذلك من جهتي أبارك و أقر بهذا النوع الجديد من السرد إلا وهو المقطوعة السردية لصاحبها الدكتور عبدالرزاق، و تمنياتي أن تحظى بالمباركة و التبني و الانتشار كصنف بيني، بين الأقصوصة و الخاطرة، فأنا أرى أنها تدمج أكثر من جنسين : الخاطرة و الأقصوصة و المقامة و المقالة و الرسالة مع كثرة المحسنات و الانزياحات و الأساليب البلاغية و كثرة المضامين و الموضوعات في طرح متسلسل يراعي الانساق الفكرية و الوجدانية، على أي، لكل طرح مآخذه و علله و علاته و سيتضح ذلك عبر الإنتاجات اللاحقة لهذا الجنس الأدبي، نتمنى للمقطوعة السردية آفاقًا واعدة في إثراء المجال الأدبي العربي و الله ولي التوفيق.
11-رأي الأستاذة ابتسام الخميري/ تونس :
بخصوص المقطوعة السردية
لقد أطل علينا الدكتور الراقي عبد الرزاق الغالبي بجنس أدبي جديد من حيث التسمية.. و منذ قراءة المقطوعات الثلاث نلحظ أن اللغة شاعرية منتقاة بحرفية كبيرة و لا عجب أن كاتبها قيمة ثابتة و فاعلة في عالم النقد و الإبداع..
تتسرب إلينا بسهولة غزارة الصور المتراوحة بين الشاعرية و الواقعية.. فيحضر في الأذهان ما ذكره لنا الدكتور :مرسل غالح العجمي( أستاذ النقد الأدبي جامعة الكويت) حين عرج على القصة الكويتية.. فقال: القص بوصفه فعلًا سرديًا شاملًا في التجربة الإنسانية.. و القص شامل شمول الحكي في الحياة الإنسانية.. ثم اضاف ثلاث معايير: ماهو يتعلق بالحجم و الزمن و اللغة المستخدمة”. و نحن نقرأ المقاطع نكاد نجزم أنها قصة حداثية خاصة, و أنه ظهر الجيل الثالث في تونس.. كما أوضح لنا د. محمد القاضي في دراسته:” إنشائية القصة القصيرة”. بقوله: القصة القصيرة من حيث هي جنس حواري قادر على احتواء نصوص متنوعة.. من حيث هي تعبير نثري له بالشعر مشابه كثيرة.. إن التجاء القصة القصيرة إلى أسلوب التشبيه من خلال التركيب و أسلوب الاستعارة من خلال التماثل.. و أسلوب الكناية من خلال الحوار يغدو ركنًا أساسيًا من أركان أدبيتها.. “.
هكذا نتراجع عن القول بأننا أمام قصة و إن غلب السرد.. فما جنس هذه المقطوعات؟!؟
نجد أن الشروط غير مكتملة و إن تظهر لنا الفكرة واضحة حينًا غامضة أحيانًا أخرى.. كما نلحظ أن البناء الجمالي يغيب فيه السرد و إن بدا الحوار باطنيًا بين الشخصية المركزية..
و نحن نبحر مع الجمل نستشعر قربها من الخاطرة.. من حيث التكثيف و كثرة المحسنات البديعية من صور و استعارات و كنايات.. لكنها تقطع مع الإيجاز و القصر.. و تجنح نحو بعض التفصيلات الفنية الخاصة..
إذن بين السرد الجميل بلغة شاعرية مكثفة و تعدد الصور. تغلب أحيانًا الموسيقى الشعرية و الانزياح نحو الرمز و الخيال يغلب.. إلى جانب مقياس القوة الطاغي و الجدة و الابتكار ملموسين بقوة.. يجعل منها مقاطع سردية تنضاف إلى الأجناس الأدبية و قد يختص بها من له قدرات هائلة في التعبير و الوصف و اللعب بالكلمات إن صح القول..
فهنيئاً للمبدع المتميز الناقد عبد الرزاق الغالبي بالمقطوعة السردية كجنس جديد..
الخاتمة :
أتمنى أن أكون قد وفقت لما يخدم لغتنا العربية, وأدبنا العربي الراقي, بعيداً عن التقليد غير الواعي وغير المدروس لأجناس أدبية دخيلة وبعيدة كل البعد عن لغتنا الألفبائية ( الهجائية) وخصوصياتها, وبذات الوقت نبين أن حركة التصحيح والتجديد والابتكار بكل مؤسساتها لا يقف حاجزاً ضد التجديد والابتكار, بل ستكون رائدة ومنتجة لعقول مترعة بالإبداع الأدبي ليست بحاجة للرطانة الأجنبية, شريطة أن تكون تلك العقول مرتكزة فكرياً على أسس وحدود علمية ونقدية بحتة, من منطلق أن النقد عرّاب الأدب, والأدب عرّاب المجتمع.
عبد الرزاق عوده الغالبي