خاص : ترجمة – لميس السيد :
إشتعلت الأزمة الدستورية بين إسبانيا وإقليم كتالونيا المطالب بإنفصاله عن الدولة.. وفي خطوة لم يسبق لها مثيل منذ إستعادة الديمقراطية في عام 1978، أعلنت الحكومة الإسبانية تعليق الحكم الذاتي في كتالونيا، وقد وافق البرلمان الكتالوني على إعلان إنفصالي من جانب واحد، الأمر الذي قد يؤدي إلى سجن المسؤولين الكتالونيين لمدة تصل إلى 30 عاماً.
فماذا يأتي بعد ذلك ؟.. تطرح صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية ثلاث سيناريوهات محتملة لإعادة تعريف العلاقات بين كتالونيا وإسبانيا وإيجاد حل طويل الأجل للنزاع، حيث كانت الخطوة الأولى للحكومة الإسبانية هي حل البرلمان الكتالوني والدعوة لإجراء انتخابات إقليمية مفاجئة في 21 كانون أول/ديسمبر المقبل.
السيناريو الأول: مركزية السلطة في إسبانيا..
عندما أعلن “الحزب الشعبي الإسباني” إستعادة السيطرة على الحكومة الإقليمية والشرطة والبيروقراطية وأجهزة البث العامة، كان ذلك خياراً خطيراً يحدث لأول مرة منذ عقود.
“هل سينجح النهج القانوني لإسبانيا ؟”.. إعتقد السياسيون الإسبانيون أن دعم الانفصاليين مؤقت ومتغير، ومع ذلك منح 48 في المئة من الناخبين في الإقليم أصواتهم للأحزاب الانفصالية في الانتخابات الأخيرة.
وتعتقد مدريد أن حالة التأييد للانفصاليين المنتشرة في الإقليم لن تستمر طويلاً، وترى أن الأحزاب الانفصالية عملت على تأجيج مشاعر الغضب تجاه الحكومة، في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية لعام 2008، وإنتشار فضائح الفساد التي أثرت على سياسيين مرتبطين بالحكومة المركزية والمملكة.
إذا كان هذا هو الوضع المحتمل حدوثه، فإن أفضل رد هو الإنتظار حتى تهدأ المشاعر المتأججة، ثم تقوم مدريد بقمع الأحزاب والجمعيات التي أشعلت المعارضة في إسبانيا من خلال إستعادة السيطرة على مواردها المالية، وإعتقال القادة الإنفصاليين.
وفي الواقع، يعتقد المسؤولون في مدريد أن هذه الاستراتيجية أثبتت نجاحها في إحتواء “القومية الباسكية” قبل عقدين. وبدلاً من التفاوض على إتفاق سياسي، قررت مدريد إضفاء الطابع القانوني على الأحزاب السياسية الباسكية التي تزعم أنها مرتبطة بالإرهاب ومقاضاة قادتها.
وعلى الرغم من أن الكتالونيين لم يظهروا أي سلوك عنيف بشكل مبالغ فيه، فإن تكلفة القمع الجسدي للناخبين الإنفصاليين السلميين وسجن السياسيين والقادة المدنيين تبدو مناسبة وغير مُكلفة للحكومة المركزية. ويوافق الرأي العام الإسباني إلى حد كبير مع هذه الاستراتيجية، وتدعم المفوضية الأوروبية الحكومة الإسبانية.
وترى الصحيفة الأميركية أن القمع القانوني يمكن أن يزيد الوضع سوءاً. وقد وجدت أبحاث العلوم السياسية أنه عندما تقوم دولة قمعية بإبعاد قدرة المواطنين على إختيار حكومتهم الخاصة، فإن شعور المواطنين بالإهانة والتظلم يمكن أن يرسخ الصراع بل ويتحول إلى عنف.
السيناريو الثاني: مزيد من اللامركزية..
تقول الصحيفة الأميركية أن خيار اللامركزية غير مطروح في الأزمة الحالية؛ لسببين: عدم الثقة الكتالونية وإنعدام الدعم السياسي الإسباني لتحقيق اللامركزية الحقيقية.
وتبين البحوث أن اللامركزية لا تسترضي بالضرورة النزعات الانفصالية إذا كانت الأطراف الإقليمية قوية بالفعل. وعلاوة على ذلك، بمجرد تصاعد الصراع الفيدرالي حتى هذه النقطة، يميل الانفصاليون إلى رؤية اللامركزية بأنها “غير كافية أو مشبعة لميولهم”.
كما أن العديد من الكتالونيين من غير المرجح أن يثقوا بهذه الوعود، لأنه في عام 2005، صوت 89 في المئة من برلمان كتالونيا لإقتراح اللامركزية الذي مكن كتالونيا من جمع الضرائب مباشرة، وعلى الرغم من الوعود، فإن الحكومة الإشتراكية الإسبانية، في ذلك الوقت، أسقطت الاقتراح في البرلمان الإسباني.
وبمجرد ما كان من التوقيع على قانون جديد أقل طموحاً بشأن الحكم الذاتي الكتالوني والتصديق عليه في إستفتاء شعبي في عام 2006، طعن “حزب المحافظين” في إسبانيا على الصفقة، مما دفع المحكمة الدستورية إلى إعلان بعض مبادئ القانون الغير دستورية في عام 2010.
كل هذه الخيانات دفعت العديد من الكتالونيين إلى الاعتقاد بأن إسبانيا لا يمكن الاعتماد عليها لتحقيق اللامركزية، وربما لديهم سبب وجيه لهذا الاعتقاد، حيث ستتطلب الخطوة الأهم إصلاحات جادة في نظام الإدارة المالية في إسبانيا.
وتظهر الأبحاث أن عدم التطابق هذا مرتبط بالعجز والتضخم وضعف الأداء الاقتصادي، حيث إن الخلل بين الخدمات التي يتعين على المناطق الإسبانية إدارتها والإيرادات الضريبية التي يمكنها التعامل معها من تلقاء نفسها هي الأعلى بنسبة 30 في المئة من الدول والمناطق في البلدان اللامركزية الأخرى مثل “ألمانيا وسويسرا والولايات المتحدة وكندا”.
هذا التطابق هو أحد مظالم كتالونيا، مما يعطي النخب الإقليمية أسباباً معقولة لإلقاء اللوم على الحكومة المركزية لفشلها في تخصيص الموارد بشكل أفضل عبر المناطق.
السيناريو الثالث: الاستفتاء القانوني..
إن فرض الحكم المباشر وعدم الإعتراف الدولي يجعل الإستقلال من جانب واحد سيناريو غير واقعي. لكن كتالونيا قد تستمر في البحث عن خيار آخر: إستفتاء ملزم قانوناً، مثل “إسكتلندا” في عام 2014 و”كيبيك” في عام 1995. وفي دراسة استقصائية هذا العام، يؤيد 72٪ من الكتالونيين هذا الخيار.
هل ستوافق إسبانيا على الاعتراف بهذا الاستفتاء ؟.. يتطلب القيام بذلك تغييراً جذرياً في الموقف داخل الحكومة المركزية وتطبيق الإصلاحات الدستورية، علاوة على أن غالبية المواطنين الإسبان ترفض فكرة إجراء استفتاء.
وسيكون إجراء استفتاء على الإستقلال أمراً بالغ التعقيد، وقد لا يكون ممكناً إلا بالوساطة الدولية. ويتعين على جميع الأطراف أن تناقش وتتفق على ما سيؤدي إلى نتيجة صحيحة ووجود مستوى عال من الإقبال على المشاركة بشكل غير عادي كي يحقق فصيل الاستقلال أغلبية 60 في المئة – بمعنى أنه إذا صوت 57 في المئة من أجل الاستقلال، فإن كتالونيا ستبقى جزءاً من إسبانيا – ما يمكن أن يؤدي إلى تفاقم مشاعر التظلم التي أدت إلى الأزمة الحالية.
وتتوقع الصحيفة الأميركية أن عدم تطبيق أي من متطلبات إنعقاد الاستفتاء السابقة سيؤدي إلى توليد ما يكفي من الدعم في الانتخابات الإقليمية القادمة، فإن الخيار الأخير لكتالونيا سيكون الجمود والفوضى الإجتماعية.