خاص: قراءة- سماح عادل
أهم ما يميز رواية” لائحة رغباتي” للروائي الفرنسي “غريغوار دولاكور” ترجمة معن عقل، إصدار المركز الثقافي، أن الكاتب استطاع الغوص في ذات المرأة والتعبير عنها ببراعة، فقد استطاع تصوير مخاوف وأحلام ورغبات وحتى حماقات المرأة كما لو كان امرأة بالفعل.
الشخصيات..
جوسلين غيربيت: البطلة، وهي امرأة في 47 من عمرها، متزوجة ولديها ابن وابنة، رحلا عن المنزل وبقيت هي وزوجها يعيشان حياة رتيبة لكنها مستقرة.
جوسلن: الزوج، عامل في أحد المصانع كان يعامل زوجته بجفاء، ودوما ما يشير إلى تغيرات جسدها ثم خانها في النهاية ومات.
الراوي..
الراوي في بداية الرواية هي البطلة التي تحكي عن حياتها ونفسها ورغباتها وأحلامها، وكل ما يمور داخلها من انفعالات، ثم وعند اقتراب نهاية الرواية نجد راوي عليم يحكي عن الزوج بضمير الغائب.
السرد..
إيقاع السرد هادئ وبطيء، واللغة بسيطة وعذبة، يتناول الكاتب الأحداث بهدوء ويمهد لها حتى يتوقع القارئ ما سوف يحدث من خلال تمهيدات الكاتب، ربما إيقاع الرواية الهادئ يعكس هدوء الحياة في فرنسا، ورتم الحياة الهادي نسبيا مقارنة ببلدان أخرى مثل أميركا.
المرأة ومرور السنوات..
تحكي “جوسلين” عن نفسها وهي في سن 47، وكيف أصبحت حياتها رتيبة خاصة بعد أن كبر أبنائها واستقل كل منهما بحياته، علاقتها الزوجية فاترة وزوجها يذكرها دوما أنها أصبحت بدينة، وأن جسدها قد تغير، كما أنه لا يهتم إلا بنفسه وبرغباته الصغيرة، تتأمل “جوسلين” جسدها في لحظات الإحباط، تتعرى وتتفحصه وحينها تشعر أنها جميلة، وأن ادعاءات زوجها كاذبة.
هي تعمل في محل لخياطة الملابس، أجبرت على أن تكون عاملة في هذا المحل بعد وفاة أمها المفاجئة حين كانت في 17 من عمرها، وإصابة والدها بجلطة دماغية، رغم أنها كانت تحلم أن تكون كاتبة وأن تكمل دراستها في باريس، لكنها تزوجت من أول رجل قال لها أنها جميلة، واستطاعت بالمصادفة أن تدير المحل بعد موت صاحبته وشراءها له من الورثة.
“جوسلين” امرأة تبدو من بداية الرواية غير سعيدة بحياتها الرتيبة، ومهمومة بكونها تكبر وتعاني من الوحدة، تقوم بعكل مدونة اسمها “الأصابع العشرة الذهبية” وتلقى المدونة اهتماما خاصة من النساء، وتصبح كلماتها إلهاما لهن، وهذا يجعلها تكتسب ثقة في نفسها وتشعر بأن لها قيمة في الحياة، خاصة وأن إنجاح المدونة سبب رواجا لمحل الخياطة خاصتها وأصبح لديها صديقات كثيرات من النساء يلتففن حولها.
المال سبب للشرور..
بإيعاز من صديقتيها المقربتين تشتري “جوسلين” بطاقة يانصيب لمجرد التسلية، وتربح هي الجائزة الكبرى وقيمتها حوالي 18 مليون يورو، ينبئها حدسها بالفوز حتى قبل أن تعرف الخبر، تذهب لاستلام الجائزة وتصر أن تستلمها في هيئة شيك، تضعه في حقيبتها ثم تخبئه في كعب حذائها ولا تخبر أحدا بفوزها بالجائزة، حتى زوجها وابنيها، بعد فوزها مباشرة يجلبوا لها أخصائية نفسية لتؤهلها نفسيا لتقبل الغنى، تخبرها الأخصائية أنها لابد وأن تلزم الحذر لأن المال يجلب المعجبين والمبتزين والطامعين، تزداد مخاوف “جوسلين” وتنحصر مخاوفها في فقدانها لأسرتها المستقرة، وتحول زوجها الذي رغم ذلك يقول أنه يحبها فيصبح حبه زائفا بسبب أموالها، وحتى تحول مشاعر ابنيها ناحيتها، وتفضل كتمان السر أطول فترة ممكنة حتى تستطيع أن تقرر ماذا ستفعل بالمال.
تتحول الرتابة التي كانت تؤرقها إلى سعادة، وتعي أنها سعيدة رغم كل شيء، وأن حياتها مستقرة وتخاف من أن يحول المال هذه السعادة إلى بؤس، وتميل إلى التخلص من الشيك، ثم يذهب زوجها في عطلة مدعيا أنه يتدرب ليترقى في عمله، ثم تكتشف أنه سرق الشيك وهجرها، تشعر “جوسلين” بوطأة الخيانة ولا تستطيع التعامل معها في البداية فتترك محل الخياطة لصديقة لها وتترك المدونة، وتذهب للعيش في أحد الأديرة بحثا عن السلام النفسي، والمعاونة على تجاوز أزمة خيانة زوجها لها وتستطيع بالفعل تجاوز تلك الصدمة.
الخيانة والموت..
ينتقل الحكي إلى زوجها “جو” الذي رأى الشيك بالمصادفة وقرر سرقته، لأنه من خلال خبرته بزوجته يعرف أنها ستدمره، أو تتبرع به لإحدى الجمعيات الخيرية، ويخاف على كل تلك الثروة من الضياع، وتأكد من ذلك بعد أن أخفت عنه الخبر أياما طويلة، فيسرقه ويرحل ويستمتع بالمال على قدر ما يستطيع، يشتري منزلا كبيرا وسيارة كان يحلم بها طوال حياته وساعة من ماركة معروفة، ويبدأ في معاشرة الفتيات الجميلات، لكن لأنه عجوز وبدين لا يجد سوى فتيات بالأجر، يسبب تواصله معهن جفاء أكبر لأن ولا واحدة منهن تحتضنه أو تحنو عليه، ويبدأ الحنين لزوجته يتصاعد داخله، ويكتشف أن حياته معها هي ما كانت تشبعه روحيا ونفسيا، وحتى جسديا، وأن المال لم يجلب له سوى التعاسة والوحدة، أبدى الندم وتمنى أن تعود حياته كما كانت، وأرسل خطابا لزوجته لكنها لم ترد، وقتله الحزن على فقدان حياته الهانئة وتهوره بخيانة زوجته.
حياة جديدة..
“جوسلين” رغم أن خيانة زوجها أصابتها بهزة شديدة إلا أنها استطاعت تجاوزها بالحب، تذكرت أحد الرجال الذي أبدى إعجابا بها في الماضي لكنها قاومته، لأنها لم تكن تنتوي خيانة زوجها، هاتفته وبدأت معه علاقة حب، كما اشترت منزلا كبيرا حيث أرسل زوجها باقي المال بعد شعوره بالندم، وعاشت مع أبيها المصاب بالزهايمر، وأعطت لابنيها المال وتقربت من ابنتها، واستطاعت أن تعيش حياة جديدة أصبحت أكثر إشباعا لها ولم تسامح زوجها على فعلته فقد ترك لها رغم شيء ندوبا في روحها.
الكاتب..
“غريغوار ديلاكورت” كاتب الفرنسي ولد في 1960 في “فالينسيانس”. حصل على شهادة البكالوريا في “ليل” ثم بدأ دراسات القانون في “غرونوبل”، عمل في مجال الإعلان في عام 1982، و أنشأ في عام 2004 مع زوجته “دانا فيلب” وكالة الإعلان الخاصة به.
نشر روايته الأولى في سن الخمسين، ورغم ذلك حققت رواياته نجاحا كبيرا، فرواية “لائحة رغباتي” أصبحت من أكثر الكتب مبيعا، وتحولت إلى فيلم سينمائي، كما مثلت في مسرحية في فرنسا.
من رواياته “أول شيء ننظر إليه”، و”يمكننا أن نرى أن السعادة” التي صدرت في 2014، وحصلت على لقب “أفضل رواية لعام 2014” التي منحها الصحفيون الباريسيون.