6 مارس، 2024 2:19 م
Search
Close this search box.

مع كتابات.. خليل حشلاف: كل الروايات الكبيرة هي بالضرورة اجتماعية

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص: حاورته- سماح عادل

“خليل حشلاف” روائي وقاص من الجزائر، حصل على عدد من الجوائز الوطنية في القصة القصيرة، له رواية (أقصى الأشياء) 2005، ورواية (عاصفة الجن) 2013، وقصص (كاتب الديوان) 2013.

إليكم الحوار:

“كتابات” متى بدأ شغفك بالكتابة وكيف تطور؟                                 

* ليس له وقت أو مكان يولد حيث أنا، إحساس غامض يتشكل مع أغنية أو أو ملمح ممثل على مسرح أو منصة، رغبة أن أرسم شيئا بأشكال مختلفة، شيئا لم يلفت انتباه الآخرين من قبل في الماضي أو الحاضر يظل يحاصرني بظلاله، ربما تهرب منه درء لفضيحة إنسان يجلس أمام رهبة البياض: مع الزمن تجد أن خلايا في جيناتك تقهر كل توقف نهائي عن الكتابة.

“كتابات”كتبت القصة القصيرة هل يمكن اعتبارها خطوة أولى نحو الرواية؟

* نعم كانت القصة القصيرة إرهاصا أول لحلم كتابة رواية أشمل، هي قيد المخاض أو ربما هي حمل كاذب من أجل درب الكتابة الوعر، لأنه لا يمكن أن يحقق كل كاتب ما يأمل من الكتابة، لتظل بهجة الحلم متواصلة بعنفوان البدايات، وصبا طفل يلهو بسرد حكاية انتظارا لنضج يكبر فيه الكاتب ليصبح روائيا مجيدا.

“كتابات” في روايتك “عاصفة الجن” تناولت بداية زحف التيار الديني على السلطة في الجزائر.. حدثنا عن ذلك؟

* كانت تلك الرواية القصيرة محاولة للنظر من أعلى الجرف على واد الثعابين، وإن كانت نظرة ربما استعلائية من مثقف يقرأ السياسي من منطلق صراع طبقات اجتماعية على السلطة، وكيف أن لكل نخبة مبررات لتواجدها بعنف في لحظة صدامية، وإن كشفت أن الكل يريد مصلحته من منطلق البقاء أو الفناء مع الآخر في حرب وجود، كانت كل الأطراف تفكر أنا أو الطوفان أو بالأحرى لا تفكر، بل غريزة ردة الفعل هي الفاعل الوحيد في وعيها، انبنت الرواية على فكرة أن هناك إشكال قديم جديد في مفهوم السلطة، وأن ما حدث وعبر التاريخ هو النتيجة الوحيدة لأن لا أحد طرح الإشكال سياسيا أو فقهيا.

وظل مفهوم الحصول على السلطة أو المحافظة عليها هو ذاته وعبر الأزمنة ”اقتل ثم اقتل ثم اقتل” شعارا للجميع، تسأل عن ماهية السلطة وتجليات ذلك نفسيا واجتماعيا وتاريخيا، كل يدور في فلك متى تأتي فرصتي للحكم؟، وماذا ينتظر مني المغلوبين على أمرهم؟ من هذه الأفكار أحلت الأبطال إلى غرائزهم البدائية كإشارة إلى فكرة: من نحن سياسيا؟ وتظل الرواية مفتوحة على معالجات عديدة في أجزاء أخرى ممكنة جدا.

“كتابات” في رواية “عاصفة الجن” كان التاريخ موجودا باعتباره أساس للحاضر.. ما سر اهتمامك بالتاريخ؟

* ربما تقصدين التاريخ غير الرسمي أو المسكوت عنه، إذ شغلت بعض الفصول بحكاية شعبية كأساس بنيوي للحاضر كما صرحت أنت في سؤالك، وإن كنت لم أوازى بين التاريخ فنيا فقد كانت المقطوعات الحكواتية عائمة قليلا أو كثيرا، يعود هذا إلى مفهوم الناقد للكتابة الروائية والحكاية الشعبية، وكيفية الاستعانة بالفنون الأخرى روائيا، أما فيما يخص التاريخ الذي كنت أفكر فيه كمعطى ضروري لمتانة النص فنيا، فأنا أدرك مدى احتياج ذلك من أجل إعطاء مصداقية لفضاء الرواية، ينعكس ذلك على وحدة بناء الشخصية وجذورها في أرض براح، لأن التاريخ وإن كانت ملامحه غير واضحة في الرواية، أو مشتت بين طفولة الأبطال وطبقتهم فالكاتب ملزم بالاستعانة به، وكلما أثبت تاريخية الحدث حتى وإن حاضرا فإنه يسهم في بناء شخصيات لها عمقها النفسي، وتعدد منابع روافدها الذاتية والموضوعية، أي أن ذات البطل متعددة ومركبة، وليست حالة عابرة أو آنية، هذا ما يجعل النص أكثر أو أوسع من حياة الشخصية.

“كتابات” هل تؤمن بدور الرواية الاجتماعي وهل يجب أن تتناول الرواية قضايا المجتمع؟

* أكيد للرواية دورا اجتماعيا، ولكن ليس بالضرورة أن يكون من ناحية واحدة، بل دورا سياسيا ونفسيا وتاريخيا، الأدب يصحح المفاهيم ولن يحدث ذلك إلا بشروط فنية، أي أن الأدب فن قبل أن يكون درسا في تعرية اجتماعية، أو درسا يعالج حالة نفسية، أو سياسية أو تاريخية، على الفنان أن يكون صانع إنسان حي ومن صلب المجتمع، بمعنى أن لا يكون عائما كما حدث لبطل رائعة “رشيد بوجدرة” “الحلزون العنيد”، لأن البطل في هذه الرواية طريف ومتخيل ولكن يمثل ذات الكاتب الاستعلائية، وهنا نفترق مع الآداب العالمية التي جذرت أبطالها في صميم الأمة كما فعل “شكسبير” مع “هملت” أو “أوديب” كأبطال أحياء، يفعل ذلك الكاتب المحترف أو لنقل العبقري، هذا هو إشكال الرواية الجزائرية وبعض الرواية العربية، والتي لا نجد نقادا عربا يعالجونه نقديا.

أعود إلى سؤالك هل يجب أن تتناول الرواية قضايا المجتمع؟ جوابي أنه  ملح وضروري أن يحدث ذلك، وكل الروايات الكبيرة هي بالضرورة اجتماعية، ولكن ليس بمفهوم أن تعالج حياة أسرة بوصفها أو تتبعها فحسب، بل أن يكون ذلك بطرح قضايا مجردة قبل الكتابة، تكون واضحة المعالم في ذهن الكاتب، وكأمثلة لذلك حتى لا نذهب في التعميم و النظرية ماذا كانت فكرة أية رواية وصلت إلى العالمية؟ ألم تكن اجتماعية؟ بدء من رواية “المسخ” ل”كافكا” التي تعالج قضية اجتماعية بسيطة هي كيف يتحول الابن إلى حصالة في أسرته المكونة من: الابن، الأم، الأخت، صاحب العمل ثم الأصدقاء؟ كيف يتحول الكائن البشرى إلى جيب، ومدى تأثير ذلك على أسرته والأقرباء والمستخدم، وإذا رفض ذلك ماذا سيحدث له؟ مثال أخر من رواية ”العطر” ألم يكن البطل ابنا ولد في الشارع، في سوق السمك الذي غمر أنفه بقوة تلك الرائحة، التي جعلته يملك حاسة شم قوية، وتبناه أب إحدى الكنائس وربته كاهنات، ثم أًصبح خادما وعاملا عند عشاب، ثم صانع عطور، كل هذه الأحداث توضح لنا مجتمعا له تجلياته السياسية والاجتماعية، ومنه نعرف نفسيات أبطاله وتوجهاتهم وأفكارهم عن الحياة والموت والدين والمعاملة والأخلاق؟.

أريد أن أقول لا توجد رواية عميقة وناجحة إلا ووراءها حياة مجتمع وأفكاره وكل تجلياته، ولكن المعالجة هي التي تفرق بين كاتب وآخر، وحصر الأدب في حيز اجتماعي أو نفسي أو تاريخي يضر بقدرة الكاتب لأن الرواية هي الحياة ونبضها وهي هذا الكل جميعا.

“كتابات” من هم الكتاب المفضلين لديك.. وهل تأثرت بأحد؟

* يظل كتابا بعينهم مفضلين لدى كل كاتب لأن تأثيرهم كان كبيرا، وقد يتغيرون من مرحلة إلى أخرى حسب نضح الكاتب، تأثرت في الصبا ب”جبران” و”المنفلوطي” وكان تأثيرهم مراهقة أدبية، ثم في مرحلة كان ومازال “نجيب محفوظ”، “ديستويفكي”، “تشيكوف”، … وكلما زادت معارفي وقراءاتي توسعت شبكة من تأثرت بهم، وإن كان ذلك لم ينعكس بالضرورة على النصوص التي كتبتها وظل تأثيرهم ذهنيا، كما أن “كافكا” و”ماركيز” و”خوان رولفو” أبهجاني بطرائق تعبيرهم المتمردة على عمود الرواية الكلاسيكية وخلقوا في تفكيري إمكانية المغامرة، والآن أنا أقرأ كثيرا للروائي العالمي “إبراهيم الكوني” واعتبره عراب الرواية العربية الجديدة، وإن كان تأثيره غير واضح في نصوصي ولكن أضع أعماله بقربي، وفي كل مكان من مكتبتي كقوة أو طاقة تحيطني، مستعينا بها كتعويذة من “تسونامي” رواية البوح أو رواية دعاية أيا كانت أخلاقية أو حزبية.

“كتابات” ما رأيك في حال الثقافة في الجزائر؟

* لا يوجد ثقافة أو بالأحرى لا نملك تقاليد ثقافية وأجواء تعين على النضج والكتابة الإبداعية، بل العكس هو السائد، لأن النظام يرفض أن يكون له مشروعا لبناء إنسان ولا يملك تصورات لذلك، بل السديم والعتمة هو ما يخالج كل تنظيم أو تفكير ثقافي، التظاهرات تقام من أجل سد فراغ ما، وكل حوار أو محاولة للتغيير تذهب سدى لأن وراء وزارة الثقافة واتحاد الكتاب نخبة فاشلة، بل أحيانا تصل إلى حد مقاطعة كل ما هو معرفي أو فكرى، وهذا ما تسير في ركابه الثقافة منذ مرحلة بناء الدولة الوطنية في الستينات، فاعتناق النظام للشمولية شجع كتابات الصدى، أي التي خرجت من ربق توصيات الحزب، وبتوافق غريب أصبحت المؤسسة الثقافية والمؤسسة الدينية متوافقتين على جعل رموز الفكر متورطين في عقائدهم الوهابية، وبمرور الزمن خرجت أجيالا ”إذا تدينت ستذهب إلى اعتناق الدين الوهابي” والدليل في المناهج والتدريس وفي الشارع، أصبح الوهابي ابن باديس والإبراهيمي هما السمة والرمز لكل ما هو فكرى وثقافي.

وقد يستغرب المرء كيف سمحت اشتراكية نخب الدولة الاشتراكية بظهور جمعية علماء المسلمين الوهابية؟ الجواب بسيط إن الضحية هم علماء الزوايا، الذين لطخت صورتهم ومحيت أعمالهم وتراث من الكتب في الفقه التصوفي والوجد والكرامات، و محي مفهوم الدين الحضاري من على الخريطة الثقافية لأن الاشتراكي ينكر الكرامة، أي ينكر التخيل الغريب والحلم. لذا الثقافة الآن هي قحط لأن أصحابها يعتنقون الخطب والشعار هو البلاغة.

“كتابات” هل تلقى الرواية الجزائرية اهتماما في البلدان العربية.. ولما؟

* نعم، هناك أفق انتظار من إخوتنا العرب في مصر والخليج، لأن هناك تاريخ روائي وفني صنعته الأجيال السابقة، وإن كنت أفضل استعمال كلمة ” فضول” من المشارقة يتشرب هواء الرواية المغاربية ككل وليس الجزائر فحسب.

“كتابات” ما رأيك في النقد الجزائري والعربي عامة وهل يواكب حركة الرواية وتطورها السريع؟

* هناك أزمة أخلاق وإنسان قبل أن نتحدث عن النقد بالجزائر، الناقد لا يملك مصداقية لأنه رهن أعماله النقدية لمصالحه الشخصية أو الحزبية أو شللية الضيقة، مرة تفاجأت بنقد موضوعي ومفيد من ناقد متمكن فأثنيت على ذلك الناقد فقال لي: لقد كتبت هذا المقال بعد وفاة القاص، أي أن الناقد لم يستطع أن يكشف ثغرات الكاتب إلا بعد موته خوفا من ردة الفعل، هناك نقد رشاوى من أجل دعوات الحضور للملتقيات، وهناك نقد من تحت الماء، هناك ظواهر غريبة تحدث في عالم النقد الجزائري فيه حتى الجهوية والمحسوبية، هناك من يروج للرداءة من أجل القضاء على الآخرين الذين يختلفون عنه ذوقيا، حروب تدار في دوائر ضيقة للترويج للصمت، لأن الصمت كذلك حربا أخرى ووسيلة ذكية للقتل، الناقد والكاتب والروائي الجزائري كما قلت يعانون من أزمة أخلاق ومصداقية مع الذات والآخرين ولن أقارن حركة الرواية وتطورها مثلا في الخليج أو المغرب الأقصى بما يحدث هنا عندنا، اللهم إذا ركزنا على كثرة الإنتاج الروائي مقارنة بالرواية في سنوات الثمانينات، بحيث لا وجه للمقارنة فقد أحصيت مرة عدد الروايات في عشر سنوات 1980 إلى 1990 ووجدتها أقل من 50 وفي هذه السنة فقط أكثر من 130 رواية، ناهيك عن الرواية المكتوبة باللغة الفرنسية.

” كتابات” الجوائز العربية خاصة في الآونة الأخيرة هل خدمت الرواية العربية أم أضرت بها؟

* أنا متفائل من حيث أن عدد المتنافسين في ازدياد مع كل سنة، لذا أرى أن الجوائز تخدم الرواية العربية، وتخلق حراكا ثقافيا ونقديا، وإن كانت هناك مضاعفات جانبية إذ تخلق راكبي الموجة أو الذين ينتظرون من ينجح ويخمنون سبب نجاحه ثم يكتبون روايات لقيطة.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب